المحاضرة الرمضانية الـ19 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي “نص” 23 رمضان 1445هـ
|| مأرب نت || 23 رمضان 1445هـ
سلسلة المحاضرات الرمضانية (1445هـ) ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله” المحاضرة الرمضانية التاسعة عشرة الثلاثاء 23 رمضان 1445هـ
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نستكمل اليوم الدروس والعبر من قصة ابني آدم، ونختتم القصة بما نريده في محاضرة اليوم من بعض الدروس المهمة، التي ينبغي أن نستفيدها من تلك القصة، التي وردت في فجر التاريخ، وفي بداية الوجود البشري، وفي الجيل الأول من بني آدم، وتضمنت تلك الحادثة المؤسفة، التي كانت سُنَّةً سيئة، سَنَّها ابن آدم المعتدي، القاتل، الظالم، وتحمل بسبب ذلك الوزر، واشترك في الجرم، في كل جريمة قتلٍ تأتي من بعدها والعياذ بالله.
اشتهر بين الناس أنَّ اسم القاتل من أولاد آدم هو (قابيل)، القاتل المعتدي الحاسد، وأنَّ اسم المقتول ظلماً، المعتدى عليه، المتقي، هو (هابيل)، وذلك لما ورد في الروايات والآثار والأخبار، وقد أخطأ بعض المترجمين للمعاني القرآنية، الذين يقومون بترجمة القرآن، لكن على أساس ترجمة معاني القرآن، إذ لا يتأتى ترجمة النص القرآني بنفسه، وتحويله إلى لغة أخرى غير لغته العربية؛ لأن القرآن الكريم كما قال الله عنه: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء: الآية195]، لكنهم يترجمون معنى النص إلى مختلف اللغات الأخرى، فبعض المترجمين قام بذكر الأسماء هذه (قابيل، وهابيل) عند ترجمة معنى هذه الآية القرآنية، وقُدِّمت في الترجمة وكأنها وردت في الآية، ولذلك استغل بعض أهل الكتاب الحاقدين، وبعض المستشرقين الغربيين، الذين يشككون في الإسلام والقرآن، استغل ذلك لإثارة الجدل حول الاسمين: كيف اسم قابيل في الحقيقة؟ كيف اسم هابيل في الحقيقة؟ كيف اسم كلٌ منهما (من ابني آدم) في الحقيقة؟ هل قابيل؟ أو هل هابيل؟ هل هابين؟ هل قائين؟ هل…إلخ. والآية القرآنية لم تذكر الأسماء أصلاً، قالت: (ابْنَيْ آدَمَ)، {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ}[المائدة: من الآية27]، ولذلك كان من الخطأ من الذين قاموا بالترجمة أن يقدموا الأسماء وكأنها وردت في النص القرآني، وهي لم ترد في النص القرآني؛ هي إنما وردت في الروايات.
هناك في مقدِّمة الدروس المهمة التي يستفيدها كل إنسانٍ من هذه القصة: الدرس التربوي، الدرس التربوي درسٌ في غاية الأهمية، الدرس الذي نستفيده في تربية النفوس، في تزكية النفوس؛ لأن أبناء آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ذلك الجيل الأول من أبناء آدم كانوا على ملة التوحيد، ونشأوا في أسرةٍ مؤمنةٍ متدينةٍ صالحة، وأبوهم آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” من موقع الأبوّة، وحنان الأبوّة وحرص الأبوّة، ومن موقع النبوة، وهو نبي الله وصفيه، وبعد التجربة المريرة، المؤلمة، المؤسفة في قصة الشجرة، والخروج من تلك الجنة، يهتم بتربيتهم بحرصٍ كبير، على أن ينشأوا نشأةً صالحة، وأن يتربوا تربيةً إيمانية، وأن تزكو نفوسهم، وأن يكونوا صالحين، مؤمنين، ولهذا عندما حصل الذي حصل وهم كانوا في أثناء عبادة، من العبادات التي شرعها الله لهم في ذلك الجيل المتقدِّم: عبادة التقرُّب إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالقربان، وذلك التحول الذي حصل من أجواء العبادة، والتقرُّب إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى التوجه نحو الجريمة، في واقع ابن آدم القاتل المعتدي، الذي يقولون عنه (قابيل)، هذا التحول من أجواء العبادة والقربة، إلى حالة الجريمة: إلى الحقد، إلى الحسد، إلى موقفٍ عدائيٍ ظالمٍ باغٍ، لم يكن صدفة، من الصدفة أن يقتلب بموجة واحدة من حالة عبادة وقربة، كما لو يتغير حالك وأنت في الصلاة مثلاً، تصلي وتذكر الله وفي أجواء عبادة، ثم تتحول فجأة إلى ارتكاب جريمة عدوانية إجرامية لتقتل إنساناً بريئاً.
تلك الحالة لم تكن صدفةً، تلك الحالة وذلك التحول السريع في وضعه (من جو عبادة، إلى جو جريمة)؛ إنما له آثاره السابقة؛ لأنه كان يفقد حالة التقوى، والالتزام بالتقوى فيما مضى، فاستمراره فيما مضى على ارتكاب الذنوب، وعدم اهتمامه بتزكية نفسه، ولا تفاعله مع ما يقدمه له أبوه نبي الله آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ما يقدمه له من الهدى، من تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما يسعى له من تربيته تربيةً صالحة، كان لعدم تفاعله وتأثره أثرٌ سلبيٌ في تنامي الحالة السلبية في نفسه، تنمو في نفس الإنسان حالات سلبية، لدى الإنسان قابلية للخير وللشر، الله يقول عن النفس البشرية: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس: الآية8]، فتنامت فيه الحالة السلبية، وتركت الذنوب التي يمارسها آثارها الخطيرة السيئة على نفسه.
