الطوفان ومراحل الإسناد اليمني.. مسار التحرر، ونهاية الأسطورة
تقارير || مأرب نت || 9 ربيع الآخر 1446هـ
في ليلة السابع من أكتوبر 2023، انطلقت شرارة المقاومة الفلسطينية في عملية عسكرية نوعية تحت اسم “طوفان الأقصى”. كانت ليلة غير عادية، حيث استهدفت الفصائل الفلسطينية المستعمرات الإسرائيلية المحيطة بغزة، وهذا الصاعق، هو الجولة الأولى من جولات مباراة تاريخية رسم لها أن تترك بصماتها لعقود قادمة.
في تلك الأثناء، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن ليؤكد بقوة أن دعم بلاده لإسرائيل “صلب كالصخر وراسخ”. تسارعت الأحداث على الأرض، حتى رفضت الإدارة الأمريكية أي تدخل دولي في النزاع، ورسمت صورة واضحة عبر إرسال حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد آر فورد” إلى البحر الأبيض المتوسط، في محاولة لاستعراض القوة.
مسار الإسناد ثابت ومتجدد
في المقابل، برزت أصوات لقادة عرب تعالت في سماء الإسناد والمقاومة. قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي يرسل تهنئته إلى الكتائب، ويصِف الطوفان بالحق الطبيعي في الرد على الجرائم الإسرائيلية. يشاطره في ذلك سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، ، ويشددا معا على أنه “لا يمكن لحاملات الطائرات التي جلبت أمريكا إلى الشرق الأوسط للدفاع عن اسرائيل أن ترهب من اعتادوا القتال من أجل الحرية”. وفي سياق متصل، أعلنت الفصائل العراقية تضامنها مع غزة، مؤكدة أن ما يحدث ليس حربًا، بل عدوانًا وحشيًا. أما في إيران، فقد دعت إلى إنهاء “المأساة الكبرى”، مؤكدين دعمهم الكامل للحق الفلسطيني.
إصرار محاور الإسناد في محور المقاومة على دعم القضية الفلسطينية، وحدت أصوات فوهات البنادق في محاور المقاومة في خندق واحدة، تبعا لناطق الموقف اليمني: “لستم وحدكم”.
مراحل التصعيد اليمني
استعاد “طوفان الأقصى” ثقافة الجهاد في سبيل الله، مؤكدًا على انتهاء زمن الاستسلام والمواقف المترددة، مهما كانت التضحيات. هذا الطوفان وضع العدو في مواجهة مستمرة وحروب استنزاف قدرات لا متناهية، وإضعاف نفسيات، وإرهاق معنويات، وإزهاق أرواح، حالات لم يعتد عليها منذ نشأته، وعلى مدار حروبه الهمجية التي مارست أبشع جرائم الحرب والإبادة الجمعية ضد الشعب الفلسطيني وعلى مدار 8 عقود من الاحتلال.
في يوم 18 أكتوبر، وتحت شعار “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، خاضت القوات المسلحة اليمنية معركة الإسناد للمقاومة في فلسطين، بأطلاق دفعة كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة نحو “أم الرشراش” (إيلات) على أرض فلسطين. لم تستطع الولايات المتحدة تجاهل هذا المشهد، فادعت أنها اعترضت ثلاث طائرات من بين أكثر من 25 استهدفت العمق الإسرائيلي.
المفاجأة كانت سيدة الموقف. “إسرائيل”، التي اعتبرت قبتها الحديدية الأعلى حماية، لم تكن تضع في اعتبارها أن المحتمل أن تصادق على هذه الصدمة المربكة. أنظمة “مقلاع داود” و”حيتس”، التي توصف بالأسطورة، وجدت نفسها عاجزة أمام مشهد يتجاوز كل التوقعات.
