كيف يعيد النزاع الخليجي تموضع الجماعات المسلّحة في سوريا؟

متابعات | 14 يونيو | مأرب برس :

سوريا:

كشف النزاع بين السعودية وقطر عن مدارك تهديد – فرصة عالية لدى الجماعات المسلّحة في سوريا، التي أظهرت استجابات عاجلة تمثّلت باقتتال حادّ بينها في ريف دمشق وريف إدلب، ما لبث أن تطوّر إلى ما يُشبه “حرباً بالوكالة” على الأرض السورية، على قاعدة الولاء لهذا الطرف أو ذاك، أو الولاء لأحد حلفائه مثل تركيا والأردن و”إسرائيل”.

 

صحيح أن الاقتتال بين الجماعات المسلّحة في سوريا هو حال دائمة، وأكثره يعود لنشأتها الارتزاقية -وإلى حد ما العقدية- وبنيتها الانقسامية وطبيعتها الذئبية، إلا أنه أخذ مع النزاع الخليجي طابعاً أكثر وضوحاً، نزاع بين جماعات قطر وتركيا من جهة، وجماعات السعودية والأردن وإسرائيل من جهة أخرى، والتمييز هنا يتعلّق بولائها وتبعيّتها لطرف أو آخر أكثر من إيديولوجيتها أي كونها إخوانية أو قاعدية، إذ أن لقطر والسعودية موالين من هذا النمط وذاك، كما أنهما أقامتا تحالفات عسكرية وسياسية تضم كل أشكال التنظيمات الجهادية وغير الجهادية تقريباً في مواجهة تحالفات أخرى مماثلة. ولذا يجب التدقيق في القول بأن المجموعات الإخوانية تقاتل تحت لواء قطر وتلك السلفية أو القاعدية تقاتل تحت لواء السعودية، والصحيح هو أن المجموعات تقتتل اليوم لدواعٍ ارتزاقية وبراغماتية في المقام الأول.

يمثّل النزاع بين الدوحة والرياض تحدّياً أمام الجماعات المسلّحة، يدفع بعضها إلى مساومات وانشقاقات وإعادة تموضع ونقل للبندقية من كتف إلى آخر، وهذا يعني حصول تغيّر في خرائط السيطرة والمواجهات، ولاحقاً التسويات والمصالحات، ويتعلّق الأمر  بمخاوف التمويل والتسليح في المقام الأول، ثم دور القوى الإقليمية الأقرب تأثيراً.

وهكذا تجنح المجموعات المسلّحة في المنطقة الشمالية لتثبيت الولاء لقطر وحليفتها تركيا، فيما تجنح المجموعات في المنطقة الجنوبية لتثبيت الولاء للسعودية وحليفيها الأردن وإسرائيل، وهذا هو تأثير  الجغرافيا، بالإضافة إلى تأثير عمليات التغلغل والاختراق الاستخباراتي.

وأما الجماعات المسلّحة في إدلب وريفها، وفي ريف دمشق، وإلى حد ما في ريف درعا والقنيطرة، فيمثّل النزاع الخليجي “تهديداً” أكثر وضوحاً لها، كونه يزيد في انشقاقاتها وتشرذمها، ولكنه يمثّل في الوقت نفسه “فرصة” أيضاً لمعاودة الاصطفاف والحصول على الريع بالنسبة للعديد من مكوّناتها؛ وعليها أن تعيد تثبيت ولائها أو تغييره، وقد كانت المواقف الهجينة والولاء المزدوج ممكناً قبل ذلك، أمام اليوم فيبدو ذلك صعباً أو شبه مستحيل، وهكذا فإن ما يحدث من الآن فصاعداً هو انتقال وترحال لـ موالاة الطرف الأكثر عائدية وديمومة، والقادر على فرض البيعة بالقوة أو التمويل.