ولذلك فالإنسان إذا أهمل نفسه، أو بقيت فيه بذرة من بذور الخلل، البذرات الخطيرة، ونمت في نفسه، ففي مرحلة اختبارٍ معيَّن ينزلق نحو ذنبٍ عظيم، انزلاقةً خطيرة، قد تكون انزلاقةً وعثرةً لا ينهض بعدها أبداً، لا يعود فيما بعدها لإيمان، ولا لتقوى، ولا لتوبة؛ ولذلك على الإنسان أن يكون حذراً، وأن يحرص على تزكية النفس، وأن يتخلص من البذرات الخطيرة جداً؛ ولذلك ورد عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، ورد في الأحاديث، وأيضاً في الأخبار، في الآثار عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، ورد عنه التحذير من تلك البذرات، من: (الكبر، والحرص، والحسد(، فهي بذرات خطيرة جداً، يتفرع عنها الكثير والكثير من المعاصي التي يتورط فيها الإنسان. فهذا درسٌ مهمٌ على المستوى التربوي.
فيما يتعلق بالجرائم، على الإنسان أن يسعى من خلال هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” إلى أن يرسِّخ في نفسه النظرة الحقيقية تجاه الجرائم، تجاه بشاعتها، خطورتها، وسوئها، وفظاعتها؛ حتى تكون نفسه مستوحشة من المعاصي، تكرهها، تبغضها، تنفر منها، فلا يكون جريئاً، ولا متسرعاً نحو الانزلاقة إليها، ومنها: جريمة القتل.
جريمة القتل هي في أصلها جريمة، القتل عدواناً وظلماً جريمة بشعة، فظيعة، رهيبة، خطيرة للغاية، كبيرة من كبائر الذنوب والمعاصي، والجرم فيها أيضاً يشمل آثارها، يمتد إلى آثارها، وهي جريمة لها آثار، آثار في محيط الإنسان، بدءاً من محيط المظلوم، المعتدى عليه، المقتول ظلماً، يتأثر محيطه القريب منه، أقاربه، لقتله عدواناً وظلماً آثار سلبية، آثار ظلم، آثار نفسية، آثار اجتماعية، البعض حتى آثار معيشية، يُقْتَل إنسان هو يعول أسرةً، يتكفل بها، يهتم بها، هو القائم على وضع أسرته، الآثار النفسية من حزنٍ، وألمٍ، وتأثيرات في ظروف الحياة وواقعها، على محيط ذلك المقتول ظلماً وبغياً وعدواناً، هذه تُحسب في جرم الإنسان، ويتسبب به في امتدادات وآثار وتبعات ونتائج تلك الجريمة.
البعض منها يكون لها آثار اجتماعية في علاقة المجتمع ببعضه البعض، تتسبب في نشوء عداوات، وفرقة، واختلاف، وتباين، وأحياناً أكثر من ذلك: نزاعات، وصراعات، وفتن، وتفقد مجتمعاً بأكمله الأمن والاطمئنان، وتتسبب في المزيد من سفك الدماء: يأتي القتل، ثم القتل، ثم ينعدم الأمن في بلد معين، أو قبيلة معينة، أو منطقة معينة، أو مجتمع معين، أو أسرة معينة؛ فيفقد الناس الشعور بالأمن والاطمئنان، وتتأثر حياتهم بكلها: وضعهم المعيشي، حركتهم في أمور حياتهم ومتطلبات حياتهم، يعيشون الخوف في كل مكان: في الطرقات، في أسفارهم، في أماكنهم، تترك الجريمة آثاراً خطيرة على حياتهم، تُنَغِّص وتُكدِّر حياتهم بكلها، وهذا شيء معروف، وما يحصل في كثير من المجتمعات هو شيءٌ معروف على المستوى الاجتماعي، على المستوى الاجتماعي تترك أيضاً جروحاً غائرةً في النفوس، تولد أحقاداً، تؤثر على تماسك المجتمع وتعاونه، والألفة فيما بينه، والأخوّة فيما بينه، وما يترتب على ذلك من أهمية كبيرة لشؤون المجتمع، لمهامه، لمسؤولياته الكبرى، ثم يكون لها آثار تمتد رقعتها وتتسع إلى نطاق أوسع، وتحصل في بعض الحالات كذلك استمرارية في القتل، والثأر الأعمى، والنتائج السلبية، ويمتد تأثيرها على أمن مجتمعٍ بأكمله ويطول ذلك، بعض المناطق تطول حالة الخوف والقلق لمراحل، لعقودٍ من الزمن، ولها آثار خطيرة جداً.
