القرآن يمنح الإنسان مقاييس ثابتة ورؤية تمنحه المبادرة في المواقف
مأرب نت || من هدي القرآن ||
لاحظوا كيف واقعنا الآن عندما نقول ننطلق في عمل معين، كثير من الناس يقول: ربما يثير الدولة ضدنا، ربما يُحَرِّش أمريكا علينا. ربما قد يُسجن شخص، ربما يحصل كذا، ربما، هذه الاحتمالات نجعلها من الاحتمالات التي نتعامل معها بجدية، احتمالات نتبناها بشكل مواقف في الأخير، فنسكت ونقعد! لكن احتمالات أنه ربما إذا قعدنا، ربما إذا سكتنا أن يغضب الله علينا، ربما أن نكون مستحقين لسخطه وعذابه وعقابه في جهنم، هذه الاحتمالات التي هي إلى الله لا نهتم بها!
والإنسان المسلم في الواقع إذا وقف بين احتمالين، أمامي ربما يحصل عليّ من جانب هؤلاء البشر ضر قد ينتهي بالقتل، وربما إذا وقفت، وسكت، وصبرت يحصل عليّ من جانب الله سخطه وعذابه، فأيهما أخطر على الإنسان؟ ومن الأولى من الاحتمالات بأن أراعي؟ أراعي جانب الله أو أراعي جانب الآخرين؟ تراعي جانب الله بكل اعتبار: باعتبار أنه وليّك، أنه إلهك، أنه المنعم عليك، أنه كما قال: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (النحل: من الآية53)، أنه إلهك، إنه هو الذي عذابه شديد، لا أحد يستطيع أن ينقذك من عذابه، أما الإنسان فأقصى ما يصل بك إليه هو أن تقتل، عندما تقتل هل يمتلك شيء وراء ذلك؟ لا يمتلك شيء وراء ذلك.
عندما تقتل يأتي الله ليجعلك تعيش حيًا من جديد، وتعيش شهيدًا، تعيش حيًا ترزق، وتكون من السعداء قبل اليوم الآخر، من السعداء قبل دخول الجنة، لكن إذا لم تراع لاحتمالات فيما يتعلق بالله فلا تجعل لها أهمية، ستخسر فيما يتعلق بجانب الله، فتكون ممن يستحق عذابه، هل أحد يستطيع في الأخير أن ينقذك من يد الله؟ لا أحد يستطيع إطلاقًا أن ينقذك من يد الله، ستموت رغمًا عنك.
عندما تَصِل مثلًا إلى عميل رقم واحد، وعميل على مستوى عالي لأمريكا، ثم عندما تمرض فأقصى ما يقدم لك طائرة خاصة تنقلك إلى أرقى مستشفى في أمريكا، يجتمع حولك أرقى الأطباء هناك في الأخير ستموت بين أيديهم، يأخذك الله رغمًا عنهم، وتموت بين أيديهم، هل يستطيعوا أن يمنعوك من الموت الذي هو أول خطوة لليوم الآخر؟ لا يستطيعوا. هل يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين أن تبعث، هل يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين سوء الحساب؟ هل يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين دخول جهنم؟ لا يستطيعون أبدًا، لكن كل شيء من جانب الناس مهما كانت الاحتمالات قد تصل إلى القتل، قد تصل إلى التمثيل فكلها بسرعة ينقذك الله منه، سواء ألا تصل إليها أو أن تصل إليها فعلًا، فأقصى ما يحصل أن يقتلوك وبسرعة تتحول إلى شهيد حي، هذا ما يجب أن نفهمه في هذا الموضوع.
ثم عندما نتعامل مع القرآن الكريم، عندما نتعامل معه، نتعامل معه بإجلال، باحترام، بتعظيم، بتقديس، بنظرة صحيحة للقرآن أنه كتاب للحياة، {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل: من الآية89) كما قال الله عنه: {هُدىً لِلنَّاسِ} (البقرة: من الآية185)، وعندما يقول الله لك، عندما يقول الله لنا: {هُدىً لِلنَّاس} فهل من المعقول أن يكون فقط هدى في القضايا البسيطة في المشاكل الصغيرة، أما المشاكل الكبيرة التي هي أخطر علينا من تلك، وأسوأ آثارًا من تلك علينا وعلى ديننا فإنه لا يهدي إلى حل لها، هذا غير صحيح.
