نص المحاضرة الرمضانية الثامن عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 19 رمضان 1444 هجرية
|| مأرب نت || 19 رمضان 1444ه
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
تحدثنا بالأمس عن الاختبار للإنسان في مسألة الرزق، والتوسعة فيه، أو التقدير فيه، والغنى والفقر، وما تحدّث عنه القرآن الكريم بشأن ذلك في بعضٍ من الآيات المباركة، وإلَّا فالحديث واسعٌ عن ذلك في القرآن الكريم، وتحدثنا في هذا السياق عن خطورة الطمع والتوجه المادي، وما ينشأ عنه ويتفرع عنه من مفاسد كثيرة.
وبعض الأمور خطيرةٌ جدًّا؛ لهذا السبب: لأنه يتفرع عنها مفاسد كثيرة، فإذا كان لدى الإنسان وعي صحيح بشأنها، وكذلك على مستوى التزكية للنفس، انتباه وحذر منها، فهو يتفادى بذلك تلك المفاسد، التي تتفرع عن تلك الآفة، آفة ينشأ عنها مفاسد كبيرة، فآفة التوجه المادي والطمع الشديد هي آفةٌ خطيرةٌ جدًّا، تحدثنا عن بعضٍ من مفاسدها بالأمس، وفي مقدمتها: بيع الدين؛ من أجل الحصول على الدنيا، الاشتراء بآيات الله ثمنًا قليلًا، ومفاسد أخرى تحدثنا عنها بالأمس، ونواصل الحديث عن تلك المفاسد ومخاطرها.
من المفاسد الرهيبة والخطيرة: هي أخذ أموال الناس بالباطل، واليمين الغموس، والرشوة:
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: الآية188].
البعض من الناس- بسبب الطمع- قد يسعى إلى أن يستحوذ على أموال الآخرين، على ممتلكات الآخرين، وهو يعلم أنها ليست له، أو حتى وهو يتأكد أنها حقٌّ لهم، ولكنه بدافع الطمع يسعى، إن لم يستطع أن يأخذها بالقوة، والسطو عليها، والاغتصاب لها بشكلٍ مباشر، يسعى للتحايل، عبر المنازعة والقضاء مثلًا، والشجار والنزاع، وقد يستخدم في ذلك وثائق مزورة، قد يلجأ إلى المزورين، أو حيل معينة، يكتسب أهل الطمع الخبرة في ذلك، كيف يتحايلون لأخذ أموال الناس، وللوصول إلى ما ليس لهم بحق.
وقد يلجأ البعض منهم إلى الرشوة، إلى الرشوة لمن يتقاضى هو وغريمه وخصمه عنده، فيدفع له المال، كما في الآية المباركة: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ}، فيسعى إلى أن يكون الحكم لصالحه، عن طريق الرشوة، والبعض قد تكون الرشوة كبيرة، إذا كان المطمع فيه: تلك الأموال، أو تلك الحقوق، التي يسعى للوصول إليها والاستحواذ عليها، كبيرة، يقدم رشوة كبيرة، ويستغل انعدام الوازع الإيماني والديني عند البعض من القضاة، الذين يتورطون، يتورطون ورطةً كبيرةً جدًّا، ويتحملون وزرًا عظيمًا، وجرمًا كبيرًا، حينما يقدمون على مثل ذلك الفعل، يحكم بالباطل، ويصادر حقًّا على الآخرين، من أجل أنه حصل على شيءٍ من أطماع هذه الدنيا، من ثمنها الزائل، نعوذ بالله، هذه من أكبر الجرائم، ومن فظائع الذنوب! وللأسف يتورط الكثير من القضاة فيها، وهي خطيرةٌ جدًّا.
في الحديث النبوي الشريف: ((لعن الله الراشي والمرتشي))، فذلك الذي قدَّم رشوة، ليصل بها إلى أخذ حقٍّ على الآخرين، إلى مصادرة مالٍ عليهم، إلى استحواذٍ على شيءٍ ليس له، هو لهم، هو يدخل في هذه اللعنة، هو ملعونٌ، لعنه الله؛ لأنه ارتكب جريمةً من كبائر الذنوب، التي تسبب للإنسان أن يُطرد من رحمة الله، وأن يستحق عذاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكذلك المرتشي، الذي هو القاضي، الذي قضى له من أجل الرشوة، وهو يعلم أنه ليس بصاحب الحق، فهي قضية خطيرة جدًّا، فلهذا ولهذا أتى هذا النهي الواضح في هذه الآية المباركة، والتحذير: {لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، أنت تعلم أنه ليس لك، ولكنك طمعت فيه، وطمعك جعلك تتصرف بهذه الطريقة، للوصول إليه، عن طريق الرشوة، وهي ظاهرة خطيرة جدًّا الرشوة، عندما تصبح وسيلة لمصادرة حق الآخرين، وسيلة للإضرار بالآخرين؛ لأن ذلك الذي أصبح له حكم قضائي، يحاول أن يستند إليه وأن يستغله، لتثبيت سيطرته على حق الآخرين.
