العلاقة بين الوعي والدين وزكاء النفوس، وصلاح الأعمال
مأرب نت || من هدي القرآن ||
فإذا تأمل الإنسان فعلاً أكثر ما يعاني الناس من الأشياء، سواء كان سببها من عندهم تلقائيا، أو هم مشاركين في السبب، وأن وسائل أن يخرجوا من هذه الوضعية هي بأيديهم، وسائل بأيدي الناس، ويتهيأ في كل زمان أشياء عجيبة، يستطيع الناس أن يستغلوها بشكل كبير.
لاحظ إذا واحد نظر، إذا نظرنا لأنفسنا فيما بيننا أشياء كثيرة هي في متناولنا، نستطيع أن يكون تعاملنا مع بعضنا تعامل حسن. أليس هذا ممكن؟ خاصة إذا رجع الناس إلى القرآن، لو رجعوا إلى القرآن، وآمنوا بالقرآن، وخافوا من الله، من عذاب الله، من جهنم، وعملوا على أن يلتزموا بتوجيهات القرآن، وإرشاداته، فبالإمكان أن يتعاملوا فيما بينهم تعامل حسن، ما أحد سيقول لك: لماذا؟.
عندما يعفو بعضنا عن بعض، عندما نكظم غيظنا مع بعضنا بعض، عندما نلتزم بالصدق فيما بيننا، عندما نلتزم بالعدل فيما بيننا، إذا حصل من شخص خلاف مع شخص؛… يكون مستعد أي واحد منهم أن ينصف الآخر من نفسه، أو أن يحلـُّوا قضيتهم بسهوله، لا تتطور فتصبح قضية تؤدي إلى خلق عداوة، وبغضاء فيما بينهم، ثم فيما بين أسرهم، ثم على أوسع دائرة داخل مجتمعهم.
الناس يستطيعون أن يكونوا أوفياء مع بعضهم بعض، يبذلوا معروفهم لبعضهم بعض، لا أحد يجرح مشاعر الآخر بكلمة سيئة، أو يدخل في باطل فيعين طرف على طرف آخر لكونه يكره الطرف هذا الآخر، فيدخل في باطل، فيعين ظالم على ظلمه.
أشياء كثيرة في متناولنا أن نعملها هي نفسها تهيئ النفوس إلى أن تكون متآلفة، تهيئ المجتمع إلى أن يكون متوحداً. الوعي لفهم الدين، فهم الأمور أيضاً في متناولنا، لكن أحياناً لا يكون في متناولنا نحن أن نصنعه بالنسبة لعامة الناس، لكن إذا اتفقنا على أعمال معينة هي التي ستبني، ستصحح الوعي في ذهنية المجتمع، تجعله يفهم الأمور فهماً صحيحاً، وفق هداية الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، مثل مدارس علمية، مرشدين، عمل لدين الله؛ لأنه حتى صلاح نفوسنا، وزكاء نفوسنا، وأن نكون واعين، وفاهمين، ولدينا قدرة على أن نفهم الأمور كما هي عليه هو مرتبط بالدين أيضاً، مرتبط بالدين؛ لأن من مهام الدين هو أن يزكي النفوس، ويجعلها نفوساً زاكية، وأرواحاً سامية، طاهرة، ويخلق معرفة، ووعياً، وفهماً بالأمور كلها.
ما يستطيع الناس من تلقاء أنفسهم هكذا، لا يستطيعون من تلقاء أنفسهم أن يحصل لديهم الوعي الكافي، الفهم الكافي الصحيح للأمور كيف تتغير من الأسوأ إلى الأفضل، وكيف تكون عواقب هذه الأعمال، أو هذه المواقف التي هم عليها، كيف يكون عواقبها، لا يأتي إلا عن طريق التعاون مع الأعمال الإسلامية، مدارس، مرشدين، علماء، معلمين، وهم ينتشرون في المجتمع فيفهِّموا الناس بدين الله، ومتى ما فهمنا دين الله سنكون واعين حقاً، سنكون فاهمين، سنكون ملتزمين، سنكون صادقين مع بعضنا بعض على أعلى مستوى، ونقف مع بعضنا بعض في كل مواقفنا.
في الحالة هذه ما يستطيع أحد يقهرنا فعلاً، متى ما وصل الناس إلى الحالة هذه عندهم فهم ووعي، عندهم وحدة كلمة، عندهم تعاون، إخلاص لله، خوف من الله، توجه إلى الله، ما يستطيع أحد يقهرهم، ولا يستطيع أحد يضللهم أبداً.
بل الحكومات في هذا الزمن، لاحظوا مع أنه من الأشياء العجيبة – كما قلنا أكثر من مرة – بأنه يتهيأ من قبل الله وضعيات أخرى، الحكومات في هذا الزمن – حتى الحكومات التي هي ديمقراطية – هي نفسها من النوع الذي هو قابل أن يتكيف مع أي مجتمع يفرض نفسه عليها.
لو أننا نحن الزيدية فيما بيننا، كلمتنا واحدة، مواقفنا واحدة، وواعين، ما أحد يستطيع أن يضللنا، لا تلفزيون، ولا رادي، ولا مطوّع، ولا أي جهة، نفهم الأمور سنرى الدولة نفسها تتوجه إلى أن تكيِّف وضعيتها بالشكل الذي يتلاءم معنا، هذا شيء معروف أنه في المجتمعات، خاصة المجتمعات الديمقراطية، أن الناس يستطيعوا أن يفرضوا أنفسهم على الدولة، ويمشـّوا ما يريدوا على الدولة.
أليست تأتي فيها انتخابات؟ الانتخابات لاحظوا كيف بين تكون، ما هم بينزلوا كلهم بين أيدي الناس؟ كلهم تحت رحمة الناس جميعاً، من عند رئيس الجمهورية إلى عند أصغر واحد مترشح لعضوية مجلس نواب، أو مجلس محلي. أليسوا كلهم بين يقولوا ينزلوا إلى بين أيدينا؟ ينزلوا إلى بين أيدينا يتودد لك، ويتلطف لك؛ لأنهم بحاجة إليك.
هو عندما تكون القضية على هذا النحو فهذه فرصتك أن تغير، أي أليست من أبسط الوسائل للتغيير؟ عندما يكون الناس موقفهم واحد يستطيعوا مثلاً أن يكون لهم ثقل في انتخابات مجالس نواب، في انتخابات مجالس محلية، ما يطلِّعوا إلا أشخاص جيدين، في هذه المحافظة، ومحافظة أخرى، ومحافظة ثالثة، تعرف الدولة الفلانية بأن هذه الأمة تفرض نفسها عليها، تجعل الدولة تحت رحمتها.
نحن نراهم مثلاً كانوا يتمشون مع أحزاب معينه، أو حتى مع مناطق معينة، الدولة تكيف نفسها بالشكل الذي يرضي هذا الطرف، أحيانا تكون قبيلة واحدة، تحتاج تنزل الدولة على رغبتها، وتمشي الأمور بالنسبة لها على ما تريد، وأحياناً شخص واحد، يكون شيخ معه قبيلة بعده، ويفرض نفسه، ويمشـّي الأمور على ما يريد فيما يتعلق ببلاده. لكن متى يحصل هذا عند الناس؟ عندما يفهموا بأنهم سيظلون دائماً تائهين، ومصوتين، وهذا المسؤول عدو الله، وهذا العضو فسل، وهذا ما من أبوه شيء، ولماذا قد الناس هكذا؟ الناس هم نحن، الناس هم نحن، متى ما صلحنا، وفهمنا، استطعنا أن نصحح الأمور، ونصلحها.
ومن العجيب أنه أشياء كثيرة هي بأيدي الناس، لكن الذي يفقدوه هو الوعي، الفهم الصحيح للأمور، وعدم ثقة في كتاب الله، ما بين نثق بكتاب الله حقيقة، ولا بين نخاف من الله بالشكل الذي يجب أن نكون عليه، بين نفصل الأمور على ما يطلع في رؤوسنا، تأتي انتخابات، وكل واحد يقول: ما بِلاّ أصوت لهذا، بعضهم لأنه قد تجمل معه في موقف، أو أعطاه قرضه، أو وعده بحاجة، أو أعطاه فلوس وقت الانتخابات فصوت له، وهذا صوَّت لهذا، وهذا راح كذا، وهذا راح كذا.
ولاحظ الناس أن الأمور تمشي على خلاف ما يريدون. أليس هذا من المعروف عندنا؟ الأمور سارت خاصة في مديرية [ساقين] في المجلس المحلي ألم تسير الأمور على خلاف ما يريدون، كذلك صعدة كلها محافظة زيدية، وحجة، وعمران، والجوف، كلها بتمشي الأمور على خلاف ما يريدون، وهم الذين يصنعونها هم.
من الذي سيطلَّع من أي منطقة عضو مجلس نواب، وما الناس الذين سيصوتون له؟ وفي الأخير يصيحون منه! من الذي سيطلع المجلس المحلي وما الناس الذين سيصوتون له؟ وفي الأخير يصيحون منه، وفي الأخير يلعنوه، بعضهم في الأخير يلعنوه! أليس البعض في الأخير يلعنونه؟ عضو مجلس نواب، أو محلي، أو.. لكن قبل كل هذه الأشياء هم يكونوا بالشكل الذي يستطيعوا أن يفرضوا وضعية صالحة لأمتهم، ولدينهم، ولأنفسهم.
وإلا فينتظر الناس جيلاً بعد جيل على هذا النحو، يعني با تشيب ويشيب ابنك ونحن منتظرين لذولاك يسبروا مدري منهم! ما يدري واحد أن أساس الغلطة من عنده، من المجتمع جميعاً، وشيَّب ابنه، ومات، ومات ابنه، والأمور كما هي، بل تزداد سوءا، تزداد سوءا فعلاً، ثم تزداد الخطورة على الناس فيما يتعلق بدينهم، فيما يتعلق بمصيرهم عند الله يوم القيامة؛ لأنه كلما فسد الزمان، كلما تعرضت الأمة، كلما تعرضت الأجيال للفساد الديني، كلما تعرضوا لطريق جهنم.
هذا شيء معروف، لا يأتي الفساد فقط يختص بالجانب المادي، أبداً، لا يأتي الضلال يتجه إلى الجانب المادي، جانب الأموال، أموالنا، فلوس، أو مزارع، لا يتجه إليها وحدها أبداً، بل لا يتجه إليها إلا بعد أن يصنع في نفوسنا نحن ضلالاً، تسهِّل المسألة لديه أن يفسد ما يتعلق بأموالنا، سواء نقدية، أو أموال أخرى، لو أن الفساد يتجه فقط إلى الجانب المالي، ثم لا يكون لهذا الجانب مردود فساد، لكانت القضية سهلة.
لكن لا، الضلال، الفساد يتجه إلى الإنسان، إلى نفسه، إلى المجتمع نفسه، وأمواله، يتجه إلى الدين بكله؛ لأن الفاسد متى ما أخذ من أمولك فين بيشغلها؟ في الإصلاح، أو في الإفساد؟ يشغلها في الإفساد؛ ولأنه معلوم أن الإفساد لا يتجه فقط إلى جانب المال، بدليل أن كل دوله، ما كل دولة يكون معها؟ سواء محقة، أو مبطلة، دول الضلال؟ ما بيكون معها وسائل إعلام؟ تعمل مدارس، جانب تربوي، عندها وزارة إعلام، عندها وزارة ثقافة، عندها إذاعة، تلفزيون، صحف، كتَّاب.
أين يتجه هذا العمل؟ أين يتجه؟ هل هو يتجه إلى الأراضي؟! أو إلى النفوس؟ إلى النفوس يتجه، إلى الإنسان، هـم ما هـذه أمريكا نفسها، وكـل دولـة ما معهم وزارة إعـلام، ووزارة ثقافة، ووزارة تربية وتعليم؟ لديها صحف – كآليات – صحف، مجلات، كتَّاب، صحفيين، إذاعة، تلفزيون، مناهج دراسية، هذه أين تتجه؟ ما هي تتجه إلى النفوس لتصنعها على كيفية معينة؟.
ما هناك شيء في الدنيا فساد أو ضلال يتجه إلى الجانب المادي. إذا كان الناس في وضعية فاسدة معنى هذا بأن الخطورة عليهم ليست فقط فيما يتعلق بأموالهم، أو ظلم مادي عليهم، بل تتجه المسألة إلى إفساد دينهم، إفساد نفوسهم، فيتحولون إلى أعداء لله من حيث لا يشعرون، يتحولون إلى أعداء لأولياء الله من حيث لا يشعرون، يتحولون إلى ربما أولياء لليهود والنصارى من حيث لا يشعرون، فيتحولون إلى أن يكونوا من حزب الشيطان، نعوذ بالله، والله قال عن الشيطان: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(فاطر6) وحتى أحيانًا لو حاول واحد يقدر أما هو أنه سابر، فليس صحيحًا.
إذا رأيت الفساد ينتشر لا تقدر بأن عادك يمكن أن تأكل أنت لقمة حلال، إذا الفساد ينتشر فلا تقدر أما أنت فيما يتعلق بدينك أنه سابر؛ لأنه أنت واحد من المقصرين عن أشياء مهمة؛ لأننا نفهم الدين فهماً محدوداً.
متى ما جاء أحد إلى نفسه قال: [والله من فضل الله لا سارق، لا زاني، لا قاتل نفس محرم، لا قاطع سبيل، لا شارب خمر، مصل، وصائم، مزك، حاج، ما لي حاجة من أحد] هـذه أيضاً واحدة منها، من الأشياء الإيجابية، [ما لي حاجه من أحد، لا أتدخل في أي قضية] ما هاتين الخصلتين إيجابية يعدونها؟ وفي الأخير ينظر لنفسه بأنه أما هو فهو كامل يعني. منتظر الزمان [بده يسبر، بده لا] أما هو فقد هو سابر، في الأخير سيموت ويدخل الجنة! لا، كل إنسان مسؤول، وكل إنسان مقصر.
التقصير يلحق كل واحد مننا، إذا رأينا أنفسنا مقصرين بشكل واضح، نعرف بأننا مقصرين يكون هناك أعمال نحن نعرف أنها أعمال صالحة، وأنها مهمة في مجال إصلاح المجتمع، في مجال إعلاء كلمة الله، مثلاً المدارس هذه المنتشرة، ما كل واحد عارف مننا أنها مشروع جيد، وأنها من الأعمال الجيدة، وأنها إعلاء لدين الله؟.
كل واحد يعرف هذه، لكن تجدنا لا نتعاون معها إلا القليل من الناس، وبالقليل مما لديهم، أليس هذا يدل على أننا مقصرين جميعاً؟ هل كل شخص من المجتمع يتعاون معها؟ القليل من الناس، بدليل أنها لم تستطع أن تتحرك بالشكل المطلوب، ما استطاعت أن يكون لها دور كبير في إصلاح المجتمع.
هذا جانب كل واحد يشهد بأننا مقصرين فيه، أو الغالبية من الناس مقصرين فيه، فالمسألة تبدأ من أن يفهم الناس دينهم، ويفهموا مسؤوليتهم أمام دين الله، فمتى ما استقام الدين فينا، متى ما فهمنا ديننا استقامت نفوسنا، وزكت نفوسنا، واتسعت معرفتنا، وفهمنا للأمور، وفهمنا خطورة بعض الأشياء التي نحن عليها، ولا نهتم بها، ونعتبرها أشياء بسيطة، مثل حالة اللامبالاة.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم.
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
اليمن صعدة