من الأشياء المهمة التي يجب أن يستحضرها الجميع تجاه تلك الجريمة هو: بشاعتها، والظلم فيها، والتغليظ من الشرع فيها، هذه نقطة وهي في نفس السياق نفسه الذي تحدثنا عنه، على الإنسان أن يتذكر وعيد الله بشأن تلك الجريمة، وعيد الله لمن يَقتُل ظلماً وعدواناً وبغياً، هو وعيدٌ شديدٌ جداً: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء: الآية93]، كم في القرآن الكريم وفي غير القرآن الكريم من الوعيد، على لسان رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، من الوعيد الشديد على ارتكاب مثل تلك الجريمة؛ ولذلك كلما رسَّخ الإنسان في نفسه خطورتها وعقوبتها، وأنها ستكون سبباً لأن يخسر الدنيا والآخرة، لأن يُخَلَّد في نار جهنم، ولا ينفعه أي شيءٍ من دينه، وإيمانه، وعمله الصالح؛ لأنه لم يعد مؤمناً أصلاً، ولم يعد مقبولاً عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
ولذلك لخطورة تلك الجريمة، وللتغليظ فيها، أتت الضوابط الكبيرة، والحصر حتى في مجال العقوبات التي يعاقب فيها الإنسان بالقتل، أتت مضبوطةً جداً، ومحصورةً، ومحددةً، وفي إطار ضوابط، وجهة معنية شرعاً لتنفيذ ذلك، ولم تُترك المسألة بشكل عبثي للناس، فمسألة الاستهتار تجاه القتل، في قتل الناس، الاستهتار والقتل لأبسط الأشياء، البعض من الناس لأنه انفعل وغضب، ولنزوة عارضة، ولمزاج انفعالي معيَّن، يسوِّغ لنفسه أن يرتكب تلك الجريمة البشعة جداً؛ فيقتل إنسانا، ويتجرأ على ذلك، ويُقْدِم على ذلك، وهذه قضية خطيرة جداً.
الإنسان عليه أن يكون حذراً، أن يدرك أنه ليس هناك كل شيء يبرر لك أن تقتل؛ لمزاجك الشخصي، لانفعالك الشخصي، أو لأن أحداً استفزك، فترى بمجرد استفزازه لك بكلمة أن لك أن تقتله، هذه قضية خطيرة للغاية، وكثيرٌ من الناس يتورَّطون؛ ولذلك ينبغي الحذر، ينبغي الحذر.
الحذر هذا يشمل أيضاً الانتباه من الاستهتار، الاستهتار الذي يُبَسِّط المسألة للإنسان، وكأن مسألة القتل مسألة عادية، تأتي في أي أمر، في أي موضوع، كيفما كان، المسألة خطيرة جداً، الحذر في مسألة الاستهتار؛ لأنها تورِّط البعض من الناس، هم يتورطون نتيجة استهتارهم وتهاونهم بهذه المسألة: مسألة سفك الدماء، وإزهاق أرواح الناس، فمثلاً:
- البعض في حالة الانفعال، استفزه أحد بكلمة، أغضبه، أو تحداه، أو أساء إليه، أو جرح مشاعره، أو سَبَّه، أو شيئاً من هذا القبيل؛ فتكون ردة فعله: إمَّا بالقتل مباشرةً، وإمَّا بمقدمات القتل، يدخل في اشتباك، أو يجرح، أو يضرب، أو يفعل فعلاً تستمر تداعياته إلى أن يقتل، وهذه قضية خطيرة جداً، خطيرة جداً، ليس كل شيء يبرر لك القتل، أن استفزك الشخص، أو سبك، أو تكلم عليك… أو غير ذلك، الكلام يقابله كلام، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى: من الآية40]، هناك عقوبات، هناك إجراءات، هناك تعزير، هناك… غير مسألة القتل، وهناك جهات معنية لأن تعطيك الحق لك، فأن يتجه الإنسان في ردة فعل تجاه استفزاز، أو إساءة، أو كلام، أو تصرف مزعج، ليتعامل مع ذلك بالقتل، جريمة رهيبة جداً، ليست مسألة بسيطة، هو يورِّط نفسه في جهنم، ولن يكون ذلك مبرراً له عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
- البعض أيضاً يقتل بالمزاح؛ لأنه مستهتر، ويباشر إطلاق النار تجاه أي شيء، حتى بالمزح، يطلق النار على الآخرين مِزحاً، وهو يريد أن يمزح معهم، أن يخيفهم، أن يقلقهم، وهناك حوادث قتل من هذا القبيل، قام بالمزح بالسلاح، أو المزح بإطلاق النار، أو التهديد بالسلاح مزحاً، ثم تكون النتيجة أن يقتل، هذا من الاستهتار، لا تمزح بالسلاح على أحد، لا تمزح بإطلاق النار على أحد أبداً، لا تمزح بأي وسيلة قد تؤدي إلى القتل، أي وسيلة، أي طريقة تؤدي إلى القتل لا تستخدمها في المزاح مع أحد، فتكون النتيجة أن تقتله، القضية خطيرة.
مسألة إزهاق الأرواح وسفك الدماء ليست لُعبة، ليست مسألة بسيطة أو هينة، حتى تدخل في إطار المزاح، فالمزاح بما يقتل في العادة، أو يتسبب في القتل والإنسان يعرف ذلك، هو جريمة بكل ما تعنيه الكلمة، ومحرمٌ شرعاً، ومجازفة، الإنسان يتحمل الوزر في ذلك، فالمسألة خطيرة جداً.
- البعض أيضاً يتعوَّد أن يطلق النار عشوائياً؛ للفت الانتباه، يريد أن يوقف سيارةً بعيدةً عنه ليركب معهم، فهو يريد أن يلفت انتباههم بإطلاق النار نحوهم، أو شيئاً من هذا القبيل، تصرفات تأتي، وحصلت حوادث كثيرة هي من هذا القبيل: إطلاق النار عشوائياً للفت الانتباه، ثم يقتل، ثم تكون النتيجة أن الإنسان قتل، وهذه حالة خطيرة، هذا من الاستهتار بحياة الناس، هذا من الاستهتار، وإزهاق أرواحهم نتيجةً لذلك، جريمة رهيبة جداً.
- البعض في المناسبات أيضاً يقومون بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء، وهم يعرفون أنها تتساقط على الناس فتسبب ضحايا، يُقتَل هذا، يُقتل أطفال، يُقتَل نساء، في بعض المناسبات تكون الضحايا بالعشرات، من قتلوا ومن جرحوا نتيجة لذلك.
عندما تقوم بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء، وأنت تعرف أنها عندما تسقط على إنسان قد تقتله أو تجرحه، فأنت مستهتر، أنت مستهتر بحياة الناس، أنت تريد أن ترضي نفسك، أن تبتهج بتلك الطريقة، وتطلق النيران بالذخائر الحيَّة في الهواء، وأنت تعرف أنها تتساقط، وحصلت حوادث في مناسبات كثيرة، وسمعت عنها، سمعت عنها، أو عرفت بها، هذا من الاستهتار، لا يجوز للإنسان أن يكون مستهتراً، الوزر كبير، والذنب عظيم، حياة الناس غالية، أرواحهم غالية، سفك دمائهم عبثاً من أجل الابتهاج بمناسبة جريمة بكل ما تعنيه الكلمة، فالمسألة خطيرة جداً على الإنسان.
- البعض من الناس أيضاً في مسألة إطلاق النار: إطلاق النار في المناسبات، إطلاق النار في غير ذلك، لمجرد أي إشكال تبدأ يباشر إلى إطلاق النار، وقد يطلق النار في أماكن مزدحمة: في أسواق، أو في شوارع مكتظة بالناس، أو في أماكن تجمعات، ويسبب لجريمة كبيرة جداً، تكون النتيجة خطيرة جداً.
- أيضاً من الموارد والظروف التي ينبغي الانتباه فيها، وأن يستحضر الإنسان خطورة الجريمة هذه: جريمة القتل للناس ظلماً وعدواناً بغير حق، هي: أثناء المهام التي هي مهام ومسؤوليات لجهات معنية، كالجهات الأمنية مثلاً، أثناء أداء المهام الأمنية، أو مهام عسكرية، أو أي مهام ومسؤوليات، قد يحصل فيها إطلاق النار، أو استخدام للسلاح، فينتج عن سوء الاستخدام، أو التهور في الاستخدام، ظلماً، أو نتائج مؤسفة جداً لقتل الآخرين بغير حق، هذه مسألة أيضاً مهمة جداً.
الإنسان إذا كان يؤدي مهاماً أمنية، أو في مهمة عسكرية، أو أي مهمة ومسؤولية يتحرك فيها، عليه أن يكون متنبِّهاً، عليه أن يكون متبيِّناً، عليه أن يكون حذراً، ألَّا يكون متهوراً، ألَّا يسيء استخدام السلاح بالطريقة التي يتورَّط فيها وبسببها في ذلك الجرم، هذه مسألة مهمة؛ ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” للمؤمنين: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ}[النساء: من الآية94]، يقول: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات: من الآية6]، يجب الحذر، يجب الانتباه.
الإنسان إذا كان– مثلاً- في نقطة أمنية، فلا يتهور بإطلاق النار على السيارات المارة، أو على أي شخص بمجرد أي مخالفة، أو أبسط مخالفة يعتمد على إطلاق النار كوسيلة في التعامل مع المخالفات التي تأتي- مثلاً- في حركة الناس، أو مرورهم، أو غير ذلك، يكون حذراً، لا يكون الاستخدام للسلاح إلَّا في الموارد الضرورية جداً، التي هي ضرورية بالفعل، ويكون الإنسان حريصاً على ألَّا يتورط في جريمة القتل، هذه مسألة مهمة جداً جداً.
من الموارد التي هي ذات أهمية وخطيرة وحساسة، هي: ردة الفعل الجاهلي الأعمى: البعض من الناس إذا قُتِل قريبه، أو صاحبه، مظلوماً، اتجه لردة فعلٍ جاهلية، أعمى، باستهداف غير الجاني، غير القاتل، بالاعتداء على الآخرين الأبرياء، الذين ليس لهم علاقة بالموضوع، ليسوا مباشرين، ليسوا مرتكبين لتلك الجريمة، وهذه هي الطريقة الجاهلية، هي من الموروث الجاهلي: الثأر الأعمى، القتل لغير الجاني ظلماً وعدواناً، اختيار شخصية أخرى من أقارب الجاني، أو من قبيلته، أو من أصحابه؛ للثأر منها، والانتقام بقتلها، هو أسلوبٌ جاهلي، من موروث الجاهلية، ليس من الإسلام في شيء، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حذَّر في القرآن الكريم، وقال “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}[الإسراء: من الآية33]، من الإسراف في القتل أن تقتل غير الجاني، أن تقتل شخصاً آخر بريئاً؛ لذلك فهي حالة خطيرة جداً، ولها تبعات، وآثار، ونتائج، والإنسان بسبب ذلك يتحول إلى مجرم، كما هو المجرم الآخر الذي قتل قريبه أو صاحبه ظلماً وعدواناً، تحول مثله سواءً بسواء.
من الدروس المهمة المستفادة من القصة: أنه يتوضح لنا أن مصدر المشاكل والشر في المجتمع هم الأشرار، الذين تلوثت نفوسهم بتلك الآفات الخطيرة جداً، المتنافية مع التقوى والإيمان، مثل: الكبر، والحرص، والحسد، والطمع… ونحوها، فهم من يشكلون خطراً على المجتمع، هم من يصبحون أداةً للشيطان، ويشكلون خطراً على المجتمع، وهذه نقطة مهمة؛ لأنهم عادةً- عادةً أهل الشر، أهل الإجرام- يحاولون أن يقدِّموا لأنفسهم صورةً مقبولةً في المجتمع، ويحاولون أن يشوِّهوا غيرهم، أن يشوِّهوا الآخرين، الذين هم من يمكن أن يحد من إجرامهم، من شرهم، من خطرهم على المجتمع، وأحياناً على المستوى الاجتماعي البعض منهم يحظى بالمساندة الاجتماعية، يعرفه أصحابه، أو تعرفه قبيلته أنه مجرم، أنه ظالم، أنه سفك الدماء بغير حق، أنه معتدٍ باغٍ، ثم قد يتعصبون معه، ويقفون إلى جانبه، حمية الجاهلية، وعصبية الجاهلية، التي حذَّر منها رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، ووضحها بقوله: ((أَنْ تُعِينَ قَومَكَ عَلَى الظُّلم))، هذه العصبية الجاهلية: ((أَنْ تُعِينَ قَومَكَ عَلَى الظُّلم))، فسواءً على المستوى الاجتماعي، من هو مجرمٌ، باغٍ، معتدٍ، سيء، لا ينبغي أن يحظى بالحماية الاجتماعية، والمساندة الاجتماعية.
أو على مستوى أوسع وأشمل خارج الوضع الاجتماعي: مستوى الكيانات، الفئات، الجهات، التي لديها توجهات سلبية، وممارسات إجرامية ووحشية، وسياسات خاطئة، وأهداف ظالمة، وهي تمارس الشر والإجرام لتحقيق أهدافها، فينبغي أن تكون النظرة إليها: أنها هي التي تمثل الشر على المجتمع، وأنها ليست صادقةً ولا مصيبةً في إخافة المجتمع من المؤمنين، من المتقين، من الصالحين؛ لأن منشأ المفاسد، منشأ الجرائم، هي تلك الحالة السلبية: تلويث النفوس بالآفات، التي تتفرَّع عنها الجرائم، والمفاسد، والمظالم.
أمَّا اتجاه التقوى والإيمان، فهو اتجاهٌ لخير المجتمع، لمصلحة المجتمع؛ لأن المتقين يخافون الله، نجد في قصة ابن آدم المتقي المظلوم نجد قوله: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}[المائدة: من الآية28]، وهو يبين لأخيه أنه لا يحمل إرادة القتل تجاهه، لا ينوي قتله، ولا يريد قتله، ولا يسعى لقتله، فهو يبين له، ويعقِّب على ذلك بقوله: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}، فاتجاه الإيمان والتقوى، هو اتجاه لمصلحة المجتمع ولأمنه، والمتقون هم من لا يحملون إرادة الشر، ويخافون الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
من الدروس المهمة المتعلِّقة بالقصة، والتي تفيد الناس في وعيهم، في بصيرتهم، في تقييمهم للفئات، للكيانات، للتوجهات، التي تشكِّل إمَّا خيراً، أو خطراً على أمن الناس: من المهم أن نعرف أن نفسية الإنسان قابلة لأن تتنامى حالة الشر فيها، فيتحوَّل إلى مجرم، متوحش، قاسي القلب، ولديه جرأة على الظلم، على القتل، على العبث بحياة الناس؛ فيتحوَّل إلى مجرمٍ، عدوانيٍ، متوحش، وجريء جداً على سفك الدماء؛ وبالتالي يشكِّل خطورةً على حياة الناس وأمنهم.
وهذا ما وجدناه واضحاً في حالة ابن آدم المعتدي القاتل، الذي لم ينتفع ولم يتأثر بتلك العظة، بذلك الخطاب الذي خاطبه به أخوه، المظلوم، المعتدى عليه، المتقي، الذي ليس له ذنبٌ أصلاً تجاهه، خاطبه بخطاب مؤثِّر جداً، لم ينفع به، ذكَّره بخطورة الفعل ذلك، بخطورة جريمة القتل، وعواقبها في الآخرة، وحذَّره من نار جهنم، كل ذلك لم ينفع معه أبداً.
هناك فئات من البشر تنامت حالة الشر فيها، ثقافتها من جهة، تفكيرها من جهة، واقعها النفسي، أطماعها، أحقادها، المفاسد التي تربت عليها، ونشأت عليها، كلها تساعدها، وتهيِّئ لها، وتطوِّع لها، الإقدام على الجرائم مهما كانت، مهما كانت بشعة، مهما كانت سيئة، مهما كانت خطيرة جداً، وهذا ما شهد به التاريخ، وتلك الجهات هي التي تصنع المآسي الكبرى في واقع البشر.
مثلاً: في تاريخنا الإسلامي، في هجمة المغول على العالم الإسلامي، كيف كانوا يفعلون؟ كيف كانت ممارساتهم الإجرامية، المدمرة، المهولة؟ كانوا يبيدون سكان مدنٍ بأكملها، يصل إلى مدينة سكانها (ثلاثمائة ألف نسمة)، فيقوم بإعدامهم وقتلهم بكلهم: رجالاً، ونساءً، وأطفالاً، كباراً، صغاراً، مع هتك أعراضهم، اغتصاب النساء قبل قتلهن، التدمير الكامل للمدن، وعندما وصلوا إلى بغداد- وهي آنذاك عاصمة الأمة الإسلامية- قتلوا فيها آنذاك مليون مسلم، مليون إنسان قتلوهم، من: أطفال، ونساء، وكبار، وصغار، إلى درجة أن نهر دجلة تغير إلى اللون الأحمر؛ من كثرة الدماء.
هجمات الصليبيين في حملاتهم الصليبية– ثمان حملات صليبية في التاريخ- قتلوا فيها وأبادوا مئات الآلاف من المسلمين، إضافةً إلى السبي، ما قاموا بسبيه من نساء المسلمين، وأخذهن إلى أوروبا.
