رسخ القرآن الكريم قضية أن الله شاهدٌ وحاضر على كل شيء
مأرب نت || من هدي القرآن ||
ترسخ هذا الأسلوب حتى لا نستطيع أن نخلص أنفسنا منه، ونحن نتحدث، ونحن نَعِظ، ونحن نرشد، نقول: [فدل على أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، دل على أن الله كذا، ودل على أن الله..]، ونحن نستخدم هذه؟ ترسخت فينا بشكل رهيب، لكن هي خلاف أسلوب القرآن الكريم الذي يوجه نظرك إلى المقارنة بين الأفعال: ما في هذا من مظاهر يدل على أن من قدر عليه قادر على كذا، لا يأتي على هذا النحو: فدل على أنه قادر، فدل على أنه حكيم.
فعلاً بأسلوبنا القاصر ممكن أن نستخدمها، ممكن أن نستخدمها، ولكن لأن الله هو الظاهر الذي حكم بأنه ظاهر، لا يحتاج إلى شيء يُسْتدَل به عليه، هو أظهر من كل شيء، هو أظهر من كل شيء، فلم يأتِ هو سبحانه وتعالى ليستخدم هذا الأسلوب الذي نستخدمه نحن: [فدل على أني على كل شيء قدير، دل على أني حكيم، فدل على..]، تأملوا هذه، هل تجدوها في القرآن؟ لا أعتقد.
وهي قضية مهمة، قضية مهمة جداً: تذَكُّر حضور الله، وتذَكُّر شهادته هي الغاية المهمة من وراء كثير من الأذكار التي شرعت: التسبيح، التهليل، التكبير، التحميد، تذكر النعم، أن لا تنساه، أشياء كثيرة جداً كلها تصب في هذه الغاية هو: استشعار حضور الله سبحانه وتعالى وشهادته.
فكيف نأتي في الكتب التي موضوعها هو: معرفة الله فنقدمه غائباً!، ما الذي حصل؟ بعد أن فهمناه غائباً وترسخ في مشاعرنا غائباً، انطلقنا نحن لنحكم أنه في الواقع غابت أعلام الهدى، فكل واحد منا فليقم ينظر هو من جديد يبحث عن خالقه، كل واحد يقوم ينظر ويجتهد يبحث عن ما هي الأحكام التي يدين الله بها؛ لأنه قُدِّمَ في الصورة: أن الله غاب من يوم مات نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله) وانقطع الوحي فغاب.
بينما هو يذكِّرنا بأنه لم يغب، في قصة عجيبة في القرآن الكريم قصة الغنم التي رعت الزرع في أيام سليمان حينما قال: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الأنبياء:78) لا حظوا العبارة هذه: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} (الأنبياء: من الآية79)
فيأتي الآن مجتهدون وعلى طول تاريخ الإسلام ويتعاملون مع القضايا وكأن الله غائب، وكأنه ارتفع عن هذا العالم، وانقطع بانقطاع الوحي الاتصال به.
هو يذكر أن قضية بسيطة: قضية غنم رعت قليل زرع، داود وسليمان، داود نبي وسليمان ابنه قبل أن يكون نبي، لكنهم من المصطفين الأخيار، وهم يجول في أذهانهم أو يتراددون الكلام كيف يحكمون فيها، الله قال: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} ماذا؟ بالطبع بعد أن ترفع القضية إلى داود وسليمان بالطبع أن الذي يجول في خاطره هو: ما هو الحكم فيها؟ حتى وإن كان في قرارة نفسه مُربّى على أن ينتظر الوحي، هذا بالطبع يجول في نفسه، يتساءل كيف يكون الحكم فيها؟ هو نبي عن طريق الوحي يوحى إليه، وابنه سليمان من ورثة الكتاب هو ممن اصطُفي ليكون من ورثة الكتاب {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ألم يقل الله: أنه تدخل هنا؛ بأنه شاهد؟ تدخل في الحكم في قضية زرع، رعته أغنام شخص آخر على شخص، فَهَّم الحكم في هذه القضية سليمان، هو يوحي إلى داود وهو أيضاً يفهم سليمان، فهو يوحي إلى أنبيائه وهو يفهم أعلام دينه.
وهذا هو ما قاله [الإمام الناصر الأطروش] فيما حكى عنه شارح الأساس أنه يقول: ((أن الاجتهاد في القضايا هو من اختصاص أئمة أهل البيت)). وفعلاً، ولكن وفق الثقافة التي قُدمت في مجال معرفة الله قُدم غائباً، وارتفع عن هذا العالم، فحتى الإنسان يقوم هو يبحث حتى عن الله، حتى عن الله، كل واحد ينظر يدوِّر فين الله؟. كيف الله..الخ!!.
هل يمكن في قضية زرع بسيطة أن يقول الله بأنه كان شاهداً {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}، هو لا يغيب، وأن يتدخل فيها ففهمها سليمان وهناك أبوه داود نبي، ولم تُترك المسألة للاجتهاد من قِبل هذا أو هذا، على الرغم من أنه {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}، أليس هذا؟ بلغوا درجة الاجتهاد وزيادة، {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}، لكن لا، هو من يتدخل، ثم يهمل هذه الأمة وهي ستواجه قضايا كبرى ومستجدات كثيرة جداً وأحداث رهيبة، وأحداث كبيرة، يتركها وهي آخر الأمم، ويبعث إليها نبياً واحداً ثم يقول: هذا خاتم الأنبياء، وكتاباً واحداً ثم يقول: هذا آخر الكتب، ثم يقفل الملف، وينطلق الناس كل واحد يبحث عن إلهه وعن ما يتعبد به؟!.. يهمل الأمة وهو لم يهمل واحد فلسطيني أو ماذا أصله؟ رعت أغنام صاحبه عليه قليل زرع، فتدخل هو في القضية، وقال: أنه هو شاهد على حكمهم، وأنه فهّم سليمان كيف يكون الحكم؛ لأنه شاهد، وهذه قضية فرعية طبعاً.. فرعية هذه [كل واحد يقول فيها: يا أخي مسموح]، وإلا يقول واحد فيها أطرف واحد با يقول له: [أعط له قليل حب بدل الحب الذي أكل منها]، أو بعبارات من هذه.
فهو الشاهد، {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: من الآية53) الله في القرآن الكريم يؤكد لنا بأنه شاهد على كل شيء، وحاضر على كل شيء، ولو أنه ترسخ في ذهنيتنا ما رسخه القرآن الكريم لتفادينا كثيراً من الإشكالات، وكثيراً من هذا الانحطاط الذي وصلنا فيه؛ لأنه بسبب أننا لم نثق بالله؛ لأن الله لم يعد له حضور في نفوسنا، لم يترسخ في أنفسنا شهادته، شهادته وحضوره، وهو يقول في آيات كثيرة يرسخ أنه على كل شيء شهيد: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
وهو: {الْبَاطِنُ} سبحانه وتعالى فيما يتعلق بذاته فلا تدركه الحواس، ولا يمكن أن تقف الأذهان منه على كيفية، ولا يمكن أن يُرى، ولا يمكن أن يُحس، ولا يُجَس، ولا يُمس.
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} هو باطن لكن لا يعني ذلك بأنه غائب عن الأشياء، لاحظ كيف تكرر هو ظاهر {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} هو باطن فيما يتعلق بذاته سبحانه وتعالى، لا يمكن.. لا يمكن أن نتخيل له كيفية، ولا أن نقول بأن بإمكاننا أن نراه أو نلمسه أبداً.. أن نراه بأبصارنا {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:103) هو بكل شيء عليم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
معرفة الله -عظمة الله – الدرس (6)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 23/1/2002م
اليمن – صعدة