وفي مراحل تصعيد دراماتيكي أظهر الجيش اليمني خلالها تصميمًا قويًا على استهداف الكيان الصهيوني عبر توظيف كافة الإمكانيات العسكرية المتاحة. اعتمدت الاستراتيجية العسكرية اليمنية لمراحل التصعيد على مسارين رئيسيين؛ الأول هو استهداف عمق الكيان بالصواريخ والطائرات المسيرة، بينما تمثل الثاني في فتح معركة بحرية تحظر مرور السفن الإسرائيلية من مياه البحر الأحمر، وكذلك تلك السفن التي تتخذ من الموانئ الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وجهة لها، كخطة هدفت من خلال تعزيز فعالية الضغوط على المجتمع الدولي.
حظر الملاحة واستهداف العمق الصهيوني
على مدار عام كامل، جسد اليمن في صموده وعزيمته نموذجًا فريدًا في إسناد المقاومة ضد العدو الصهيوني وحلفائه من الأمريكيين والبريطانيين، ملمحا إلى أن الإرادة القوية يمكن أن تثير المخاوف في قلوب أعتى الأعداء. وأظهر اليمن حنكة وذكاء العسكريين في تصميم استراتيجيات مدروسة أدت إلى تكبيد العدو خسائر فادحة على كافة الأصعدة العسكرية والاقتصادية والأمنية.
في 31 أكتوبر 2023، أعلن الجيش اليمني عن تنفيذ ثلاث عمليات عسكرية نالت من أهداف حساسة داخل الكيان الصهيوني، حيث استُخدمت دفعات كبيرة من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة. كانت هذه العمليات بداية جديدة في مسار الدعم والإسناد اليمني، سميت بأولى مراحل التصعيد العسكري الكبير لدعم المجاهدين الفلسطينيين في غزة.
ركزت العمليات العسكرية في الأسابيع التالية على قصف الأهداف الحساسة في الكيان الصهيوني، مع التركيز على ميناء أم الرشراش المهم استراتيجيًا. ومن بين العمليات الرئيسية التي تمت في هذا السياق، كانت عمليات 1 نوفمبر و6 نوفمبر 2023، والتي أدت إلى شل حركة الملاحة البحرية في الميناء.
وفي سياق متصل بالمسار التصعيدي، أعلن الجيش اليمني في 9 ديسمبر 2023 عن عزمه استهداف السفن المتجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من أي جنسية كانت، ومنها بعث برسالة قوية حول توسع الحملة العسكرية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن والبحر العربي.
خلال الفترة من نهاية أكتوبر 2023 إلى مطلع يناير 2024، نفذت القوات المسلحة اليمنية 12 عملية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، حيث كانت معظم الأهداف متمركزة في منطقة “إيلات” الواقعة في فلسطين المحتلة.
السفن الأمريكية والبريطانية في قائمة الأهداف (المرحلة الثانية )
وفي سياق حظر الملاحة على السفن “الإسرائيلية” أو المتجهة موانئها، ركزت الهجمات على قطع بحرية كانت تحمل شحنات مرتبطة بدعم الكيان الصهيوني، حيث استهدفت القوات البحرية اليمنية 11 سفينة تجارية هي، بحسب ترتيب وصولها: جلاكسي ليدر، Maersk Hangzhou، يونِتي إكسبلورر، نمبر ناين، استريندا، ميرسيك، جبرلاتر، MSC Alanya، MSC PALATIUM III، سوان اتلانتك، إم إس سي كلارا، MSC يونايتد.
في إطار جهود الجيش اليمني لتعزيز أدوات الردع البحرية وزيادة ضغوطه العسكرية، أكدت المرحلة الأولى من التصعيد العسكري لليمن أن القوات المسلحة قد نجحت في توسيع نطاق عملياتها، حيث أضحت السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني في مرمى نيران القوات اليمنية، وتجلى هذا التوجه العسكري في استهدف دقيق وعالي الكفاءة. المرحلة أثمرت تحولًا كبيرًا في معادلة الصراع، حيث برزت قدرة الجيش اليمني على توجيه ضغوطات مباشرة في الصراع على المستوى الدولي.