في ريف حماه الشمالي قامت “جبهة النصرة” بالهجوم على مواقع “فيلق الشام”، فيما لا تزال الحرب دائرة في الغوطة الشرقية، بين “جيش الإسلام” الموالي للسعودية والذي يضمّ عشرات الفصائل أبرزها “صقور الشام” و”لواء جند التوحيد” و”لواء الاسلام”، وبين “فيلق الرحمن” و”جيش الفسطاط” و”أجناد الشام” الموالية لقطر، والمدعومة من “جبهة النصرة”.

في إدلب نفير تام للجماعات المسلّحة في منطقة تشهد بالأساس معارك ومواجهات مستمرة بين “جبهة النصرة” وهي القوام الرئيس لـ “هيئة تحرير الشام” من جهة و”حركة أحرار الشام”، التي ضمّت لها بالقوة عدّة مجموعات وتنظيمات جهادية بعد معارك ضارية ومساومات معقّدة، من جهة أخرى. وتسود في إدلب وريفها حال من عدم اليقين تجاه اللحظة التالية، نظراً لضغوط الولاء والاصطفاف الناشئة عن النزاع الخليجي وتداعياته التركية والأميركية، وليس من المتوقّع أن يتم الفرز بوسائل سياسية، ذلك أن القتل والعنف هما سيّد الأحكام، وهذا يفسّر حال الاستنفار والحشد التي تشهدها مدن سلقين وحارم وكفر تخاريم وسرمين وجسر الشغور ومعرّة النعمان وخانشيخون، وصولاً إلى القرى والبلدات الحدودية المحاذية للواء إسكندرون. وليس من الواضح إلى أي حد يمكن للاقتتال الجاري هناك أن يعرقل خطط تركيا للدخول إلى إدلب مُستغِلَّة ترتيبات أستانة، وهل ستحاول السعودية الدخول على الخط لإزعاج تركيا وحليفتها قطر  هناك؟

صحيح أن إدلب قريبة من تركيا، وقد يكون للأخيرة تأثير كبير  على ما يجري فيها، بحكم التواصل الجغرافي والتمويل والتسليح والإمداد، إلا أنها لم تستطع تمكين الجماعات الإخوانية، وخاصة “فيلق الشام” من حكم المدينة أو السيطرة على المجموعات الأخرى، كما لم تتمكّن من إقامة تحالف مستقرّ بينه وبين “جبهة النصرة”، ذلك أن للسعودية تأثير كبير أيضاً، وهذا يفسّر –مع عوامل أخرى- حال الانشقاقات التي شهدها الفيلق المذكور، من قبل “مغاوير الإسلام” و”جند الإسلام” وكتيبة المرابطون”.

لعلّ أكثر الجماعات تأثراً بالنزاع الخليجي والأوضاع الناشئة

عنه هو “أحرار الشام” الإخوانية الموالية لتركيا وقطر، ذلك أنها تشكيل مهدّد بالتصدّع والانقسام بين تياراته ومكوّناته المختلفة، وخاصة “الإخوانية” و”القاعدية” منها، ما يجعلها عرضة لتأثير متزايد من قبل السعودية، ومن قبل التيار القاعدي في “جبهة النصرة”، وربما تنظيم “داعش” أيضاً. والنصرة التي تربطها علاقات قوية مع الأطراف المتنازعة، هي نفسها مهدّدة بانشقاقات قد يذهب بعضها إلى “داعش”.

أَثَّر النزاع الخليجي بشكل واضح وسريع على تموضعات الجماعات المسلّحة، إلا أن السيرة لم تكتمل فصولاً، ويتعلق الأمر –في جانب كبير منه- بتطوّرات وتفاعلات الموقف الخليجي نفسه، هل تقوم الولايات المتحدة بـ “ضبط” التوتّر بين حليفيها الخليجيين، السعودية وقطر، ودفعهما لـ “تحييد” الملف السوري في النزاع القائم بينهما، أم سيزداد التوتّر ويتجاوز ما كان بينهما في السابق، ما قد يدفع بقطر وحليفتها تركيا إلى الاقتراب أكثر من إيران، ما يعني تغيير أولوياتهما في سوريا بكل تأثيرات ذلك على الجماعات المسلّحة ومشهد الحرب الدائرة فيها منذ آذار/ مارس 2011؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى