الأمة بين ما أراد لها الله وبين واقعها المزري

مأرب نت || من هدي القرآن ||

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

{بِسمِ اللَّهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ * الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ * الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ * مالِكِ يَومِ الدّينِ * إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ * اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ * صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ} (الفاتحة1:7).

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك الذي بعثته رحمة للعالمين، الذي بعثته شرفًا لهذه الأمة، وعزًا لهذه الأمة، ورحمة لهذه الأمة، بعثته بكلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، مجاهدًا في سبيلك، محاربًا للطغاة والجبابرة من أولياء الشيطان – الذي طردته من سمائك، فأخرجته مذمومًا مدحورًا – ليخرج كل الطغاة من عالم الإنسانية مدحورين أذلاء، يُلبسهم الخزي والعار والذلة.

أيها الإخوة الأعزاء: شرف عظيم لنا أن نزوركم، شرف عظيم أن نقف أمام هذه الوجوه النيِّرَة، أمام أبناء همدان، وأبناء علي.

إنني بحق أقول لكم: كلما جئنا همدان، وكلما التقينا بكم أنتم يا أبناء همدان تذكرنا عليًا، أصبحتم تذكروننا بعلي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، إذا كان أبناء محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) يذكرون بمحمد فإنكم أنتم تذكرونا بعلي.

علي الذي قال فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ((علي مني وأنا من علي))، قرين القرآن الذي قال فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)).

علي، بطلُ بدر وأحد والأحزاب وحُنين وخَيْبَر، بطل صفين والجمل والنهروان، علي الذي لم يكن فقط يذهل العقول في ميادين الجهاد وإنما كان أيضًا ينير الدروب بكلماته المباركة، بتوجيهاته النيِّرة، ببلاغته الخارقة. إنه ربيب محمد، وحليف وقرين القرآن.

فإذا كنتم أصبحتم تذكرونا بعلي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) فإنما لأنه ما يزال فيكم أنتم بركة علي، فيكم بركة دعاء علي، ودعاء الأئمة من بعده.. كلما وقفنا بين أظهركم، كلما انتقلنا إلى منطقتكم نرى أنفسنا وكأننا نسافر إلى عمق التاريخ.

ما من إمام من أئمة أهل البيت ووقفت معه همدان إلا وبهرته بصدقها ووفائها، إلا وانطلق شاهدًا تاريخيًا على ذلك الوفاء، على ذلك الصدق على تلك الشجاعة، فكان ما يمتلكه الأئمة من تعبير عن ذلك كله هو أن يخلدوا دعاء يقرأه كل من يتصفح صفحات التاريخ، يتردد على الشفاه كلما ترددت الأعين تتصفح صفحات التاريخ، أولم يقل الإمام علي (عليه السلام):

فلو كنت بوابًا على باب جنة     لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

إنها عبارة من بهره وفاء همدان، وشجاعة همدان، وصدقهم وإخلاصهم:

فلو كنت بوابًا على باب جنة    لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

كلما وقفنا أمامكم – أيها الإخوة – لنتذكر مسؤوليتنا جميعًا أمام الله في أن نكون من أنصار دينه، فنردد أحيانًا عبارات التواصي فيما بيننا بالحفاظ على مذهبنا الزيدي، نقول لهمدان: إنكم أنتم لكم المِنّة أكثر من غيركم في ترسيخ قواعد هذا المذهب. أنتم من كنتم أنصار هذا المذهب، وأنتم من في واقعكم لا تحتاجون إلى من يذكركم بأن تكونوا من أنصار هذا المذهب، أنتم من وقفتم مع أئمته، من وقفتم مع أعلامه حتى ترسخت قواعده وانتشر نوره في هذه البلاد وغيرها.

إنه اجتماع مبارك، وإن أي اجتماع في ظروف كهذه واجتماع كهذا أو أقل أو أكثر من هذا لا يناقش فيه الناس هذه الأوضاع التي تعاني منها الأمة المسلمة، لا يتواصى فيه الناس بالحق فينظرون إلى الحق إلى بنيانه وهو يتصدع، إلى أعلامه وهي تطمس، إلى أنواره وهي تطفأ، ينظرون إلى ذلك الحق ليس فقط ليغيب عن الساحة، ليغيب عن الأفكار، ليغيب عن النفوس، ليغيب عن كل شئون الحياة.. وإنما ليحل محله الباطل والظلام والشر، كل اجتماع لا يناقش فيه ما يجعلنا نرى الحق، ونرى أمة الحق، ونرى أعلام الحق، وآثار الحق بالشكل الذي يحزن ويقرح القلوب ويبكي العيون.

إذا ما وقفنا جميعًا لنتأمل فنجد كيف أصبحنا في واقعنا نشاهد الأمور وهي تتبدل، وتنعكس القضايا، الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ} (آل عمران: من الآية110) هذا القرآن العربي يخاطب العرب، وشرف للعرب، ونحن وأنتم من صميم العرب والله يقول عن كتابه {قُرآنًا عَرَبِيًّا لِقَومٍ يَعلَمونَ} (فصلت: من الآية3) {بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبينٍ} (الشعراء:195) يقول: {كُنتُم} أنتم أيها العرب {خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ} للناس جميعًا للبشرية جمعاء، تحملون هذه الرسالة العالمية، تحملون هذا النور للعالمين جميعًا {تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: من الآية110).

ما الذي يحدث الآن؟ هذه الأمة التي يقول عنها الله سبحانه وتعالى أنه حملها رسالة لتخرج بها إلى الناس جميعًا، ها هي اليوم يُطلب منها أن تقعد في بيوتها كما تقعد النساء، بل يُطلب منها أن تصمت فلا تتفوه بكلمة الحق، ولا تهتف بلعن من هتف الله بلعنهم في كتابه وخلده على لسان أنبيائه: {لُعِنَ الَّذينَ كَفَروا مِن بَني إِسرائيلَ عَلىٰ لِسانِ داوودَ وَعيسَى ابنِ مَريَمَ ۚ ذٰلِكَ بِما عَصَوا وَكانوا يَعتَدونَ} (المائدة:78).

ما نشاهده اليوم أن هذه الأمة التي كان المطلوب أن تكون هي من تَجُوب البحار طولًا وعرضًا فتقف في سواحل أوروبا وفي سواحل أمريكا، هي الأمة التي تُؤْمَر هي وزعماؤها بالقعود والخنوع، قعود الذلة، قعود الخزي، قعود الخنوع والاستسلام، ونرى أولئك الذين لُعِنوا على لسان الأنبياء هم من يَجُوبون البلاد طولًا وعرضًا، فرقًا عسكرية تمتلك أفتك الأسلحة، أليست هذه من تقليب الموازين؟ أليست هذه من القضايا المقلوبة، والحقائق المعكوسة؟ في البحار الفرنسيون والبريطانيون والأمريكيون والأسبان وغيرهم هم من يتحركون، يحملون الأسلحة، هم من يحركون قطعهم البحرية في داخل وأعماق البلاد الإسلامية، والمسلمون كلهم لا يجوز لأحد أن يتحرك قيد أنملة.

إن الله أراد لهذه الأمة هكذا أن تكون أمة تتحرك في العالم كله {أُخرِجَت لِلنّاسِ} لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فها هي تقعد ويتحرك أولئك. ولماذا يتحركون؟ هل ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر؟ أم لينشروا الباطل والفساد والقهر والظلم والذلة والخزي لكل أبناء البشرية وللعرب خاصة؟ للعرب خاصة. هذه أشياء مؤسفة، هذه حقائق نحن نشاهدها.

في الحج يوم أن بدأ المسلمون يهتفون بالبراءة من المشركين، يوم أن بدءوا يعملون على أن يعود الحج إلى أصالته الإسلامية؛ لأن الحج في أول عملية لإعادته إلى حج إسلامي إنما كان يوم أرسل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) ليعلن البراءة من المشركين بتلك العشر الآيات الأولى من سورة براءة؛ ليعلن البراءة من المشركين، بل ليعلن الحرب على المشركين وليس فقط البراءة منهم.

كانت تلك هي أول عملية لتحويل الحج إلى حج إسلامي، وصبغه بصبغة توحي بالأهداف المقصودة من وراء تلك العبادة العظيمة التي هي الحج، فعندما بدأ الناس يهتفون بــ[الموت لأمريكا والموت لإسرائيل] في الحج، بأمر من ابن علي الذي هتف ببراءة، فقال سبحانه وتعالى يحكي تلك البراءة {وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ إِلَى النّاسِ يَومَ الحَجِّ الأَكبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَريءٌ مِنَ المُشرِكينَ وَرَسولُهُ} (التوبة: من الآية3) براءة من الله، وبراءة من رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وبراءة من علي، قرأها علي كلها براءة من المشركين.

يوم أن تحرك ابن علي الإمام الخميني (رضوان الله عليه) ليعيد الحج إلى أصالته عرف أولئك الذين لا يريدون للعرب أن يتحركوا قيد أنملة لأداء الواجب الملقى على عواتقهم من الله سبحانه وتعالى في مثل هذه الآية: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ} (آل عمران: من الآية110) صدر المنع وحدث ما حدث في الحيلولة دون أن يتردد ذلك الشعار.

ونحن العرب لا نفهم، وهذه هي بساطتنا، وهذا هو ما جعلنا ضحية لليهود، نحن من دائمًا نضع حدًا لأعمال المفسدين، ونضع حدًا للفساد.. أنه إنما سيصل إلى هنا فقط، ولا نعلم بأن الفساد لا ينتهي، أن الفساد لا حد له، أن الفساد لا يتوقف عند نقطة معينة، أن الظلم والباطل لا يتوقف عند نقطة معينة. من الذي كان يتصور أن بالإمكان أن تصل بنا الحال إلى أن نُمْنَع في مساجدنا من ترديد مثل هذا الشعار؟ أوليس الأمر قد وصل إلى ذلك؟ لقد عُمم هنا في اليمن على المساجد ألا يتحدث الناس فيها عن أمريكا، وكنا نحن لا نتصور إلا أنه فقط مُنع في الحج.

