نص كلمة قائد الثورة بمناسبة عيد جمعة رجب 1444هـ
ألقى قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي كلمة اليوم بمناسبة عيد جمعة رجب 1444هـ – 2023م فيما يلي نصها:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَـــوَات:
نتوجه إلى شعبنا اليمني المسلم العزيز بالتهاني والمباركة بقدوم المناسبة العزيزة والذكرى المجيدة: الجمعة الأولى من شهر رجب، التي كانت في التاريخ محطةً من أهم المحطات في دخول الشعب اليمني في الإسلام، وتمثل صفحةً بيضاء ناصعةً مشرقة من صفحات التاريخ المجيد لشعبنا العزيز.
وهذه المناسبة هي تتعلق بالتحديد بقدوم أمير المؤمنين عليٍّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، عندما أرسله رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” إلى اليمن، فوصل إلى صنعاء ليدعو أهل اليمن إلى الإسلام، وفي صنعاء اجتمع جمعٌ كبيرٌ، وكان ذلك في المكان الذي يسمى الآن في هذا العصر [بسوق الحَلَقَة]، وخطب فيهم أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” ودعاهم إلى الإسلام، فدخل الكثير منهم في الإسلام، وأسلمت آنذاك همدان كلها في يومٍ واحد، وبعث أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” إلى رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” برسالة أعلمه فيها بإسلامهم، ولما قُرِئ الكتاب على رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”؛ سجد شكراً لله، وقال كلمته الشهيرة بعد السجود: ((السَّلَامُ عَلَى همدَان)).
وتتابع دخول أهل اليمن في الإسلام، وأتى أيضاً مبعوثٌ آخر وصل إلى بعض مناطق اليمن، إلى تعز، هو معاذ بن جبل، أرسله رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” كذلك في مهمة لنشر الإسلام، ونشر تعاليمه، وما قبل ذلك كان هناك في كل المراحل- ما قبل ذلك في المرحلة المكية والمرحلة المدنية- إقبالٌ إلى الإسلام، ففي المرحلة المكية كان البعض ممن أصولهم يمنية وهم موجودون في مكة، من السابقين في الإسلام، وإلى الإسلام، والمؤمنين برسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وكانوا من النماذج الراقية، والسابقين الأوائل، المتميزين في إيمانهم، وصبرهم، ووعيهم، والتزامهم الإيماني، كان منهم عمار بن ياسر وأسرته، وكذلك المقداد، وكذلك زيد بن حارثة، من أبرز صحابة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، ومن أبرز السابقين إلى الإسلام، والذين عرفوا بدورٍ مميز، وكانوا على مستوىً عظيم في إيمانهم، ووعيهم، وبصيرتهم، وجهادهم، وثباتهم على نهج الإسلام.
ما بعد المرحلة المكية وهجرة الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” إلى المدينة، كان الأوس والخزرج- وهم من أصولٍ يمنية- هم الذين آووا ونصروا وآمنوا، وكان لهم دورٌ عظيمٌ ومميز في حمل رسالة الإسلام، والجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والنصرة لرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وسمَّاهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بذلك الاسم العظيم: (الأنصار).
ثم على مدى التاريخ، كان هناك دورٌ مميز لليمنيين في حمل رسالة الإسلام، وفي الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي تجسيد القيم الإيمانية، ويكفيهم شرفاً وفخراً وصف الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” عندما قال: ((الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، بكل ما يعنيه ذلك، من انتمائهم الإيماني الأصيل والثابت والراسخ، وفي تجسيدهم للقيم الإيمانية، وفي ثباتهم على الإيمان، وفي جهادهم في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
ولــذلك تعتبر هذه المناسبة مناسبةً مهمة في:
التذكير بنعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتذكر للنعمة، ما يأمرنا الله به في القرآن الكريم كثيراً أن نذكر نعمه، وأن نتذكرها، وأن نعرف قدرها، وأن نشكر الله عليها، وأن تكون محط اعتزاز لدينا، وأعظم النعم هي نعمة الهداية، الهداية للإيمان، الهداية للإسلام، الهداية بالرسول والقرآن هي أعظم النعم على الإطلاق.
ثم هي أيضاً مناسبةٌ مهمة لترسيخ الانتماء الإيماني، والهوية الإيمانية، عندما قال رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” عن أهل اليمن: ((الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، فهذا النص له مدلولٌ مهمٌ جداً: في ترسيخ هذا الانتماء، وفي الثبات عليه وتوارثه جيلاً بعد جيل، وهذا أمرٌ يتعلق به أمورٌ كثيرة:
يتعلق به النشاط التثقيفي والتعليمي والتربوي.
ويتعلق به الالتزام العملي.
ولـــذلك نحن معنيون في هذا الجيل، في هذا الزمن وفي هذا العصر، بترسيخ هذا الانتماء، وهذه الهوية، وفق المفهوم الصحيح للإيمان، وليس وفق نظرةٍ مغلوطة؛ لأنه حتى العنوان الإيماني هو عنوان محارب، ومستهدف، وهو في إطار الاستهداف للأمة من قوى التحريف والانحراف والإضلال والإفساد، التي تسعى لأن تزيِّف حتى مفهوم العناوين المهمة، والعناوين الأساسية، التي نحن معنيون بها في الانتماء للإسلام العظيم.
المفهوم الشامل والواسع والأصيل للإيمان في القرآن الكريم، فيما يتحدث به من مواصفات المؤمنين، والثناء عليهم، والحديث عن المبادئ الإيمانية، والقيم الإيمانية، والالتزامات الإيمانية، هو يشمل ما يعرِّفه به البعض من المؤلفين والكتَّاب والعلماء على مدى التاريخ، وفي الأجيال الماضية، أنه: (اعتقادٌ بالجَنَان، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان).
الانتماء الإيماني الأصيل في المفهوم القرآني يشمل الجوانب الاعتقادية لدى الإنسان، والجوانب التي يقر بها، ويعبِّر عن تصديقه بها بلسانه، والتزامه بذلك فيما يقول، وكذلك أيضاً فيما يعمل، هناك تلازم، فهو توجهٌ على ضوء منهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في مسيرة الحياة، وفي كل مجالاتها، ولــذلك نحن معنيون بالتركيز على هذه المسألة؛ حتى نتوجه الاتجاه الصحيح، وحتى تكون منطلقاتنا في حياتنا، في كافة مجالات الحياة، من منطلق انتمائنا الإيماني، وهويتنا الإيمانية، فلا نميل عن ذلك، ولا نزيغ عن ذلك.
الحديث عن هذا الجانب يطول كثيراً، وهو واسعٌ جداً، الحديث عنه في القرآن الكريم مساحته واسعةٌ جداً، وهو أيضاً من العناوين الأساسية التي يأخذ الحديث عنها، وتأخذ تفاصيلها مساحةً واسعة في الجوانب التثقيفية والتعليمية والإرشادية بشكلٍ كبير، وتحدثنا في المناسبات الماضية عن الكثير من العناوين والتفاصيل المتعلِّقة بذلك؛ ولذلك لا يتسع المجال للحديث عن كل التفاصيل، ولا عن كل العناوين ذات العلاقة بمفهوم الإيمان الصحيح، وهنا نركِّز على ركيزتين مهمتين من ركائز الإيمان:
أولوهما: الوعي الصحيح، والاهتداء بالقرآن الكريم والصلة الوثيقة به.
وثانيهما: هو استشعار المسؤولية في حمل رسالة الإسلام، والثبات عليه، والتصدي لقوى الطاغوت والاستكبار المعادية والمحاربة للإسلام والقرآن، ويتصل بهذا الجانب عنوان الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعنوان الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
من أهم ما في الإيمان: أنه يمثل صلةً تصلنا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن ضمن ما في هذه الصلة: أن نحظى بهداية الله “جلَّ شأنه”، كما قال في القرآن الكريم: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[البقرة: من الآية257]، فهذه الصلة الإيمانية بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من أهم ما فيها هو هذه الرعاية الإلهية، أن يخرجنا الله- نتيجة إيماننا به “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- أن يخرجنا من الظلمات إلى النور، بكل ما يشمله هذا العنوان المهم من هدايةٍ واسعة.
ويقول أيضاً: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ}[البقرة: من الآية213]، فتأتي الهداية الإلهية عند الاختلاف إلى الحق لمن؟ للذين آمنوا، بناءً على هذه الصلة الإيمانية بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
والقرآن الكريم هو يأتي في هذا الجانب، هو كتاب هداية، وآياته البيِّنات هي لتخرجنا من الظلمات إلى النور، كتاب هدايةٍ، وعلاقة المؤمنين به هي أولاً الإيمان به، هو في إطار العنوان الإيماني جانبٌ أساسي مما علينا أن نؤمن به، أن نؤمن بالقرآن الكريم أنه من عند الله، وأنه حقٌ، وكتاب هدايةٍ، نهتدي به، وأنَّ ما فيه حقائق لا تتخلف أبداً، فنؤمن ونثق ونصدِّق بكل ما أتى به؛ ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة: الآية285].
فالرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” هو أول المؤمنين من أمته، أول المؤمنين بالقرآن الكريم، {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ}، إيماناً صادقاً، إيماناً واعياً، إيماناً فيه الثقة بصدق ما أتاه، بأحقية ما نزل إليه، أنه الحق، أنه الهدى، أنه الصدق، وفيه تأثرٌ بذلك، واهتداءٌ به، واتِّباعٌ له، والتزامٌ به في مقام العمل، وفي مقام التوجيه الإلهي، والامتثال لأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
{وَالْمُؤْمِنُونَ}، المؤمنون الصادقون هكذا إيمانهم: إيمانٌ صادق بما أنزل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يثقون به أنه الحق، أنه النور، أنه الهدى، يتَّبعونه، ينتفعون به، يتزكون بهديه، ويتحركون على أساسه، ويلتزمون به في مقام العمل والاتِّباع.
{كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}، فالإيمان هو إيمانٌ في إطار كل هذه العناوين، إيمانٌ بالله، إيمانٌ صادق، فيه الثقة بالله، فيه الخشية من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والمحبة لله، وفيه الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتوكل عليه، والتصديق بما أتى به، الإيمان بملائكته، الإيمان بكتبه ورسله، الإيمان أيضاً باليوم الآخر من العناوين الأساسية في الإيمان بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وصدق وعده ووعيده، الإيمان به، بتوحيده “جلَّ شأنه”، الإيمان بمفهومه الشامل والواسع، وكذلك الإيمان بالملائكة، ويأتي عنوان الإيمان بالكتب، بكتب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبهدايته لعباده في كل مراحل التاريخ، الهدى أتى إلى البشر منذ بدء وجودهم، منذ آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، واستمر في واقع البشر.
{وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[البقرة: من الآية285]، الإيمان بوحدة الرسالة الإلهية، {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[البقرة: من الآية285]، هذه هي ثمرة الإيمان ونتيجته: السمع والطاعة، والالتزام في الواقع العملي، مع الشعور بالتقصير، والسعي للتخلص من الذنوب {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة: من الآية285]، والسلامة من حالة الغرور التي قد تصيب البعض.
فالعنوان الإيماني هو عنوانٌ مهمٌ في العلاقة بالقرآن الكريم، وهو أساسٌ للاهتداء به، الاهتداء بالقرآن الكريم لابدَّ أن يسبقه الإيمان به، والثقة بأنه من عند الله، وأن ما فيه حق، وأنه لا ريب فيه، ثم الاهتداء بالقرآن الكريم، وهو عنوانٌ أساسي في العلاقة الإيمانية بالقرآن، الله “جلَّ شأنه” يقول عن القرآن الكريم: {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: من الآية57]، فالمؤمنين يهتدون بالقرآن الكريم في كل مجالات حياتهم، هو معتمدهم في أفكارهم، في ثقافتهم، في فهمهم، في توجهاتهم العملية، في مسيرتهم في الحياة، كلها تعتمد على أساس الاهتداء بالقرآن الكريم، لهم هذه الصلة بكتاب الله، يقول عنه أيضاً: {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[البقرة: من الآية97]، فهم يهتدون به، وفيه البشارة لهم، فيما وعدهم الله به في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، نتيجةً لاتباعهم للقرآن وإيمانهم بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
يقول “جلَّ شأنه”: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: الآية52]، ففيه الهداية، وفيه الرحمة، الرحمة فيما وجه الله فيه، وما يترتب على ذلك من خيرٍ في عاجل الدنيا، في واقع الحياة هذه، وفي الآخرة، {هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، فهم يهتدون به، إيمانهم هو دافعٌ أساسيٌ في صلتهم هذه بالقرآن الكريم، التي هي صلة اهتداءٍ به.
وهداية القرآن هي هداية واسعة، وشاملة، وراقيةٌ جداً، كما قال الله عنه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: من الآية9]، فهو يرسم لنا في مسيرتنا في الحياة الأقوم في كل شيء، والأرقى في كل شيء، في كل مجال من المجالات، وشرف المسلمين وعزتهم مرتبطٌ بالقرآن الكريم، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف: الآية44]، وهو في الأساس كتابٌ لإنقاذ البشرية، المؤمنون يهتدون به، وإيمانهم يعزز صلتهم به للاهتداء به، ولكنه في الأساس كتابٌ لإنقاذ كل البشرية، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” مخاطباً لنبيه “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، فيقول: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم: من الآية1].
وفي القرآن نفسه يأتي الخطاب العام، الموجه إلى كل البشر، إلى كل بني آدم، كم في القرآن من نداء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، وفيه أيضاً نداء: {يَا بَنِي آدَمَ}، يخاطب المجتمع البشري بشكلٍ عام، بل أوسع من ذلك، القرآن الكريم هو كتاب هداية للإنس والجن، وهم عالمٌ آخر، بل وتنتفع به الملائكة، وتقدسه الملائكة، وتهتدي به الملائكة، وفي القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك.
وإعجازه إعجازٌ عالمي، هو كتابٌ عظيم، كتابٌ متميز، هو المعجزة الكبرى للرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وإعجازه عالميٌ في أوساط البشرية جميعاً، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: الآية88]، لا يستطيعون أن يأتوا بمثله، لا في بلاغته، وفصاحته، وهديه، ونوره، ومضامينه فيما تهدي إليه في كل مجال من المجالات المتعلقة بحياة الإنسان، وشؤون الإنسان المهمة، وهذا ما شهد به الواقع على مدى التاريخ، منذ نزول القرآن الكريم وإلى اليوم.
وهو أيضاً نعمة الله وحجته على عباده، وعظمة النعمة بحفظه للناس، فلم يُحَرَّف نصه كما حرفت كتب الله السابقة، التي حرفها الضالون، الضالون ممن كانوا ينتسبون إلى الدين نفسه في مراحل ماضية من تاريخ الرسالات الإلهية، فالقرآن الكريم كما قال الله عنه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: الآية9]، فحفظه الله فبقي، بقي مستمراً في وجوده في أوساط المجتمع البشري، في أوساط الأمة الإسلامية بالدرجة الأولى، وسليماً من تحريف نصه، وهذه نعمة كبيرة وحجة على عباد الله، بعد تحريف الكتب السابقة، وإخفاء الكثير منها، أو إخفائها بشكلٍ عام.
وهو أيضاً في نوره وهدايته ومضامينه خالصاً من كل شائبة ضلالٍ وباطل، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عنه: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: الآية42]، فهو نعمةٌ عظيمة، وهو الوثيقة الإلهية التي بقيت لهداية البشر، ولإنقاذهم، ولإصلاحهم، ولتزكيتهم، ولهدايتهم.
ومشكلة قوى الطاغوت والكفر والاستكبار والنفاق مع القرآن الكريم كانت مشكلةً منذ بداية نزوله، ومنذ بداية الرسالة الإلهية به على رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، فالقرآن الكريم كان منذ البداية المعجزة الخالدة، والمعجزة العظيمة، وعامل جذبٍ وتأثيرٍ كبير وهدايةٍ، من جانب إعجازه، وفي أثره النفسي، وفي هدايته، وحجته، وبيانه، ومضامينه العظيمة والنافعة، وفيما يقدمه من علوم ومعارف وهداية واسعة.
ولـــذلـك كان من أهم ما يركز عليه الكافرون وقوى الطاغوت والاستكبار، المجرمون والمضلون، كانوا يركزون على محاربة القرآن نفسه، بالدعايات، والإساءات، والتشويه، واشتهر عنهم مما ركزوا عليه في دعاياتهم ضد القرآن الكريم دعاية أنه سحر، {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}[المدثر: من الآية24]، وتكررت هذه الدعاية التي تتضمن- من جانبٍ معين- انبهارهم بالقرآن الكريم، واعترافهم بتأثيره الكبير، وبعظمته، وبأهميته، فشنوا هذه الدعاية في الإساءة إليه، والتحذير منه، وكانوا في حالة عجزٍ أمام إعجاز القرآن الكريم من جهة بلاغته، وفصاحته، وهدايته، وتأثيره على المستوى الروحي والنفسي بشكلٍ إيجابيٍ عظيم، ووصل بهم الحد في محاربتهم له عندما كانوا يقولون: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت: من الآية26]، فكانوا يحذرون حتى من الاستماع إليه، من الإصغاء إليه، وينفرون الناس عنه، ويحاولون أن يفصلوهم عنه، على مستوى الاستماع، وعلى مستوى الاهتداء والإتِّباع، ومشكلتهم معه فيما يتضمنه:
أولاً: هي مشكلة على المستوى الإجمالي.
وعلى المستوى التفصيلي.
مشكلتهم معه إجمالاً: أنه المعجزة الكبرى الخالدة لرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وأنه يؤثر أثراً عظيماً، سرٌ من أسراره العجيبة: أودع الله فيه الأثر العجيب على المستوى الروحي والنفسي.
وهو أيضاً على المستوى التفصيلي: فيما يقدمه من مبادئ، فيما يقدمه من قيم، فيما يقدمه من تعليمات، إذا أخذت بها البشرية، يتحقق بذلك لها إقامة القسط، وتحقيق العدل، في تزكيته للنفس البشرية، فيما يواجه به الضالين، والمفسدين، والمستكبرين، والمجرمين، الذين يمثلون مصدر شر وخطر على المجتمع البشري، ولا يقبلون بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولا يتزكون به.
لذلك مشكلتهم معه هي إجمالاً وتفصيلاً، مشكلة انزعاج كبير، يعتبرونه أكبر عائقٍ أمامهم، أكبر عائقٍ أمامهم في سعيهم للسيطرة على المجتمع البشري، وما يعتمدونه لتحقيق هدفهم ذلك من إفساد للمجتمع البشري، من إضلال للمجتمع البشري، من سعي للسيطرة عليه بالقوة والجبروت، القرآن الكريم يمثل عائقاً لهم أمام كل ذلك، فيما يقدمه من هداية ترتقي بالمجتمع البشري، تنقذه، تحرره، إذا أخذ بتعليماته يعتز، تمثل صلةً له بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يحظى بعونه، بنصره، بتأييده، ولذلك فهم ينزعجون جداً من القرآن الكريم، في إطار حربهم التي تستهدف المجتمع البشري نفسه، مشكلتهم مع القرآن لأهميته، ودوره الأساسي في إنقاذ الناس، وتحريرهم من شرهم وفسادهم، فهم يتجهون بحربهم إلى المجتمع البشري لإضلاله، وإغوائه، وإفساده، ويركزون على الإفساد للمجتمع البشري في كل شؤون حياته:
الإفساد في الجانب الأخلاقي.
في الجانب الاقتصادي.
في كل مناحي الحياة، والقرآن يمثل أكبر عائق أمامهم في ذلك، إذا بقي المجتمع البشري مرتبطاً به، مهتدياً به، فهو يحصنه، وهو أيضاً كفيلٌ بأن يرتقي به إلى مستوى الحصانة الثقافية، والفكرية، والأخلاقية، والتحرير للمجتمع البشري من العبودية للطاغوت كعنوان أساسي في القرآن الكريم.
ولـــذلك عندما نأتي إلى التأمل في طريقة حربهم ضد القرآن، وضد ما يدعو إليه القرآن، وما أتى به القرآن الكريم، في عناوينه الأساسية، في تعليماته المباركة:
أول عنوان أتى به القرآن الكريم: هو تحرير الناس من العبودية للطاغوت، أن يكونوا عبيداً لله، وأن يتحرروا من العبودية للطاغوت، وقوى الطاغوت والاستكبار من أهم أهدافها، وفي مقدمة ما تسعى إليه، هو: الاستعباد للناس، الإخضاع التام للمجتمع البشري لهم، لمصالحهم، لأهوائهم، لرغباتهم، لأطماعهم، وأن ينقاد لهم المجتمع البشري انقياداً تاماً ومطلقاً في كل أهوائهم، ورغباتهم، وأطماعهم، وما يسعون إليه، والقرآن الكريم إذا اهتدى به المجتمع البشري- كما هو حال المؤمنين الصادقين، الذين يهتدون به- يتحررون من سيطرة الطاغوت، وقوى الطاغوت بكلها، ولذلك مشكلتهم مع القرآن الكريم أنه كتاب حرية في مفهومها الصحيح، يحرر المجتمع البشري من هيمنتهم، من سيطرتهم، ويرقى به إلى مستوى المواجهة والتصدي لشرهم، لفسادهم، لإضلالهم وإغوائهم، وتحصينه كذلك، فحربهم هي من هذا الجانب، وتجاه هذا العنوان المهم.
القرآن الكريم هو كتاب تزكية، يقدم ما يزكي النفس البشرية، ويصلحها، ويربي على مكارم الأخلاق، ويحصِّن الإنسان، ويرتقي به، ويطهره من الرذائل والمفاسد، التي تمثل ضرراً كبيراً على الإنسان، لها تأثير سلبي كبير، هي تدنس الإنسان، وتنحط به عن كرامته الإنسانية، عن قيمته الإنسانية، وهي تؤثر عليه في واقع حياته، هي جرائم تفسد عليه نفسيته، تفسد عليه حياته، تفكك بنيته الأسرية، فلذلك هم ينزعجون من القرآن الكريم ككتاب تزكية.
وفي المقابل ماذا يعملون في حربهم على المجتمع البشري، وفي صدهم عن القرآن الكريم، عن الاهتداء به، وهو يزكي النفس البشرية، يزكي المجتمعات الإنسانية، يتجهون هم في المقابل لنشر الرذائل، لنشر المفاسد، للترويج لها بكل ما يمتلكون من وسائل، بكل ما يستطيعونه من إغراءات، ويعملون لذلك بشكلٍ كبير جداً، وصل في هذا العصر إلى أحط مستوى، عندما يتحركون لنشر الرذائل، والفساد الأخلاقي، والجريمة، والفاحشة تحت عنوان المثلية… وغيرها من الجرائم الأخلاقية، ثم يحاولون أن يؤطروا ذلك، وأن يوفروا الحماية لذلك، من خلال إدخالهم لذلك تحت عنوان الحقوق والحريات، ويقدِّمون لذلك الدعم الكبير، دعم سياسي، دعم تحت العناوين الأخرى، في الإطار القانوني، في إطار الحريات، في إطار الحقوق… وهكذا في عناوينهم وفي أساليبهم التي يروِّجون لها بشكلٍ كبير، وبشكلٍ لم يبق لديهم ذرة من الحياء، ولا ذرة من احترام القيم الفطرية الإنسانية، التي فطر الله الناس عليها.
هذه هي حربهم في مواجهة ما أتى به القرآن الكريم، وهم يعرفون ويدركون أنَّ القرآن الكريم هو الذي يزكي المجتمع البشري ويحافظ عليه من سعيهم لإفساده، وسعيهم لتمزيق بنيته، وتدمير بنيته الأساسية في تكوينه الاجتماعي وهي الأسرة، وهم يعملون لذلك بقصد، وهذا إفساد كبير، واستهداف خطير للمجتمع البشري.
أيضاً من مظاهر محاربتهم للمجتمع البشري، فيما يواجهون به القرآن، ويرون القرآن في نفس الوقت يمثل مشكلةً عليهم في ذلك، هو: في ربطهم للولاءات بالجانب المادي، وهو من أسوأ ما يعملونه في المجتمع البشري، فهم يجعلون الولاءات مرتبطةً بالمال، بالمصالح المادية، ويجعلون المصالح المادية أساساً للروابط التي يتبعها المواقف، يتبعها التوجهات، وبذلك يؤسسون للانحراف بالمجتمعات تحت هذه العناوين، في مواقفها، وفي توجهاتها، ويهيئونها لتقبل ما يأتون به هم من باطل، وضلال، وإغواء، وفساد، ومنكر، ورذائل… إلى غير ذلك.
والقرآن الكريم هو الذي يحصِّن المجتمع البشري، ويحصِّن المؤمنين، ويبني ولاءاتهم على أساسٍ من القيم والمبادئ، المبادئ التي هي حق، المبادئ الإلهية العظيمة، وهذا يزعج قوى الطاغوت، وقوى الكفر؛ لأنهم يريدون أن يتجهوا بالمجتمع ليكون متقبِّلاً لهم إلى درجة أن يواليهم، ثم يتقبَّل ما يأتون به.
في جانب الكفر وقوى الكفر والطاغوت، هناك ضمن وفي مقدِّمة من يتصدر الحرب في مواجهة الإسلام، والقرآن الكريم، وما أتى به القرآن الكريم، وانزعج انزعاجاً شديداً مما أتى به القرآن الكريم من نور، من هداية، من تزكية، من تعليمات، إذا تمسَّك بها البشر، واتَّبعها البشر يتحقق من خلالها إقامة القسط والعدل في الحياة، هم الذين كفروا من أهل الكتاب.
من صدر الإسلام وكانوا هم في مقدِّمة من انزعج انزعاجاً شديداً من رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن كتابه ورسوله، وتوجهوا للحرب والصد للمجتمع البشري عن الاهتداء بالقرآن الكريم، ولذلك يقول الله عنهم في القرآن الكريم: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[الصف: الآية8].
الذين كفروا من أهل الكتاب (من اليهود والنصارى) اتجهوا منذ البداية وهم يحاولون، إرادتهم هذه ارتبطت بها برامج عمل، أنشطة عملية، تحركات عملية، في محاولة إطفاء نور الله، نور الله الذي يكشف ظلماتهم، وينقذ المجتمع البشري من ظلماتهم، وضلالهم، وفسادهم، وتحريفهم، فهم انزعجوا جداً، ويحاولون منذ ذلك الزمن- وهي حالة مستمرة لديهم- أن يطفئوا نور الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {بِأَفْوَاهِهِمْ}: ينفخون بأفواههم بما يبثونه من تشكيك، من دعايات، من أباطيل، من ضلال، ينشطون بشكلٍ مكثف، نشاطهم بشكلٍ رئيسي في محاربة هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في سعيهم لإطفاء نوره عبر الدعايات، النشاط الذي يعتمد بشكلٍ كبير على الإضلال بالتثقيف، وبنشر الأباطيل، بنشر الدعايات المتنوعة، بمحاولتهم إغواء الناس فكرياً وثقافياً، وفيما يحملونه من تصورات ومفاهيم باطلة يروِّجون لها في أوساط الناس لتصرف المجتمع البشري عن هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعن الاهتداء به، وعن الاستنارة بنوره، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، هو تام، ويتم ولو كرهوا، ولو ابتنى على ذلك (على كراهيتهم له) كل ما يسعون له، وما يخططون له من أنواع المؤامرات، وأنواع المكائد، والخطط المتنوعة والمتعددة.
قال الله عنهم أيضاً في القرآن الكريم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[البقرة: الآية89]، كفروا به بعد معرفتهم بأنه من عند الله، ومصدقٌ لكتب الله السابقة، هم يعرفون ذلك، فاتجهوا هم إلى الكفر به، وإلى إنكار أنه من عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإلى محاربة المجتمع، وسعيهم لفصل المجتمع عن الإيمان به، والاهتداء به، والتمسك به، والاتِّباع له.
وقال عنهم في القرآن الكريم: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}[البقرة: من الآية109]، كثيرٌ منهم، {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}[البقرة: من الآية109]، فهم في رغبتهم وودهم لذلك، يسعون عملياً في تحويل المجتمع الذي قد آمن بالقرآن الكريم، وآمن بالله، وبرسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يتحول إلى كافر، وأن يتنكَّر لكل ما قد أتاه من الحق والهدى والنور، وأن يتجه وفق ما يعملون له هم فيما ينحرف به بشكلٍ تام عن الاهتداء بالقرآن الكريم.
وقال أيضاً في القرآن الكريم محذراً للمؤمنين منهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: الآية100]، وهذا الاستهداف (الاستهداف في الإيمان)، هذا العنوان الذي ركَّز عليه القرآن الكريم؛ لنعيه كمجتمعٍ مسلم، أنَّ أهم ما يركِّزون عليه في الاستهداف لنا، هو: الاستهداف لنا في إيماننا، وأن يسعوا لفصلنا عن أهم ما يرسِّخ إيماننا عن الاهتداء بالقرآن الكريم، بكتاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولذلك قال بعد ذلك مباشرةً: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}[آل عمران: من الآية101]، فهم يسعون إلى فصلنا عن الاهتداء بآيات الله، بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنه الذي يحصِّن مجتمعنا، ويحصننا من التأثر بهم، من مساعيهم في الاضلال، ومساعيهم في الإفساد، وحربهم بكل أشكالها:
الصلبة والعسكرية.
أو الناعمة والشيطانية المفسدة.
وفي القرآن الكريم يبين أنَّ اليهود- داخل أهل الكتاب- يتصدَّرون هذه الحرب، وهذا العداء الشديد، فقال “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: من الآية82]، يأتي بهم مرتبةً ثانية، في المقدِّمة: اليهود، واستمر هذا الحال على مدى التاريخ، ليست مساعيهم في عصرنا وفي زمننا بجديدة، وليست بتوجهات جديدة، هم على طول التاريخ منذ عصر النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” وهم يحاربون هذه الرسالة الإلهية، يجدون في القرآن الكريم أنه مشكلةً كبيرةً عليهم، وأنه أساسٌ لهداية المجتمع البشري، فيحاولون أن يفصلوا المجتمع البشري عن الاهتداء به.
ولـــذلك في زمننا هذا، فإنَّ اللوبي الصهيوني اليهودي يتصدر أكبر نشاطٍ معادٍ للإسلام والقرآن والمسلمين في الساحة العالمية، ينشط في مختلف البلدان، وليس يستهدفنا فقط في ساحتنا الإسلامية، جزءٌ كبير من نشاطه يتوجه لاستهدافنا في ساحتنا الإسلامية، في بلداننا، ولكنه ينشط على مستوى واسع، ينشط حتى في أمريكا، في أوروبا، في أستراليا… في مختلف البلدان، يتحرك بشكلٍ نشط، وبشكلٍ واسع.
وعندما نرى مثلاً في هذه الأيام- وهي ليست بالحوادث الجديدة، بل في الأعوام الماضية تكررت أمثال هذه الحوادث- جرائم من أشنع الجرائم، وأكبر الجرائم، هي جرائم حرق القرآن الكريم في عددٍ من البلدان الأوروبية، في عدة دول من البلدان الأوروبية، تكررت هذه الجريمة خلال الأعوام الماضية، وتتكرر هذه الأيام، في أكبر تصرف عدائي ضد الإسلام والمسلمين، الحرق للقرآن الكريم، والتدنيس للقرآن الكريم، وإعلان العداء للقرآن الكريم وللإسلام والمسلمين، وارتكاب اعتداءٍ مشينٍ وسيئ يمثل استفزازاً كبيراً جداً للمسلمين، وتحدياً لهم، واستهانةً بهم، وفي نفس الوقت هو شاهدٌ واضح على مدى انزعاجهم من القرآن الكريم، وضعفهم أمام القرآن الكريم، كم لهم من أنشطة هائلة وواسعة ومتنوعة في الجوانب التثقيفية، في الجوانب التعليمية… في الجوانب الأخرى: {بِأَفْوَاهِهِمْ}.
لهم نشاط واسع جداً في محاربة القرآن، في فصل الأمة عن القرآن الكريم، في العمل بشكلٍ صريح وواضح في الكفر بالقرآن، والتحذير منه، والإبعاد للناس عنه، أو بشكلٍ مبطن، وبشكلٍ خفي، وبوسائل مضلة للناس، للانصراف بهم تلقائياً عن القرآن الكريم، مثلما هو طبيعة نشاطهم في الأغلب في ساحتنا العربية والإسلامية، لهم نشاط واسع، لكنه في كثيرٍ منه ليس نشاطاً صريحاً في العداء للقرآن، أو التحذير من القرآن، هم يحاولون أن ينصرفوا بالناس تلقائياً عمَّا يهدي إليه القرآن، من خلال تقديم بدائل مخالفة تماماً للقرآن الكريم، يحاولون أن يروِّجوا لها، أن يقنعوا الناس بها، أن يدفعوا بالناس لاتِّباعها، للاعتقاد بها، للتثقف بها، للتحرك على أساسها، وهي بدائل مخالفة للقرآن الكريم، هذه طريقة ووسيلة واحدة من وسائل صرفهم للناس عن الاهتداء بالقرآن الكريم، وعن التمسك بالقرآن الكريم، وعن الاتِّباع للقرآن الكريم، ولكن لهم أيضاً نشاط صريح وواضح وعلني في الكفر بالقرآن الكريم، في التحذير من القرآن الكريم، في ترسيخ العداء للقرآن الكريم، ومحاولة أن يصنعوا حواجز حتى في نفوس الناس، حواجز متنوعة، حواجز تصل إلى درجة العداء للقرآن الكريم، ليفصلوا الناس عنه؛ لأنهم يرون فيه أكبر خطرٍ بالنسبة لهم، وأكبر منقذٍ للبشرية من ضلالهم، وفسادهم، وشرهم، وإجرامهم.
فالحوادث التي تأتي في أوروبا، الجرائم البشعة التي يقومون فيها بإحراق المصحف، هي تأتي في سياق حربهم على المجتمع البشري، وسعيهم لفصله عن القرآن الكريم، وترسيخ العداء للقرآن الكريم، أن يفصلوا المجتمع البشري إلى هذا المستوى، إلى هذه الدرجة؛ ليحوِّلوه معادياً للقرآن الكريم، وأيضاً ليصنعوا العداء للإسلام بشكلٍ عام، وهم قلقون إلى حدٍ كبير من انتشار الإسلام في أنحاء الأرض، في أنحاء العالم، انتشار الإسلام حتى في البلدان الأوروبية، هناك خواء روحي، وهناك ضياع للقيم، وهناك وضعية سيئة جداً، تركت أثراً سيئاً جداً في المجتمعات الأوروبية، وفي مختلف المجتمعات غير المسلمة، ولا يعالج تلك الوضعيات السيئة إلَّا هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلَّا نور الإسلام العظيم، إلَّا المبادئ الإلهية والقيم الإلهية التي يسمو بها الإنسان، وتمثل حلاً لمشاكل الإنسان، وهذا ما يلمسه من يُقْبِل إلى التعرف على الإسلام بموضوعية، في الغرب بشكلٍ عام، أو في أي بلدٍ من البلدان، في أي جهةٍ من الجهات، من يُقْبِل على التعرف على الإسلام بموضوعية، ويعتمد على القرآن الكريم؛ فهو يتأثر، وينجذب إلى الإسلام، وينجذب إلى القرآن الكريم، وهذا هو العامل المؤثر في نفوس الكثير ممن التحقوا بالإسلام، وأعلنوا إسلامهم في أوروبا، وفي أمريكا، وفي الغرب بشكلٍ عام، كان العامل الأول المؤثر عليهم الذي اقتنعوا من خلاله بالإسلام هو القرآن الكريم، فانزعاج الأعداء منه انزعاجٌ شديد؛ لعظمته، لدوره المهم، فيتصرفون بهذا التصرف الأرعن والعدائي والأحمق.
تصرفهم ذلك هو جريمة كبيرة، وتعدٍ كبير، واستفزاز كبير للمسلمين، وهناك جانبان للقضية:
فيما يتعلق بهم: لا مبرر لهم في ذلك، تصرفهم عدائي، تصرفهم إجرامي، تصرفهم فيه إساءة كبيرة جداً إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى رسله وأنبيائه، إلى القرآن الكريم وكتب الله بكلها؛ لأنه خلاصة الكتب الإلهية، التي تضمَّنها واحتواها، فتصرفهم تصرفٌ إجراميٌ شيطانيٌ، وكفرٌ عظيم، من مظاهر كفرهم الكبيرة بالقرآن الكريم، وهو شاهدٌ على عدائهم الشديد للمجتمع البشري، ومشكلتهم مع القرآن كما بيَّنا:
مشكلةٌ معه في إنقاذه للمجتمع البشري من العبودية لهم.
في تزكيته للمجتمع البشري، وهم يقابلون ذلك في سعيهم الدؤوب لتدنيس المجتمع البشري وإفساده، ونشر الرذائل، والعمل على ضرب المجتمع البشري في أخلاقه وقيمه، حتى الإنسانية والفطرية.
في سعيهم لظلم المجتمع البشري والاستمرار في ذلك، والقرآن الكريم يبني المجتمع البشري ليكون في مستوى التصدي لظلمهم وإجرامهم وطغيانهم.
فمشكلتهم مع القرآن الكريم مشكلة معروفة.