فعندما يقول: {هُدىً لِلنَّاسِ} هو هدى للناس في كل القضايا، أمام كل الاحتمالات، في كل الميادين، لماذا لم ننظر إليه بأنه هدى للناس في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون إلى من يهدينا في مواجهة أعداء يمتلكون إمكانيات هائلة.
{هُدىً لِلنَّاسِ} معناه يُعلّم الإنسان كيف يكون [طيِّبا] وأشياء من هذه، يصلى ويصوم ولا يتدخل في شيء، فنقدم القرآن وكأنه لا يمتلك أي رؤية، ولا يعطي أي حل، ولا يهدي لأي سبيل فيما يتعلق بالمشاكل الكبيرة، فيما يتعلق بالمخاطر العظيمة، هو {هُدىً لِلنَّاسِ} في كل مجال، في كل شأن، فتكون نظرتنا للقرآن الكريم نظرة صحيحة، هذا هو كتاب حي، كتاب يتحرك بحركة الحياة. بل يستطيع فعلًا – لأنه أوسع من الحياة – يستطيع إذا ما أُعْطِيت فهمه، إذا ما كنت تعيش معه وفق نظرة صحيحة – أن يُقيّم لك الأحداث فتكون أدق من أي محلل سياسي آخر، أدق من أي صحفي آخر، أدق من أي مهندس لسياسة أمريكا وفي غيرها في تقديرك للأحداث.
ولأنه يمنح الإنسان ثوابت، تعتبر مقاييس ثابتة، يربيه على أن تكون لديه رؤية تمنحه المبادرة في المواقف، فهو لا يجعلك بالشكل الذي تنتظر ماذا سيعمل بك العدو لتفكر بعد ماذا تصنع، هو من يربيك على أن تعرف كيف تضرب العدو ومن البداية، وهو من قد قدم لك من البداية الشرح الطويل والإيجاز لتعرف كيف يكون عدوك، وكيف واقعه، كآية: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} أليس هذا تقرير إلهيا عن الأعداء؟
لا يستطيع أي شخص مهما كان أن يعطي تقريرًا عن عدوه بأنه سيكون هكذا، لا تستطيع أمريكا أن تعطي تقريرًا عن العراق الآن بأنها إذا ما توجهت لضرب العراق فإنه لن يضرها إلا أذى وإن يقاتلها سيوليها الأدبار ثم لا يُنصر، لا تستطيع أمريكا بمخابراتها بأقمارها بأجهزتها الدقيقة؟ لا تستطيع إطلاقًا. لكن الله لأنه عالم الغيب والشهادة هو من استطاع أن يكشف لأوليائه كيف ستكون نفسية أعدائه.
ويتجلى ذلك بشكل عجيب، ومن ذلك ما تجلى في الأيام هذه عندما قال الله عن اليهود بأنهم {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} (الحشر: من الآية14) تجلت هذه في إسرائيل أمام مقاومة الفلسطينيين، مقاومة بسيطة لا تمتلك شيئًا بقدر بما تمتلكه إسرائيل، نجد الآية هذه يظهر مصداقها واضحًا فتبني إسرائيل الأسوار، وشاهدوا أنتم في التلفزيون الأسوار جُدُر، ونفس المستوطنات قرى محصنة، المستوطنات التي تقام لليهود هي قرى محصنة
فهم هكذا على الرغم من أنها دولة قوية تُرعِب بقية الدول الأخرى في المنطقة، لكنها في ميدان المواجهة، وإذا ما كانت مواجهة لها جذور تمتد من الولاء لله ولرسوله ولأهل بيته، مثل ما قالوا هم عن حماس، قالوا: (حماس هي تلميذة حزب الله).
