روسيا تفرض قواعد اشتباك جديدة في سوريا
مقالات | 21 يونيو | مأرب برس :
عمر معربوني – بيروت برس
كما توقعنا البارحة بأن تعمد روسيا الى إعادة نشر منظومات صواريخها المضادة للطائرات، كنّا اليوم امام قرار روسي بإعادة توزيع ونشر بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات مع إحتمال زيادة عدد البطاريات لمواجهة الأخطار المحتملة من قبل التحالف الأميركي، الذي نفّذ مجموعة من الإعتداءات على وحدات الجيش السوري المختلفة.
وقد يتساءل البعض عن جدوى اعادة توزيع ونشر هذه البطاريات، وهو أمر ليس بالعابر ويعتبر رسالة كبيرة جاءت مباشرة بعد إعلان موسكو وقف التعاون مع اميركا ببنود بروتوكول الملاحة الجوية في المجال الجوي السوري، بسبب اسقاط طائرات التحالف الأميركي لطائرة سورية قاذفة من طراز سوخوي – 22 وهي تستعد لتنفيذ ضربة جوية على مواقع جماعة “داعش” بالقرب من مدينة الرصافة التي حررها الجيش السوري بعد ساعات من اسقاط السوخوي.
في حيثيات القرار، من المؤكد انه جاء بناءً على أوامر مباشرة من القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية الرئيس فلاديمير بوتين، الذي اكد مع غيره من المسؤولين الروس تمادي اميركا في استهدافها لوحدات الجيش السوري الذي يقاتل على ارضه وبمواجهة جماعات ارهابية تدّعي اميركا انها تحاربها، ولكن مسارات الأمور تذهب باتجاه مختلف حيث يمكن القول بعد سلسلة الإستهدافات الأميركية للجيش السوري ان سلاح الجو الأميركي يلعب دور سلاح جو لـ”داعش”. وهنا نذكّر بالغارات المتواصلة على مدى 50 دقيقة من قبل طائرات التحالف الأميركي على مواقع الجيش السوري في جبل الثردة، والتي تلتها مباشرةً هجمات واسعة لـ”داعش” خسر الجيش السوري بموجبها مواقعه في جبل الثردة، اضافة الى ارتقاء اكثر من 100 شهيد بالضربة الجوية الأميركية. دون أن ننسى الإنزال الذي نفّذته القوات الأميركية والكردية شمال الطبقة لقطع الطريق على الجيش السوري ومنعه من التقدم باتجاه الطبقة والرقة، مع التذكير ايضًا بسلسلة الضربات التي تعرضت لها وحدات سورية وحليفة بالقرب من معبر التنف والضربة الصاروخية لقاعدة الشعيرات واسقاط الطائرة القاذفة قرب الرصافة.
هذا على المستوى المباشر، أما على المستوى غير المباشر فقد تمّت مراقبة اكثر من عملية اسقاط مظلي لأسلحة ومعدات من طائرات أميركية وتسهيل مرور ارتال “داعش” ضمن مناطق تراقبها أميركا، وكذلك عقد اتفاقيات مع “داعش” تسمح لها بالإنسحاب من الرقة بشرط التوجه الى محيط تدمر والسخنة ضمن ارتال كبيرة استطاعت الطائرات السورية والروسية تدمير معظمها.
وعليه، فإنّ كل ما تقدم يُصنّف ضمن الأعمال العدوانية المباشرة ويشكل خرقًا للقانون الدولي حيث تنفذ اميركا عمليات عسكرية على الأرض السورية بدون موافقة الحكومة السورية، اضافة الى التدمير الممنهج للبنية التحتية وارتكاب مجازر بحقّ السكان السوريين عبر عمليات القصف الجوي العنيفة بحجة استهداف مواقع “داعش”.
في الجانب العسكري، بتنا امام متغيرات جذرية على مستوى الميدان السوري والعراقي تؤسس لميزان قوى جديد، حيث كان لعملية ربط الحدود بين سوريا والعراق اثر كبير في احباط مشروع قوس العزل الذي يمتد من القنيطرة الى درعا فالسويداء والتنف وصولًا الى البوكمال، والذي كان يهدف الى عزل سوريا عن العراق وايران وعزل سوريا عن فلسطين المحتلة، وهو الأمرالذي رفع وتيرة التوتر الأميركية وأفقد قواتها عند معبر التنف القدرة على الحركة ومنعها من الإمتداد شمالًا وجنوبًا.
إنطلاقًا من هذه الوقائع وبسبب الإعتداءات الأميركية المتواصلة، وجدت روسيا نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات حاسمة أعتقد انها ستعيد النقاش مع الأميركيين والعودة للعمل ببروتوكول تنظيم الملاحة الجوية فوق المجال الجوي السوري بشروط روسية اكثر صرامة.
على المستوى التقني، يعتبر قرار روسيا بإعادة توزيع بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات تحولًا كبيرًا سيؤدي الى دمج المنظومتين السورية والروسية سواء على مستوى المتابعة الرادارية او على مستوى التعامل مع الأهداف بعد القرار الروسي، وهو بحد ذاته يشكل قواعد اشتباك جديدة حيث ان نقاط تموضع المنظومات الروسية الحالية في قاعدتي حميميم وطرطوس لا يمكنها من التعامل مع الأهداف الطائرة غرب الفرات بسبب عامل المسافة والتضاريس، حيث تشكل سلسلة جبال اللاذقية عائقًا امام عمليات المتابعة والإطباق والإطلاق، وهذا يعني ان تنفيذ القرار سيتطلب نشر المنظومات الدفاعية في المنطقة الوسطى شرق حمص ما يؤمن قدرات مراقبة واطلاق كبيرة تصل الى اغلب فلسطين المحتلة والأردن جنوبًا والى عمق يصل الى 200 كلم داخل الأراضي التركية شمالًا وحتى مشارف الرمادي وتل عفر في عمق الأراضي العراقية، وهذا يعني ان روسيا ستكون قادرة بالتعاون مع منظومات أخرى لها في حميميم وداخل اراضيها ان تغطي مسافات كبيرة في الإقليم كله وليس في سوريا فقط.
انطلاقًا من الوقائع الجديدة، أتوقع ان تتم مناقشة بروتوكول الملاحة الجوية في سوريا انطلاقًا من نتائج القرار الروسي الجديد وليس ما قبله، وهو ما سيؤمن للجيش السوري حرية حركة اكبر ومساحة أمان افضل حتى الإنتهاء من تنفيذه عمليات التحرير على كامل الأراضي السورية، حيث لا تستطيع اميركا ان تذهب بعيدًا في عدوانها انطلاقًا من الواقع الجديد وحيث لا ترغب ولا ترغب روسيا ايضًا في الدخول بمواجهة شاملة غير محسوبة ولا يمكن لأحد معرفة ابعادها ونتائجها.
لهذا سيكون القرار الروسي بمثابة قواعد اشتباك جديدة ستلتزم بها اميركا دون ادنى شك، ولن تكون قادرة بعدها على فعل الكثير ضمن مجال عمليات القوات الروسية الذي سيتوسع دومًا لإرتباطه بمكان الأرض التي ستدوسها سلاسل الدبابات السورية.