فأيضاً نجد– مثلاً- في التاريخ المعاصر من جهة الأوروبيين، ما ارتكبوه من جرائم الإبادة، والقتل، والظلم للشعوب، في قارة آسيا، وقارة أفريقيا، وقارة أمريكا اللاتينية، جرائم إبادة للملايين، للملايين، أبادوا في الجزائر مليوني جزائري مسلم، من أطفال، ونساء، وكبار، وصغار، أبادوا ثلث الشعب الليبي، ثلث السكان أبادوهم، أبادوا في بقية المجتمعات، في بقية الدول، ما مجموعه ملايين من البشر، قتلوهم وأبادوهم.
في هذا العصر اتسعت هذه الجريمة، وتلك الممارسة السيئة جداً، وبإمكانات ضخمة في هذا العصر، يعني: منذ هذه القرون المتأخرة، على مدى ثلاثة قرون تطوَّرت فيها الوسائل والإمكانات، التي يستخدمها الأشرار لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية: قنابل، مدافع، صواريخ، إمكانات، يستخدمونها هم لإبادة الناس بشكلٍ جماعي: أطفال، نساء، وكبار، وصغار، ودون أي تفريق، وليس هناك عندهم حدود معينة، ولا ضوابط معينة، ولا أخلاقيات، ولا التزامات… ولا شيء. إجرام المستعمرين الغربيين الأوروبيين، وإبادتهم للملايين في القارات الثلاث، هذه مسألة معروفة جداً.
وهناك من الفئات التي هي مصدر شر، وخطر، وإجرام، وتوحش، واستهتار بحياة الناس: بنو إسرائيل؛ ولذلك أتى التعقيب للقصة نفسها في القرآن الكريم (في سورة المائدة)، والربط بالقصة فيما يتعلق ببني إسرائيل، وتغليظ الجريمة عليهم في التشريع الإلهي لهم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ}[المائدة: من الآية32]، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بعد أن ذكر القصة مباشرة: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة: الآية32].
بنو إسرائيل عُرِفوا بجرأتهم على سفك الدماء، واستهتارهم بحياة الناس، يحملون نفسية ابن آدم ذاك، الذي يقال عنه أنه (قابيل)، هم يحملون تلك النفسية من الشر، والحقد، والحسد، والكبر، والاستهتار بحياة الناس، والجرأة على سفك الدماء، ومعروفٌ عنهم أنهم من هندسوا الحروب العالمية، الحروب العالمية التي كان فيها كوارث ومآسٍ رهيبة جداً، وقُتِل فيها أكثر من خمسين مليون إنسان، إبادة رهيبة جداً جداً، في الحروب العالمية: الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، من المعروف أنَّ اليهود هم الذين هندسوا لتلك الحروب وأثاروها، وهم الذين كانوا يشجِّعون على القتل، والإجرام، والإبادة، ويهيئون الأرضية لذلك.
أمريكا- وبرز دورها من الحرب العالمية الثانية، وهي تخضع لتأثير ونفوذ اللوبي اليهودي الصهيوني- أبادت في اليابان ربع مليون إنسان في دقائق، بالقنابل الذرية، استخدمت القنابل الذرية، التي هي أفتك سلاح للتدمير، والقتل، والإبادة، ضد المدنيين مباشرةً، ليست في جبهات حرب، ولا في اشتباك معارك، بل على رأس المدنيين، في كبريات المدن اليابانية آنذاك، في: [هيروشيما، ونجازاكي]، تستهدف المدنيين مباشرةً وتقتلهم، وفي غضون دقائق تُبيد ربع مليون إنسان قتلاً وحرقاً بأفتك سلاح للقتل والإبادة.
تلك الحالة من التوحش، والإجرام، والاستهتار بحياة البشر، وراءها ثقافة، وراءها تربية سيئة، وينشأ عنها توجهات عدوانية، إجرامية، تبرر فعل كل شيء، من أجل المصالح والمكاسب المادية والسياسية، ولا تتحرج من أي شيء، والغاية عندهم (الغاية السيئة) تبرر الوسيلة السيئة.
فنجد أمام هذا التعقيب القرآني في القرآن الكريم، تعقيباً مهماً جداً: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ}، من أجل أنه يوجد في البشر من هذه النوعية: المجرمة، المستهترة بحياة الناس، أتى التغليظ لجريمة القتل إلى هذه الدرجة: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: من الآية32]، والإعلاء من قيمة الحياة والمحافظة عليها: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: من الآية32].
{ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة: من الآية32]، ولا يخفى ما يفعله أعداء الله الإسرائيليون، أعداء الله وأعداء الإنسانية، ما يفعلونه في فلسطين، منذ بداية احتلالهم لفلسطين: أبشع الممارسات الإجرامية، وحالياً ما يقومون به الآن في قطاع غزة، جرائم رهيبة جداً، تباهٍ وافتخار بقتل الأطفال، بقتل النساء، تعمد لذلك، ينشِؤون مناطق كثيرة هي مناطق الأهالي، يسمونها بمناطق إعدام، يقتلون الناس فيها بكل استهتار، يقتلون من يشاهدونهم أنهم عزَّل، ليس بأيديهم سلاح، ولا مقاتلين، بل يفتخرون ويذكرون القصص عن ممارساتهم الإجرامية وهم يقتلون الأطفال، يقتلون النساء، يستهدفون المنشآت الخدمية، التي هي لخدمة الناس: مستشفى ومحيطه، جرائمهم في مستشفى ومجمع الشفاء الطبي في غزة وفي محيطه جرائم رهيبة جداً، بشعة جداً، يسحقون المعاقين المرضى بجنازير الدبابات، يقتلون الأطفال عمداً، ينزعون الأوكسجين الذي يغذي المرضى لاستمرار حياتهم عنهم، والأجهزة الطبية التي تساعدهم على استمرار حياتهم عنهم، يستهدفون الأطفال في الحضانة، إجرامية رهيبة جداً، وتوحش رهيب جداً، واستهتار تام بحياة الناس.