في المقابل فيما يتعلق بالمسلمين: وهذا استهداف كبير لهم أيضاً، وحربٌ عليهم في معتقداتهم، واستهدافٌ لأقدس المقدَّسات، أقدس المقدَّسات على الإطلاق هو القرآن الكريم، قدسيته عظيمةٌ جداً، مكانته، موقعه في المعتقد الإسلامي، في الرسالة الإسلامية، فأن يسكت الكثير من المسلمين، والكثير من الأنظمة عمَّا يجري، عن هذا الاستهداف العدائي، البالغ العداوة، فهذا جرمٌ كبير، وتقصيرٌ عظيم، وتفريطٌ رهيب، وتنصُّلٌ تام عن مسؤولياتهم، ويمثل خطراً كبيراً على المجتمع الإسلامي؛ لأن المجتمع الإسلامي إذا سكت أمام أكبر استهداف له في أقدس مقدَّساته، فهل يمكن أن يتحرك تجاه أي قضية أخرى؟! هل يمكن أن تجتمع كلمته، أو أن يقف الموقف المشرِّف تجاه أي استهداف آخر؟! هذا هو من أكبر الاستهدافات له، فإذا وصل الحال بالكثير من الأنظمة والكثير من الشعوب إلى مستوى ألَّا يكون لهم أي موقف، ألَّا يكون لهم أي صوت، ألَّا يكون من جانبهم أي احتجاج، أي تنديد، أي إجراء تجاه هذا الموقف العدائي من جانب أولئك الأعداء في تلك البلدان، فهذا هو تنصُّلٌ وتفريط، وهو شاهدٌ- في نفس الوقت- على أنَّه لم يبق لأقدس المقدَّسات لديهم قيمةً لديهم؛ لأنهم البعض منهم قد يحتج، أو يتخذ موقفاً ما، أو يتحرك تحركاً معيناً تجاه قضايا أخرى، أو مواضيع أخرى، أو مشاكل أخرى.
من الأمثلة البسيطة على ذلك: هو موقف النظام السعودي، عندما صدرت تصريحات من المسؤولين في كندا باتهامه بانتهاك حقوق الإنسان، فالنظام السعودي تحرَّك أمام هذا الاتهام، أمام هذه المقولة، أنهم قالوا عنه: أنه ينتهك حقوق الإنسان، وكان لهم تحرك تحت هذا العنوان، تحرك سياسي معين، انزعج النظام السعودي كثيراً، واتخذ إجراءات تتعلق بعلاقته مع كندا؛ ليعبِّر بذلك عن رفضه لما قالوه عنه، إلى هذا المستوى، قد يغضبون على دولة معينة- حتى في الواقع الداخلي للعرب والمسلمين- أن ذلك المسؤول تكلم على ذلك الزعيم، أو أنه قال كذا عن ذلك الأمير، أو أنه انتقد تصرفاً معيناً من تصرفاتهم، يبنون على ذلك إجراءات عقابية، إجراءات اقتصادية أحياناً، إجراءات قطع للعلاقات السياسية والدبلوماسية… وهكذا يتخذون إجراءات معينة.
عندما يصل بهم الحال إلى ألَّا يتفاعلوا مع أمرٍ فظيعٍ كهذا، جريمة رهيبة جداً كهذا، استهداف من أكبر الاستهدافات العدائية لأقدس مقدساتهم، فهذا يبين على أنهم لم تبق لهم صلة حقيقية بهذا المقدَّس العظيم، بالقرآن الكريم، الذي هم معنيون- ويقرُّون بذلك- أن يؤمنوا به، أن يعظِّموه، أن يهتدوا به، وأن يقدِّسوه، وأن يتَّبعوه… إلى غير ذلك، فهي حالة خطيرة جداً، تدل على تدني في الالتزام الإيماني والأخلاقي والقيمي تجاه الإسلام، وتجاه تعاليم الإسلام، وتجاه قضايا الأمة الإسلامية المتعلقة بها في دينها، يعني: لم يبق للدين الإسلامي عندهم أي قيمة تساوي كلمةً، أو سمعةً لأمير، أو مسؤول، أو ملك، أو موظف هنا وهناك، قضية خطيرة جداً.
أمَّا ما يتذرعون به في الغرب، تتذرع به بعض الأنظمة الغربية تجاه هذه الجريمة الشنيعة في إحراق القرآن الكريم، مثلما تذرَّعت به السلطة في السويد، أو في بعض الدول الأوروبية: [أنَّ ذلك يأتي في سياق حرية التعبير]، فهو تبريرٌ سخيف وواهٍ، وليس مستنداً أبداً، ولا مبرراً نهائياً أبداً، ليس لهم فيه أي حجة أبداً، هذا التصرف هو اعتداء، ليس حتى تعبيراً، التعبير نطقٌ بالعبارات، نطقٌ بالكلام، أو كتابةٌ لذلك الكلام، أمَّا أن تحرق مصحفاً، أو تهدم مسجداً، أو تقتل مسلمين، فهذا ليس فقط مجرد تعبير، هذا اعتداء، هذا فعل، هذا تصرف، واعتداء كبير، اعتداء خطير، حرق المصحف هو اعتداء وليس مجرد عبارات نطقوا بها، هم ينطقون دائماً بكفرهم، بموقفهم من القرآن الكريم، بكفرهم به، بتحذيرهم منه، لكن الاعتداء بالإحراق هو فعل، هو تصرف، هو اعتداء بكل ما تعنيه الكلمة، وجرمٌ عظيم، جرمٌ كبير، جرمٌ شنيع.
ثم فيما يتعلق بالتعبير: في كل الدنيا، في كل بلدٍ من بلدان العالم، ليس مسموحاً لأي إنسان أن يقول كل شيء مهما كان ما يقوله ظلماً، أو افتراءً، أو انتهاكاً لحقوق الآخرين، وتعدياً عليهم؛ لأن الإنسان عليه مسؤولية أخلاقية فيما يقول، وعليه مسؤوليات قانونية في العرف البشري، والأعراف البشرية، والقوانين البشرية في كل البلدان فيما يقول، يعني: أنَّ هناك التزامات على الإنسان ومسؤولية في كلامه، وفي قوله، أولاً أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو “جلَّ شأنه” الذي علَّمنا وفرض علينا “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” التزامات فيما نقول، التزامات أخلاقية، أن يكون ما نقوله في إطار الحق، في إطار الصدق، في إطار العدل، {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا}[الأنعام: من الآية152]، في إطار الحق والحقيقة، ألَّا يكون ما يقوله الإنسان زوراً، أو بهتاناً، أو ظلماً، أو إساءةً، أو دعوةً إلى ضلال، أو… إلى غير ذلك، القائمة تطول فيما فرضه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وشرعه لنا.
في واقع البشر في الالتزامات القانونية، هناك التزامات قانونية، هناك حدود، هناك ضوابط فيما يقوله الإنسان، حتى عندهم هم في السويد، في أوروبا، في أمريكا… في كل البلدان الغربية، ليس من الصحيح أنه مسموحٌ للإنسان أن يقول أي شيءٍ مهما كان، المسموح عندهم فقط هو الإساءة إلى الله، الإساءة إلى أنبيائه، الإساءة إلى رسله، الإساءة إلى كتبه، هذا مسموحٌ عندهم، الكفر، والضلال، والفساد مسموحٌ عندهم، وإلَّا فهم يمنعون حتى مستوى أن تتفوه بانتقاد اليهود الصهاينة، يقولون: [معادٍ للسامية]، ويحاكمونك، ويعاقبونك على ذلك.
في أوروبا وفي أمريكا الانتقاد لجرائم اليهود الصهاينة، أو الحديث عن حقائق تتعلق بهم، بما فعلوه من جرائم، من انتهاكات، يمثل عندهم جرماً، لا يسمحون لك أن تتكلم ولا أن تكتب، حاكموا البعض على كتابات كتبوها، وحاكموا البعض على أقوال قالوها، ومعروفٌ هذا في واقعهم، وهذا شاهدٌ واضح- كما كررناه في مقامات متعددة- على مدى سيطرة اللوبي الصهيوني اليهودي عليهم، إلى درجة العبودية له، أن يصلوا في واقعهم إلى مستوى أن يسمحوا بالإساءة إلى الله، وإلى رسل الله، وإلى كتب الله، وأن يمنعوا أي انتقاد بالحق، بالصدق، بالحقيقة، لجرائم اليهود الصهاينة وما يفعلونه، هذا يبين حقيقة واقعهم، أنهم في وضعية الاستعمار، والاستعباد، والخنوع التام للسيطرة من جانب اللوبي الصهيوني اليهودي، الذي يتحكم بهم، ووصل بهم إلى أن يجعلوه هو أكبر مقدَّس لديهم، وأن يكون محمياً عندهم من الانتقاد، فلا حرية للتعبير في ما فيه انتقادٌ له، أو ذكرٌ للحقائق التاريخية التي تفضحه، أو تفضح مؤامراته، ثم يسمحون بما عدا ذلك حتى تجاه الله، تجاه أنبيائه، تجاه رسله، كتبه، المقدَّسات المهمة، هذا يكشف واقعهم.
ولذلك فإنَّ الشعوب الأوروبية والشعوب في البلدان الغربية، هي في حالة خنوع وسيطرة، تحتاج إلى أن تحرر، نحن دعوناها وندعوها إلى أن تسعى إلى أن تتحرر، أن تدرك كم هي خانعة ومستعبدة تحت سيطرة اللوبي الصهيوني، والذي يدفع بها إلى العداء للإسلام؛ لأن الإسلام فيه نجاتها، إلى العداء للقرآن؛ لأن القرآن هو الكفيل بأن يحررها من سيطرة اللوبي الصهيوني اليهودي، الذي يسيطر عليها، ويمتهنها، ويفسدها، ويسعى لأن يسلبها حتى من كرامتها الإنسانية، ومن كل ما يعبِّر عن الإنسانية، هو يسعى لامتهانها، وإذلالها، وتجريدها بشكلٍ تام من كل القيم الإنسانية والأخلاق الإنسانية، وهذا شيءٌ واضح، ومع الوقت يتضح أكثر فأكثر، هم يسعون بالمجتمعات الغربية إلى الانحطاط التام بشكلٍ عجيبٍ جداً، من يتابع، من يعرف واقع تلك المجتمعات، كيف جردوها عن الأخلاق والقيم الفطرية الإنسانية، وكيف يسعون بها إلى الحضيض، وكم ترك ذلك من أزمات اجتماعية ومشاكل كبيرة في واقع حياتهم، وهم مستمرون في ذلك؛ لأن تلك المجتمعات مجتمعات غير محصنة، مجتمعات منفلتة، مجتمعات تمكنوا من السيطرة عليها سياسياً.
المسلمون عليهم التزام إيماني وأخلاقي في التصدي لكل مساعي الأعداء وأنشطتهم العدائية، التي تستهدف الإسلام والمسلمين، وتستهدف المجتمع البشري، وهذه هي الركيزة الثانية في انتمائنا الإيماني، من الركيزتين اللتين نتحدث عنهما في سياق هذه الكلمة.
عنوان الجهاد في سبيل الله في كل مجال من المجالات: الجهاد في الجانب الثقافي، والفكري، والإعلامي، والاقتصادي، في كل ميدان من الميادين، والجهاد في سبيل الله بالقتال في سبيل الله، هو عنوانٌ من أهم العناوين المرتبطة بالانتماء الإيماني، بل هو معيار لمصداقية الإنسان في انتمائه الإيماني، ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات: الآية15]، فمصداقية انتمائك للإيمان هي في جهادك في سبيل الله، والجهاد هو موقف، أنشطة وتحرك، لكن في إطار موقف، موقفٍ من الأعداء، أعداء البشرية، أعداء الإنسانية، أعداء الإسلام، أعداء القرآن، أعداء الرسل والأنبياء، هو في إطار موقفٍ واضح تجاههم، ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم أيضاً: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[النساء: من الآية76]، يقول أيضاً في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: الآية111].
فالإنسان في انتمائه الإيماني عنده الدافع الكافي لأن يكون له موقف من شر أولئك، من إفسادهم، من استهدافهم له ولأمته وللمجتمع البشري، عنده الدافع الإيماني الكافي، وعنده الالتزام الأخلاقي والإيماني كمسؤوليةٍ عليه في أن يكون له موقف، ولذلك يجب أن يكون لنا موقف، إذا لم يكن لنا موقف حتى بعد الاستهداف العدائي للقرآن الكريم، فما هي القضية، ما هو الموضوع، ما هي المسألة التي يمكن أن يكون لنا تجاهها موقف، ما هو الحادث، أو الانتهاك، أو الاعتداء، الذي يمكن أن يكون لنا تجاهه موقف؟! هي حالة تعبِّر عن موت من يصلون إلى مستوى هذه الدرجة، أنه لم يبق لديهم ضمير، لم يبق لديهم دافع إيماني، فقدوا الدافع الإيماني، فقدوا شعورهم بالانتماء الإيماني، بالشكل الذي يصل بهم ويرتقي بهم إلى مستوى الموقف.
في المقابل نحن نشيد بكل الذين تحركوا وكان لهم موقف واضح وصريح وشجاع، بدءاً بشعبنا اليمني العزيز، الذي خرج في مظاهرات غاضبة وساخطة، وتحرك بمواقف قوية، وعبَّر بكل قوة عن موقفه الصريح تجاه الأعداء، وعن موقفه المناصر للقرآن، والمتمسك بالقرآن، والمعظم للقرآن الكريم، نحن طبعاً لا علاقة لدينا دبلوماسية أو سياسية، لا مع السويد، ولا مع البلدان الأوروبية، لو كان لنا أي علاقة، أو كان عندنا سفير من سفرائهم لطردناه، لكان لنا موقف أكبر من ذلك على المستوى العملي، ولكن ليس لنا أي علاقة دبلوماسية بهم، ولا أي شكل من أشكال العلاقات الرسمية بيننا وبينهم، هذا هو حال المرتزقة وحال الأنظمة العربية الأخرى.
لكن في هذا المقام هناك خطوة دعا إليها البعض في العالم الإسلامي هي مقاطعة البضائع والمنتجات للدول التي تتبنى هذه التصرفات العدائية المشينة تجاه القرآن الكريم وتجاه رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، وأنا في هذا المقام أدعو الجانب الرسمي عندنا والجانب الشعبي إلى تبني هذا الموقف، في مقاطعة البضائع والمنتجات للبلدان التي تتبنى رسمياً حماية وفتح المجال لمن يتبنون ويقومون بتلك التصرفات المسيئة والعدائية جداً ضد الإسلام والمسلمين، هذا هو استهدافٌ لنا نحن كمسلمين، واستهداف للمجتمع البشري، واستهداف لأقدس مقدساتنا، فمن المهم جداً أن يكون هناك موقف حتى في هذا الاتجاه.
وكان ينبغي- ولا يزال ينبغي- على المسلمين أن يوحدوا صفهم لموقفٍ جامع، للضغط على تلك البلدان التي تهيئ المجال- حتى باسم القانون- لمثل هذه الاستهدافات العدائية ضد الرسول، وضد القرآن، وضد الإسلام والمسلمين.
لو عرفت تلك البلدان بأن هناك توجه شامل وجامع للمسلمين جميعاً، للبلدان الإسلامية والعربية، في مقاطعة منتجاتهم، لتراجعوا فوراً؛ لأنهم يعرفون هذه اللغة (لغة المواقف)، وفي المقدمة ما يؤثر على وضعهم الاقتصادي، والسوق الكبيرة لمنتجاتهم هي العالم الإسلامي؛ لأنه غير منتج، الإنتاج فيه ضعيف، يعتمد بالدرجة الأولى على الاستيراد والاستهلاك لبضائعهم ومنتجاتهم، ويستفيدون منه الاستفادة الكبيرة، ولكن أن يصل الحال في العالم الإسلامي أن بعض الدول ليس لها موقف حتى في أبسط المواقف، على مستوى إجراءات دبلوماسية، إجراءات اقتصادية، نشاط إعلامي قوي، تحرك شعبي واسع، بل لا يسمحون في بعض البلدان حتى للتحرك الشعبي أن يكون بالمستوى المطلوب، وأن يعبِّر عن موقف جاد، وموقف قوي، وموقف يرقى إلى الحد الأدنى، إلى المستوى المطلوب، وهذه مأساة في واقعنا الإسلامي.
ولذلك ندرك أيضاً حقيقةً أخرى، هي: دور حركة النفاق والمنافقين في داخل الأمة، في حربهم ضد الانتماء الإيماني الصادق الواعي، الذي يجعل الإنسان على علاقة صحيحة بالقرآن الكريم، علاقة اهتداء، وعلاقة اتِّباع، وعلاقة تمسك، وعلاقة عمل، وعلاقة موقف، وعلاقة ولاء، المنافقون حركتهم في الداخل الإسلامي هي مرتبطةٌ بالكافرين، بأعداء الإسلام والمسلمين، باللوبي اليهودي الصهيوني، وكانت- ولا تزال كذلك- حتى في صدر الإسلام، ولذلك يقول الله عن المنافقين في القرآن الكريم: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[النساء: 138-139].
فالمنافقون يقومون بالدور التخريبي في داخل الأمة، الذي ينحرف بالأمة عن التوجه الإيماني الصادق الأصيل، الذي يتحرك فيه الإنسان المؤمن مستنيراً بنور الله، مهتدياً بهدى الله، متمسكاً بكتاب الله، متبعاً للقرآن الكريم، ويتبنى المواقف التي تفرضها عليه مسؤوليته وانتماؤه الإيماني، كإنسان مؤمن لديه مسؤوليات والتزامات عليه أن يتحرك وفقها، شغلهم التخريبي في التثبيط داخل الأمة، في التدجين للأمة لصالح أعدائها، تحالفاتهم مع أعداء الأمة، وارتباطاتهم مع أعداء الأمة في مؤامراتهم ضد المجتمع الإسلامي، هي من أخطر الجرائم ومن أكبرها، وهي تبين مدى سوء دورهم، وخطورة الدور الذي يقومون به في داخل الأمة؛ لأنه من المؤسف أن يكون العالم الإسلامي- وهو بأكثر من مليار وستمائة مليون مسلم- في واقعه لم يعد يقف أي موقفٍ قوي، في الحد الأدنى من المواقف القوية، احتجاج بصورة موحدة، إجراءات بصورة موحدة حتى على المستوى الدبلوماسي، أو إجراءات على المستوى الاقتصادي، لم يعد إلى مستوى أن تجتمع كلمته على موقف بهذا المستوى، بهذا الحجم، لماذا كل هذا، هذا ليس شيئاً طبيعياً، هذا واقعٌ مؤسفٌ جداً، واقعٌ متدنٍ، لا لقضاياه المرتبطة بإسلامه بشكلٍ مباشر، ولا بقضاياه المرتبطة بواقع حياته، والإسلام هو لصالح حياتنا، هو عزةٌ لنا، هو شرفٌ لنا، ارتبط به شرفنا، وعزتنا، وكرامتنا، واستقلالنا، وحريتنا، كل ذلك مرتبطةٌ بإسلامنا، فأن يصل واقع المسلمين لأن يكون هناك خمسين بلداً إسلامياً، خمسين دولة لا يجتمعون على موقف موحد لإجراء موحد، على المستوى الدبلوماسي، أو على المستوى الاقتصادي، أو في أي مستوى من المستويات البسيطة، لقضية بحجم هذه القضية، وهي: إحراق الأعداء للقرآن الكريم، هذا أمرٌ مؤسف، يدل على واقع غير سليم، غير طبيعي.
لماذا هذه الأمة مخلخلة إلى هذا المستوى؟ لماذا هي مكبلة؟ ما هي القيود التي قُيِّدت بها، حتى فقدت فاعليتها، وأصبحت إلى هذا المستوى المتدني من الخنوع، والضعف، والشتات، والتنصل عن المسؤولية، والجمود، أمام كل المخاطر التي تهددها، وأمام كل الإجراءات المعادية لها من جانب أعدائها؟ هناك شغل خطير جداً، لحركة النفاق في داخل الأمة، تكبلها من الداخل عن أن يكون لها موقف بالشكل المطلوب، أو بالحد الأدنى حتى على مستوى الشعوب، هذا شيءٌ معروفٌ وواضح.
لخطورة هذا الدور الكبير في خدمة الأعداء، والسلبي جداً، والمؤثر على الأمة، والمفقد لها عناصر قوتها، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[النساء: الآية145]، قضية خطيرة جداً على واقع العالم الإسلامي.
ولـــذلك فأحرار الأمة والشعوب الحية معنية بالتحرر من القيود، التي تكبلها بها حركة النفاق، وتسعى لتجريدها من الشعور بانتمائها الإيماني، وقيمها الإيمانية، والتزاماتها الإيمانية، ومواقفها الإيمانية، يجب أن تتحرر؛ لكي تستطيع أن تتحرك بالشكل الصحيح، وهذا هو مصلحة لها، حرية لها، شرفٌ لها، إنقاذٌ لها.
ومن أبرز قوى النفاق المعاصرة، المخربة في أوساط المسلمين، المنحرفة، والمحرفة للانتماء الإيماني عن اتجاهه الصحيح، وعن أصالته، وعن حقيقته، هم: التكفيريون يلعبون دوراً تخريبياً وسيئاً جداً في ذلك، ومشوهاً للإسلام والمسلمين، ومعهم إلى جانبٍ آخر: الأنظمة الموالية لأمريكا وإسرائيل واللوبي الصهيوني اليهودي، والساعية لإفساد المسلمين، وضرب انتمائهم الإيماني، وإعاقة أي تحرك من داخل الأمة الإسلامية، للتصدي لهجمات الأعداء ومساعيهم ومؤامراتهم في استهداف الأمة الإسلامية في دينها، وفي كل شؤون حياتها، وهذا أمرٌ واضحٌ جداً، هم أداة، وارتباطهم بالأعداء ارتباط واضح جداً، وتحالفاتهم مع الأعداء مكشوفة وواضحة، ويجب أن يرتقي وعي الأمة ووعي الشعوب للحذر منهم، والانتباه من شرهم.
هذه من الحقائق المهمة، التي يجب أن نعيها، وأن نسعى بشكلٍ عام كأمةٍ إسلامية، وأن نسعى في بلدنا وشعبنا إلى ترسيخ الهوية الإيمانية، والانتماء الإيماني، الذي يحصننا أمام الحرب الشيطانية المفسدة، التي يسمونها بالحرب الناعمة، ويتحرك فيها الأعداء بالتثقيف على المستوى الفكري والثقافي والتعليمي، والأنشطة التضليلية المتنوعة جداً، يستخدمون فيها وسائل وتقنيات العصر، للوصول إلى أكبر مستوى من الأمة الإسلامية، إلى أكبر شريحة من الأمة الإسلامية، في محاولةٍ منهم لاستهداف الجميع: فكرياً، ثقافياً، بالإغواء، وبالإضلال، وأيضاً بالإفساد، وأيضاً أمام الحرب الصلبة، أمام كل أشكال الاستهداف المعادية.
في هذه المناسبة العزيزة أدعو شعبنا العزيز إلى العناية بالأنشطة ذات الصلة بهذه المناسبة، وترسيخ انتمائه الإيماني، وهويته الإيمانية، وتوجهه الإيماني التحرري، الذي أقلق الأعداء جداً، أن هذا الشعب يسعى إلى أن يفصل نفسه عن التبعية لأعدائه، وأن يتحرر من الخضوع لهم، هذا مزعجٌ جداً للأعداء، واهتمامه أيضاً بقضايا الأمة، وأن يسعى أيضاً لتجسيد القيم الإيمانية بشكلٍ أكبر، وأن يرتقي في ذلك، وأن يجسِّد الأخوة الإيمانية في واقعه الداخلي، وأن يفشل كل مشاريع الأعداء في خلخلته في وضعه الداخلي، وفي سعيهم لإثارة الفتن في واقعه الداخلي.
نكتفي بهذا المقدار…
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه