“حماس” إلى حُضن محور المقاومة مُجدّدًا؟
تقارير | 14 يونيو | مأرب برس :
ناجي البستاني :
عند إنطلاق “الثورات” على الحُكّام في العديد من الدول العربيّة بدءًا بما عُرف بإسم “ثورة الياسمين” في تونس في العام 2010، مرورًا بكل من مصر وليبيا واليمن وُصولاً إلى سوريا، تراجعت علاقة “حماس” بشكل كبير مع إيران، نتيجة وقوف الحركة الفلسطينيّة ضُدّ الرئيس السوري بشّار الأسد، الأمر الذي أسفر عن خسارتها لأحد أبرز داعميها بالسلاح والمال.
وبعد تفاقم الخلافات العربيّة-العربيّة، وتدهور العلاقات بين ما إعتبر “التيار الإسلامي المُتشدّد” مع باقي “التيارات الإسلاميّة”، وخُصوصًا بعد سُقوط حُكم “الإخوان المُسلمين” في مصر في العام 2013، خسرت حركة “حماس” أيضًا أحد آخر داعميها الميدانيّين. واليوم ومع إنفجار الخلاف الخليجي-العربي مع قطر، والضغوط الكبيرة التي تُمارس على الدوحة لدفعها إلى الإنصياع للشروط المفروضة عليها، ومن بينها وقف دعم “حماس” والعمل على إخراج مسؤوليها من الدوحة، باتت حماس” في أحد أصعب الحقبات في تاريخها. فما هي الصُعوبات التي تواجهها الحركة، وما هي المخارج المعدودة المُتاحة لها؟
تُواجه حركة “حماس” حاليًا مُشكلتين خطيرتين، من شأن عدم المُسارعة إلى معالجتهما أن يؤثّرا على ديمومتها وعلى نفوذها المحصور في غزّة الرازحة تحت الحصار الإسرائيلي منذ سنوات طويلة.
المُشكلة الأولى داخليّة وتتمثّل في تدهور معيشي وحياتي خطير لأهالي غزّة، في ظلّ ضُغوط مُتصاعدة عليها من قبل السُلطة الفلسطينيّة تهدف إلى دفعها إلى تسليم المرافق الرسميّة التي تُسيطر عليها إلى القيادة الفلسطينيّة برئاسة محود عبّاس، في ظلّ إستمرار الحصار البحري الإسرائيلي، وإستمرار الحصار البرّي عليها من جانب السُلطات المصريّة التي تتهمها بدعم إرهابيّي “سيناء”. وفي سياق الضُغوط المَيدانيّة المُتصاعدة على “حماس”، قرّرت السُلطة الفلسطينيّة تخفيف الدفعات المالية التي تُسدّدها لـ”إسرائيل” والتي تبلغ قيمتها نحو 11 مليون دولار أميركي شهريًا، في مُقابل حُصول غزة على تغطية جزئيّة بالطاقة الكهربائيّة(1)، والهدف من هذه الخطوة إظهار عجز “حماس” عن تدبير شؤونها، وإيصال رسالة إيجابية إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنّ السُلطة الفلسطينيّة جادة في الإلتزام بالسلام.
المُشكلة الثانية خارجيّة، وتتمثّل في وضعها على لائحة الإرهاب ليس من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركيّة فحسب، وإنّما من قبل قادة مجموعة من الدول الخليجيّة أيضًا ومصر. وبعد إنفجار الخلاف بين مجموعة من الدول العربيّة والخليجيّة مع قطر خسرت “حماس” آخر دعائمها الإقليميّة، لتُصبح معزولة تماًمًا، حيث بدأ قادتها بالمُغادرة إلى ماليزيا وتركيا ولبنان وإلى غيرها من الوجهات.
وبالنسبة إلى الخيارات التي تملكها حركة “حماس” لمُحاولة الخروج من المأزق الحالي، فهي تنحصر باحتمالين أساسيّين:
الإحتمال الأوّل يتمثّل في الرضوخ للضُغوط الفلسطينيّة والعربيّة والأميركيّة، والمُوافقة على تسليم غزّة إلى السُلطة الفلسطينيّة مُجدّدًا، والتحوّل إلى حركة سياسيّة أكثر منه جماعة مُقاومة لها أجنداتها وتحالفاتها الخاصة، خارج الشرعيّة الفلسطينيّة المُتمثّلة بالرئيس محمود عباس وبحكومته. وسيكون على “حماس” في هذه الحال، العودة إلى خطاباتها في السنوات القليلة الماضية، والإبتعاد مُجدّدًا عن إيران، وتبنّي سياسات أكثر ليونة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والتخلّي عن فكرة المُقاومة من خارج عباءة السُلطة الفلسطينيّة.
الإحتمال الثاني يتمثل في التحوّل مُجدّدًا إلى الحُضن الإيراني بشكل كامل، أي تلقّي الدعم بالمال والسلاح من طهران للإحتفاظ بقدرتها على مُقاومة الضُغوط الحاليّة، وذلك في مُقابل تنفيذها للتعليمات الإيرانيّة السياسيّة والأمنيّة، وعدم تغريدها مُجدّدًا خارج سرب “محور المُقاومة”.إشارة إلى أنّ طريق تبنّي هذا الإحتمال ليس مفروشًا بالورود، حيث أنّ طهران التي هالتها المواقف التي إتخذتها حماس من الحرب في سوريا، باتت أكثر حذرًا في تعاطيها مع “حماس”، وهي تشترط عليها سلسلة من الأمور لدعمها مُجدّدًا، منها زيارة قادتها إلى طهران، وإعادة تنشيط خيارات المُقاومة المُسلّحة، على سبيل المثال لا الحصر. وسيكون أيضًا على حماس التي توجّه عدد من كوادرها إلى بيروت مؤخّرًا، تكثيف تعاونها الميداني واللوجستي والأمني مع “حزب الله”، لتكون بذلك الحلقة المُكمّلة للطوق الذي تسعى إيران لفرضه حول “إسرائيل”، والذي يمتد على طول الحدود اللبنانية والسورية المُشتركة معها، بحيث تجعل حماس “إسرائيل” مُضطرة إلى تشتيت قواتها العسكريّة وإلى توزيعها على جبهات عدّة.
في الختام، لا بُد من الإشارة إلى أنّ الصُعوبات غير المَسبوقة التي تُعاني منها حركة حماس حاليًا، قد تدفعها-في حال عدم الإنصياع لضغوط القيادة الفلسطينيّة وداعميها وفي حال عدم العودة كليًا إلى الحُضن الإيراني أيضًا، إلى أن تهرب إلى الأمام عن طريق تفجير الوضع مع “إسرائيل”، لجذب تدخّل إقليمي-دَولي يُعيد ترتيب الأوضاع، علمًا أنّ من غير المُستبعد أن تقوم “إسرائيل” من جهتها بفتح المعركة عمدًا مع حماس، لإعتبارها أنّ الوقت مُناسب حاليًا لإنهاء هذه الظاهرة، نتيجة العزلة التي تُعاني منها داخليًا وإقليميًا ودَوليًا، وصُعوبة وصول الأسلحة والإمدادات إليها في المرحلة الحالية. وفي كل الأحوال، ومهما كان القرار الذي ستتخذه “حماس” في المُستقبل القريب، الأكيد أنّها تمرّ حاليًا في موقف صعب جدًا، على أمل أن لا تُصيب إرتدادته وشظاياه الإستقرار في لبنان، في ظلّ أصوات مُعادية بدأت تخرج وتدعو للضغط على لبنان لمنع قادة حماس من اللجوء إليه بعد مُغادرتهم قطر.