ولذلك شرع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عقوبات وجزاءات، وأتى في التعقيب للقصة نفسها:
- أولاً: الحديث عن بني إسرائيل، وتغليظ الجريمة عليهم.
- ثانياً: جزاء الذين يحاربون الله ورسوله، والحرب لله ورسوله هي: الحرب على عباده، الظلم لعباده، الاستهتار بحياة عباده، البغي والعدوان على عباد الله، الاضطهاد لعباد الله، والاستباحة لحياتهم، هي الحرب لله ورسوله، الحرب على الله وعلى رسوله، أتى الجزاء الرادع لهم.
- أتى الجزاء الرادع لهم، أتى أيضاً ما بعد ذلك، الحديث عن الجهاد في سبيل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: الآية35]؛ لأنه لابدَّ من أن تنشأ، وتُبنى، وتُرتب حالة ردع لمنعهم؛ لأنهم فئات إجرامية، لا تنفع معهم الموعظة، ولا المبادرات، ولا الحوارات، إذا لم يكن هناك ردعٌ فعليٌ بالعقوبة لهم، فأتى التأكيد على الجهاد في القرآن الكريم، وفي سياق هذه القصة، والتعقيب عليها؛ لأنه لابدَّ أن يكون هناك حالة ردع.
ونجد الفرق بين التشريع الإلهي في الجهاد في سبيل الله، في الأهداف المقدَّسة، والغايات المقدَّسة، وفي الضوابط الشرعية، وفي الممارسة المضبوطة، التي تضبط بقيم، وأخلاق، ومبادئ راقية جداً، مبادئ إلهية، تُبعِد الناس عن الظلم، تُبعِد الناس عن البغي، عن العدوان، وفي نفس الوقت إذا حصلت ممارسات خاطئة، أو فردية، يتم السيطرة عليها، والحد منها، والإنصاف فيها… وغير ذلك.
ثم عندما نأتي إلى القرآن الكريم، نجد أنَّ الله شرع الجهاد لمواجهة أولئك الأشرار، المجرمين، الذين يشكِّلون خطراً على حياة المجتمع، وعلى أمنه، وعلى استقراره، وعلى معيشته، يمارسون البغي، الظلم، العدوان، القتل، الإبادة الجماعية للناس، النهب لحقوقهم، الهتك لأعراضهم، الظلم والاضطهاد لهم… إلى غير ذلك، والله يقول: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة: من الآية251]، فهي لمواجهة تلك النوعيات التي يقول عنها: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة: الآية205]، ما يفعله الإسرائيلي: يهلك الحرث والنسل، يدمر الحياة، يدمر كل شيء، يستهدف كل شيء.
ثم عندما نجد مثلاً في تعليمات الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، عن الضوابط الشرعية والأخلاقية للعمل الجهادي، نجد قدسية العمل الجهادي، والفارق الكبير بينه وبين الممارسات الإجرامية للأعداء. كان رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” إذا بعث جيشاً يوصيهم بمجموعة توصيات، من ضمنها، ذكرنا البعض منها فقط للاختصار: ((فَلَا تَقتُلُوا وَلِيداً، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا شَيْخاً كَبِيراً لَا يُطِيقُ قِتَالَكُم، وُلَا تُغوِرُوا عَيْناً، وَلَا تَقْطَعُوا شَجَراً لَا يَضُرُّكُم، وَلَا تُمَثِّلُوا بِآدَمِيٍ وَلَا بَهِيمَة))، لا تشوِّهوا جثمان إنسان، احترموا حرمة الجثامين، ((وَلَا بَهِيمَة))، وحتى الإنسان الحي لا يظلم ويشوَّه، ((وَلَا بَهِيمَة، وَلَا تَظْلِمُوا، وَلَا تَعْتَدُوا))، تأتي هذه، وكم في القرآن الكريم من ضوابط شرعية وأخلاقية، وضبط للمسألة: (من نقاتل؟ متى نقاتل؟ كيف نقاتل؟ لماذا نقاتل؟ ما هو الهدف؟ ما هو الدافع؟ ما هي الغاية؟)، وأن يكون في سبيل الله، من أجل الله، وفق التشريعات والتعليمات، والمسيرة التي رسمها “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مضبوطةً بالضوابط الأخلاقية والشرعية، بدون ظلم، بدون استهدافٍ للأبرياء… وهكذا، والتفاصيل تطول عن هذه المسألة، لكن من باب التوضيح الإجمالي؛ لأهمية المسألة، في مقابل أولئك المجرمون الأشرار.
ثم إذا وجدنا فيما يُحسَب على المسلمين، وما يحسب على أنه تحت عنوان جهاد، ممارسات إجرامية، وحشية، عدوانية، مثل ما هو الحال في واقع التكفيريين، في واقع التكفيريين: (داعش، والقاعدة)، أو فيما هو شبيهٌ بذلك، يعني: حال بعض الأنظمة، بعض التشكيلات التي لها ارتباط باليهود والنصارى، لها ارتباط بأمريكا وإسرائيل، فلنعرف أنَّ الإسلام بريءٌ من ذلك، بريءٌ من ذلك، تلك التشكيلات التي لها ارتباط بأعداء الله، وأعداء الإنسانية، من قوات تكفيرية، مثل ما هو حال داعش، من أنظمة وتشكيلات أخرى، كل التشكيلات التي لها ارتباط بأمريكا وإسرائيل، ما تمارسه من جرائم بشعة، ووحشية، واستهتار بحياة الناس، وقتل للأبرياء، وذبح للناس، واستهداف للناس بطريقة وحشية، إجرامية، بشعة، هي تفعله تبعاً لارتباطاتها وولاءاتها، وتنفيذاً لأجندة الأعداء؛ لأن الأمريكي يسعى لأن يكون هناك ممارسات إجرامية محسوبة على المسلمين؛ ليحسبها- في بقية المجتمعات الغربية- ليحسبها على الإسلام؛ لتشويه الإسلام.
ولطالما وضَّحنا في كثير من المحاضرات والدروس: أنَّ الأمريكيين والإسرائيليين يحرصون على تحقيق هدفين، سواءً من خلال التكفيريين، أو غيرهم من التشكيلات التي تقاتل مع أمريكا ضد أبناء الأمة، فالأمريكي والإسرائيلي يحرصون على أن يكون هناك ممارسات إجرامية، تسيء إلى الإسلام والمسلمين، تشوِّه الإسلام، وأن يكون هناك أيضاً إبادة للأمة، قتل ذريع للأمة، استنزاف لإمكانات الأمة وطاقاتها، تفريق لأبناء الأمة تحت عنوين مفرِّقة مبعثرة للأمة، فهم يريدون أن يضربوا- كما يقال- عصفورين بحجرٍ واحد:
- تشويه من جهة.
- تدمير وإبادة للأمة من جهة.
ولذلك لا تستبعدوا أنَّ الإسرائيلي بالرغم من كل ما يرتكبه في غزة من جرائم فظيعة للغاية، رهيبة وشنيعة جداً، مستهترة بالحياة الإنسانية، والقيم، والأخلاق، جرائم هي أشبه شيءٍ بجرائم الغاب، وأفظع من جرائم الغاب، هو يعوِّل أنه ما بعد ذلك سيوعز إلى تلك التشكيلات الإجرامية، المرتبطة به، والمرتبطة بأمريكا، ممن هي محسوبة على أنها من المسلمين، ومن العرب، سيوعز إليهم فيما بعد لأن يرتكبوا جرائم فظيعة للغاية؛ لتبقى الصورة الغالبة في ذهنية المجتمعات البشرية: أنَّ الإجرام، وأنَّ الجرائم البشعة جداً، مرتبطة بمن هم محسوبين على الإسلام، هو يعوِّل على ذلك، يعوِّل على أنه ما بعد استكمال تلك الجرائم، سيوعز إلى أولئك ليبدأوا، وهم يعدون العدة لذلك، يعدون العدة في واقع الأمة.
ولذلك يجب أن نمتلك الوعي، والبصيرة، والفهم تجاه الواقع الذي نعيشه، تجاه الناس، تجاه الجهات التي تتحرك وهي امتداد لنفسية قابيل، وتوجهات قابيل، وشر قابيل، ولا يريد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لبقية البشر والمجتمعات البشرية أن يكونوا دائماً ضحية، ضحية، ضحية كهابيل، أتى في التشريعات الإلهية ما يساعد الأمة لأن تكون في منعة، وردع، وقوة، وأن تسعى لمنع أولئك المجرمين، المتوحشين، المستهترين بحياة البشر، الذين يبيدون الملايين، الذين يسخِّرون الإمكانات الهائلة للفتك، والقتل، والتدمير، من آخر ما يصنعونه من الأسلحة؛ لإبادة الناس بشكلٍ جماعي، يجب أن يكون هناك ردعٌ لهم، تبني الأمة نفسها وفق تعليمات الله، وفق توجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن الله هو القائل: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر: من الآية31]، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران: من الآية108]، لا يريد لهم أن يُظلَموا، لا يريد لهم أن يكونوا مستباحين، ضحيةً أمام أعدائهم؛ لأنهم لا يمتلكون أي إمكانات للردع، وليسوا في حالة منعة، ولا قوة، ولا حمية، ولا قدرات تساعدهم على الدفاع عن أنفسهم؛ ولذلك أتى التشريع بالجهاد، وأتى أمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في قوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60]، وأتت التعليمات من الله في كل ما يساعد المجتمعات، التي هي مجتمعات تتجه على أساسٍ من إرادة الخير، لتكون قوية، وفي منعة، وفي عزة، تدفع عن نفسها أولئك المجرمين، المتوحشين، المستهترين بالحياة الإنسانية.
ثم نجد أيضاً التشريع الإلهي يعلي من قيمة الحفاظ على حياة الناس، والإنقاذ للناس، {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: من الآية32]، لذلك عندما تأتي مساعدة- سواءً في اهتمامات الإنسان الشخصية- لإنقاذ الآخرين، من تنقذه وهو معرَّض للهلاك، أنت تساعده للعلاج من مرض فتَّاك وقاتل، أو أنت تحميه من خطر يعرِّضه للهلاك، أنت تنقذه من غرق، سيغرق، أو من حادثة سيهلك فيها… أو غير ذلك من أسباب إنقاذ الناس، فيه أجرٌ عظيمٌ جداً، {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، أجر عظيم، أن تعمل على دفع فتنة، أو درء مشكلة، أو إصلاح قضية في المجتمع، للحفاظ على حياة الناس فيها، هو من هذا الإسهام الذي به هذا الأجر العظيم: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، حتى الجهاد هو في هذا السياق: حماية للمجتمع، ولأمنه، ولاستقراره.
فنجد التشريعات الإلهية تبيَّن لنا رحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بعباده، ونجد منشأ الشر والخطر في حياة الناس، وكيف يستغل الشيطان من تلوثت نفوسهم بتلك الآفات والعلل، من: كبر، حسد، طمع… غير ذلك.
أَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