الابتلاءات محطات اختبار تكشف مدى صدق ادعاء العبودية لله
مأرب نت || من هدي القرآن ||
ابتلانا أيضًا فيما يتعلق بالجانب المعنوي باعتبار الإنسان يحب التعالي، والسمو، والرفعة، ولا يريد أن يرى فوقه من هو أعلى منه، لا يريد أن يرى فوقه من هو أعلى منه، ولا يريد أن يبصر فوقه من يمكن أن يدين له بالفضل عليه، أو بأنه أفضل منه، هذه تناولتها ابتلاءات كثيرة جدًا، هذا المجال تركيعي، تركيعي كعبد لله سبحانه وتعالى، أحطم كل هذا الكبرياء ابتلاءات كثيرة منها الحج، الحج ماذا يعني؟ أليس هناك بيت من أحجار، في مكان محدد؟ أحجار، وهناك مواقف أخرى، عرفات، منى، مزدلفة، مواقع محددة، أماكن ترمي فيها أحجار، أماكن لازم أن تبيت فيها، بيت لابد أن تطوف حوله، مسعى لابد أن تتحرك فيه، من هذه الصخرة إلى هذه الصخرة.
أيضًا هذا ابتلاء يتجلى مدى صدق ادعائي العبودية لله، أنا لا يمكن أن أقول: لماذا يأمرني أن أطوف حول هذه الأحجار؟ ما قيمتها؟ ما فائدتها؟ ما أهميتها؟ وهكذا. إلى مجالات أوسع فيما يتعلق بهذا الجانب، جانب تحطيم الكبرياء التي تتعارض مع ما تتطلبه العبودية من تسليم لله سبحانه وتعالى. مع ما يقتضيه الإقرار بالعبودية لله من تسليم كامل لله سبحانه وتعالى.
إذا فعندما تقول: ربنا الله، ربنا الله، يجب أن أفهم بأن معنى هذا: أنني عبد له، وأنا أعلم أنه سيبتليني في مالي، وفي الأشياء المعنويات لدي، سيبتليني بالأشياء المعنويات لدي.
عالم من علماء بني إسرائيل ابتلي وسقط في الامتحان، واهتز، وضرب الله له مثلًا سيئًا: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} (لأعراف: من الآية176) لأنه لم يرتاح لموسى، أو يدين بالفضل لهذا الشخص، فهو معتز بأنه عالم، بأنه كذا.
عبد الله بن أُبيّ، لماذا تحول إلى منافق، وزعيم للمنافقين أيضًا لماذا؟ ابتلي من هذا النوع من الابتلاء، كان قبل أن يَصِلَ رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ويتفق مع مجموعة كبيرة من سكان المدينة ممن أسلموا على أن يهاجر لديهم – كانوا قد اتفقوا قبل وفي وقت من الأوقات على أن يتوِّجُوه ملكًا عليهم، على الأوس والخزرج، جاء محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأخذ الوجاهة كلها، واتجه الناس نحوه، نبي يوحى إليه تجب طاعته، طاعته من طاعة الله.
هذا الشخص كان قد أحب الكبرياء والملك والعظمة، وأن يتوج كملك على قبيلتين كبيرتين: الأوس والخزرج، ماذا عمل؟ لو أنه أدرك المسألة، واستسلم لله، وآمن؛ لأنه ما قيمة هذا الـمُلك الذي كنت أطمع فيه، وهذا التاج الذي كنت أرغب فيه، وهذه الكبرياء التي كنت أريد أن أصل إليها، ما قيمتها مع نعمة بين يديَّ نبي أعيش معه، نبي أطيعه، نبي ألتزم بأوامره، يوحى إليه مباشرة من الله سبحانه وتعالى، لكنه أيضًا سقط في الامتحان، ونسي أنه عبدٌ لله، وتحول إلى شخص يكيد، ويمكر، ويعمل بكل وسيلة لمحاربة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) والدعوة الإسلامية، فاعتبر منافقًا بل كبير المنافقين، وأصبح مذمومًا عند المسلمين جميعًا.