قالوا عنها هي تلميذة حزب الله، وتراهم يبنون جُدُرا وقرى محصنة، أليس هذا الشيء الذي لا يمكن لأي طرف آخر أن يعطيه للمسلمين؟ لا يمكن لأي طرف مهما بلغت قوته أن يكتشف أعداءه على هذا النحو، فيكشف واقعهم، لا يمكن أبدًا إلا الله؛ ولهذا هو عندما يقول في القرآن الكريم بأنه {قَوِيٌّ عَزِيزٌ} هو يقول للناس بأنه بالمستوى الذي ينبغي أن يتولوه، فهو قوي هو عزيز، وهو غالب على أمره، وهو قاهر فوق عباده، وهو يعلم السر والنجوى، يعلم الغيب والشهادة، يستطيع أن يكشف لك واقع عدوك، يستطيع أن يملأ قلبَ عدوك رعبًا، فتكون إمكانياتك البسيطة هي من ترعبه، ويرى أن ما لديه من إمكانيات، ما لديه من قوى لا يحقق له الأمن.
كما حصل في إسرائيل أصبح القادة العسكريون في إسرائيل في الأخير يعترفون بأن الحرب لم تحقق لهم الأمن، بل أصبحوا يقولون بأنه (كلما انتقمنا حصل ردود فعل أكثر، ثم انتقام في انتقام، وفي الأخير لن يحقق لنا أمنا، ولن يحقق لنا استقرارا، ولن يحقق لنا إلا إنهاكًا لاقتصادنا). هكذا يقول الإسرائيليون أنفسهم.
نحن يجب أن تكون نظرتنا إلى القرآن صحيحة، عندما تنظر للقرآن، عندما تتعلم القرآن تتعلمه وأنت تَعُد نفسك واحدًا من جنود الله، وإلا فستكون من تلك النوعية التي تتقافز على الآيات {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} (الصف: من الآية14)، كونوا أنتم (أنا مالي دخل)، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} (آل عمران: من الآية104)، (أنا مالي دخل). وهكذا تتقافز على الآيات فتكون أنت من تضع أمامك حجبا عن الاهتداء بالقرآن الكريم، وبالتالي ستكون أنت من تقدم القرآن الكريم للآخرين ضعيفًا هزيلًا.
نحن قلنا: يجب على الإنسان الذي يُعلّم القرآن أن يعلِّم القرآن كما لو كان في مواجهة مع العدو وفي الجبهة الأولى في مواجهة العدو، تعطيه حيوية، تتحدث عن آياته، عندما يتحدث عن الجهاد، عندما يتحدث عن وعوده للمؤمنين، عندما يتحدث عن أعدائه، عندما يتحدث عن الأشياء التي يجب أن تكون الأمة عليها في تأهيل نفسها لتصل إلى مستوى أن تكون من أنصار الله، ومن أنصار دينه، يجب أن تتحدث وإن كنت أنت في واقعك ترى بأن الوضع لا يصح منه شيء، والناس لن ينفعوا بشيء، والدنيا كلها قد انتهت، ولا يوجد بأيدي الناس شيء، لا تعكس هذه على آيات القرآن أبدًا، لا يجوز؛ لأن القرآن يجب أن يكون أرقى من أن نعطفه على أنفسنا، أو نرده هو فنجعل ما لدينا من مشاعر من ضعف هو المقياس الذي على أساسه نقدمه للآخرين، هو الشيء الذي نصبغ القرآن به عندما نقدمه للآخرين، هذا سيقتل القرآن، هذا سيميت القرآن.
كيف تعمل؟ قدمه على أصله؛ لأن القرآن لو أُخضِع لمشاعرنا، لتقديرات الضعف التي تسيطر علينا، على هذا وعلى ذاك، فبالتالي سيقدم القرآن ميتًا جيلًا بعد جيل، هذا بالنسبة للمُعلّم.
بالنسبة لطالب العلم كذلك عندما تقرأ القرآن، عندما تتدبر آيات القرآن، عندما تُذّكر بآيات القرآن يجب أن تتعامل مع القرآن بجدية، أنك تريد أن تكون فعلًا كما ذكر الله عن أوليائه في القرآن، وأن تكون ممن يصل على أساس تعرف ما لك وما عليك، أن تصل إلى من قال عنهم: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}، أن تكون من ضمن هؤلاء، أن تكون ممن قال عنهم: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران: من الآية104).
وهكذا في بقية الأشياء، أن تكون مع الآخرين من المؤمنين تواليهم صفًا واحدًا، وحدة حقيقية عندما تسمع الله يقول عن المؤمنين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (التوبة: من الآية71).
إذا تعاملت مع القرآن وأنت طالب علم على هذا النحو فانظر إليه ككتاب أنه من الله من الله، أنه كلام الله فعلًا ستهتدي بالقرآن وسيزكي نفسك، وستصل إلى فهم كثير فهم كثير من آياته.
والقرآن في ظاهره يعطي أشياء كثيرة، القرآن في ظاهره يعطي أشياء كثيرة جدًا، على الرغم من أنه “بحر لا يُدرك قعره”، لكن هذه من خصوصيات القرآن التي أمتاز بها عن أي كلام آخر، أنه يعطي الناس الكثير الكثير من المعارف بظاهره، وإن كان لا زال بحرًا لا يُدرك قعره، فالخَواص يعرفون، يعرفون منه الكثير الكثير الذي لا تستطيع أعمارهم أن تستوعبه، “بحر لا يدرك قعره”.
فعندما نتعامل مع القرآن لا نتعامل معه بابتذال، وكأن كل شخص يستطيع أن يفسره هو بمفرده، بل يكون همك هو أن تتدبر أنت، وتتذكر أنت، تقرأ القرآن للناس، كما قال الله عن رسوله: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} (النمل: من الآية92) القرآن بظاهره يعطي الكثير للناس، ولأن الناس قد تأثرت نظرتهم إلى القرآن سلبًا، اعط تعليقات كمقدمات بسيطة حول الموضوع ثم تأتي بالآيات القرآنية.
لا تنطلق كمفسر، مَنْ انطلقوا كمفسرين لم يقدموا القرآن بالشكل الصحيح، عندما تقرأ (الكشاف) للزمخشري، أو تقرأ (تفسير الطبري)، أو تقرأ تفاسير أخرى، تراهم يُغفلون الحديث عن آيات مهمة جدًا، نحن أحوج ما نكون إلى فهمها اليوم، مرتبطة بواقع الناس، مرتبطة بحياة الناس، مهمة جدًا، يقفز عليها وانتهى الموضوع، ينطلق لتفسير مفرداته، إذا هناك حكم معين يستنبطه، أو قصة معينة يتحدث حولها باختصار وانتهى الموضوع.
لكن التدبر للقرآن الذي دعا الله الناس إليه حتى الكافرين: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} (المؤمنون: من الآية68) {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص:29) {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (القمر:17) على هذا النحو تقرأ الآيات القرآنية، عندما تمر بآيات الوعد والوعيد تسمع الحديث عن جهنم، أو تقرأ الآيات التي تتحدث عن جهنم، عن الحساب العسير، والقرآن يعرض في هذا الموضوع يعرض أيضا حتى الحالة النفسية السيئة، الحالة من الخوف والرعب والفزع واليأس الذي يسيطر على أعداء الله في ساحة القيامة، يعرضها القرآن الكريم، في جهنم نفس الشيء يعرض العذاب الشديد تفاصيله، يتحدث عنها، شدة العذاب، وقود العذاب كما قال: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (البقرة: من الآية24) كذلك يتحدث عما يقوله أهل النار في النار، عندما يطلبوا: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (الأعراف: من الآية50) هكذا يريدون شربة ماء ليست باردة، شربة ماء طبيعية عادية فلا يحصلون عليها.
أنت عندما تقرأه تجد بأنه من المحتمل أن تكون أنت واحدًا من أولئك، لا تقرأها وكأنه ناس مدري منهم؛ أن من المحتمل أن تكون واحدًا من أولئك الذين قال عنهم: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} (فاطر: من الآية37) حينئذٍ يجب أن تلحظ بأنه كيف أعمل حتى أقيَ نفسي من عذاب الله.
فالآيات في الوعد والوعيد آيات الوعيد صريحة، تفكر هنا عندما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6) عندما تقرأها تذكر هَولها، تذكر هنا أنه إذًا مصير سيئ. الله يدعونا هنا عندما يقول لنا ونحن هنا يعني أن هذه هي الفرصة الوحيدة، العمر في هذه الدنيا هو الفرصة الوحيدة للإنسان أن يبحث عما يقي نفسه من جهنم، أن تتفكر في هذه الآية ما هو معناها؟ أن تنطلق بجدية وتفكير واهتمام حول ما يقي نفسك من عذاب الله، أليس هذا ممكن أن يتذكر الإنسان بمثل هذه الآية؟ كذلك آيات أخرى كثيرة.
عندما تجد أيضًا الحديث عما وعد الله به المؤمنين في الجنة كذلك اقرأ ما وعد الله به المؤمنين في الجنة ثم اقرأ ما قاله عن المؤمنين أصحاب الجنة، عما قاله عن المتقين أصحاب الجنة الذين وعدوا بالجنة، عما قاله عن أوليائه حينئذٍ تذكر. يجب أن أتَنتبه إذا كنتُ أريد أن أكون ممن يحظى بذلك النعيم العظيم، هذه الجنة فيها ما هو فوق الإدراك، المشروبات الجيدة فيها معلبة أو مخبأ معك في (كَوّة) أو في قارورة، بل أنهار، أنهار من عسل مصفى.
من العجيب أن هذه الملزمة نفسها في آخرها لم يكتفِ بمسألة أن تسمع وتطيع للحاكم الظالم، بل وحتى وإن كان هناك كفر وهيمنة كفر، أنت يمكن أن تعيش في ظله، عندما ترى نفسك، عندما يرى الناس أنفسهم وهم لا يستطيعون أن يزيلوا هذا الكفر، إذًا فليعيشوا وبسْ، ويكذبوا على الناس كذبه رهيبة جدًا، وقد يُخدَع الناس بشكل كبير عندما لا يفهمون.
قالوا: (رسول الله هو عاش في ظل الكفر ثلاثة عشر سنة في مكة). أليست هذه من تقديم حياة رسول الله الجهادية، حياة وهو يصدع بما يؤمر، حياة وهو يباين أقاربه، ويباين قومه، حياة وهو يُعذَّب أصحابُه، وهو يلصق به أسوأ التهم، تارة يقولوا شاعر، وتارة يقولوا مفتري، كذاب، ساحر، ويقولون عن القرآن الذي جاء به أساطير الأولين، وهو يتصارع مع أولئك تفسر في الأخـير أنها ماذا؟ أنها عيش في ظـل نظـام الكفر، فكمـا عاش ثلاثة عشـر عامًا – وهو النبي – إذًا ممكن كلنا نعيش في ظل الكفر. ماذا يعني هذا؟
هذا يعني خطوة أولى تمهيدًا لهيمنة اليهود علينا، فيكون لدى الناس قابلية لهيمنة اليهود؛ لأنه الآن هناك نظرة قائمة: إكبار لأمريكا وإسرائيل، حينها أي واحد سيقول: نحن لا نستطيع أن نعمل شيئًا. أما إذا قد قُدِّمت على هذا النحو إذًا فبالإمكان أن تعيش ولا مسؤولية عليك في ظلهم، أما إذا قالوا لك رسول الله هو كان هكذا، إذًا فالجنة مفتحة لك الأبواب، وإن كان الشر هو الذي يحكمك.
هذا شيء سيئ جدًا، وسيئ جدًا أن ينـزل من إدارة هي معنية بالوعظ والإرشاد في عموم الجمهورية كلها، وأن تنـزل ليس نزولًا تلقائيًا إلى المكتبات، بل نزولًا في دورات تدريبية تأهيلية لمرشدين وخطباء لينطلقوا هم يثقفوا الناس هم بهذه الثقافة، أليس هذا إبعادًا للناس عن روح القرآن – الذي يأمر الناس في مواجهة أعداء الله، في مواجهة الكافرين، الظالمين، الفاسقين، أهل الكتاب – بأن يكونوا عمليين مجاهدين {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة:29) يعطونها وهم يعترفون بأن أيديكم فوق أيديهم، يعترفون بصَغارهم تحت هيمنتكم، {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
عندما تخرج من قراءة تلك الملزمة، وعادةً القارئ يكون أقرب شيء ملاصقة لذهنه آخر ما يخرج به من كتاب معين من ملزمة معينة، فكان آخر ما تخرج به من تلك الملزمة هو ماذا؟ كلام (للفوزان وللألباني) – الذي كان عالم السنة قبل فترة، وعالم معتمد في تصحيح الأحاديث وتضعيفها – عندهم – أنه قال وبالحرف الواحد (أنه لا يجوز الخروج على الكافر المقطوع بكفره إطلاقًا) – بالعبارة هذه – عندما يكون الناس في وضعية يرون أنفسهم يرون أنفسهم أنهم لا يستطيعوا أن يزيلوا الكفر.
نعم، كان ممكن أن تترك الكلام إلى هذه الدرجة، أما أن تقول فقد عاش رسول الله في ظل هيمنة الكفر ونظام الكفر ثلاثة عشر عامًا، هذا مسخ للحقيقة، وهذا إساءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
القرآن يتحدث عن معاناة رسول الله وهو في مكة، عما كان يعانيه من صراع مع الكافرين، مباين للكافرين، كيف يقال بأنه عاش في ظل نظامهم وهو يدعوهم بالحرف الواحد إلى أن يطيعوه؟! هو رسول الله إذًا يجب عليهم أن يطيعوه، يجب أن يتخلوا عما هم عليه، لدرجة أنه لم يقبل منهم أن يكون مجرد حاكم عليهم على ما هم عليه. ألم يعرضوا عليه أن يحكمهم إذا أراد أن يكون ملكًا؟ المسألة أرقى من أن يكون ملكًا، فكيف يقول هذا بأنه عاش في ظل هيمنتهم، وهم قد بلغ بهم الحال، أوصلهم هو إلى درجة أن يعرضوا عليه أن يكون ملكًا عليهم؟! المسألة أرقى من هذه، هي أن يطيعوه نبيًا يأتمروا بأمره، يهتدوا بهديه، يتخلوا عما هم عليه. أليس هذا قمّة الصراع؟
مسألة أنه لم يدخل معهم في قتال ميداني؛ لأنه لم يتوفر له جنود، لم يتوفر له أنصار، وإلا فكان يفكر، وكان يعرض نفسه على القبائل من الذي سينصره، ما معنى (سينصره)؟ أن يقف في وجه الكافرين فيضربهم، فعلًا.
ثم يقال عنه في الأخير: كان يعيش في ظل هيمنة الكفر! وهي عبارة ستخدع الناس؛ لأن كثيرًا من الناس لا يعرفون سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
عاش في مكة ثلاثة عشر سنة لأنه كان رسولا إلى الكفار في مكة، كل نبي يبعث في وسطٍ كافر، هل يمكن أن نقول: إذًا فالكفر هو قضية يمكن العيش في ظلها؛ لأن كل الأنبياء كانوا يبعثون في ظل وسطٍ كافر، وفي مجتمع كافر؟ ماذا كان يعمل النبي؟ ألم يكن النبي عبارة عن ثورة على هذا المجتمع؟ عبارة عن خروج على واقع هذا المجتمع؟ يصرِّح، يصدع بما يؤمر، يجاهد، يتحداهم {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ} (يونس71) {قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ} (الأعراف: 195) هذا منطق الأنبياء. ثم يقول في الأخير هذا يعتبر مبرر شرعي لأي إنسان مسلم يعيش في ظل الكفر!!
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
الثقافة القرآنية
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 4/8/2002م
اليمن – صعدة