والبعض يلجأ أيضًا إلى اليمين الغموس، اليمين الفاجرة، وهو يعلم أنه يحلف حَلِفًا بالباطل، يمينًا فاجره، يمينًا غموسًا، تغمس صاحبها في نار جهنم والعياذ بالله.
الله يقول في القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[آل عمران: الآية77]، تشمل الآية المباركة من يشترون بعهد الله شيئًا مما يتعلق بأمر دينهم، وكذلك الأيمان: {وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}، من مثل هذه الحالة، التي يحلف البعض فيها يمينًا غموسًا، يمينًا فاجره؛ من أجل أن يأخذ ما ليس له بحق، من أجل شيءٍ من الدنيا، من أجل الحصول على شيءٍ من حق الآخرين، ليحوزه ويستحوذ عليه، وهو يعلم أنه ليس له، هذه قضية خطيرة على الإنسان:
تضرب إيمان الإنسان وأعماله الصالحة.
وتسبب له أن يخسر بشكلٍ نهائي نصيبه في الجنة.
أنت حلفت يمينًا فاجرة، لتقتطع شيئًا من الدنيا، قطعة أرض، أو شيئًا من المال، أو النقد، أو أيًّا من الممتلكات، لتحوزه، وتسيطر عليه، وتتمكن منه، عن طريق اليمين الفاجرة، وأنت تعلم أنه ليس لك، أو على الأقل أنت متأكد أنه ليس لك، هو للآخرين، في هذه الحال– والعياذ بالله- أنت خسرت آخرتك، {أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ}، لم يبق لهم أي نصيب في الجنة، ولا من رضوان الله، فما الذي حُزتَه في مقابل ما خسرته؟! أنت خسرت الجنة، خسرت السعادة الأبدية، خسرت النعيم العظيم، أرقى الماديات خسرتها في الجنة، مقابل قطعة أرض، أرضية هنا، أو أرضية هناك، أو مصلحة مادية هنا، أو مصلحة مادية هناك، فأنت تحلف الزور!
والبعض قد يكون يمينه في إطار تأكيد شهادة زور، يشهد زورًا لغيره، مقابل شيء من المال، في قضية معينة، قضية مادية، قضية جنائية، أي قضية أخرى، ولكنه أيضًا يؤكد شهادته الزور، التي تحمَّل بها وزرًا عظيمًا عند الله، وهي من كبائر الذنوب، التي تصل بصاحبها إلى نار جهنم، يعززها بيمينٍ غموس أيضًا، فيزداد وزره وجرمه، ويتحمل الإثم العظيم والعياذ بالله.
انظروا إلى هذا الوعيد في هذه الآية المباركة، يقول: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ}، هذا يعبِّر عن غضب شديد من الله عليهم، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} والعياذ بالله، قضية خطيرة، ويتورط فيها الكثير من الناس، بسبب الأطماع، أطماع في هذه الدنيا، أطماع في أن يحصل على قطعة أرض هناك، أو شيء هناك، يجازف، يجازف ويورط نفسه ورطة عظيمة.
في سياق هذا الأسلوب في التحايل، لأخذ أموال الناس بالإثم، عن طريق الشجار، والنزاع، والمقاضاة، أيضًا ينشأ عن ذلك مفاسد أخرى، تؤثر على علاقة المجتمع فيما بينه؛ لأن تلك المشاجرات، والمنازعات، والخصومات، والمقاضاة، تورث الشحناء بين المجتمع، وتكون أحيانًا مفتاحًا للشر فيما بين المجتمع، قد تؤدي إلى الاقتتال، قد تؤدي إلى الفتن، وتترك تأثيرًا كبيرًا على نفوس الناس، تجرح مشاعرهم، تحمّلهم الغرامات المالية الباهظة، تشغل أوقاتهم، ولكن تورث أيضًا الشحناء فيما بينهم، فيصبحون متباينين، متفككين، كمجتمع، ولا تبقى بينهم أواصر الأُخوّة الإيمانية، أخوّة الإيمان، أخوّة الإسلام، المجتمع المسلم الذي ينبغي أن يكون مجتمعًا متآخيًا، متعاونًا على البر والتقوى، تؤثر فيه هذه المسألة، هي من أخطر ما يؤثر على علاقة المجتمع فيما بينه، ويستغلها- أحيانًا- شياطين الإنس؛ لأنهم يدركون ذلك؛ لأنها وسيلة- بالنسبة لهم- لتفكيك المجتمع، وأن يثيروا الشحناء فيما بين أفراد المجتمع والعياذ بالله.
يترتب على ذلك مظالم، مفاسد، البعض يُظلم ظلمًا كبيرًا بأخذ حقه، وقد يكون مستضعفًا، والذي حاول أن يظلمه هذا الظلم ممن يستند إلى نفوذ اجتماعي، وجاهة اجتماعية، أو نفوذ سلطوي، يستند إلى سلطة معينة، أو إلى مسؤول معين، أو غير ذلك، فيكبر وزره أكثر مع ذلك، الظلم خطير، وهذا من أكبر أنواع الظلم، الظلم للناس بأخذ أموالهم بغير حق.
من المفاسد الناتجة عن الطمع الشديد، والتوجه المادي: هي النهب، النهب لأموال الآخرين:
الإنسان الذي يمارس هذا النوع من الجرائم، يتحول إلى لص وسارق، ليسرق، ويستخدم أسلوب السرقة في أخذ أموال الآخرين، هو إنسانٌ دنيء النفس، منحط النفس، فاقدٌ للكرامة، فاقدٌ للعزة، إنسان دنيء، وفي نفس الوقت خسر إيمانه، ليس إنسان فيه إيمان، ليس فيه تقوى، فجمع بين خسارة الدين وخسارة كرامته الإنسانية، ويمارس هذا النوع من المفاسد، من الجرائم، الذي هو دنيءٌ وخسيسٌ جدًّا.
جرائم النهب هي جرائم فظيعة في الإسلام، صاحبها عدوٌ لله، الذي يتقَّطع للناس، لينهب ممتلكاتهم في الطرقات، البعض يجعل من هذه مهنةً له، هو مجرمٌ، من أسوأ المجرمين، يرتكب جريمةً من أكبر الجرائم، ويؤثر على حركة الحياة العامة، في سعي الناس للرزق الحلال، في سعيهم لتوفير متطلبات حياتهم، في تجارتهم، في اهتمامهم بأمور معيشته، يقلقهم، والبعض قد يكون أيضًا عدوانيًا، إذا لم تتهيأ له مسألة النهب، قد يقتل؛ من أجل أن يتمكن من النهب، أو يجرح، أو يعتدي، بأي شكلٍ من أشكال الاعتداء، فيجمع بين عدة جرائم، إخافة الناس، إخافة السُبُل، إخافة الناس في سبلهم، في حركتهم، في أمور معيشتهم، وهي جريمة رهيبة جدًّا.
ولهذا أُدرِج هذا النوع من الناس في تصنيف المحاربين لله ورسوله، الساعين في الأرض فسادًا، من ضمنهم: من يمارس هذا النوع من الجرائم، يتقطع، وينهب، ويخيف السُبُل، لا يترك سُبُل الناس، وطرقهم لحركتهم في معيشتهم آمنة، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}[المائدة: من الآية33]، هذا فقط في الدنيا، خزيٌ في الدنيا؛ أمَّا في الآخرة فتوعدهم أيضًا بالعذاب العظيم.
من المعروف بين المفسرين، والعلماء، والفقهاء، أن من ممّن يدخل ضمن هذا التصنيف: هم من يمارسون التقطُّع لنهب أموال الناس، ويخيفون السُبُل الآمنة، فالبعض في بعض المناطق تصبح هذه عادة عندهم، وكأنها عادة بسيطة، هي عادة سيئة، هي جريمة بكل ما تعنيه الكلمة، هي إثمٌ عظيم، وهي أيضًا تصرفٌ لا إنساني، تصرفٌ وحشي، همجي، في المناطق التي يُعتاد فيها مثل هذا التصرف عليهم أن يعوا أن هذا يسيء إليهم، أنه تصرف همجي بكل ما تعنيه الكلمة، تصرف سيئ، متجرد من الإنسانية، والأخلاق، والضمير، والكرامة، والشرف، والقبيلة، الذي يمارس هذا النوع من الجرائم هو مخلٌّ بدينه، بكرامته، بقبيلته، بإنسانيته، بشرفه، بكل شيء، هو إنسانٌ دنيء النفس، مجرم، وسيئ، هي جريمة فظيعة جدًّا، تجد لفظاعتها، أن تكون في عقوباتها هذه العقوبات: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}.
الإسلام دينٌ عظيم، يجلب لمجتمعه الاستقرار، في حياتهم، في معيشتهم، يحافظ على حياة الإنسان، وعلى ممتلكاته، وعلى كرامته، وعلى عرضه، دينٌ يصون المجتمع الذي ينتمي إليه، في حياتهم، وممتلكاتهم، وأعراضهم، ويجعل أكبر الحُرَم: حرمة المسلم، في حياته، في ممتلكاته، في عرضه.
وثمرة الالتزام بهذا الدين: هي الاستقرار في حياة الناس، في وضعهم الداخلي، ألَّا تكون خائفًا في منزلك، خائفًا على بضاعتك، خائفًا على أثاث بيتك، خائفًا وقلقًا على سيارتك بجوار منزلك، خائفًا على ممتلكاتك في أي مكان، خائفًا ممن؟ من السرق واللصوص، وخائفًا في طُرُق حركتك، من النهابين والمتقطعين، لا ينهبوا بضاعتك، أو ينهبوا سيارتك، أو غير ذلك.