أدت الضغوط المتزايدة من البحرية اليمنية إلى فرض سيطرتها على حركة الملاحة في المياه الاستراتيجية. هذا الوضع ألقى بظلاله على التحالفات القديمة وأسهم في إعادة تشكيل السياسات العسكرية في المنطقة.
مع تصاعد عمليات البحرية اليمنية، أدرك الكيان الصهيوني خطورة الوضع وطلب المساعدة من حليفه الاستراتيجي، الولايات المتحدة الأمريكية. استجابت الأخيرة بتشكيل تحالف دولي من 21 دولة لحماية السفن المتجهة إلى موانئ الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك، لم تؤدِ الغارات الجوية الأمريكية والبريطانية على المواقع اليمنية، التي اعتقدت أنها ستقيّد القدرات العسكرية اليمنية من خلال استهداف مخازن الصواريخ والطائرات المسيرة، إلى تحقيق الهدف المرجو. بل على العكس، أسفرت هذه العمليات عن تصعيد عملياتي وحصول القوات اليمنية على تقنيات هجومية أدق تصويبا وأوسع نطاقا.
نتائج هذه العمليات أدت إلى وضع غير مسبوق في المنطقة، حيث اختفت حاملات الطائرات الأمريكية من قارة آسيا لأول مرة منذ عام 2001. وفي تقرير لوكالة رويترز، لوحظ أن البحرية الأمريكية اتخذت قرارات صعبة لتقليص تواجدها في البحر الأحمر نتيجة للهجمات المتواصلة من قبل القوات اليمنية، مما أضعف بشكل كبير من أفقد الولايات المتحدة ميزة التحكم في طرق الملاحة الأساسية.
ترافق هذا الواقع مع تقارير تظهر تراجع حركة السفن التجارية عبر البحر الأحمر، مما أثار دهشة بعض المراقبين وأدى إلى إعادة تقييم من قبل المسؤولين الأمريكيين لاستراتيجياتهم العسكرية. إذ أكدوا على ضرورة تحمل الدول الأوروبية مسؤولية الدفاع عن مصالحها، في إشارة إلى تحول كبير في الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية.
طرد القطع العسكرية الأمريكية
في السياق نفسه، أصدرت صحيفة “تلغراف” البريطانية تقريرًا تناول الخسائر التي تعرضت لها البحرية الأمريكية على يد القوات اليمنية، مشيرة إلى أن عمليات اليمن أجبرت البحرية الأمريكية وقواتها البريطانية على مغادرة البحر الأحمر. ورغم الجهود المبذولة من قبل تحالف “حارس الازدهار” لتشكيل جبهة موحدة لردع الهجمات، استمرت القوات اليمنية في تنفيذ عملياتها الناجحة، مما كشف عن فشل هذا التحالف في تحقيق أهدافه.
تفيد التقارير بأن البحرية الأمريكية كانت تتواجد في المنطقة مع حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” و12 سفينة حربية، لكن تلك القوات لم تعد موجودة بعد الاستمرار في الهجمات. وبالمثل، غادرت السفن البريطانية بمجرد مغادرة الحاملة “إتش إم إس دايموند”.
وبناءً على المعطيات السابقة، يتضح أن ضغوط البحرية اليمنية قد أسهمت بشكل كبير في إضعاف القدرات الأمريكية في المنطقة. هذا الواقع يستدعي إعادة تقييم عاجل للاستراتيجيات والعناصر العسكرية أمريكيا لما اسمته مواجهة التحديات المتزايدة من “الحوثيين”، مع فقدان الأمل كليا في الانتقال نحو الاعتماد على تحالفات إقليمية هي في الأصل غير فعالة في مواجهة أي تهديدات، خاصة وقد أعلنت كلا من السعودية والامارات الشريكان الفاعلان للأمريكان في العدوان على اليمن حيادهما النهائي عما يجري في البحر الأحمر، لمعرفتهما الأكيدة بالقدرات اليمنية على تهديد مصالحهما في الداخل وفي المنطقة.
