كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في تدشين الذكرى السنوية للشهيد “نص”
|| مأرب نت || 1 جمادي الأولى 1445هـ
كشف قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أنه ومنذ بداية الأحداث في فلسطين تلقت صنعاء رسائل التهديد والترغيب من الجانب الأمريكي لثنيها عن موقفها الداعم والمساند للشعب الفلسطيني لكنها لم تكترث لذلك.
وقال قائد الثورة في كلمته اليوم خلال تدشين الذكرى السنوية للشهيد ” إن الأمريكيين قالوا في رسالتهم بأنهم وجهوا دول المنطقة بألا يكون لها أي ردة فعل تجاه ما يحدث في فلسطين، فقلنا لهم لا تحسبونا معهم، فلسنا ممن يتلقى التوجيهات منكم أو يخضع لأوامركم”.
ولفت إلى أن الشعب اليمني اتخذ هذا الموقف وهو مستعد لكل تبعاته، كونه شعب مجاهد رفع راية الجهاد وقدم التضحيات الكبيرة في ثباته على موقفه تجاه القضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن الأمريكي “يتجه للضغط علينا عبر التهديد المباشر وبعودة الحرب مع التحالف وإعاقة الاتفاق مع التحالف بعد أن كان وشيكًا وعرقلة المساعدات الإنسانية، وكل هذه الخطوات لن تخضعنا وتصرفنا عن موقفنا لأنه موقف مبدئي صادق، فشعبنا شجاع وحر ولن يخضع أو يستعبده أحد لا الامريكي ولا البريطاني ولن يرده عن موقفه أحد”.
وأكد قائد الثورة استمرار الانشطة والجهود في إطار هذا الموقف الصحيح والمشرف على كل المستويات، على المستوى العسكري والتبرعات عبر الحملة الوطنية التي تشرف عليها اللجنة العليا لنصرة الأقصى.. لافتا إلى أن تجربة الشعب اليمني ومعاناته ومظلوميته تساعده على مواصلة الاهتمام والألم تجاه ما يحصل في فلسطين.
وفيما يلي نص الكلمة:
حياكم الله جميعاً، وأهلاً وسهلاً ومرحباً، نرحب بكم أيها الإخوة الحاضرون جميعاً، في البدء بالآباء العلماء الأجلاء الحاضرين، وكذلك بالحاضرين من آباء وأقارب الشهداء، وكذلك بالحاضرين من الإخوة المسؤولين في الدولة، وبالحاضرين من إخوتي الأعزاء… كافة الحاضرين، حياكم الله جميعاً، وأهلاً وسهلاً ومرحباً.
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في بداية هذه الكلمة نتوجه بالتحية، والتبجيل، والإعزاز، والتقدير لكل آباء الشهداء، وأقارب الشهداء المضحِّين، الصابرين، المحتسبين، ونسأل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أن يرفع مقامات ومنازل شهدائنا الأبرار، وأن يتقبَّل من أسرهم، ويتقبل من مجتمعنا المضحي والصابر والمجاهد هذا العطاء.
وفي هذه المناسبة التي هي ذكرى سنوية، دائماً نركِّز فيها على تخليد ذكرى الشهداء، والحديث عنهم، والحديث عن سيرهم، وعن عطائهم؛ باعتبارهم مدرسة نموذجية تقدِّم لنا وتجسِّد لنا قيم الإسلام ومبادئه، عرفاناً بحقهم، واستفادةً منهم، واعترافاً بعظيم منزلتهم عند الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وبأهمية عطائهم فيما يتعلق بنا في واقعنا، وبما كتبه الله كثمرةٍ لذلك العطاء، ولتلك التضحية من نصرٍ، وعزٍ، وكرامةٍ، وحياةٍ لشعبنا وأمتنا.
ثم أيضاً بالحديث عن قدسية الشهادة، وعن مفهوم الشهادة بالمعنى الصحيح، والمفهوم الصحيح الذي قدَّمه القرآن الكريم، وأهمية هذا المفهوم الذي له صلة كبيرة جدًّا بحياة الأمة، بعزتها، بقيمها، بدينها، بمبادئها الإسلامية الإلهية العظيمة، والحديث كذلك عن أهمية المسؤولية تجاه أسر الشهداء، التي نحن جميعاً على المستوى الرسمي والشعبي معنيون بها، بالاهتمام بأسر الشهداء على كل المستويات: الرعاية المادية للفقراء منهم، ومواساة المحتاجين منهم، العناية بهم، العناية بهم على المستوى المعنوي، وأيضاً على كافة المستويات.
فهذه المناسبة هي تلفت النظر إلى هذه النقاط بشكلٍ أكبر، وإلَّا فهذه الأمور هي محط اهتمام بشكلٍ مستمر، ونحن معنيون بها على الدوام، إلَّا أنَّ مثل هذه المناسبات تزيدنا اهتماماً، وتلفت نظرنا أكثر، وهي مفيدةٌ ومهمة، نحن بحاجة إليها في المقدِّمة، أمَّا الشهداء فهم أغنياء عن ذلك، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” قد شرَّفهم، ومنَّ عليهم بما أعدَّ لهم من عظيم المنزلة والثواب والأجر العظيم، ولكن نحن من نستفيد تربوياً وأخلاقياً وإنسانياً وإيمانياً، ونستفيد في الواقع بما نتزوده أيضاً من هذه المدرسة المعطاءة، التي هي عظيمة العطاء، وعظيمة الأثر، وعظيمة النتائج.
عندما نعود إلى القرآن الكريم، نجد أنَّ الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أثنى بعظيم الثناء على الشهداء، ووعدهم بالوعد العظيم، والأجر الكبير، والمنزلة الرفيعة، وهذا يلفت نظرنا إلى الأهمية الكبيرة للشهادة، وهذه الأهمية مرتبطةٌ بإحياء الروح الجهادية في الأمة؛ لأن هذه الأمة تحتاج إلى أن تتحرك في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” لإحياء فريضة الجهاد في واقعها، ارتبط عز هذه الأمة، مجد هذه الأمة، كرامتها، حريتها، استقلالها، منعتها، قوتها، كل هذا ارتبط بإحياء فريضة الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، بدون الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” تذل الأمة، وتهون الأمة، وتضعف الأمة، وتتشتت الأمة، ويقهرها أعداؤها، ويغلبها أعداؤها، ويستذلها ويستعبدها ويقهرها أعداؤها.
الجهاد في سبيل الله هو نَظْمٌ لجانبٍ مهم في واقع الأمة، فالمجتمعات البشرية تعيش في واقعها حالة الصراع، حالة النزاع، حالة الاختلاف، والشر موجودٌ في واقع البشر، هناك أشرار، هناك خلافات، هناك أطماع، هناك من يتحركون من أبناء المجتمع البشري وهم يحملون عقدة البغي، والعدوان، والطغيان، والاستكبار، ويمارسون الظلم، ويشكِّلون خطراً وتهديداً على أمن المجتمعات البشرية، على السلم في المجتمع البشري، وبدون أن يتحرك الآخرون الذين ينتمون إلى الخير، ينتمون إلى الإيمان بالمبادئ الإلهية، والقيم الإلهية، والقيم الفطرية والإنسانية، بدون أن يتحركوا هم أيضاً في إطار مسؤولياتهم المقدَّسة، مسؤولياتهم العظيمة، وفقاً لسنَّة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، التي عبَّر عنها الله في القرآن الكريم بقوله: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة: من الآية251]، بدون أن يتحركوا، هم يفسحون المجال نتيجة لتخاذلهم لجبهة الشر، للمجرمين، للطغاة، للأشرار المجرمين، السفاحين، السفاكين للدماء، وينتج عن ذلك مآسٍ كبيرة، وكوارث رهيبة، ومظالم خطير جدًّا في واقع الناس.
فالمجتمعات البشرية بشكلٍ عام تسعى لأن تكتسب في واقعها القوة، والمنعة، والقدرة العسكرية، وكل وسائل القوة التي تساعدها على الدفاع عن نفسها، على دفع الأخطار عنها.
بل البعض من المجتمعات البشرية لا تكتفي بهذا المستوى من الاهتمام، من الجهوزية، من السعي للقوة، بل تسعى إلى أن تكون في مستوى القدرة على ضرب الآخرين، على السيطرة على الآخرين، على قهر الآخرين، على التغلب عليهم، وعلى ثرواتهم، وهذا معروفٌ في الواقع البشري: أنَّ هناك اهتمام كبير بأن تكون المجتمعات قوية، وأن تكتسب كل وسائل القوة التي تحميها، أو أكثر من ذلك: تستغلها لاستهداف الآخرين والسيطرة عليهم. فالإسلام هو ينظم هذه المسألة: مسألة أن تسعى الأمة لتكون قويةً، منيعةً، قادرةً على دفع الخطر عنها، على دفع الشر عنها، ينظم هذه المسألة ضمن الالتزامات الإيمانية والأخلاقية، ووفق القيم الإلهية، والمبادئ الإلهية، والضوابط الأخلاقية، ويربطها في غاياتها وأهدافها بما هو مقدَّس، بما هو مرتبط بالقيم والمبادئ والأخلاق الإلهية.
وبدون الاهتمام بهذا الجانب، فالنتيجة خطيرة جدًّا في واقع الأمة: تبقى الأمة بدون منعة، بدون قوة، بدون عزة، ويستبيحها الأشرار الطغاة المجرمون الظالمون، يستغلون ضعفها، يستغلون عجزها، يستغلون هوانها وذلها، فيستهدفونها بكل أشكال الاستهداف.
وواقع المسلمين هو يترجم هذه الحقائق: حالة الضعف في الواقع الإسلامي، في واقع المسلمين، وليس في الإسلام نفسه، حالة الضعف الرهيب، وما ينتج عنه، وما يترتب عليه من مآسٍ ومظالم كبيرة في واقع أمتنا، هو يدل بشكلٍ واضح على أهمية هذه الفريضة، وما يرتبط بها من نتائج مهمة في واقع الأمة.
عند الحديث عن مسؤولية الأمة في الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” كأمة لها رسالة، ولها مسؤولية، ولها حاجة وضرورة بأن تكون أمة قوية، منيعة، تقدر على النهوض بمسؤولياتها من جهة، وعلى حماية نفسها من جهةٍ أخرى، عند الحديث عن هذا، يبرز في مقدِّمة العوائق: عائق الخوف، وبالذات أنَّ الأعداء (أعداء الله، وأعداء الإنسانية، الطغاة، المجرمين، الظالمين) يستخدمون وسائل الجبروت والظلم والطغيان بحق الناس كأسلوب للسيطرة عليهم من خلال الترهيب، من خلال التخويف، من خلال زرع الخوف في نفوسهم، فممارسات القتل بوحشية وإجرام، هي ممارسة معروفة بالنسبة لهم، كل قوى الشر، كل قوى الإجرام والطغيان، تجعل من أسلوب القتل بطريقة وحشية وجماعية، القتل للناس بطريقة الإبادة الجماعية، القتل للرجال والنساء، والكبار والصغار، القتل الجماعي للناس في منازلهم، في مساكنهم، في أماكن تجمعاتهم، القتل ليس فقط في المعركة وفي الميدان، القتل للمدنيين، القتل للمسالمين، القتل للذين هم حتى في منازلهم، القتل بطريقة وحشية، الاستباحة لكل الحرمات، هو ممارسة واضحة، وسلوكٌ أساسيٌ من سلوكهم وممارساتهم؛ ولذلك فالأمة بحاجة إلى أن تحمل روحية الشهادة، التي تجتاز من خلالها حاجز الخوف والرهبة من جهة الأعداء، ويشجع الأمة للانطلاقة بجدية لحمل راية الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وإن كان هناك احتمال الشهادة، فالشهادة شرفٌ كبير.
إذا كان القتل وسيلة يحرص الأعداء من خلالها إلى تكبيل الشعوب، وإخافتها، وإذلالها، وقهرها، والسيطرة عليها، وكان التهرب من الجهاد في مقدِّمة عوائقه: الخوف من القتل، فالأمة تدفع ثمناً أكبر بتخاذلها، بقعودها، بجمودها، بتنصلها عن مسؤولياتها المقدَّسة، تدفع ثمناً أكبر، فيكون ضحاياها بالآلاف المؤلفة من دون موقف، من دون تحرك في مواجهة الأعداء، وهذا ما حصل كثيراً للمسلمين في تاريخهم، سواءً في مراحل المواجهة مع التتار، أو الصليبيين، أو كذلك مع المجتمعات الأوروبية في حروبها واستعمارها في العصر الحديث، وفي مراحل كثيرة من تاريخ الأمة، هذا شيءٌ معروف، وفي وضعنا الراهن، الأمة تقدم تضحيات كبيرة جدًّا في غير موقف.
ولذلك عندما نعود إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وإلى كتابه الكريم، نرى أنَّ الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” جعل القتل في سبيله في إطار الموقف الذي وجَّه إليه، في إطار الالتزام بتعليماته، والتحرك على أساسها، جعله شهادةً، وجعل هذه ميزةً عظيمة، وكرامةً كبيرة، فقال “جلَّ شأنه”: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 169-171].
فمن كرم الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، من نعمته الكبيرة والعظيمة، أن يمنَّ على الشهداء بأن تكون شهادتهم انتقالاً إلى حياة كريمة، وإلى استضافته “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فاستضافهم “جلَّ شأنه” بما عبَّر عنه في هذه الآية المباركة: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، هذا تحفيز كبير جدًّا للأمة للنهوض بمسؤوليتها في الجهاد في سبيل الله، وإزالة أكبر عائق يمكن أن يكون عاملاً مثبطاً للأمة، أو سبباً في تخاذلها، وهو الخشية من الموت، الخشية من القتل أن يكون وراءه الموت، فتأتي هذه الميزة وهذه الكرامة للشهداء الذين يقتلون في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أن يستضيفهم الله في حياةٍ هنيئةٍ، طيِّبةٍ، سعيدةٍ، وتكريمٍ إلهيٍ كبير.
{بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}؛ لذلك من المهم الحديث عن الشهادة، عن فضلها، عن كرامة الشهداء، عما أعدَّ الله لهم في إطار هذه المناسبة، في إطار هذه الذكرى، في فعالياتها وأنشطتها المختلفة؛ لأن هذا يحفز الإنسان على الانطلاقة في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، والجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” بروحٍ جهاديةٍ وثَّابة، بانطلاقةٍ جادة، ويحرر الإنسان، ويحرر المجتمع من قيود الخوف التي تؤثر على الكثير من الناس، ولكن عواقبها خطيرة على الأمة؛ لأن الأمة- كما قلنا- تخسر أكثر وأكثر.
ثم إنَّ الإنسان لا بد راحلٌ من هذه الحياة، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن: الآية26]، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران: من الآية185]، الكل سيرحل من هذه الحياة، لكن ما يميز رحيل الشهداء: أنه رحيل إلى ضيافة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، إلى حياةٍ كريمةٍ سعيدةٍ وهنيئة، يرزقون فيها، وهم فيها في حالة فرحٍ دائم ومتجدد، وفي حالة استبشار حتى بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، فهذا التحفيز الكبير للأمة؛ لتجاهد، لتنطلق، لتتحرك؛ لأنها بحاجة إلى هذا التحرك.
الأمة بقعودها، بتخاذلها، بذلها، بفقدانها للروح الجهادية، هي تخسر كل شيء: تخسر حريتها، وكرامتها، وعزتها، واستقلالها، وتضعف، وتهون، وتذل، وتقدم الخسائر الرهيبة جدًّا، حتى على مستوى القتل، يقتلها أعداؤها، ثم تكون في وضعية مشجِّعة ومطمعة للأعداء، كما ورد في الحديث النبوي المعروف بين الأمة: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم، كما تتداعى الأكلة على قصعتها))، يعني: وكأنكم وجبة طعام، وجبة طعام، ووليمة تتداعى عليها الأمم الأخرى، ويرون فيها مجرد مؤدبة طعام يتنافسون على أكلها، تكونون مأكلة لأعدائكم، قالوا: يا رسول الله أمن قلةٍ نحن يومئذ؟ ((قال: أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل))، فنلاحظ الفرق بين أن تكون الأمة غثاءً كغثاء السيل، أمة كثيرة العدد، أمة بأعدادها تفوق المليار إنسان، ولكن غثاء كغثاء السيل، أو أن تكون كما أراد الله لها كالبنيان المرصوص، عندما قال “جلَّ شأنه”: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ}[الصف: من الآية4]، إمَّا أن نكون أمة كالبنيان المرصوص، فنظهر في صلابة أمام أعدائنا، وفي مواجهة أعدائنا، وفي مواجهة التحديات والأخطار، وإمَّا أن نكون غثاء كغثاء السيل، لا يمثل أي أهمية، بل أمة يسيطر عليها الوهن، كما ورد في نفس الحديث: ((ينزع الوهن من قلوب أعدائكم، ويلقى في قلوبكم، قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) بهذا أو معناه.
فعندما تفقد الأمة الروح الجهادية، والمحبة للشهادة، والاستشعار لقدسية الشهادة، ويتغلب عليها الوهن، والضعف، والذل، والخوف، والرهبة، وتعيش الروح الانهزامية، تسيطر عليها الروح الانهزامية؛ يسيطر عليها أعداؤها، يقهرها أعداؤها، يذلها أعداؤها، ولذلك وصل الحال- وللأسف الشديد- في واقع أمتنا الإسلامية أنَّ تدني الروح الجهادية، وغلبة الوهن في واقع الأمة على مدى قرونٍ من الزمن، انحدر بالأمة نحو الأسفل، إلى درجة وإلى مرحلة أن يتمكن اليهود الذين ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا بغضبٍ من الله، تمكَّنوا من إذلال هذه الأمة، هذا أمر مؤسف جدًّا، وانحدار رهيب، وانحدار شديد جدًّا، انحدار رهيب، انحدار خطير في واقع الأمة.
ثم كان لهذا نتائجه في التخاذل الكبير، عندما نقارن في واقع الأمة فيما يتعلق بإمكاناتها، وكثرة عددها، والرقعة الجغرافية المنتشرة فيها، ثم نجد واقع هذه الأمة، ومستوى ثقلها، وتأثيرها، وقوتها، ودورها العالمي بحيث تشكِّل رقماً كبيراً فاعلاً، يفرض المعادلات على مستوى الساحة العالمية، نجد ما يؤسفنا، ما يحزننا كثيراً، حالة مختلفة تماماً، وتتجلى مع الأحداث أكثر فأكثر.
ومن الشواهد الواضحة: واقع الأمة اليوم تجاه ما يعانيه الشعب الفلسطيني، الذي هو جزءٌ من هذه الأمة، جزءٌ منها كأمة، هو منها، من أبنائها، وكذلك على مستوى الأرض، أرض فلسطين هي من الأرض الإسلامية، من بلاد المسلمين، من بلاد العرب.
الواقع الذي يحصل اليوم، والشعب الفلسطيني يعاني معاناة كبيرة جدًّا من همجية العدوان الإسرائيلي، المدعوم غربياً، وفي المقدِّمة: المدعوم أمريكياً، الشعب الفلسطيني وهو يعيش فصلاً من فصول الإجرام الصهيوني اليهودي، الذي هو معتدٍ على فلسطين، ومحتل لأرض فلسطين، ويمارس الإجرام والظلم والطغيان بحق الشعب الفلسطيني لأكثر من سبعين عاماً، على مدى زمنٍ طويل، أمام هذه المأساة الكبيرة، كيف هو موقف الأمة الإسلامية بالنظر إلى حجمها، موقف المليار وأكثر من نصف مليار مسلم؟ كيف هو دورهم في الذود عن الشعب الفلسطيني، في إنقاذه من تلك المظلومية الرهيبة؟ موقف محدود، وموقف ضعيف.
العدو الصهيوني اليهودي يمارس أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، بدءاً بالقتل الجماعي، والإبادة الجماعية، التي يتفنن فيها بكل أساليبه الإجرامية:
من القتل الجماعي للناس (للفلسطينيين) وهم في منازلهم، يستهدف الأحياء السكنية المكتظة بالسكان، بما يسمونه في مصطلحهم العسكري بالأحزمة النارية، تكتيك عسكري في القصف لتلك الأحياء المكتظة بالسكان؛ لتدميرها بشكلٍ كامل، وإبادة من فيها من السكان، من المدنيين، من الأهالي، من الرجال والنساء، والأطفال والكبار والصغار، بمعنى: جرائم إبادة جماعية بكل ما تعنيه الكلمة.
القتل أيضاً بدم بارد، بالقصف العشوائي للناس وهم في مساجدهم، في مدارسهم، في مستشفياتهم، في المدارس التي لجؤوا إليها للاحتماء بها؛ لأنها تحت إشراف المنظمات الدولية والأمم المتحدة، ومع ذلك يستهدفون فيها بالقتل الجماعي للعزل من السلاح، للمدنيين.
القتل للناس بإطلاق النار عليهم في الطرقات، القتل للناس في الطرقات، التجميع لهم في بعض الأماكن ثم إطلاق النار عليهم وإعدامهم بدم بارد، يمارس العدو الصهيوني اليهودي كل وسائل الإبادة والإجرام والقتل بحق الشعب الفلسطيني، وهناك مشاهد تنقلها وسائل الإعلام كارثية، ومأساوية جدًّا، هي كافية بإحياء الضمائر الميتة، لمن يشاهد، لمن يتابع، لمن ينظر إلى حجم تلك المآسي، والمظالم، والجرائم، جرائم رهيبة جدًّا، ومشاهد مؤلمة للغاية، للأطفال بالمئات، وأكثر الشهداء- وقد تجاوزوا الأحد عشر ألف شهيد- أكثر الشهداء من الأطفال والنساء، النسبة الأكبر من الأطفال والنساء، مشاهد تدمي القلوب، مشاهد مؤلمة جدًّا، تكشف مستوى التوحش والنزعة الإجرامية لدى العدو الصهيوني اليهودي، وفي نفس الوقت حجم المظلومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني مع تخاذلٍ عربيٍ وإسلامي مؤسفٍ جدًّا.
وصل الحال بالهمجية الإسرائيلية، أن يقوم الأعداء الصهاينة اليهود بالأمس- كما تابعنا في وسائل الإعلام- بسحق المدنيين في بعض شوارع غزة بجنازير الدبابات، والدوس عليهم بالدبابات، والعبور من فوق أجسادهم، همجية وطغيان إلى أسوأ مستوى.
ومن ضمن تلك الهمجية، والطغيان، والإجرام، والتوحش الصهيوني اليهودي: تركيزهم على المستشفيات، جعلوا منها أهدافاً أساسية للقصف، للحصار، للاستهداف، وهم يحاولون منع العلاج، ومنع حصول الجرحى الفلسطينيين حتى من الأطفال والنساء من حصولهم على العلاج والدواء، من السعي لإنقاذهم وهم جرحى، يحاولون أن يستهدفوا حتى سيارات الإسعاف، المشاهد مؤلمة جدًّا، ومن المهم للكل أن يشاهد ما يحدث؛ لأن هذا يساعد في إحياء الضمائر الميتة.
هناك الكثير من أبناء أمتنا وصل بهم الحال إلى موت ضمائرهم، وهناك البعض وصل بهم الحال إلى أن ضمائرهم في سبات، بحاجة إلى يقظة، إلى ما يوقظها، أمَّا الضمائر الميتة فتحتاج إلى ما يحييها.
تلك المشاهد المؤسفة جدًّا، والمؤلمة جدًّا، هي إلى درجة أن تحيي الضمائر، وإلى درجة أن توقظنا جميعاً من سبات الغفلة، ومن سبات الضمائر، قتل واستهداف للمستشفيات، استهداف للمخابز والأفران، ومحاولة للحيلولة بين الشعب الفلسطيني في غزة، وبين الحصول على طعامهم، على الطعام، على الغذاء، على أساسيات وضروريات الحياة، استهداف لكل الخدمات، ومنع للماء، محاولة لإبادتهم بكل وسائل الإبادة: بالقتل، والجوع، والظمأ… بكل وسائل الإجرام.
ومع ذلك حصارٌ خانق، وحصارٌ مشترك: إسرائيلي عربي، الدول التي مجاورة لفلسطين، لا تبادر بجدية إلى إدخال المواد الإنسانية، والغذاء، والدواء إلى الشعب الفلسطيني في غزة، ولا تسعى لأن تفرض مسنودةً بموقفٍ عربي وإسلامي إيصال هذا وهو حق مستحق حتى وفق القوانين الدولية، ومواثيق الأمم المتحدة، والأعراف الإنسانية، ومع ذلك ليس هناك أي تحرك جاد لإيصال الغذاء، والدواء، والاحتياجات الأساسية الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني في غزة.
في ظل تلك المأساة يستغيثون بالمسلمين، يطلبون النجدة من إخوانهم المسلمين، من كل أبناء الأمة الإسلامية، يذكِّرون هذه الأمة أنهم جزءٌ منها، فلماذا لا تتحرك الأمة لنصرتهم، لإغاثتهم، للوقوف معهم؟! لماذا لا يتحرك أبناء هذه الأمة، وعليهم مسؤولية بينهم وبين الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ومسؤولية إنسانية، وأخلاقية، وقومية… وبكل الاعتبارات، مسؤولية كبيرة على الأمة الإسلامية، وفي المقدِّمة: العرب، وفي المقدِّمة: العرب، عليهم مسؤولية حتى قبل غيرهم، وأكثر من غيرهم، لماذا لا يتحركون التحرك المطلوب، بالمستوى المطلوب في مواقف عملية ترقى إلى مستوى المسؤولية، وترقى إلى مستوى تلك المأساة الرهيبة، والمؤسفة جدًّا، إلى مستوى ذلك الواقع المأساوي جدًّا، ماذا ينتظرون؟!
من الواضح أنَّ الأنظمة العربية- ونعني أكثرها- تفقد الجدية وانعدام الإرادة للتحرك الجاد تجاه ما يجري في فلسطين، في غزة، هذا شيءٌ واضح، أكثر الأنظمة العربية لم تتوفر لديها الجدية، ولم تمتلك الإرادة للتحرك الجاد بحجم المسؤولية وكما ينبغي، ولو في الحد الأدنى؛ ولذلك حتى مع القمة الأخيرة، التي هي عنوان قمة طارئة عربية إسلامية لـ 57 دولة، لم تخرج بأي موقفٍ عملي، أو إجراءٍ عملي، وهذا أمرٌ محزن، وأمرٌ مخزٍ، قمَّة يقولون عنها: أنها تمثل كل المسلمين، المليار وأكثر من نصف مليار مسلم، تمثل 57 بلداً عربياً وإسلامياً، وقمَّة طارئة، وتخرج فقط ببيان، بيان فيه مطالبة، مطالبة كلامية، بدون أي مواقف عملية، هل هذه قدرات 57 بلد مسلم وعربي؟! هل هذه هي قدرات وإمكانات وثقل ودور أكثر من مليار ونصف مليار مسلم وعربي؟! أن يخرجوا ببيان يمكن أن يصدر من مدرسة ابتدائية، يمكن أن يصدر من شخص واحد، يُصدِر بياناً يطالب فيه، ويناشد فيه، ويقدِّم ما قدَّموا فيه، ليس هناك أي إجراء عملي.