ولذلك على مجتمعنا أن يكون متعاونًا على البر والتقوى في محاربة هذه الظواهر؛ لأنها تتنافى مع الإسلام، ومع قيمه، ومع مبادئه، ومع أخلاقه.
ثم في مسألة السرقة، هي- كما قلنا- تصرفٌ دنيء، وسيئ، وغير مبرر، مهما كانت ظروف الإنسان، لا يجوز له أن يلجأ إلى أسلوب السرقة، السرقة تصرفٌ دنيء، والبعض قد يتساهل في هذه المسالة، إذا كانت مع أحد من أقاربه، أو على البعض من الناس، فيتجاوز في ذلك، وهي لسوئها، ومفسدتها، وما ينتج عنها، لهذه الأسباب، ولسوئها؛ ولأنها معصية، في أصلها سيئة، وتصرفٌ حرام، وأخذٌ لمالٍ بطريقةٍ حرام، جاءت لها عقوبة عاجلة، غير العقوبة في الآخرة، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[المائدة: الآية38]، السارق، أو السارقة، أيٌ منهما، أيٌ من الناس (سواءً رجل، أو امرأة) يسرق، فهذه العقوبة العاجلة في قطع اليد {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا}، {نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}، لتكون أيضًا رادعًا لغيرهما، للآخرين؛ لكي لا يسرقوا؛ لأن البعض من الناس يحتاج إلى عقوبة، لا تردعه إلا العقوبة العاجلة، لا يكفيه الوعيد حتى بجهنم، طمع، لكن بدناءة، طمع يدفع بالإنسان إلى السرقة.
من مفاسد الطمع: أنه يحول الإنسان إلى إنسان دنيء، ينزل ويهبط عن كرامته الإنسانية، وشرفه، وعفته، فيتصرف التصرفات السيئة، والمخزية، والمعيبة، والمهينة، والمشينة، الفضيحة، أمر سيئ للغاية.
من مفاسد الطمع والتوجه المادي: الخيانة للأمانة:
سواءً على مستوى ما يؤتمن عليه الإنسان من شخصٍ آخر، أودع عندك أمانة:
أودع عندك مالًا، أو أي أمانة مادية، أو أيًّا من الممتلكات أودعها عندك كأمانة، فالبعض بسبب طمعه يخون من ائتمنه، وهذا ذنبٌ عظيم ووزرٌ كبير من جهة، وتصرف وحشي ومسيء؛ لأنه ائتمنك، أمّل فيك أنك محل ثقة، أنك رجل وفاء، أو أنك إنسان- سواءً رجل، أو امرأة- إنسان وَفّيِ، لا تخون الأمانة، اطمئَنّ إليك، اطمئن إلى قيمك، هذا ناشئٌ عن حسن ظنه بك، حتى ائتمنك، واطمأن عليك، فأنت خيّبت أمله، ثم خنتَ أمانتك، وتصرفتَ فيها، وأخذتَ منها بغير حق، وتجاوزت ثقته بك، فهي جريمة.
أضف إلى ذلك، عندما يخون الإنسان الأمانة في المسؤولية العامة:
الإنسان الذي هو في موقع مسؤولية، واؤتمن ليكون في تلك المسؤولية، وفي ذلك الموقع، موقع في سلطة معينة، أو منصب معين، في إطار صلاحياته التصرف بأموال معينة، أو ممتلكات معينة، على أساس أن يتصرف فيها، وفق مسؤولياته، فاستغل صلاحياته، أو منصبه، أو موقعه، ليتجاوز ما هو له، ولينهب، لينهب من المال العام، فهذا من خيانة الأمانة، والتي هي من أسوأ الخيانة للأمانة، وللأسف الشديد يتجرّأ البعض على ذلك، ويتسبب- نتيجةً لذلك- في معاناة الناس، جزءٌ من معاناة المجتمع يعود إلى ماذا؟ إلى خيانة من يخونون الأمانة في مواقع المسؤولية، فيأخذون من المال العام ما يستأثرون به لأنفسهم بغير حق، في مصالح شخصية، وهو للناس، هو حقٌّ للناس.
تضرر العرب وتضرر المسلمون من هذا تضررًا كبيرًا جدًّا؛ لأنه أصبح ظاهرة من الظواهر، في الحكومات، في المسؤولين، حيث يتورط الكثير منهم في ذلك، فيما يسمونه بالفساد المالي، عندما يستغل منصبه ليأخذ من المال العام بغير حق، لمصالحه الشخصية.