توسيع نطاق الاستهداف (المرحلة الثالثة)
أعلنت القوات المسلحة اليمنية دخولها مرحلة جديدة من التصعيد العسكري في الرابع عشر من مارس 2024، منوهةً ببدء المرحلة الثالثة من عملياتها، والتي تأتي على خلفية توغل العدوان الإسرائيلي في حشيته ضد المدنيين في غزة.
في هذه المرحلة، وسعت القوات اليمنية نطاق استهدافها ليشمل السفن الإسرائيلية والسفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة ، قاطعةً الطريق على نحو 12 سفينة في المحيط الهندي بين نوفمبر 2023 ويوليو 2024، من بينها 7 سفن إسرائيلية وسفينتين أمريكيتين وسفينة بريطانية. يعكس هذا التوسع قدرة القوات المسلحة اليمنية على القيام بعمليات فعالة، وهذا سلط الضوء على مقدار التحدي الكبير الذي باتت تمثله ضد إسرائيل وحلفائها.
وشهد الوضع العسكري في المنطقة تطورات بالغة الأهمية، حيث تبرز التحديات التي تواجهها القوات الأمريكية نتيجة للضغوط المتزايدة من قبل القوات المسلحة اليمنية. وفقًا لتقرير موقع “إكسيوس”، تواصل البحرية الأمريكية تركيز قوتها في منطقة الخليج، باستدعاء حاملتي الطائرات “روزفلت” و”إبراهام لينكولن” بالإضافة إلى مجموعة من المدمرات في خليج عمان. في حين يُظهر شرق البحر الأبيض المتوسط وجود غواصة وثلاث مدمرات وثلاث سفن برمائية، وبالتالي شهد البحر الأحمر غيابًا تاما للقطع الحربية الأمريكية.
القائد السابق لمجموعة حاملة الطائرات “أيزنهاور”، مارك ميجيز، أشار إلى أن البحرية الأمريكية تواجه تحديات غير مسبوقة من “الحوثيين”، مشدّدًا على الحاجة الملحة لمحورية هذه السفن وحمايتها من الهجمات المتطورة. فكان الفرار من المواجهة هي السبيل الأكثر آمنا.
الحظر الشامل (المرحلة الرابعة)
مع مطلع مايو 2024، أعلنت القوات اليمنية عن بدء المرحلة الرابعة من التصعيد، حيث تم استهداف جميع السفن التي تخترق قرار حظر الملاحة الذي تم فرضه على السفن المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة. تعكس هذه المرحلة تطورًا استراتيجيًا كبيرًا في القدرة العسكرية للقوات اليمنية، حيث يبدو أنها مستعدة لفرض عقوبات على السفن البحرية التي تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية، بغض النظر عن جنسياتها.
مايو 2024: انطلاق الهجمات
في سياق التطور الدرامي لمجريات الاحداث، في مايو عام 2024، عج البحر بالهجمات، حيث أطلقت القوات المسلحة اليمنية العنان لعمليات استباقية ضد استكبار أمريكا واحتلالها الصهيوني. في تلك اللحظات، كانت حاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور” هي الهدف الأبرز، عندما اخترقت قذائف الصواريخ سماء المنطقة، مما أحدث دوياً لم يسبق له مثيل. كان هذا الهجوم بمثابة قرع لجرس الإنذار، مُشيرًا إلى صمود في وجه أعتى القوى.
لم يتوقف الحال عند هذا الحد. ففي غمار هذه الهجمات، تم استهداف 17 سفينة عبر بحارٍ مختلفة، وكأنها تجسد مشاعر الألم والجرح الفلسطيني. في البحر الأحمر، استُهدفت 6 سفن، تحمل أسماء مثل (LAAX، MOREA، Sealady، MINERVA LISA، Destiny، YANNIS)؛ كانت الأسماء ترن في آذان العالم، تحمل في طياتها معانٍ تحول الأرقام إلى قصص إنسانية تعبر عن نضالٍ بنفس طويل.
في البحر العربي، انقضّت الصواريخ اليمنية على سفينتين أمريكيتين، وواحدة إسرائيلية، لترسم معالم صورة التحدي، بينما لقيت سفينتان إسرائيليتان نفس المصير في خليج عدن. حتى في البحر الأبيض المتوسط، لم ينجُ الاحتلال من نيرانها؛ فقد استهدفت السفينة الإسرائيلية (ESSEX) وسفينة أخرى (MINERVA ANTONIA)، في رسالة واضحة بأن نضال الشعب الفلسطيني لم يعد يقف عند حدود.
يونيو 2024: تسارع التصعيد
ومع بداية يونيو، توالت الأحداث كقطع الدومينو، حيث زادت الهجمات بشكلٍ ملحوظ. القوات اليمنية مقدمةً بذلك 39 نقطة استهداف، بما في ذلك مدمرات أمريكية وعشرات السُفن. في البحر الأحمر، تكررت الهجمات على حاملات الطائرات، وضربت مدمرتين أمريكيتين وواحدة بريطانية، كأنها تصرخ في وجه القوة الغاشمة، مُعلنةً أن للحق يدًا لا تُهزم.
كانت عمليات مشتركة مع المقاومة العراقية كالنار في الهشيم، حيث اجتمعت الإرادتان في معركة واحدة، لتستهدف 11 سفينة في البحر الأبيض المتوسط، كان من بينها هجوم مباغت على السفينة (Johannes Maersk) بصاروخ مجنح.
يوليو 2024: التأثير المتزايد
في يوليو، استمر التصعيد، وكانت القوات العسكرية اليمنية كفارسٍ لا يكل ولا يمل. انطلقت 13 ضربة بحرية، في البحر الأحمر، حيث استهدفت 5 سفن مثل (Delonix) و(CHIOS Lion). وفي البحر العربي وخليج عدن، طالت الهجمات 6 سفن، بما في ذلك 3 سفن إسرائيلية، وكأنه صباح العصا الغليظة تطال جدران الظلم.
وفي ذروة العمليات، أُطلقت هجمات نوعية بواسطة صواريخ باليستية على أهداف في منطقة أم الرشراش جنوبي فلسطين المحتلة. كان هذا الهجوم كغضب الجهاد الذي يتجسد في الأفعال، حيث نفذت القوات عمليات بالتعاون مع المقاومة الإسلامية العراقية، مستهدفةً البنى التحتية في حيفا وأم الرشراش، باستخدام الصواريخ والطائرات المُسيرة، في تجسيد حقيقي لتضامن الأحرار في العالم.
ويسجل التاريخ الأحداث في صفحات من الفخر، حيث تجسد المقاومة بصمودها، وتمكنها من إعادة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، مؤكدًة أن الاستكبار الأمريكي والاحتلال الإسرائيلي لم يعودوا في مأمن، وأن دماء الشهداء ستظل تثير مشاعر المقاومة في كل مكان. إن العمليات العسكرية اليمنية لم تكن مجرد هجمات، بل كانت رسالة تبعث الأمل في قلوب المظلومين، مدفوعةً برغبة قوية في استعادة الحق المسلوب.
أغسطس 2024: نطاق التصعيد يتسع
استمرت القوات المسلحة اليمنية في تنفيذ عملياتها العسكرية في البحر الأحمر خلال أغسطس 2024، وذلك في ظل تصاعد الصراع ومحاولات الولايات المتحدة لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة. كانت الأجواء مشحونة بالتوتر، بينما كانت القوات اليمنية تستعد لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية ردًا على الانتهاكات المستمرة.
في أحد أبرز العمليات، تمكنت القوات اليمنية من استهداف المدمرة الأمريكية “كول” أثناء محاولتها دخول باب المندب. استخدمت القوات سربًا من الطائرات المسيرة في هجوم منظم، مما أسفر عن تكبيد المدمرة خسائر فادحة وإصابات في طاقمها. هذا الهجوم يُعتبر علامةً فارقة في الصراع، حيث أظهر قدرة القوات اليمنية على الاستهداف المباشر للقوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة.
في سياق متصل، تعرضت المدمرة “لابون” لهجوم صاروخي موجَّه أدى إلى تحقيق إصابات مباشرة. أسفر هذا الهجوم عن إعادة تقييم عاجلة لوجود القوات الأمريكية في البحر الأحمر، حيث قررت واشنطن نقل عملياتها إلى منطقة رأس الرجاء الصالح، هربًا من التهديدات المتزايدة.
استمرارًا لجهودها في حظر حركة الملاحة التجارية على سفن الكيان الإسرائيلي وأمريكا وحلفائها، واصلت القوات المسلحة اليمنية استهداف السفن التجارية في أغسطس. حيث تم استهداف 3 سفن تجارية، من بينها سفينة Contship OnoK، وسفينة Sw North Wind I، بالإضافة إلى السفينة النفطية SOUNION، التي لا تزال مشتعلة نتيجة الهجوم في البحر الأحمر. وقد ساهمت هذه الهجمات في رفع مستوى المخاوف لدى الشركات البحرية والتجار حول سلامة سُفنهم، مما جعلها تغير وجهتها نحو الرجاء الصالح خوفا.
وفي خليج عدن، أسفرت عمليات استهداف السفن عن تدمير سفينتين، هما GROTON وسفينة Grotonk. استخدمت القوات اليمنية الصواريخ والطائرات المسيّرة في هذه العمليات، مما يعكس تنامي القدرات العسكرية والتكنولوجية للقوات المسلحة اليمنية.
الذعر في صفوف الداخل الإسرائيلي (الخامسة)
في فجر يوم الجمعة، 19 يوليو 2024، أطلقت القوات المسلحة اليمنية المرحلة الخامسة من التصعيد العسكري باستهداف “تل أبيب” باستخدام طائرة يافا المسيرة. أسفرت هذه العملية الجريئة عن مقتل أحد المستوطنين الصهاينة وإصابة 10 آخرين بجروح، بالإضافة إلى تضرر مادي جسيم في المنشآت المستهدفة.
أحدث الهجوم حالة من الذعر والخوف في الكيان الإسرائيلي، مما أثار موجة من الانتقادات الحادة تجاه “الحكومة” الإسرائيلية برئاسة المنصف دوليا بمجرم الحرب بنيامين نتنياهو. اعتبر العديد من المراقبين أن حكومة العدو قد فشلت في حماية أمن الكيان، مما يطرح تساؤلات حول استراتيجيات الدفاع والأمن المتبعة.
وفي تعليقهم على الوصول اليمني إلى عمق الكيان الصهيوني، وصف محللون الهجوم على “تل أبيب” بأنه سابقة في التاريخ العسكري، مما يبرز قدرة القوات المسلحة اليمنية على تنفيذ عمليات عسكرية موجهة نحو الهدف في عمق العدو. يُعزز هذا الإنجاز من موقف اليمن في الساحة الإقليمية، ويزيد من تأثيرها في الصراع القائم، حيث يُظهر تطورًا ملحوظًا في استراتيجيات العمليات العسكرية وقدرة على المفاجأة.
انعكاسات مراحل التصعيد
في صيف عام 2024، تحول البحر إلى ساحة معركة يُكتب فيها تاريخ جديد للصراع مع العدو الصهيو-أمريكي. لقد برز الدور اليمني بشكل لافت في مضيق الصراع، حيث خاضت القوات المسلحة معارك ملحمية ضد السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، والداعم الأمريكي، وقوى الاستكبار البريطاني. عبر سلسلة من العمليات العسكرية الشجاعة، تمكنت القوات اليمنية من استهداف حوالي 194 سفينة، منها 26 سفينة تابعة للكيان الصهيوني.
وبينما كانت الأمواج تتلاطم على ساحل البحر الأحمر، كان هنالك صدى لعمليات الاستهداف تتردد عبر الموجات. لقد مارس اليمنيون تكتيكات هجومية مبتكرة، مستهدفين ما مجموعه 7 سفن في المحيط الهندي، و6 في البحر العربي، و8 في خليج عدن، و18 في البحر الأحمر، و2 في الأبيض المتوسط. وتأسيسًا على هذه النجاحات، لم تغفل القوات اليمنية عن السفن الأمريكية، حيث وُجهت ضربات دقيقة لأكثر من 91 سفينة أمريكية تنقلت بين البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي.
ووسط هذا الاضطراب، تقف السفن البريطانية على سجلات الاستهداف، حيث تم الهجوم على 14 سفينة بريطانية، في محاولة لتأكيد أن البحر لم يعد آمنًا لقوى الاستكبار.
التطورات الأخيرة أشارت إلى تحول استراتيجي كبير في القوة العسكرية اليمنية، ما يعزز من مكانتها كفاعل إقليمي. يرى الخبراء العسكريون أن هذا التصعيد يكشف عن نقاط الضعف في المنظومات الدفاعية الأمريكية في مواجهة الأسلحة والتكتيكات المتطورة التي يستخدمها اليمن.
الانتهاك لقرار الحظر
التحديات لم تتوقف عند هذا الحد، فقد ساهمت القوات اليمنية في تحديد السفن التي انتهكت قرار حظر وصولها إلى موانئ فلسطين المحتلة، بتجاوزها للحدود المرسومة، ليصل عددها إلى 59 سفينة . بينها 22 سفينة في البحر الأحمر، و8 في البحر العربي، و2 في المحيط الهندي، و13 في المتوسط. وتمثلت هذه القطع البحرية في باقة متنوعة من السفن، بدءًا من 44 سفينة حاويات إلى 36 سفينة للبضائع السائبة، و28 ناقلة نفط وكيماويات، و13 سفينة شحن عامة.
لقد أظهرت هذه الأرقام كيف أن اليمن، رغم ما يعانيه من ضغوط وحصار، قد استجمع قواه وصار يُحدث تحولاً نوعيًا في ميزان القوى العسكرية في المنطقة. هذه العمليات ليست مجرد أعمال عسكرية بل تختزل في طياتها رسائل حادة تعلن للعالم أن اليمن بات لاعبًا رئيسيًا على مسرح الصراع الإقليمي. وبينما يستمر الكيان الصهيوني في التفكير في خياراته، يحاصره واقع جديد يجعل من الأجندة السياسية والمعادلات العسكرية أكثر تعقيدًا.
لقد ساهمت العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في إعادة رسم حدود الصراع، لتصبح القضية الفلسطينية قضية مصيرية محورية تعكس أن للشعوب قوى قادرة على الدفاع عن حقوقها. ومع كل ضربة، يتضح أكثر بأن اليمن قد أصبح رمزًا للبطولة والمقاومة، مُسلطًا الضوء على مدى التخبط الذي يعيشه الاستكبار العالمي وحلفاؤه في مواجهة الإرادة الحرة لشعوبهم.
فيما يتعلق بالتصعيد المستمر في البحر الأحمر وخليج عدن، فقد أظهر كيف أن القوات اليمنية أصبحت قوةً لا يُستهان بها على الساحة العسكرية، قادرة على تهديد كل من يحاول اتخاذ خطوات عدائية ضد مصالحها ومصالح حلفائها. هذا التوسع في العمليات العسكرية لم يكن لتسجل كأحداث عابرة، بل كانت بمثابة إعلان قوي عن تطور الإستراتيجيات العسكرية في مواجهة الهيمنة الأمريكية والغربية.
“أنصار الله”