بل عندما تقدَّمت بعض الدول، منها: الجزائر، وتونس، والعراق، بمقترح لصيغة أقوى، لصيغة أفضل، تتضمن بعض الخطوات العملية، وهي بسيطة جدًّا حتى، رفضت بعض الدول الأخرى، وفي مقدِّمتها: السعودية، رفضت ذلك؛ ليكون كل ما تخرج به تلك القمة، بذلك الاجتماع الذي يمثل 57 بلداً، هو بيان عادي جدًّا جدًّا سَخِرَ منه الإسرائيلي، ولم يبال به، ورأى فيه أنه يراعيه، الإسرائيلي أخذ هذه الرسالة من تلك القمة: أنهم يراعونه، وأنهم يكبِّلون هذه الأمة لكيلا تتخذ أي إجراء عملي، ولا تقف أي موقف حازم، ولو في الحد الأدنى.
لم يرق موقف بعض الدول العربية إلى مستوى موقف بعض الدول غير العربية، وغير الإسلامية، إلى موقف كولومبيا، إلى موقف بعض الدول من أمريكا الجنوبية، التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل، وقاطعت العدو الصهيوني، وكان لها موقف قوي، أقوى من كثيرٍ من الأنظمة العربية في التضامن مع الشعب الفلسطيني، ومأساته في غزة، إلى هذه الدرجة وصل الحال من التخاذل: إلى درجة أنَّ بعض الدول العربية لا تكتفي بالتخاذل تجاه ما يحصل؛ وإنما لها تواطؤ، تؤاطؤٌ من تحت الطاولة، وبالاتفاق مع الأمريكي، على أن يفعل الإسرائيلي ما يريد في غزة من أجل القضاء على المجاهدين في غزة، وإخراجها تماماً من سيطرة المجاهدين؛ لتبقى تحت السيطرة الصهيونية، سواءً بطريقة مباشرة، أو عبر السلطة الفلسطينية، التي لا تمتلك السيطرة في الضفة، حتى تمتلك السيطرة في غزة، فهناك تواطؤ من بعض الدول العربية، وهناك كذلك دورٌ سيءٌ في إعلامها، لا يناصر الشعب الفلسطيني، ولا يقف مع الشعب الفلسطيني في غزة، دور سلبي واضح.
بل لقد أدمى قلوبنا، وأحزننا، وأغضبنا، وآسفنا جدًّا، ما قام به النظام السعودي عندما وبالتزامن مع ما يحصل في غزة من مأساة كبيرة، ومن جرائم رهيبة من العدو اليهودي الصهيوني، ومن مأساة كبيرة للشعب الفلسطيني، فإذا به يعلن (النظام السعودي) عن موسم الرياض، موسم الرقص والمجون، ويستضيف فيه عدداً كبيراً من الفرق الغربية، من كافة أنحاء أمريكا وأوروبا من الفرق المروِّجة للشذوذ والفاحشة والرذيلة، ويستضيف فيه بمبالغ كبيرة بالدولارات مغنيةً يهودية، تفتتح الموسم بأغنية تسيء فيها إلى الله، بعبارات صريحة، تتهكم على الله في أغنيتها بعبارات صريحة، والآلاف من الذين حضروا ممن غُرِّر بهم ليحضروا من أبناء المملكة يرقصون ويطربون.
المغنية اليهودية تفتتح ذلك الموسم بأغنيتها التي تتهكم فيها على الله، وتسيء فيها إلى الله، وبالتزامن مع ذلك اليهود الصهاينة يقتلون أطفال فلسطين في غزة، يقتلون الأطفال والنساء، والكبار والصغار، وفيما القنابل والصواريخ الأمريكية التي زُوِّد بها الكيان الصهيوني والعدو الإسرائيلي تمزق الأطفال في غزة إلى أشلاء، وأولئك يرقصون في موسم الرياض، والمغنية تغني وتتهكم على الله، أي مشهد هذا المشهد! كارثة، ارتداد أخلاقي وقيمي وإنساني، وتنكر حتى للأعراف القبلية، تنكر حتى للقيم الفطرية الإنسانية، هذا أمر مؤسف جدًّا، وواقعٌ محزن، أن يحصل في واقع هذه الأمة.
فالواقع الرسمي العربي، ومعظم الدول العربية والإسلامية لم تتحرك تجاه ما يحصل بالشكل المطلوب، بما ينبغي، بحجم مسؤولية هذه الأمة، ولو بالدافع الإنساني، والدافع الأخلاقي، وكل العناوين الأخرى تلاشت: العروبة، والحماية للعروبة، والراية العربية، والحضن العربي، كل هذا لم نشاهد منه شيئاً، ولم نسمع عنه شيئاً تجاه ما يحصل على أبناء فلسطين في غزة، شيء مؤسف.
في مقابل ذلك، تحرك الأمريكي ابتداءً وأكثر من غيره؛ لأن الأمريكي والإسرائيلي كلاهما وجهان لعملةٍ واحدة، هي عملة الإجرام، والطغيان، والاستكبار، والطمع، والاحتلال، والامتهان للشعوب، والنزعة الإجرامية والعدوانية على المجتمعات البشرية، تحرَّك الأمريكي ليمد الإسرائيلي بكل أشكال المدد، ويقدم له كل أشكال المساندة والدعم:
عسكرياً، جسر جوي يزوده بكل أنواع الأسلحة التي يحتاج إليها، وكل المتطلبات التي يريدها، بالمستشارين العسكريين. الدعم السياسي، أيضاً توفير قطع حربية إلى البحار: في البحر الأبيض المتوسط، في البحر الأحمر، في المنطقة بشكلٍ عام، أيضاً تحويل كل اهتمام القواعد العسكرية في المنطقة بشكلٍ عام لصالح الموقف الإسرائيلي، الدعم السياسي، الدعم المالي بمليارات الدولارات، الضغط على بعض الدول العربية، وهي قريبة بأبسط وأدنى ضغط لأن تستجيب للأمريكي فيما يطلبه أو يريده، وهكذا بادر البريطاني، بادر الفرنسي، الإيطالي، الألماني… الدول الغربية بادرت إلى مساندة العدو الإسرائيلي بكل أشكال المساندة والدعم، إمكانات عسكرية، دعم سياسي، دعم مالي، حتى بالأمس، الأوروبيون والأمريكيون يحرِّضون على المستشفيات، ويتبنون المنطق الإسرائيلي عن المستشفيات في غزة، وأن تحتها مواقع وأماكن ومقرات لقادة حماس، كل هذا في إطار التحريض على استهداف المستشفيات، والتحريض على استهداف المواطنين الفلسطينيين، الشعب الفلسطيني المظلوم والمعاني.
فنجد التظافر والتعاون من جانب الغرب الكافر مع الظالم المجرم، وهو في موقع البغي والعدوان والإجرام، ويقفون معه، ويقدِّمون له كل أشكال المساندة والدعم، بينما يتخاذل أغلب المسلمين وأكثرهم عن تقديم السند والدعم للشعب الفلسطيني المظلوم، هذه مقارنة خطيرة على أمتنا.
إذا كان أعداء هذه الأمة يقفون مع الظالم منهم، المجرم، المعتدي، المحتل، الغاصب، ويقدِّمون له كل أشكال الدعم والمساندة، ولا يقف أبناء هذه الأمة مع المظلوم منهم، وهو في مظلومية كبيرة جدًّا، ومأساة، يفترض بهم أن تؤثر عليهم، أن تحيي ضمائرهم، أن تحرك فيهم المشاعر الإنسانية بالحد الأدنى، فما بالك أن يستشعروا واجبهم ومسؤوليتهم المقدَّسة في الوقوف مع المظلوم ضد الظالم، لماذا لا تقف أمتنا مع المظلوم منها، بقدر ما يقف أعداؤها مع الظالم منهم؟! لماذا؟ هناك خلل كبير جدًّا، هناك خلل كبير جدًّا.
ولذلك ندرك أهمية مثل هذه المناسبات في إحياء الروحية الجهادية في الأمة، في إحياء الشعور بالمسؤولية بين أوساط الأمة، في نشر الوعي بين أوساط الأمة، حتى مع الأحداث نفسها، الأحداث بنفسها هي ذات أهمية كبيرة في التذكير للأمة، في إحياء الشعور بالمسؤولية بين أبنائها، هذا شيءٌ مهمٌ جدًّا.
ولذلك نحن في هذا الشعب اليمني (يمن الإيمان والحكمة)، نسعى بكل جهد ومن خلال ثقافتنا القرآنية، وانتمائنا الإيماني، إلى أن نقف الموقف الصحيح، الموقف الذي ينسجم مع انتمائنا للإسلام، مع الانتماء الإنساني حتى، مع كرامتنا الإنسانية، مع ضميرنا الإنساني، مع مسؤوليتنا الدينية المقدَّسة في الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ومنذ بداية هذا الفصل الجديد في العدوان الهمجي الإسرائيلي اليهودي الصهيوني على أبناء الشعب الفلسطيني، وما يرتكبه من جرائم في غزة، كان موقف شعبنا موقفاً واضحاً، وموقفاً مشرِّفاً بحمد الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وبتوفيقه “جلَّ شأنه”.
لقد أعلنا منذ اليوم الأول وقوفنا بشكلٍ كامل مع أبناء شعبنا الفلسطيني، ومع المجاهدين الأبطال في غزة، الوقوف على المستوى العسكري… وعلى كافة المستويات، وأن نتحرك في كل المجالات بكل ما نستطيعه لنصرتهم، والوقوف معهم، وهذا الموقف هو موقفٌ رسميٌ وشعبي أيضاً، وتحرَّك فيه أبناء الشعب بمختلف فئاتهم، الكل يتحركون في إطار هذا الموقف: العلماء عبَّروا عن هذا الموقف في بياناتهم، في كلماتهم، في أنشطتهم، في أوساط المجتمع، النخب، الأحزاب، الجماهير… الكل يتحركون في إطار هذا الموقف الصحيح، الذي هو نموذج حتى لبقية الشعوب العربية والإسلامية، هكذا يجب أن يقف الجميع، بكل ما يستطيعون.
شعبنا العزيز جسَّد هويته الإيمانية بخروجه الجماهيري في المظاهرات والمسيرات، وبما لا مثيل له في أي بلدٍ عربيٍ أو إسلامي، ولا في أي بلدٍ آخر على المستوى العالمي، أكبر خروج بالمظاهرات والمسيرات، وتعبير عن حالة الغضب، وعن المساندة للشعب الفلسطيني، وعن الموقف الحازم من العدو الإسرائيلي، عبَّر عنه جماهير شعبنا في خروجهم، وبصدق، وبإرادة جادة.
وكنا نقول على مدى السنوات الماضية، ونقولها اليوم: أنه لو يتوفر لشعبنا العزيز منفذٌ بريٌ يتحرك من خلاله ليصل إلى فلسطين؛ لتحرك أبناء شعبنا بمئات الآلاف من المجاهدين الأبطال الأحرار، الذين سينطلقون بكل رغبة، ونتمنى ونطلب من الدول التي تفصل بيننا جغرافيا وبين فلسطين المحتلة- ولو على الأقل ليختبروا ويجرِّبوا مصداقيتنا، ومصداقية شعبنا- أن يفتحوا منفذاً برياً للعبور والمرور فقط، طريق للمرور، للعبور، يصل من خلالها أبناء شعبنا ليتدفقوا بمئات الآلاف من المجاهدين للذهاب إلى فلسطين، للالتحام المباشر، والمواجهة المباشرة للعدو الصهيوني.
أمَّا على مستوى التحرك العسكري بالوسائل المتاحة والمتوفرة بأيدينا، فنحن لن نألوا جهداً، إخوتنا في القوة الصاروخية بدأوا عملهم، ونفَّذوا عدداً من العمليات بالقصف الصاروخي، بالصواريخ البعيدة المدى، إلى جنوب فلسطين المحتلة؛ لاستهداف أهداف إسرائيلية صهيونية هناك، وكذلك الإخوة في الطيران المسيَّر، وآخرها البارحة في عملية نفذوها البارحة.
عملنا على مستوى القصف بالصواريخ والمسيرات سيستمر، تخطيطنا لعمليات إضافية في كل ما يمكن أن نناله من أهداف صهيونية في فلسطين أو في غير فلسطين، فلن نتوانى عن فعل ذلك.
في البحر الأحمر، وبالذات في باب المندب، وما يحاذي المياه الإقليمية اليمنية، عيوننا مفتوحة للرصد الدائم، والبحث عن أي سفينة إسرائيلية، ولعلم الجميع، وليعرف الكل، أنَّ العدو الإسرائيلي يعتمد في حركته في البحر الأحمر، وبالذات من باب المندب، على التهريب والتمويه، ولم يجرؤ أن يرفع الأعلام الإسرائيلية على سفنه، هو يهرِّب تهريب، ويغلق أجهزة التعارف، ولكن مع ذلك لن يفلح، سنبحث حتى نتحقق من السفن التي هي تابعةٌ له، ولن نتوانى عن استهدافها، لكن ليعرف الكل أنه خائف، وأنه يعتمد هذا الأسلوب، وهذا يدلل على مدى جدوائية وتأثير موقف بلدنا وشعبنا، وتأثيره على العدو الإسرائيلي، هو خائف إلى هذه الدرجة، في الوقت الذي يرفع الأعلام الإسرائيلية في سفاراته في دول عربية، وفي عواصم دول عربية، لا يجرؤ أن يرفع العلم الإسرائيلي على سفن يمر بها في البحر الأحمر، أو من باب المندب، بل يرفع أعلام دول أخرى؛ ليموه على سفنه، ويغلق أجهزة التعارف حتى يسعى لئلا يتم رصدها، ولكن- إن شاء الله- سنظفر- بتوفيق الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”- بهم، وسننكل بهم، وفي أي مستوى تناله أيدينا وإمكاناتنا، لن نتردد في استهداف العدو الإسرائيلي، هذا موقفنا المعلن والصريح والواضح، وليعرف به كل العالم.
منذ بداية الأحداث هناك وصلتنا رسائل التهديد والترغيب من الجانب الأمريكي، الأمريكي يرغِّب، ويتوعَّد، ويتهدد، وكلها لم نكترث لها، وقد قلنا في إجابتنا على الرسالة الأمريكية، عندما قالوا في تلك الرسالة: أنهم قد وجَّهوا دول المنطقة وأصدروا لها تعليماتهم بأن لا يكون من جانبها أي ردة فعل ولا أي موقف، قلنا: لا تحسبونا معهم، لسنا ممن يتلقى توجيهاته منكم، ولسنا ممن يتقبل أوامركم، ولا نخضع لأوامركم.
لقد أعلن شعبنا هذا الموقف، واتخذ هذا الموقف، وهو مستعدٌ لكل تابعات هذا الموقف، نحن شعبٌ مجاهد، رفعنا راية الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، نحن شعبٌ قدَّمنا التضحيات الكبيرة في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، نحن شعبٌ قدَّم التضحيات في ثباته على موقفه تجاه القضية الفلسطينية، من أول يومٍ رفعنا فيه هذه الصرخة: (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، من بداية تلك الصرخة التي رفعها الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي “رضوان الله عليه” وإلى اليوم عبَّرنا عن موقفنا المبدئي الذي ننطلق فيه انطلاقةً إيمانيةً قرآنية، عبَّرنا عن هذا الموقف وعن ثباتنا عليه، حتى أثناء هذا العدوان الذي استمر ولم ينته، ولم نخرج منه إلى حد الآن، لا زلنا نعاني منه إلى حد الآن، ثبات على الموقف من منطلقٍ إيمانيٍ قرآني، وموقف صحيح، ينسجم مع الضمير، مع الأخلاق، مع القيم حتى الفطرية والإنسانية.
ولذلك موقفنا على كل المستويات: على المستوى العسكري، على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي كل وسائل إعلامنا تدعم القضية الفلسطينية، قنواتنا الفضائية، صحافتنا، الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، الجهد الإعلامي هو مكثف باتجاه نصرة الشعب الفلسطيني، والمجاهدين في غزة، وأبناء غزة، على مستوى التبرعات المالية، بالرغم من الضائقة المالية، والظروف، والمعاناة، والحصار، وما بعد العدوان إلى اليوم، العدوان فيما فعله بنا على المستوى الاقتصادي، لكن هناك استمرار في حملات التبرع، والتعاون.
على مستوى الموقف الرسمي والشعبي، على كل المستويات هناك تحرك جاد ومستمر، وسيستمر بإذن الله، وعلى مستوى المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، والذي هو من أهم المواقف التي يجب أن تتبناها شعوب أمتنا، وهو في متناول الجميع، وهو موقف مؤثر.
إنني أناشد كل الشعوب الإسلامية والعربية، أن تتقي الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وأن تهتم بتفعيل المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، ولكل الشركات، المقاطعة لكل الشركات التي تدعم الصهيونية، هذا شيءٌ مؤثر، وفي متناول الجميع، حتى في البلدان التي تعاني شعوبها من الكبت، والقهر، والمنع حتى من المظاهرة، المنع حتى من الكلام، لكنهم يستطيعون أن يفعِّلوا هذا السلاح: سلاح المقاطعة، وعلينا جميعاً مسؤولية في فعل كل ما نستطيع، وفي عمل كل ما نتمكن منه، وهذا في وسع الكل.
أمَّا من يسخر، أو يقلل، أو يشوه موقف شعبنا، فنحن نقول للجميع: من يفعل أكثر مما نفعل في اليمن، أكثر مما يفعله شعبنا العزيز عسكرياً وفي كل المجالات، من يفعل أكثر فسنشكره، وسنشيد به، وسنثني عليه، سواء كان السعودي، أو الإماراتي، أو عملائهم… أو أي أحد، من يتحرك بأكثر مما نتحرك لمساندة الشعب الفلسطيني، سنشكره، وسنشيد بموقفه، لا داعي لأن يأتي أحد ليشوش على مواقفنا؛ لأن موقفنا في الأساس ليس مزايدة، وليس مفاخرة، هو موقف مسؤول من منطلقٍ إيماني، وبكل ما نستطيع، وموقف فعَّال، وموقف مؤثر، وتأثيره واضح، فمن يزايد علينا، أو يقلل من أهمية موقفنا، فليفعل أكثر، ليتفضل.
نحن في هذه المرحلة نطلب ونأمل ونتجه بالإلحاح على كل أبناء أمتنا ليتعاونوا، وليقفوا يداً واحدة، وموقفاً واحداً، وصوتاً واحداً في مواجهة العدو الإسرائيلي، ونحن نشيد بمواقف الذين أيَّدوا موقف شعبنا من أبناء شعبنا الذين كان لهم اتجاهات أخرى، أو مواقف سلبية، أو حتى تعاون مع العدوان، الذين أيَّدوا هذا الموقف لبلدنا ضد أمريكا وإسرائيل، ضد العدو الصهيوني، نحن نشيد بهم، بيقظة ضميرهم تجاه هذه القضية، ونحن نأمل من الجميع التوحد، التعاون في إطار هذا الموقف، الذي يفترض به أن يكون موقفاً جامعاً، نتحرك فيه جميعاً، بدلاً من الثرثرة والتشويه، أو التقليل من أهمية هذا الموقف، أو التشكيك فيه، موقفنا ليس لعرض العضلات، ولا للمفاخرة، ولا للمباهاة، ولا للمناكفة، ولا للمزايدة، موقفنا موقفٌ مسؤول، موقفٌ من منطلقٍ إيمانيٍ، موقفٌ صادق بكل ما تعنيه الكلمة، بدافعٍ إنسانيٍ وإيمانيٍ وأخلاقيٍ خالص، وإلَّا لو كنا ننطلق بحساب الحسابات السياسية، والمصالح السياسية، لكان اتجاهنا آخر.
الأمريكي منذ بداية هذا الموقف يتجه للضغط علينا، والتهديد المستمر لنا:
- التهديد المباشر.
- التهديد بعودة الحرب من جهة التحالف.
- الإعاقة للاتفاق مع التحالف بعد أن كان وشيكاً.
- الإعاقة للمساعدات الإنسانية.
كل هذه الخطوات لن نكترث لها، لن تخضعنا، لن تصرفنا عن موقفنا؛ لأنه موقفٌ مبدئيٌ صادق، شعبنا شعبٌ ينتمي للإيمان بصدق، هويته إيمانية، شعبٌ شجاع، شعبٌ شريف، شعبٌ أبيٌ وحرٌ بكل ما تعنيه الكلمة، لن يخنع لأعدائه، ولن يستعبده أحد، لا الأمريكي، ولا البريطاني… ولا أياً من عملائهم، ولن يرده عن موقفه الإنساني والأخلاقي والإيماني أحدٌ أبداً.
ولذلك ستستمر كل الأنشطة والجهود في إطار هذا الموقف الصحيح، الموقف المشرِّف على كل المستويات، سنستمر على المستوى العسكري، على مستوى التبرعات، الحملة الوطنية التي على رأسها لجنة تتابعها، وتشرف عليها، ستستمر الأنشطة في كل الاتجاهات إن شاء الله، ولا ينبغي أن يكون التفاعل لحظياً ولا آنياً.
من المؤسف في الواقع العربي- وهذه صورة قد أخذها الأعداء عن العرب- أن تفاعلهم لحظي، ووقتي، وآني، تأخذهم أو تستفزهم صدمة الموقف في البداية، ثم يبردون، ويملّون، ثم يتعودون حتى على المشاهد الدامية والمؤسفة والمؤلمة، ويتروّضون عليها، ويبرد اهتمامهم، اهتمامنا من منطلقٍ إيماني، ضمائرنا في هذا الشعب- إن شاء الله- حيّة، نفسيّتنا متشبّعة بالروح الإيمانية، والروح الإنسانية، أخلاق هذا الشعب، وقيم هذا الشعب، ومبادئ هذا الشعب، وتجربته، ومعاناته، ومظلوميته، تساعده على أن يواصل الاهتمام والألم تجاه ما يحصل في فلسطين، وليس بالتفاعل اللحظي.
تجاه هذه الأحداث من المهم جدًّا الاستفادة من الدروس والعبر، والتقييم لواقع الأمة، والتقييم للتوجهات؛ لأن هذه الأحداث هي تفرز المجتمعات على حقيقتها، تفرز الناس على حقيقتهم، والجميع أمام اختبار كبير ما بينهم وبين الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، والأحداث هي أكبر اختبار تبين الناس، مدى مصداقيتهم، أين هم الصادقون من أبناء الأمة، الذين هم صادقون في انتمائهم إلى مبادئ وقيم هذه الأمة، من يقولون عن أنفسهم أنهم قادة للعروبة ويحملون الراية، ليتفضلوا، ليحملوا الراية، وليتجهوا صوب فلسطين، أين هو الحضن العربي؟! أين هو الحضن العربي؟! لماذا لا يحتضن الشعب الفلسطيني، ويعيده إلى الحضن العربي؟!
الأحداث هذه أيضاً تبين لنا حقيقة أعدائنا، مع كل ما قد سبق من أحداث كلها دروس، وكلها عبر، تكشف لنا مستوى عدائية العدو الصهيوني اليهودي لأمتنا، تلك الجرائم البشعة هي تبين عداءه، عداءه الشديد لنا كأمة، يستبيح فينا كل شيء، يستبيح قتلنا، قتل الأطفال والنساء، والكبار والصغار، هذه الأحداث تبين لنا حقيقة، أو هي مصداق وشاهد للآية القرآنية المباركة: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: من الآية82]، تبين لنا حقيقة المجتمعات الغربية، وزيف عناوينها: عن حقوق الإنسان، عن الحريات… بقية العناوين المخادعة، أين الحرية؟! أين حقوق الإنسان؟! أين حقوق المرأة؟! أين حقوق الطفل في فلسطين؟! ولذلك عندما يأتي الأمريكيون، أو البريطانيون، أو الفرنسيون، عندما يأتي أحدٌ من أبناء الغرب الكافر ليحاول أن يمرر مؤامرات ومخادعة لأبناء الأمة؛ لاختراقها في الداخل تحت عناوين حقوقية، سنلعنهم، سنقول لهم: أنتم كاذبون، تلك فلسطين هي تفضحكم، وتكشف زيفكم، ولم نر أياً من هذه العناوين عندما قتل أبناء الشعب الفلسطيني، وارتكبت بحقهم جرائم الإبادة الجماعية، يجب في إطار أن تتحول تلك الآلام إلى وعيٍ راسخ.
الأمم المتحدة أين هو دورها؟ وماذا تفعل للشعب الفلسطيني؟ لا شيء، حتى منطقها ومنطق الأمين العام للأمم المتحدة، ومنطق المسؤولين في الأمم المتحدة، دائماً يتخيَّرون العبارات الغير جارحة للإسرائيل، عبارات مؤدبة جدًّا، مهما فعل، ومهما وصل به الحال، التصنيفات تلك التي يطلقونها على أبناء أمتنا: تصنيفات بالإرهاب، تصنيفات بانتهاك لحقوق الإنسان، قوائم سوداء… كل تلك العناوين ذهبت أدراج الرياح؛ لأن القاتل هو الإسرائيلي اليهودي، والمقتول هو المسلم، فتذهب وتنتهي كل التصنيفات طالما المقتول هو المسلم، والضحية هو المسلم، وطالما الجلاد منهم يستبيحون كل شيء بحق أمتنا، فلنحمل الوعي تجاه هؤلاء، وخصوصاً النخب؛ لأن أول من ينخدع في أمتنا هم النخب، النخب ينخدعون بالعناوين الأمريكية، والعناوين الأوروبية، ويحملون تصوراً غبياً تجاه أمريكا وأوروبا، تلك الحضارة التي هي همجية، تصنع أفتك أنواع السلاح لقتل الأطفال والنساء، وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعوب… وهكذا الدروس كثيرة جدًّا لا يتسع الوقت للحديث عنها.
وبالرغم من حجم العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، فالموقف البطولي، والصبر، والثبات للشعب الفلسطيني، ومجاهديه الأبطال كبيرٌ جدًّا، ومحل إشادة وتقدير، حجم المأساة كبير، ويقابلها صبرٌ عظيم، وصمودٌ عظيم من المجاهدين في غزة، وثمرته- بإذن الله تعالى- هي النصر، بالرغم من التخاذل الكبير في الوسط العربي والإسلامي، إلَّا القليل: على مستوى محور المقاومة، والجزائر، وكذلك بعض الدول العربية موقفها لا بأس. المظاهرات في الغرب مهمةٌ جدًّا في العواصم الغربية، ومن المهم أن تستمر وتتصاعد.
هناك إمكانية إذا استمر العدوان لأن تتوسع الحرب في المنطقة، موقفنا ثابتٌ ومستمر، والوضع الداخلي بالنسبة لنا يجب أن يستمر في هذا التفاعل، والتوحد، وهذه الأولوية، وأن يكون موقفنا واعياً تجاه مساعي الأعداء للتشويه والتشويش أو التقليل من إيجابية وقيمة هذا الموقف، موقف شعبنا موقفٌ عظيمٌ عند الله، موقفٌ عظيم وله تأثيره في الواقع.
فيما يتعلق بالمواضيع الأخرى لا يتسع الحديث عنها، إلَّا أني أقول لشعبنا العزيز فيما يتعلق بالإعداد للتغيير الجذري: عملنا مستمرٌ في الإعداد ضمن برنامج عمل يومي مستمر ولا يتوقف.
في هذه الذكرى، وفي هذه المناسبة: الذكرى السنوية للشهيد، نأمل التفاعل مع برامج وأنشطة هذه المناسبة، وأيضاً مع الحملة الوطنية لنصرة الأقصى، الإخوة في اللجنة يعملون بشكلٍ يومي، ومستمر، وضمن برامج عمل منظَّمة، يجب أن يبقى التفاعل واسعاً، وأن يبقى الاهتمام بهذه الأولوية كأولوية لنا.
أسأل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، وأن ينصر الشعب الفلسطيني المظلوم، والمجاهدين الأعزاء في غزة بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