في بلدنا، في بلدنا فقط، مما يُقدَّم من الإحصائيات لما أخذه أحد الزعماء السابقين، ما يُقَدَّر بـ(ستين مليار دولار) ما نهبه على شعبه، وأصبح تجارة وممتلكات وثروة معظمها في الخارج، عندما تتأمل في هذا الرقم (ستين مليار دولار)، كان هذا المبلغ لوحده سيبني اليمن، سيبني البنية التحتية في أرض اليمن من طرقات وغيرها، طرقات، خدمات عامة، كهرباء، مدارس، مستشفيات، مستوصفات، مراكز صحية، وغير ذلك، شخص واحد يسرق على شعبه هذا المبلغ الكبير جدًّا والهائل، فما بالك بما أخذه غيره أيضًا، كلٌ أخذ بقدر خبرته ومهارته في الخيانة، في أن يحصل على أموال هذا الشعب، بتلك الطريقة، أو بالطريقة الأخرى.
وهكذا يحصل أيضًا في بلدان أخرى، يتضرر الناس، ويعانون أشد المعاناة؛ لأن الكثير من أموالهم، من مصالحهم العامة، يؤخذ بالخيانة لهم، بالخيانة لهم، قد يكونون أحيانًا غير مدركين، قد يكونون يصفقون لذلك الزعيم، حتى تكاد أيديهم أن تتضرر من كثرة ما يصفقون له، وهم يعيشون حالة حرمان كبيرة جدًّا؛ بينما هو استحوذ على الكثير والكثير من أموالهم.
مثلما يحصل الآن في سرقة ثروات شعبنا العامة، من قبل تحالف العدوان والخونة من أبناء هذا البلد، مثلما يحصل لدى البعض من المسؤولين، الذين لا يتقون الله.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[الأنفال: 27-28]، الفساد المالي: هو من خيانة الأمانة، جرمٌ عظيم، خيانةٌ لله، خيانةٌ لرسوله، خيانةٌ لعباده، وظلمٌ للناس، عندما يكون الإنسان يسعى إلى أن يراكم له ثروة معينة، على حساب شعب، بمعاناة الناس، بصنع معاناة للناس، وحرمان لهم، فهي جريمة فظيعة وشنيعة.
الغلول كذلك:
الغلول: الأخذ من الغنائم بطريقة غير مشروعة، هي جريمةٌ كبيرة، {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران: من الآية161]، كيف ستفعل في يوم القيامة، إمَّا أن تأتي به، أو النار؟! لا تستطيع أن تأتي به يوم القيامة، إذًا ليس البديل إلَّا النار والعياذ بالله.
أيضًا الابتزاز المالي بغير حق:
البعض من المسؤولين- مثلًا- في موقع السلطة، في مسؤولية معينة، لكي ينفّذ معاملة، عليه أن ينفذها معاملة صحيحة، ووظيفته أن ينجز تلك المعاملة، لكنه يحاول أن يبتّز أولًا، وأن يضغط على صاحب تلك المعاملة، أن يضغط عليه لأن يعطيه مالًا، قبل أن ينجز له معاملته، وإلَّا: إمّا لا ينجزها، أو يعرقلها، أو يتجه إلى عرقلتها، ويختلق الإشكالات، لإعاقة إنجاز تلك المعاملة؛ لأنه يريد أن يأخذ مالًا في المقابل، في مقابل إنجاز تلك المعاملة، مالًا شخصيًا، لا وجه له، على المستوى الشرعي لا وجه له؛ إنما أراد هكذا بدافع الطمع.
والبعض أيضًا، يكون هناك- مثلًا- التزامات مالية في معاملات معينة، أو أي معاملة من هذا القبيل، فيها أمور مالية، لكنه سيأخذ الأكثر في مقابل أن يأخذه لنفسه، ما هو مقرر في تلك المعاملة لا يكتفي به؛ إنما يأخذ المزيد أكثر منه؛ من أجل أن يستغل المسألة لصالحه هو، يريد أن يأخذ لنفسه.
الابتزاز المالي بغير حق هو من الخيانة للأمانة، وهو حرام، هو ظلم، هو نهب، هو جريمة بكل ما تعنيه الكلمة، هو سحتٌ حرام، الإنسان عندما يتعامل بهذه الطريقة، هو إذا كان يُعيل أسرته من ذلك المال، هو يؤكِّلُهُم السُّحت، المال الحرام، ويحمّل نفسه الوزر والعياذ بالله.
من المفاسد الناتجة عن الطمع والتوجه المالي: هي التعامل بالربا:
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة: 278-279]، أليس هذا كافيًا؟ وعيد كافٍ، في الدنيا حرب مع الله ورسوله، وفي الآخرة جهنم والخلود فيها، أمر محتوم لا شك فيه، المتعامل بالربا: ليس له إلَّا جهنم، مصيره إلى جهنم، أمر حتمي، قضية خطيرة جدًّا، الإنسان الذي يقوم بالتوجه للتعامل بالربا، والاعتماد على التعامل بالربا، جريمة خطيرة، البعض يتعمد ذلك، ويصبح ذلك- بالنسبة له- طريقة يعتمد عليها، وأسلوب تجارة، أسلوب للكسب المادي، قضية خطيرة جدًّا.
من المفاسد الرهيبة: الغش في المعاملة، والتطفيف:
التطفيف مثل ما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}[المطففين: 1-3]، المطفف: إن كانت المعاملة له، فهو يريد أن يكون المَكِيل، أو الموزون، بحسب الأشياء، البعض يُكال، والبعض يُوزَن، في المعاملة التجارية والمعاملة الاقتصادية، فإن كانت المعاملة لصالحه، يحرص على أن تكون كاملة، ألَّا ينقص شيءٌ منها؛ أمَّا إذا كان هو سيبيع الآخرين فهو ينقِّص، ينقِّص في الكيل غِشًّا، أو ينقِّص في الوزن غِشًّا، ولدى أصحاب هذه المهنة طريقتهم في الغش (في الكيل والوزن)، وهي قضية خطيرة جدًّا على الإنسان، تتراكم الكميات التي تنقص نتيجةً لغشه، وهو يتحّملها، يتحّملها وزرًا، وإثمًا، وذنبًا، ومع معاملته اليومية كم ستطلع؟ فيصبح مدينًا، ومتحمّلًا الإثم، لما أخذه على كثيرٍ من الناس، عندما يكون له بقالة، أو متجر، وهو يتعامل مع الكثير من الناس، وقد ينسى الكثير منهم، فيتحمل الوزر الكبير، والإثم العظيم.
الغش في المعاملة له أساليب كثيرة، من بينها:
عندما تقدِّم سلعة معينة على أنها بشكل معين، وواقعها يختلف، هي ليست بتلك المواصفات؛ إنما تغش المشتري ليشتري، تجعل ظاهر تلك السلعة بشكل معين، وهو يبني على- بناءً على كلامك أنت وعلى أسلوبك- أنها بذلك الشكل، وحقيقة الأمر مختلفةٌ عن ذلك.
أشكال الغش كذلك: عندما تبيعها على أنها (أصلي)، وهي (تقليد)، تبيعها على أنها كذا… أشياء كثيرة في مواصفات السلعة، عندما تخادع المشتري في مواصفات السلعة؛ لتُنَفِّق السلعة، هذا يعتبر من المحرمات، ((من غشنا))، في الحديث النبوي، ((من غشنا فليس منا)).
أو كذلك في أسلوب الشراء، تحاول أن تقنع المشتري بسوء سلعته، وتبخسها عليه، وتقدم صورة سلبية عنها كذبًا وزورًا، وأنت تعرف ذلك؛ إنما لتستنقص ثمنها، فأنت تخادع.
تستخدم أسلوب المخادعة؛ حتى تحصل على سلعة بثمن بخس، أو تبيع سلعة بثمنٍ جيد، هذا الأسلوب محرم وخطير جدًّا.
من المفاسد الرهيبة الناتجة عن الطمع والتوجه المادي: الاتِّجار في المحرمات، والمضار، والمفاسد:
مثل: الاتِّجار في المخدرات:
جريمة رهيبة، جريمة فظيعة جدًّا، وللأسف هناك سعي من جانب الأعداء للترويج للاتِّجار بالمخدرات، والدفع بالناس نحو ذلك.
ومما يساعد على ذلك: عندما يكون هناك تعاطف مجتمعي، مع الذين يتَّجِرون بتلك المخدرات، عندما يكون معهم تعاطف، عندما يُعتقلون، عندما تتخذ بحقهم الإجراءات، الإجراءات القانونية والشرعية، فيأتي الكثير ليتوسَّطوا لهم، ويتعصبوا لهم، ويضغطوا؛ من أجل إنقاذهم وتخليصهم، البعض لأن له مصالح منهم، والبعض عصبية جاهلية، من عصبية الجاهلية.
الاتِّجار بالمخدرات جريمة رهيبة جدًّا، ومضارُّها كبيرة على المستوى الاقتصادي، على مستوى ما ينتج عنها في واقع الناس؛ لأنك تجلب المخدرات إلى من يستخدمونها ويتعاطونها، فتدمر صحتهم، وإيمانهم، ودينهم، وأخلاقهم، وينشأ عن ذلك جرائم ومفاسد، فالذي يَتَّجِر في المخدرات هو شريكٌ في آثار عمله، وما ينتج عنه من تداعيات ونتائج خطيرة جدًّا وسيئة جدًّا.
الاتِّجار بالمخدرات من أسوأ الجرائم التي ينتج عنها: ابتعاد للناس عن الاتِّجار الحلال والكسب الحلال، وتحفيز لهم إلى المعاملات المحرمة، والاتِّجار في المحرمات، عندما يشاهدون النتيجة العاجلة في الحصول على أرباح مادية، أو مبالغ مالية، يلحظون ذلك الشخص أصبح له سيارة، أصبح له بيت فخم، أصبح له… تغيَّر وانتقل في واقعه نقلة سريعة، فيمثل ذلك جاذبًا لضعفاء الإيمان، ولأصحاب الطمع، للتوجه ليفعلوا كمثله، وهي قضية خطيرة جدًّا.
ولذلك يجب أن يتعاون المجتمع على البر والتقوى في محاربة الاتِّجار بالمخدرات، وأن يكفُّوا عن المساندة لأي متاجر بالمخدرات؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، من التعاون على المحرمات، من التعاون على الباطل، عندما يعينون إنسانًا يتاجر في المخدرات، فيسعون لإبعاده عن العقوبة، عن الإجراءات بحقه، وغير ذلك.
أدوية منتهية.
مواد غذائية منتهية.
الاتِّجار بما يضر بالناس، ومعلومٌ ضرره، من المحرمات، والدافع إليه الطمع المادي.
من المفاسد الناتجة عن الطمع: هي الحسد:
البعض من الناس إذا رأى أحدا أنعم الله عليه، ووسع له في رزقة، يغتاظ منه، ويحقد عليه، هذا هو الحسد، عند ما ترى ذا نعمة، شخصًا أنعم الله عليه، بنعم مادية، أو نعم معنوية، والنعم المادية هي في سياق حديثنا، فالبعض يحقد على ذلك الشخص، ويغتاظ منه، وتتحرك غيرة الحسد في نفسه تجاهه: [لماذا أصبح له تلك النعم؟]، فيحقد عليه، {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق: الآية5]، والعياذ بالله.
الحسد آفة سيئة جدًّا، والحسود هو يحقد على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لكن وجَّه حقده إلى عباده؛ لأن الله هو ذو الفضل، المنعم، الكريم، كان بإمكانك أن تتوجه إلى الله، أن ترجع إلى الله، أن تسعى للخير، وأن تحرص على أن تكون صافي القلب من الحقد على الآخرين بغير مبرر، {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النساء: من الآية32]، بإمكانك أن تسأل الله من فضله، وأن تسعى للكسب، وأن تطلب من الله أن يمنحك القناعة؛ لأن حسدك للآخرين وحقدك عليهم- لأن الله أنعم عليهم- لا مبرر له أبدًا، تصرف سيئ، والشيطان يستغله عليك، يستغله عليك، فيدفع بك إلى جرائم أحيانًا والعياذ بالله.
من المفاسد الرهيبة الناتجة عن الطمع، وعن التوجه المادي: البخل بالزكاة، والبخل عن الإنفاق في سبيل الله، وفي سبل الخير، والتفريط في الالتزامات المالية، والخيانة في مال الوقف:
وهذه مفسدة كبيرة، وهي ناتجة عن الطمع، الله يقول في القرآن الكريم: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}[الليل: 8-11]، عندما تبخل، لا تخرج ما عليك من الحق، لا تخرج الزكاة، لا تنفق في سبيل الله، لا تنفق في سبل الخير، لا تنفق فيما عليك من التزامات مالية إيمانية، فأنت تُهلِك نفسك، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” سيعاقبك:
من عقوباته لك في الدنيا: أن تضطر إلى أن تُخرج الكثير من المال في غير محله، في مصائب، وعقوبات، وأشياء ليس لها أهمية؛ بينما لو أخرجت في محلِّه، أخرجت الزكاة، آتيت الزكاة، أنفقت في سُبُل الخير، كان الله سيقيك مصائب كثيرة، مشاكل كثيرة، هموم كثيرة.
أيضًا في الآخرة: جهنم، {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}، ذلك المال الذي بخلت به، تلك الزكاة التي أكلتها، ولم تعطها للفقراء، تلك الأموال التي خنت فيها من أموال الوقف، أصبحَتْ عقوبةً لك في نار جهنم، تُعاقب بها، لا تنفعك شيئًا، لا تقيك من عذاب الله، عندما تسقط في الهاوية، في جهنم، يُرمى بك في نار جهنم والعياذ بالله.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}[التوبة: الآية35]، يقول “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران: من الآية180]، فالإنسان البخيل سيعذب بما بخل به، سيكون ما بخل به سببًا لعذابه وهلاكه وخسرانه والعياذ بالله.
من المفاسد الناتجة عن الطمع والتوجه المادي: أن ذلك- بالنسبة للكافرين- هو المؤثر عليهم في توجههم في الحياة:
توجهاتهم في الحياة مبنية على أطماعهم المادية، اهتماماتهم في الحياة كلها مبنية على أطماعهم المادية، من أجلها يفعلون أي شيء، يتخذون أي موقف، يظلمون، يصدّون عن سبيل الله، يفسدون في الأرض، يعتدون على عباد الله، ينهبون ثروات الشعوب، ثروات المستضعفين، يفعلون أي شيء.
هي أيضًا معاييرهم في الموقف من الناس (من هذا، أو ذاك)، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[البقرة: الآية212].
يحكي عن حال الكافرين في موقفهم حتى من رسل الله، من أنبيائه، يقولون في موقفهم من رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، من رسول الله محمد: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا}[الفرقان : من الآية8]، في مقترحاتهم عمَّا كان- بنظرهم- مُقنعًا لهم ليتبعوه، ليؤمنوا به، لو كان له كذا، ولو كان له كذا… (أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ) كنَّا سنؤمن بأنه رسول من الله، (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا) مزرعة ضخمة، كنا سنؤمن بأنه رسول الله، يعني: توقَّف إيمانهم على ذلك، معيارهم.
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ}[الزخرف: من الآية51]، يقول لهم هذا: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ}[الزخرف: 51-53]، لماذا لم يكن لدى موسى (حِلَق) من الذهب في كَفِّه؛ ليكون جديرًا بأن يكون متَّبَعًا بأمر الرسالة.
تتحول إلى معيار لدى البعض، يميل إلى من عنده مالُ، كما يقولون في الشعر:
رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مالُ
ومن لا عنده مالُ فعنه الناس قد مالوا
هذه من مفاسد الطمع، لم يعد المعيار عند الإنسان: الحق، الهدى، الصلاح، الخير، مسؤوليته أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
الخسارة رهيبة جدًّا، عندما تكون توجهات الإنسان مادية، ويتحكم به الطمع، ويستبد به، ويؤثّر عليه، كم ينشأ عن ذلك من المفاسد:
في يوم القيامة يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَـمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ}[يونس: من الأية 54]، لو كان لك في يوم القيامة كل ما في الأرض: من ذهب، من تجارة، من أموال، من ممتلكات بكل أصنافها، وأنواعها، وكان بالإمكان أن تفتدي به نفسك من عذاب الله يوم القيامة، لقدمته بكله، فكيف تُهلِك نفسك؟! كيف توقع نفسك إلى نار جهنم، في مقابل شيء تافه يسير، وهو بالشكل الذي تتمنى يوم القيامة أن لو تفتدي نفسك بكل ما في الأرض، من أموالها، من ثرواتها، من تجاراتها، من مُدُنها، من مزارعها، من مصانعها، من كل ما فيها.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَـمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الزمر: من الأية 47]، كيف تهلك نفسك في قطعة أرض؟! يمين غموس، تغمس بك في نار جهنم، أو تقف في موقف باطل، أو غير ذلك مما هو من مفاسد الطمع، وأنت يوم القيامة تتمنى لو أن لك {مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}، ليس هذا فحسب، {وَمِثْلَهُ مَعَهُ}، لتفتدي نفسك من سوء العذاب، لافتديت نفسك، ولكن أنى لك ذلك، لا يُقبَل من الإنسان، وليس بيده، لا هو بيدك، ولا هو مقبولٌ منك، يقول الله: {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْـمِهَادُ}[الرعد: من الآية18]، وقد خسروا الجنة، خسروا النعيم العظيم، والملك الكبير، والحياة الطيبة، والسعادة الأبدية، ((فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأت، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطرَ عَلَى قَلبِ بَشَر)).
إذًا على الإنسان أن يحذر، ويسعى إلى تزكية نفسه، ويسأل الله أن يرزقه القناعة، ويدرك مخاطر الطمع، والتوجه المادي، وحب الترف؛ لأن البعض من الناس يؤثّر عليهم حب الترف، يريد أفخر الأشياء، أغلى الأشياء، أضخم الأشياء، يريد من كل شيء، يفتح لنفسه المجال، وإذا فُتِح للنفس المجال- في مسألة الطمع، والرغبات، والأهواء، والشهوات- أوصلت الإنسان إلى المهالك، ليس هناك حد لأطماعها، ((لو كان لابن آدم واديان من ذهب))، في الحديث النبوي، واديان يتدفقان باستمرار من ذهب، ((لابتغى لهما ثالثًا))، عاد المطلوب ثالث وادي مع الواديان، وهما واديان يتدفقان!
طمع النفس البشرية، إذا اتجه الإنسان وراءها، أوصله إلى الهلاك- والعياذ بالله- وخسر، خسر ما ينبغي أن يطمع فيه، اطمع في الجنة، في قصورها، في مساكنها الطيبة، في حور عينها، في بساتينها ومزارعها، في الحياة السعيدة فيها، حيث لا مرض، ولا هم، ولا حزن، ولا غم، ولا ضجر، ولا ملل، ولا إساءة، ولا أي شيء ينغص حياتك، أطمع فيما عند الله، هو الطمع الصحيح، أطمع فيما عند الله من الخير، والحياة السعيدة الأبدية في مجاورة أنبياء الله وأولياء الله.
نَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَتَـقَـبَّل مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ، وَالقِيَامَ، وَصَالِحَ الأَعْمَالِ.
ونَسْأَله أَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ بَعَاجِلِ الفَرَجِ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