إبليس نفس الشيء تعرض لامتحان من هذا النوع، من هذا النوع، تجد أنه كان في صفوف الملائكة نحو من ستة آلاف سنة، يعبد الله سبحانه وتعالى، لكن حتى الملائكة أنفسهم يتعرضون إلى ابتلاء من هذا النوع، وحتى الأنبياء أنفسهم يتعرضون إلى ابتلاء من هذا النوع، الابتلاء الذي ينسف التعالي، ينسف التعالي، استسلام كامل لله سبحانه وتعالى، الله لما خلق آدم أمر الملائكة كلهم أجمعين بالسجود لآدم، الملائكة يحملون عقولًا كبيرة، ووعيًا، وفهمًا، ويعرفون معنى عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، استجابوا، استجابوا، لم يقولوا هذا خلق من تراب ونحن خلقنا من نور، والنور أفضل من التراب، ولا يمكن، و..و..لا، إبليس وحده استكبر، استكبر، ورفض أن يسجد لآدم بعد أمر الله سبحانه وتعالى {إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (صّ:74).
سقط في الامتحان أيضًا وكذب في ادعائه العبودية لله التي ضل عليها ستة آلاف سنة، فترة ليست قصيرة، ليست بسيطة، تفلسف لنفسه بما يعزز لديه الشعور بالتعالي، الاحتفاظ بشعور التعالي لديه! {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (الأعراف: من الآية12) لا يمكن، واقتنع بهذا المبرر!
الإنسان نفسه قد يصل إلى هذه الحالة، قد تقف أمام تشريع إلهي، أو ابتلاء إلهي من هذا النوع، فتأتي لتتفلسف لنفسك، وتخترع مبررًا معينًا تكرره على ذهنيتك، وتقنع به اقتناعًا سطحيًا؛ لتحتفظ بما توجه الابتلاء الإلهي إلى ضربه.
[عندما تسير على النهج الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لك فتشعر] بعظمة الله، أنت تسير في طريق التكامل نحو الله سبحانه وتعالى؛ لأنك عبَّدت نفسك لله، وكل ما يشرعه الله لك إنما هو من أجل تكريمك، حتى هذا الذي يبدو لك في الصورة وكأنه إذلال لك، إنه تكريم في النهاية، إنه تكريم في النتيجة، لكن العكس هو الذلة أن أتعالى، وأرفض، أقول: لا، {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} ماذا كانت النتيجة؟ ألم يُطرد إبليس؟ ألم يلعن؟ ألم يلعنه أولياؤه وأعداؤه من البشر؟ ويضل ملعونًا طريدًا منذ أن ارتكب هذه المخالفة إلى يوم الدين، يذكر بشيطان رجيم، ملعون في الدنيا وفي الآخرة، هـل اعتـز إبليس؟ هـل بقيت له مشاعر العظمة؟ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} أم أن الله نسف كل هذه العظمة، وألزم كل عبيده بلعنه وطرده من السماء {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} (الأعراف: من الآية18).
هكذا الابتلاء، نحن لا بد أن نسلِّم أنفسنا لله، عندما نقول: ربنا الله، ربنا الله، وفي نفس الوقت نستقم {ثُمَّ اسْتَقَامُوا}، ثم استقاموا، أن أقول: ربي الله بإقرار هو تسليمي، وتسليم، والتسليم، أو الشعور بالتسليم هي حالة نفسية، أنا من داخل من أعماق نفسي أقر بعبوديتي لله، وأسلِّم نفسي لله، وأقبل أيَّ تشريع من الله، سواء توافق مع مصالحي، أو خالفها، سواء توافق مع رغباتي، أو خالفها، سواء انسجم مع كبريائي، أو خالفها، أنا عبد لله، أسلِّم، هذا لا بد أن يكون منطلقًا من داخل مشاعرك، ثم تستقم {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (فصلت: من الآية30) الاستقامة على ما أمرك الله به، الاستقامة على ما تعبدك الله به، الاستقامة على النهج الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لك.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
(إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)
دروس من هدي القرآن
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ 7/2/2002م
اليمن – صعدة