عظمة اليمن
?.. لا يجوز إطلاقاً, ولا يجوز لي شخصياً على وجه التحديد, أن أضع اليمن في مقابل أي قطر عربي للمقارنة بينهما على أساس تفضيل أحدهما على الآخر, فاليمن, الوطن والشعب, الأرض والإنسان جزء لا يتجزأ من أمته العربية, الممزقة بين المحيط والخليج.
وحتى واليمن جزء من العروبة والعرب, فإن القومية العربية كهوية مميزة للأمة, لا تتميز عن أمم البشر بأي امتياز يجعلها تتعالى عن إنسانيتها الجامعة لكل الناس على الاختلاف والتعارف دون العلو استكباراً أو الصغار استضعافاً.
لكن العدوان السعودي على اليمن فرض مجالاً للمقارنة بين شعب من شعوب الأمة العربية, وبضع أسرٍ الملك المفروضة استعمارياً للاستحواذ على ثروات الأمة في جزيرة العرب وخليجها بهدف الحيلولة دون انتصار العرب لحقهم التاريخي في التحرر والتوحد والاستقلال الحضاري الشامل.
نعم, قد أظلم اليمن, حين أضعها في مقابل أسرة أو أخضعها لمقارنة لا أساس لها ولا ميزان, ولكن العدوان بكل ما سبقه وقدم له, وكل ما صاحبه وكشف عنه, وبكل ما سيؤول إليه ويسفر عنه من معطيات ونتائج فرض هذه المقارنة وجعلها حقائق مدونة بالتاريخ وللتاريخ.
تبدأ المقارنة من واقع الحال, الذي يجعل من الأسرة السعودية والأسر التابعة لها في خليج العرب, قوة معتبرة في ميزان القوى الكبرى على الساحة الدولية, من حيث هي في صدارة المراكز العالمية المنتجة للنفط, فهي تنتج يومياً قرابة العشرين مليون برميل من النفط يعود عليها بما يقارب المليار دولار إذا احتسبنا سعر البرميل بخمسين دولاراً فقط, وهذه مقارنة باليمن البلد الأكثر فقراً بين دول المنطقة.
وعند مقارنة حجم التسليح بين اليمن وأسر الملك والنفط فسوف تؤكد لنا الأرقام الفلكية التي أنفقتها هذه الأسر على التسلح أن لا مجال للمقارنة بين الشعب اليمني الذي يكاد يكون أعزلاً أو محدود التسلح بنوعية بدائية مقارنة بالتطور التقني الهائل في الكم الهائل لأسلحة جيرانه المتخمين بالعدة والعتاد.
وفي مقارنة الدعم والإسناد المقدم من حلفاء الأسرة السعودية لعدوانها على اليمن, سنجد اليمن وحيداً في الميدان بمواجهة تحالف عشر دول كبيرة ومقتدرة, وإسناد كامل من حلف شمال الأطلسي بخبرائه وخبراته وتقنياته ومخابراته, وبكل ما لدى هؤلاء من قوة سياسية واقتصادية وإعلامية, محشودة بكامل جاهزيتها ضد بلد فقير ضعيف ووحيد معزول تحت القصف والحصار.
وحين نعلم يقيناً أن اليمن كان خلال نصف القرن الماضي تقريباً, عرضة للمؤامرات وساحة للصراعات, وضحية للوصاية السعودية المطلقة على الإرادة والمقدرات, مقارنة بالاستقرار السائد لأسر الملك في محيطه الجغرافي, سنجد بهذه المقارنة عناصر القوة موفورة بالكامل للعدوان السعودي على يمن أضعفته الوصاية وأهلكته العمالة والمؤامرات.
فإذا أضفنا إلى هذا الواقع المعطيات التي تفيد يقيناً بأن معظم القوى اليمنية التي كانت قبل العدوان تابعة وخادمة لأسرة آل سعود, واللاحقين بها من الجدد والملحقين بها من الطامعين أو المخدوعين سنجد أن العدوان السعودي لا يواجه اليمن كامل العدد أو موحد القوة والقرار.
ومن المؤكد أن للمقارنة عناوين أخرى, لكن هذه الأمثلة تكفي لاستخلاص النتيجة النهائية بها ومنها في عبارة مفادها إن القوة الكاملة والمكتملة لتحالف العدوان السعودي على اليمن, كشفت عظمة اليمن, الشعب والإنسان, أمام جبروت القوة وبطشها التي عجزت خلال نصف عام تقريباً من إخضاع اليمن وإجبار شعبها على الاستسلام.
نعم, كان جبروت البطش السعودي على اليمن فظيعاً وكبيراً, وكانت قدرة العدوان السعودي هائلة ومطلقة, ولكن هذا الجبروت وتلك القوة, يقفان بعد نصف العام من الويلات والمآسي, ليشهدان بواقع الحال والمآل, أن السعودية قد نتف ريشها وتكسر عظمها وكشفت عورتها في مواجهة بلد فقير وضعيف ووحيد وأعزل, عملت عوامل متعددة على جعله يواجه العدوان بحالة تمزق وفراغ أسندت لجزء منه مهمة مواجهة العدوان, فكيف كان سيكون عليه حال الأسرة السعودية إذا واجهت يمناً بكل ما يعنيه اسم اليمن من تاريخ ووجود وحضارة وشهود؟!
إنه اليمن العظيم في مواجهة أسرة طارئة على الجغرافيا في لحظة عابرة وزائلة من التاريخ العربي المجيد.