عندما جاء المنع في الحج تجاوب المسلمون ولم يكونوا يهتموا بأن عليهم أن يقفوا موقفًا يجعل أولئك ييئسون من أن باستطاعتهم أن يوقفونا عن أداء الواجب الإلهي الملقى على عواتقنا نحن العرب في مثل قوله تعالى {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ} (آل عمران: من الآية110) لكنا هكذا قلنا لا بأس في الحج. بعد الحج ما الذي حصل؟ منع في المساجد، فقلنا: لا بأس فالمساجد هي للعبادة، كما قال أولئك: [الحج هو عبادة، وأنت عليك أن تذكر الله فقط ولا تتعرض لشيء]. سنقول نفس الشيء: [هذه مساجد وما دخل المساجد بـ(الموت لأمريكا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود) ونحوها].

هل المساجد أعظم من القرآن الكريم؟ القرآن الكريم مليء بتلك الآيات التي تلعن الظالمين، وتلعن الفاسقين، وتلعن اليهود والنصارى من مثل هذه الآية {لُعِنَ الَّذينَ كَفَروا مِن بَني إِسرائيلَ عَلىٰ لِسانِ داوودَ وَعيسَى ابنِ مَريَمَ ۚ ذٰلِكَ بِما عَصَوا وَكانوا يَعتَدونَ} (المائدة:78).

قلنا: (لا بأس المساجد ليست لهذا هي للصلاة)؛ لأننا أصبحنا لا نفهم دور المساجد، ولا دور الصلاة.

ثم بعد ذلك سيقولون لنا: [أيضًا في منازلكم لا تتحدثوا عن أمريكا. أيضًا بأقلامكم لا تصدروا كلمة فيها إساءة إلى مشاعر أمريكا]. وهكذا سنرى أنفسنا نطارد، نطارد ونحشر إلى زاوية ضيقة.

ما الذي انقلب في هذا الموضوع؟ هم يحشرونا إلى زاوية ضيقة مظلمة لا نرى فيها النور، ولا نتحدث عن النور، ولا نصل بالنور إلى قيد أنملة في هذا العالم، وهم من يتحركون، هم من يقولون، بدل أن نتحدث عن الجهاد يتحدثون هم عن [الإرهاب].

وإنني أقول: إن علينا أن نتحدث عن كلمة [الجهاد]؛ لأن كلمة [الجهاد] هي الآن محارَبة بعينها، يُوضع ويرسخ بدلًا منها كلمة [إرهاب]، فإذا كان الله أراد من الجهاد أن تكون كلمة شرَّف بها ذلك الصراع الذي كان العرب يتعودون عليه، ألم يكن العرب متعودين فيما بينهم على القتال على التناحر؟ سمَا بالعرب لأن الإسلام جاء شرف للعرب {وَإِنَّهُ لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ} (الزخرف: من الآية44).

حتى الصراع الذي كان يدور بينهم، عَمِل على أن يتحول إلى صراع مقدس، فأضاف إليه اسمًا مقدسًا فسماه [جهادًا]، إذًا فبدلًا من أن تتقاتلوا فيما بينكم وتتناحروا فيما بينكم تعالوا إلى حيث يكون صراعكم ويكون قتالكم سموًا وشرفًا ورفعة، ونشرًا للحق، ونشرًا للنور إلى كل أقطار الدنيا فسماه جهادًا في سبيله سماه [جهادًا] وجعله سنام دينه، وجعله مفتاح جنته، وجعله ركنًا من أركان دينه، بل جعله عَلَمًا لِقِمّة الذوبان في محبته سبحانه وتعالى، أولم يقل الله عن أوليائه: {ياأَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكافِرينَ يُجاهِدونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَلا يَخافونَ لَومَةَ لائِمٍ ۚ ذٰلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ ۚ وَاللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ} (المائدة:54).

يوم كان العرب فيما بينهم يثور بعضهم على بعض، يتناحرون فيما بينهم، يغزو بعضهم بعضًا، ها هو يعطيهم صراعًا من نوع آخر يسميه [جهادًا في سبيله]، يجعله علمًا على الذوبان في محبته {يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ} هذا الجهاد المقدس، هذا المصطلح القرآني الهام، هذا المبدأ الذي ترتبط به عزة الأمة وكرامتها، وترتبط به حيوية القرآن والإسلام، يرتبط به وجود الأمة كلها وهويتها، ها هو يتعرض لأن يُبدّل، كما بُدّلنا نحن في واقعنا، قعدنا وهم من يتحركون في البحار، وهاهم يحولون الجهاد إلى كلمة تصبح سُبَّة نحن نرددها، ونحن نجعلها كلمة أمريكية تضفي الشرعية على أي ضربة أمريكية لأي جهة.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن

الإرهاب والسلام

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 8/3/2002م

اليمن صعدة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى