نص الدرس الخامس من محاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من دروس عهد مالك الأشتر 1443 هـ
|| مأرب نت || 5 ذو الحجة 1443_ه
نص الدرس الخامس من محاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من دروس عهد مالك الأشتر 1443 هـ
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
تحدثنا بالأمس:
عمَّا ركَّز عليه فيما يتعلق بمسألة من يعتمد عليهم في أداء المسؤولية، بدءاً من المستشارين، ثم الوزراء، يعني: الأعوان، العاملين الأساسيين الذين يعتمد عليهم، وأتى التحذير في مسألة الوزراء والأعوان، والمسؤولين الأساسيين، من ذوي السوابق الإجرامية، والممارسات الظالمة، ممن كان يَعتَمد عليهم الأشرار لتنفيذ ما يريدونه، وللقيام بتلك الممارسات الإجرامية والظالمة، والاعتماد بدلاً عنهم ممن يمتلك حسن الرأي، وحسن التصرف، وحسن التدبير، والمهارة الإدارية، والقدرة العملية على إنجاز الأعمال، من ذوي الصفحة البيضاء، والماضي المشرق والسليم، والاعتماد على القيم الأخلاقية، التي لها علاقة كبيرة جداً في أداء المسؤولية بشكلٍ كبير، ومن أهمها، من أهم تلك القيم: الورع والصدق.
وأتى الحديث أيضاً عن أهمية التفريق بين المحسن والمسيء، بمقتضى الحكمة والعدل، في كل ما يتصل بذلك، يعني: في المكانة، في الاحترام، في المعاملة، في الجزاء، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب.
أيضاً مرَّ بنا الكلام عن كيف تكون العلاقة بين المسؤول ومن هم في نطاق مسؤوليته، علاقةً قائمةً على حسن الظن، على الاحترام، على الاطمئنان، وليست على المخاوف، وما يسبب المخاوف والقلق، وأتى التفصيل الكافي بشأن ذلك.
وأيضاً في ختام ما مرَّ بنا أيضاً في مسألة التغيير، ألَّا يسعى الإنسان لتغيير كل شيءٍ، حتى الأشياء التي هي سنَّةٌ صالحة، طريقة صالحة تطابق مقتضى الشرع، ويتحقق بها ما يفيد في الصالح العام، وقد اعتاد الناس عليها، وألفوها، وفيها خير، وهي مطابقة لمقتضى الشرع؛ أمَّا العادات، أو الطرائق، أو الأساليب السيئة التي تخالف مقتضى شرع الله “سبحانه وتعالى”، أو تخالف تعليمات الله “سبحانه وتعالى”، فهي بالتأكيد بحاجة إلى التغيير.
وكان ختام الدرس بالأمس: أهمية الإكثار من مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء، في تثبيت ما فيه صلاح أمر الناس، واستقامة أمرهم، وانتظام شأنهم، وتحدثنا عن أهمية توجيه الأنشطة العلمية ومخرجاتها وربطها بالواقع، فيما يصلح الواقع، فيما يبني حضارةً راقيةً متميزة، والاستفادة من ذوي الخبرة، والتجربة، والحكمة، وحسن الرأي… إلى غير ذلك.
ونبدأ بدرس اليوم، قال “عليه السلام”:
((وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ، لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ، وَلَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ))
يقدِّم هنا رؤيةً عامة تجاه المجتمع، وفق سنَّة الله “سبحانه وتعالى” في تدبير شؤون عباده، القائمة على مبدأ التكامل فيما بين عباد الله “سبحانه وتعالى”، ما بين أبناء المجتمع، وهو تدبيرٌ حكيمٌ من تدبير الله “جلَّ شأنه”، جعل واقع المجتمع بشكلٍ عام يقوم أساساً على مبدأ التكامل، حيث لا غنى لأحدٍ من أبناء المجتمع، ولا فئةٍ من فئات المجتمع عن البقية، عن الباقين.
الله “سبحانه وتعالى” في تدبيره، في تكوينه للمجتمع، فيما فطرهم عليه، فيما منحهم من طاقات ومواهب، وفيما دبَّر به شؤون حياتهم في تنوع توجهاتهم، في عملهم وسعيهم في الحياة، جعل ذلك على النحو الذي يتكاملون به، كلٌّ منهم يقدِّم خدمةً للآخرين، كلٌّ منهم يسعى فيما فيه الخير والصالح العام للآخرين، في كل شؤونهم المعيشية بتنوعها.
فنجد- على سبيل المثال- الأهمية للدور الزراعي، مثلاً: البعض من الناس توجهه، ومواهبه، وطاقاته، ورغبته في العمل في مجال الزراعة، البعض الآخر مثلاً في مجال الطب، توجهه، ومواهبه، ورغبته في ذلك المجال، البعض مثلاً في مجالات إدارية، البعض في مجالات التجارة مثلاً، والتجارة مجالات متنوعة، أنواع معينة لها من يرغب فيها، يتجه إليها، ينجح فيها، يتحمل أعبائها… إلى غير ذلك.
فهذه الأدوار المتنوعة في واقع الحياة، التي يتجه فيها الناس في تدبير الله “سبحانه وتعالى”، فيما وهبهم من طاقات ومواهب، وفيما فطرهم عليه من رغبات وتوجهات، هي قائمة على أساس التكامل فيما بينهم؛ ولذلك لا يتحقق مثلاً الكمال في كل هذه الشؤون لدى فئة واحدة، أو لدى شخص واحد، بحيث يستطيع أن يستغني عن كل الناس، في كل مجالات أعمالهم، وتوجهاتهم، وإبداعاتهم، وطاقاتهم، وقدراتهم، ومجالات أعمالهم، فتكون النظرة إلى المجتمع قائمةً على هذا الأساس: أنَّ كل فئةٍ من فئات المجتمع هي فئة مهمة، ودورها مهمٌ، يتكامل مع الأدوار الأخرى، ولا غنى ببعضها عن بعض، ولا يصلح بعضها إلَّا ببعض.
ولذلك لا يمكن في موقع المسؤولية في سياسة الدولة مثلاً، وطريقتها في إدارة شؤون الناس، بطريقة المسؤولين، أن يكتفوا مثلاً بالاهتمام بفئة في مجال معين، وأن يتجاهلوا كل الفئات الأخرى، ومجالات أعمالها، وأدوارها المهمة.
يجب أن نستوعب أن كلَّ دورٍ مهم، الأدوار التي يقوم بها أبناء المجتمع، وأنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار العناية بالجميع، الاهتمام بالجميع، وأن نستوعب أنَّ كل دور له أهميته في نجاح الأدوار الأخرى، في نجاح الأدوار الأخرى، وإلَّا إذا غابت هذه النظرة، واتجه كل الاهتمام نحو فئة من فئات المجتمع في مجال عملها واهتمامها، مع النسيان للآخرين، والتجاهل للآخرين، أو مع الإهمال عمل ما يضر بالآخرين، فذلك ستكون له تأثيراته السلبية حتى على مستوى المجال الذي توجه الاهتمام نحوه، فهذه رؤية عامة ذات أهمية كبيرة، وسيأتي الحديث عنها على وجه التفصيل.
الله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[الزخرف: من الآية32]، فكل شخص مسخَّر لما فيه خدمة الآخرين، في مواهبه، في طاقاته، في قدراته، في المجال الذي يتجه إليه ويبدع فيه من مجالات الحياة، وكل فئة على مستوى أوسع، مثلاً: التجار كفئة، أو المزارعون كفئة، أو الأطباء كفئة… أو أي فئة من فئات المجتمع، كل فئة هي تؤدِّي دوراً مهماً، لمصلحة كل المجتمع، ولنجاح بقية الأدوار الأخرى، فهذا الترابط وهذا التكامل في واقع المجتمع البشري، يجب أن نستوعبه؛ لتبنى على أساسه السياسات في إدارة شؤون الناس، وطريقة العمل في إدارة شؤون الناس، وفهم ما على المسؤولين تجاه كل فئة، ما الذي عليهم تجاه المزارعين، تجاه الأطباء، تجاه التجار… تجاه كل مجال من المجالات ذات الأهمية في واقع الحياة، وهذا المقصود بقوله: ((طَبَقَاتٌ، لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ))، بينها هذا الترابط في واقع حياتها وشؤون حياتها، ((وَلَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ)).
((فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ))
أول ما يحتاج إليه المجتمع، هو: الحماية، ودفع الخطر عنه، ودفع الأعداء عنه، ودفع الأشرار عنه، والحفاظ على أمنه، وترسيخ دعائم الاستقرار فيه، وهذه مسألة ضرورية لاستقرار الحياة، وهي أول المتطلبات الرئيسية.
ومن يؤدِّي هذا الدور: في حماية المجتمع، في الحفاظ على أمنه وعلى استقراره، وفي منع التظالم بين أبنائه، والتعدي على بعضهم بعض، والبطش ببعضهم البعض، ودفع شر العدو الخارجي عنهم، من يؤدِّي هذا الدور هم: (جُنُودُ اللَّهِ).
جُنُودُ اللَّهِ هم الذين يقومون بهذا الدور كمسؤوليةٍ مقدَّسة، والتزامٍ إيماني، هم يؤدُّون هذا الدور باعتباره مسؤولية إيمانية، انطلقوا فيها استجابةً لله “سبحانه وتعالى”، والتزاماً بتعليماته، ووفق تعليماته “سبحانه وتعالى”.
وهذا ما يجب أن ندرك أهميته في مسألة البناء للقوة العسكرية والأمنية، التي تحافظ على المجتمع، وتدافع عن المجتمع، وتحافظ على أمن واستقرار المجتمع، أن مبادئها التي يجب أن ترسَّخ في عملية البناء لها، وأن تكون عقيدةً أساسية، وأساساً للتربية كذلك، هو هذا الأساس؛ حتى تؤدِّي هذا الدور كقوة أمنية وقوة عسكرية من واقع الالتزام الإيماني، والدافع الإيماني، كجنود لله “سبحانه وتعالى”؛ لأن هؤلاء هم عباد الله، الله “سبحانه وتعالى” يريد لهم ألَّا يظلموا، ألَّا يذلوا، ألَّا يقهروا، الله “سبحانه وتعالى”، يريد لهم الخير، يريد لهم أن يحظوا بالحياة الكريمة، بالعزة، والكرامة، والاستقرار، ودفع الشر عنهم، ودفع الظلم عنهم، هذا من أهم ما في القسط والعدل الإلهي، والرحمة بالعباد، هو القائل “جلَّ شأنه”: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران: من الآية108]، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر: من الآية31]، لا يريد لهم أن يكونوا في وضعية ضعيفة، مقهورة، ليس فيها منعة، ليس فيها حماية، ليس فيها من يدفع عنهم الشر، من يدفع عنهم الخطر، من يدفع عنهم الأعداء الظالمين، ففي تدبير الله “سبحانه وتعالى” يأتي هذا الدور: (جُنُودُ اللَّهِ)، الذين يؤدُّون هذه المهمة كمسؤولية إيمانية مقدَّسة، والتزامٍ إيمانيٍ من أجل الله “سبحانه وتعالى”، ووفق تعليماته، ولديهم هذا الدافع المقدس، الذي يستشعرون من خلاله طبيعة دورهم، أنه ليس لظلم المجتمع، ليس لاستغلال المجتمع، ليس لقهر المجتمع، ليس لممارسة الجبروت بحق المجتمع، بل هم في خدمة هذا المجتمع، من أجل حمايته، من أجل دفع الشر عنه، ولكن وفق هذا الالتزام الإيماني، والدافع الإيماني، والمسؤولية المقدَّسة، فلذلك سمَّاهم بـ (جُنُودُ اللَّهِ)، تسمية عظيمة؛ ليستشعروا قدسية الدور الذي يقومون به، والمهمة التي ينفِّذونها.
((وَمِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ))
الإداريون، الذين يقومون بنظم أمور المجتمع في معاملاته، وفي عقود معاملاته، وفي شؤونه المختلفة، بإجراء العقود، والتوثيق، والكتابة، والإدارة، والتنظيم لمختلف المعاملات، وهذا جانبٌ أساسيٌ في انتظام شؤون الناس، وفي استقامة حياتهم، وإلَّا لو كانت أمور معاملات الناس تجري بلا تنظيم، بلا توثيق، بلا عقود، بلا إدارة لها، ستكون النتيجة هي الفوضى، والتظالم، والعبث؛ وبالتالي تنشأ المخاوف التي تؤثِّر على الناس في حركة حياتهم، وفي مختلف شؤونهم.
((الْعَامَّةِ)): في واقع المجتمع بشكلٍ عام.
((وَالْخَاصَّةِ)): في مثل حال المكاتب الحكومية… وما شاكل.
((وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ))
القضاة الذين يقضون بالعدل، العدل هو الأساس لأن يكون للقضاء دوره الإيجابي، النافع، الذي يعزز الاستقرار، الذي يحقق العدل في واقع المجتمع، يصون الحقوق، ويحفظها للناس، يفصل قضايا الناس ونزاعاتهم؛ حتى لا تبقى شاغلاً لهم، تشغل أوقاتهم، وتشغل واقعهم واهتماماتهم، وفي نفس الوقت تثير العداوة والبغضاء فيما بينهم، وقد تصل في بعض الحالات إلى الاقتتال، وإلى الإخلال بالأمن، وإلى فقدان الاستقرار، وهذا جانبٌ أساسيٌ جداً في حياة الناس: أن يكون هناك قضاة يقضون بالعدل.
((وَمِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ))
لدفع التظالم بين الناس، لإحقاق الحق، لرعاية حقوق الناس، وحقوق المجتمع في مختلف أبنائه.
((وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ))
ومنها الفئة المنتجة زراعياً، المزارعون، والمنتجون في الأعمال الزراعية… وما شاكل، دورهم المهم جداً في حياة الناس، في توفير المتطلبات الغذائية والضرورية للناس، دورهم الأساسي في دعم الاقتصاد، في إنعاش الاقتصاد، وفي متطلبات الحياة الضرورية على مستوى الغذاء ونحوه، وسواءً الذين هم من أبناء الإسلام في المجتمع، أو هم مواطنون يخضعون لحكم الإسلام ويدفعون الجزية، ممن كانوا من أهل الذمة، وللأسف الشديد تغيَّر واقع المسلمين، وأصبحت كثيرٌ من الدول العربية هي التي تدفع الجزية، وتدفع بشكل كبير جداً، أكثر مما كان يدفعه المواطنون الخاضعون لحكم الإسلام من أهل الذمة في الماضي، من المعاهدين، الذين يخضعون لحكم الإسلام، ويعيشون بين أبناء الأمة، وترعى أمرهم الدولة في الإسلام في نظامها الإسلامي بما لهم من حقوقٍ مشروعة، الآن اختلف الحال، الدول العربية تخرج الجزية لأولئك بشكل كبير، بمبالغ هائلة جداً، بمليارات الدولارات، بمبالغ هائلة.
على العموم الإسلام كان يأخذ بعين الاعتبار، فيما يتعلق بالمجتمع الذي يسود فيه نظامه، أن يحظى كل الذين يعيشون في هذا المجتمع بالرعاية وفق الحقوق المشروعة، سواءً كانوا من المسلمين، أو لم يكونوا من المسلمين، وهم يخضعون للنظام في الإسلام، وهو النظام في الإسلام يأخذ بعين الاعتبار هؤلاء من غير المسلمين ما هي حقوقهم المشروعة كمواطنين.
((وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ)): هؤلاء دورهم مهم، فئة من أبناء المجتمع منتجة، الذين هم أصحاب الخراج، يعني: أصحاب الإنتاج الزراعي، دورهم مهمٌ جداً، يجب أن يحظى هؤلاء بالرعاية، هناك مسؤوليات تجاههم، ودورهم دور مهم تجاه بقية الأدوار في شؤون الحياة.
((وَمِنْهَا التُّجَّارُ))
الذين يعملون في التجارة، بحسب مستوياتهم في التجارة المختلفة، تجار كبار، تجار متوسطين، تجار صغار، بحسب مستوياتهم في التجارة، من يعملون في التجارة، هؤلاء لهم أيضاً دورهم المهم في حياة الناس، في توفير متطلبات الحياة، في إنعاش الوضع الاقتصادي للمجتمع… إلى غير ذلك، وهناك مسؤوليات والتزامات متبادلة تجاه هؤلاء التجار، مسؤوليات تجاههم، والتزامات عليهم، ومسؤوليات عليهم أيضاً.
((وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ))
بمختلف الصناعات، في الماضي كانت كثير من الصناعات من خلال حرف ومهن معينة، الآن تطورت مجالات الصناعة تطوراً كبيراً، وأصبح دورها دوراً كبيراً في إنعاش الوضع الاقتصادي والمعيشي للمجتمع.
((وَمِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ))
((الطَّبَقَةُ السُّفْلَى))، يعني: بالنظر إلى ظروفهم ومعيشتهم، يعني: أنهم فئة غير منتجة، مثلما بقية الفئات المنتجة من بقية أبناء المجتمع؛ لأنهم يعيشون ظروفاً صعبةً جداً، يعني: لم يقدروا على الإنتاج، لا يستطيعون الإنتاج، إمَّا لظروفهم المعيشية الصعبة جداً، أو لوضعهم، مثلاً: الأرامل، الأيتام، الفقراء، والبائسين، ((مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ))، هذا تعريفٌ كافٍ: ((مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ))، هؤلاء هم أيضاً جزءٌ أساسيٌ من أبناء المجتمع، الذين تتحمل الدولة مسؤوليات تجاههم.
((وَكُلٌّ))
من هذه الفئات من أبناء المجتمع.
((قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ))
يعني: حدد نصيبه من الحق والمسؤوليات تجاهه.
((وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ، أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”، عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً))
حدد الله “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم، وفيما جاء عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، المسؤوليات تجاه كل هذه الفئات.
ثم يدخل إلى عرض تفصيلي عن هذه الفئات، وأهمية دور كلٍّ منها:
((فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ، وَزَيْنُ الْوُلَاةِ، وَعِزُّ الدِّينِ، وَسُبُلُ الْأَمْنِ، وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ))
هذا هو الدور المفترض لهم، الذي يجب أن تُبنى مؤسساتهم، وتبنى تشكيلاتهم، وجهاتهم، وإدارتهم، عليه، على هذا الأساس يعني، على أساس أن يكونوا هكذا: أن يكونوا ((حُصُونُ الرَّعِيَّةِ))، الحماة للأوطان والأعراض والممتلكات، أن يكونوا هم السياج الحامي للمجتمع، الدافع عن المجتمع؛ حتى يلمس المجتمع ذلك منهم، أن يراهم له، وليس عليه، أن يعرف أن الجيش هو جيشه، لحمايته، لدفع الشر عنه، لدفع الأعداء عنه، للحفاظ عليه، للحفاظ على كرامته، وعرضه، ووطنه، وممتلكاته.
ودورهم المهم جداً أيضاً في إرساء دعائم الحق والعدل في أوساط المجتمع؛ لأن دفع الشر عن المجتمع، وتحقيق هذا الدور في الحفاظ على المجتمع، هو مرتبطٌ بما يسعون للحفاظ عليه لأن يكون سائداً في واقع هذا المجتمع، من الحق، والعدل، والخير، والقيم الإلهية.
وكذلك بالنسبة للأمن، أن يلحظ المجتمع أنَّ هذا الأمن، وأن تلك الجهات الأمنية هي لحمايته، لمنع الجرائم، لمنع الفساد، لمنع التظالم، لمنع التعدي على بعضهم البعض، للحفاظ على الاستقرار في واقعهم، للحفاظ عليهم، وعلى ممتلكاتهم، وعلى حقوقهم، وعلى أعراضهم.
فهذا هو الدور الذي يجب أن يكون العمل على أساسه، ثم يُبنى على أساسه التزامات معينة، ومسؤوليات معينة، ويتحقق هذا التكامل الإيجابي في الواقع.
((حُصُونُ الرَّعِيَّةِ، وَزَيْنُ الْوُلَاةِ))؛ لأن الولاة بدون جنود، بدون أمن، بدون قدرة عسكرية وأمنية، سيكونون مفلسين، لا قيمة لدورهم، ولا تأثير لهم.
((وَعِزُّ الدِّينِ))؛ لأن من خلال دورهم تترسخ القيم الإلهية، قيم الحق والعدل والخير في واقع المجتمع؛ لأن الدين هو عبارة عن مبادئ عظيمة، وقيم وتشريعات كلها قائمة على أساس الحق والعدل والخير لصالح المجتمع.
((وَسُبُلُ الْأَمْنِ))، والناس بحاجة إلى الأمن، الأمن من الضروريات التي يحتاج الناس إليها لاستقرار حياتهم، بدون أمن؛ لا استقرار اقتصادي، ولا استقرار معيشي، ولا استقرار للحياة أبداً.
((وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ))، فإذا كان المجتمع بدون قوة عسكرية وأمنية تقوم بحمايته بالدفاع عنه؛ سينهار وضعه.
((ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ، الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ، وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ))
لو تحرَّك الكل ليكونوا جنوداً؛ لأفلسوا، لما كان لديهم أي إمكانات، ولا قدرات، ولا نفقات، تساعدهم على القيام بهذا الدور، فيأتي هنا الدور الكبير، والدور المهم للإنتاج: الإنتاج الزراعي، الإنتاج الاقتصادي، الذي يوفر التمويل اللازم للجنود في الجيش والأمن، لتوفير النفقات الضرورية لقيامهم بمهامهم ومسؤولياتهم، يحتاجون إلى إمكانات وقدرات عسكرية من السلاح وغيره، ووسائل العمل المتنوعة، يحتاجون إلى التغذية، يحتاجون إلى مختلف تفاصيل النفقات الضرورية، التي لابدَّ منها حتى يتمكنوا من أن يقوموا بعملهم وبدورهم.
وكذلك فيما ((يَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ))، يعني: ما يحيط باحتياجاتهم الضرورية المتنوعة؛ لأن منها مثلاً السلاح، منها: وسائل النقل، منها: متطلبات ضرورية للمعركة، أو للحرب، أو للعمل الأمني… وهكذا، تفاصيل كثيرة تدخل في هذا الجانب، هؤلاء يحتاجون إلى التمويل، وإلَّا لا يمكنهم القيام أساساً بهذا الدور في حماية المجتمع، في الحفاظ عليه.
فهنا يتجلى دور الخراج في نفس المسألة، يعني: دور الإنتاج الاقتصادي والزراعي في تمويل حماية المجتمع، فهو دور في نفس حماية المجتمع، فالفئة التي تعمل من أبناء المجتمع في الإنتاج الزراعي، والإنتاج الاقتصادي، والأنشطة المعيشية، التي توفر الحركة المالية، وتوفر الدعم اللازم، دورها أساسيٌ جداً، دورها أساسيٌ ليس فقط على المستوى المباشر، في توفير غذاء الناس، واحتياجات الناس الضرورية، بل دورها أيضاً مهمٌ جداً في الجانب الأمني، والجانب العسكري.
فلتكن كل فئة تدرك أهمية الأدوار الأخرى لدورها نفسه، لدعم دورها نفسه؛ حتى تدرك قيمة ما يقوم به الآخرون؛ لأن البعض مثلاً قد يتصور يقول: [أنا دوري هو الأساس، وبقية الأدوار لا أهمية لها، أنا أريد منكم أن تهتموا بدوري أنا]، مثلاً: كجهة عسكرية وأمنية، يقول: [دوري هو الأساس، بقية الأدوار لا أهمية لها، هذا الدور الذي إن فُقِد، أو تضرر، أو ضعف؛ انهارت بقية الأدوار]، صحيح، إن فقدت، ستنهار بقية الأدوار، ولكن لا يمكن أيضاً قيامه هو إلَّا ببقية الأدوار، فهذا الترابط يجب أن يعيه الجميع، وأن تعيه قبل ذلك الجهات المعنية المسؤولة عن الناس، المسؤولون، من هم في موقع المسؤولية، أن يعوا أهمية كل هذه الأدوار.
((ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ، مِنَ الْقُضَاةِ، وَالْعُمَّالِ، وَالْكُتَّابِ، لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَيَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَعَوَامِّهَا))
الذين ينشطون في الإنتاج الزراعي، والإنتاج الاقتصادي، والأعمال ذات الأهمية الكبيرة في الواقع المعيشي، يحتاجون إلى إدارة لشؤونهم، ونظم لمعاملاتهم؛ لأنهم يعتمدون على المعاملة في أعمالهم، إذا لم يكن هناك إدارة لهذه المعاملة على الوجه الصحيح، وحل للمشاكل التي تعتري معاملاتهم، وتدخل في معاملاتهم؛ سيتحول الواقع إلى فوضى كاملة، هذا الدور في حل المشكلات، في نظم المعاملات، في ترتيبها، في إدارتها على الوجه الصحيح، يعود إلى مَنْ؟ القضاة، العمال، الكُتَّاب، يعني: الإداريون ونحوهم، لما يقومون به من نظم لهذه المعاملات، وحل لمشكلاتها وتعقيداتها، وترتيب لازم لإجرائها وتسهيلها وترتيبها، هذا كله أيضاً دورٌ مترابط، دورٌ لابدَّ منه لذلك الدور.
((وَلَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ، وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ، وَيُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ))
وكل تلك الفئات التي مضى الحديث عنها، ((لَا قِوَامَ لَهُمْ)): لا يستقيم دورهم، ولا ينهض دورهم، ولا يتمكنون من القيام بدورهم بالشكل الفعَّال، والشكل الإيجابي والمثمر إلَّا بالتجار؛ لأن التجار هم الذين يقومون بالحركة التسويقية، المزارع- في نهاية المطاف- يواجه مشكلة في تسويق منتجاته، المنتج الآخر كذلك يواجه مشكلة في تسويق منتجاته، كثير من المتطلبات التي قد لا تتوفر أصلاً في الإنتاج المحلي تحتاج إلى توفير ولو من بعيد، هذا الدور يقوم به التجار، التجار دورهم مهمٌ جداً، وضروري في الحركة الاقتصادية، وحركة الأسواق، والنشاط الاقتصادي، ودور مهم لبقية الأدوار.
الجانب الصناعي كذلك ((ذَوِي الصِّنَاعَاتِ))، سواءً أصحاب الحرف والمهن، أو الإمكانات مثل هذا العصر، الإمكانات الصناعية، المصانع، وصولاً إلى مصانع عملاقة، مصانع بمختلف الأحجام والمستويات والقدرة التصنيعية، والأنواع الكثيرة جداً، التي تشمل جوانب كثيرة، هي كذلك جانبٌ مهم، كل هؤلاء أدوارهم مهمة، وأدوار مترابطة، في صلاح واقع المجتمع، وانتعاش وضعه الاقتصادي، ومتطلباته الأساسية لمعيشته وحياته.
((فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ، وَيُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ))
لأنهم يوفرون كثيراً من الاحتياجات، لا يحتاج كل شخص أن يكون منشغلاً بصناعة كل احتياجاته، هذا سيكون أمراً شاقاً ومتعسراً، وغير متاح أصلاً، لو كان كل شخص مثلاً سيبقى منشغلاً بأن يصنع لنفسه كل التفاصيل؛ لعطَّل بقية الاهتمامات والأعمال، لو بقي مثلاً القاضي منشغلاً بالزراعة، والتصنيع، ومختلف الأعمال، فمتى سيعطي وقتاً لحل مشاكل الناس، أو الشخص الآخر مثلاً، أو الطبيب… كل فئة، هذا التكامل فيما بين الناس له إيجابية كبيرة، هو تدبيرٌ إلهيٌ عجيب، ويعطي قيمةً كبيرة لكل دور، لكل فئة، وأهمية لكل دور ولكل فئة من أبناء المجتمع، وهو عامل من عوامل الترابط فيما بين أبناء المجتمع، إذا وظِّف بشكلٍ صحيح لتعزيز الألفة بين أبناء المجتمع، وتحسيس أبناء المجتمع بقيمة كل دورٍ يقوم به كلٌّ منهم تجاه الآخرين.
((وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ))، صحيح؛ لأنهم مثلاً ذوي الصناعات هم الأكثر إتقاناً لأن يصنعوا لك ما لم تصنعه لنفسك، ما لست قادراً أنت على صنعه لنفسك، سيكونون أكثر اتقاناً، ((كلٌّ ميسَّرٌ لِمَا خلق له)) في هذه المجالات، مجالات العمل في شؤون الحياة، متطلبات الحياة، في التجارة، في الصناعة بمختلف أنواعها، في المهن بمختلف أنواعها، وكله دور مهم لخدمة المجتمع، ولمصلحة المجتمع.
((ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ))
يعني: من الحق ومن المسؤولية ((رِفْدُهُمْ)): مساعدتهم، ((وَمَعُونَتُهُمْ))، هم فئة لابدَّ من العناية بها، ((أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ)): البائسين، الفقراء المعدمين، البعض لأنهم مثلاً عاجزون عن العمل، أو ليست لهم حيلة في العمل، ليست لهم بصيرة بالعمل، يحتاجون إلى مساعدة، قد يكون في حال بعضهم جزءٌ من مساعدتهم: مساعدتهم على العمل، وعلى أن يتحوَّلوا إلى واقع منتج، مثمر، ومساهم، أو عامل، وهذا لا يغني أيضاً عن المواساة على كل حال، المواساة لمن يستطيع ومن لا يستطيع منهم من ذوي الظروف الصعبة جداً، هناك مسؤولية تجاههم.
((وَفِي اللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ))
في فضله، في رزقه، فيما يمنُّ به من فضله الواسع، وفي تدبيره، وفي تشريعه، وفي هدايته، كلُّ هؤلاء شملهم لطف الله، وفضله، ورعايته، وتدبيره، وهيَّأ للمجتمع ما يفي باحتياجات المجتمع بشكلٍ عام.
((وَلِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ))
الوالي عليه مسؤوليات تجاه كل هؤلاء من أبناء المجتمع، بما يصلح دور هذا الجانب، أو هذه الفئة، ويساعده على أداء دوره بشكلٍ صحيح، وبما فيه صلاحه.
((وَلَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ))
هي مسؤولية، مسؤولية على عنق المسؤول؛ وبالتالي إن تجاهل، أو أهمل، أو فرط، أو تعامل بطريقة مختلفة: لديه اهتمام بالبعض، وتجاهل للبعض الآخر، فهو يتحمل مسؤولية تقصيره، أو تفريطه، أو تجاوزه، مسؤولية بينه وبين الله “سبحانه وتعالى” أولاً، ثم في الواقع، مسؤولية عليه في الواقع، يتحمل تبعات تقصيره، أو تفريطه، أو تجاوزه، أو تعامله السيئ تجاه هذه الفئة، أو هذه الفئة؛ لأنه لا يخرجه من تبعات هذه المسؤولية إلَّا أن يستعين بالله، ويسعى بقدر ما يستطيع لأداء مسؤوليته تجاه الجميع.
((وَتَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ، أَوْ ثَقُلَ))
يوطِّن نفسه، ويستعين بالله، ويعزم، ويصبر على أداء مسؤولياته، فيما هو خفيف، أو ثقيل، وأحياناً الجوانب النفسية تؤثِّر على الإنسان، يواجه صعوبات، استفزازات، إساءات… أشياء كثيرة، لا يجعل منها مبرراً للتنصل عن المسؤولية، أو التفريط في أدائه للمسؤولية، تجاه هذه الفئة، أو تجاه تلك، عليه أن يصبر، يسعى لأداء مسؤوليته.
فهذه الفئات من أبناء المجتمع، هناك مسؤوليات تجاهها جميعاً، بدءاً بالجنود في ترتيب ونظم أمرهم، ولذلك يقول:
((فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِإِمَامِكَ))
في ترتيب وضع الجنود، سواءً في الأمن، أو في الجيش، أول مسألة تؤخذ بعين الاعتبار لنظم أمرهم كما ينبغي، ولصلاح واقعهم كما ينبغي، هي: في تحديد واختيار المسؤولين عنهم، المسؤولين المباشرين عنهم.
ولهذا قال: ((فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ))، يعني: من تعرف عنه أنت أنه الأنصح، يعني: الأصدق والأخلص، الذي هو أكثر إخلاصاً بحسب معرفتك، أكثرهم إخلاصاً وصدقاً مع الله “سبحانه وتعالى”، هو جديرٌ بأن يتحلى بالمسؤولية، أن يستشعر أهمية المسؤولية؛ لأنه مخلصٌ لله “سبحانه وتعالى”، صادقٌ مع الله “سبحانه وتعالى”، يخاف الله من أن يقصِّر، يدرك أنَّ التقصير، أو التفريط، أو الخيانة، ذنبٌ عظيم، يستحي من الله، يحب الله، يعظِّم الله؛ وبالتالي يتقي الله “سبحانه وتعالى”، فأنت تعرف عنه أنه الأكثر إخلاصاً وصدقاً مع الله “سبحانه وتعالى”.
((أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِإِمَامِكَ))، وللرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، فهو يرى في رسول الله القدوة والأسوة، ويلتزم بهدي رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، ((وَلِإِمَامِكَ)).
فالأنصح، الأكثر إخلاصاً، وصدقاً، وجداً، واهتماماً، ووفاءً، وولاءً، هو من يؤتمن على أن يكون على رأس هذه المسؤوليات العسكرية والأمنية، هو لن يستغل موقعه في الأشياء السيئة، في ممارسة ظلم، أو مصالح شخصية، أو يسيء، أو يخدم العدو، أو يتصرف تصرفات سيئة.
((وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً))
مع إخلاصه وصدقه مع الله “سبحانه وتعالى”، هو: ((أَنْقَاهُمْ جَيْباً)).
يقولون عن هذه الجملة: ((وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً)) أنها كناية، البعض يقول: أنها كناية عن صفاء صدره، طبعاً الجيب كان يعبَّر به عن الفِقْرَة في اللهجة المحلية، وليس الجيب المعروف الذي يسمَّى في عرف بلدنا جيباً، هذا كان يعبَّر به عمَّا يسمى باللهجة المحلية بالفِقْرَة، فيقولون: هذه كناية عن سلامة الصدر، بمعنى: أنَّ من يُوَلَّى مثل هذه المسؤوليات العسكرية والأمنية، يكون ممن هو مع إخلاصه لله، وصدقه مع الله “سبحانه وتعالى”، يكون أيضاً ممن صدورهم سليمة، ليس مليئاً بالعقد، والأحقاد، والضغائن، ويمكن أن يستغل مسؤوليته (العسكرية، أو الأمنية)، في تصفية حسابات شخصية، وإلحاق ضرر بالناس بغير وجه حق، وأذية الناس، والتسلط عليهم، بالاستغلال لإمكاناته وصلاحياته (العسكرية، أو الأمنية)، وإمكاناته العسكرية، أو الأمنية، أو ممن لعقده وأحقاده وضغائنه يمكن أن يفتح أي مشكلة (أمنية، أو عسكرية) بكل بساطة، بدون ضرورة، بدون حاجة؛ لأنه يتعامل من واقع نفسه المأزوم، والمعقَّد، والمشحون بالضغينة، وهذه مسألة مهمة جداً فعلاً في مثل هذه المسؤوليات الأمنية والعسكرية؛ لأن الإنسان المشحون بالضغينة، المملوء بالعقد والأحقاد، عندما يكون في عمل أمني، أو عمل عسكري، سيتهيأ له فرصة أن يضر، أن يصفي حساباته، أن ينفِّس عن أحقاده وضغائنه الشخصية، أن يفتح المشاكل لأبسط الأسباب، فينعكس الدور، من حماية الناس، من الحفاظ على أمنهم، من العناية بهم؛ إلى أن يتحول هو إلى مصدر شر عليهم، أو خطر عليهم، أو ضرر عليهم، فتصبح نظرة الناس إليه إلى أنه مشكلة عليهم، وليس حمايةً لهم، ولا أمناً لهم، لا يحملون الشعور بالاطمئنان إليه، أنه من أجل حمايتهم والدفاع عنهم.
أيضاً مما يكنى به من خلال هذه الجملة ((أَنْقَاهُمْ جَيْباً))، هي أيضاً مما يكنى به عن الأمانة، أنه إنسانٌ أمين، أمينٌ على ما في يده من مال، أمينٌ على ما يؤتمن عليه من عمل، أمينٌ على ما يؤتمن عليه من قيم، وهذه من المتطلبات الضرورية، في من يكونون على رأس هذه المسؤوليات (مسؤوليات أمنية، أو مسؤوليات عسكرية)، أن يكونوا فعلاً من ذوي الأمانة، الأمانة المالية، الأمانة فيما في أيديهم من إمكانات، هي إمكانات عامة، هي إمكانات للأمة، هي إمكانات ترتبط بتلك المسؤولية، ليست مستباحةً للاستغلال الشخصي، والانتفاع الشخصي بغير حق، والعبث، والهدر، والخيانة، من ذوي الأمانة على مستوى مسؤولياتهم وأعمالهم، أن يعملوا فيها وفق التوجيهات الإلهية، وفق الضوابط الشرعية، وفق المهام المحددة بما يطابق مقتضى الشرع الإلهي، وألَّا يستغلونها استغلالاً شخصياً لممارسة الظلم، أو لممارسة الفساد، أو الانتفاع الشخصي الذي لا وجه له، يؤتمنون في العمل، يؤتمنون في الإمكانات، يؤتمنون في الدور الذي يقومون به.
وأيضاً مما يكنى بهذه الجملة ((وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً)) من سلامة أيضاً سلامة السمعة والصيت، يعني: ليس إنساناً ملوثاً بما يشوهه من السلبيات، من الأعمال السيئة، من السلوكيات السيئة المشوهة.
((وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً))
هذه معايير، معايير في من يتولى المسؤولية الأمنية والمسؤولية العسكرية.
((وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً)): أيضاً الحلم يعبَّر به عن صوابية التدبير والتفكير، يعني: عمَّن يمتلك التفكير الصائب والمتوازن والراشد، عندما قال الله: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا}[الطور: من الآية32]، ويعبَّر به أيضاً- في لازمه، لازم التفكير المتوازن، والرؤية الصائبة الراشدة- في التصرف تجاه ما يستفز الإنسان، كيف يتعامل معه بحلم، ليس ممن يتهور ويتسرع إذا استفزه شيءٌ معين؛ لأن البعض من الناس مثلاً مجرد استفزاز بكلمة، قد تكون حتى كلمة عادية في مستوى الاستفزاز، يقابلها بتهور وبمبالغة وإفراط في ردة الفعل، فهذا لا يمتلك الحلم، الذي هو نتاجٌ للرشد في التفكير والنفس والمشاعر، بحيث يكون الإنسان يتعامل مع الأمور بمقتضاها، بحسبها، بمستواها، وليس بمستوى انفعاله الشخصي؛ لأن الإنسان الذي يتعامل مع الأمور بمستوى انفعاله الشخصي، وانفعاله الشخصي قد يكون على مستوى كبير وغير متوازن، يعني: قد ينفعل من قضية لا تستحق كل ذلك الانفعال، كل ذلك الغضب؛ وبالتالي يبني على انفعاله الكبير وغضبه الشديد ردة الفعل الكبيرة، البعض قد يقتل، البعض قد يدمر، البعض قد يبطش، البعض قد يبادر إلى تصرفات فيها اعتداء على ممتلكات أو نحوه، وليس هناك ما يدعو لذلك.
إذا جئنا لميزان العدل، وميزان الحق، فنظرنا إلى تقييم ما بدر من الآخرين، أو من شخص آخر، واستفزه ذلك المستوى من الاستفزاز، نجد أنه ليس مما تكون الإجراءات التي تقابله بذلك الحجم، نجد هناك إفراطاً، تجاوزاً، يصل إلى حد الظلم، فأنت قابلت مثلاً إساءةً معينة بإساءة أكبر منها بكثير جداً، يعني: بما لا يقارن أحياناً، وهذه حالة خطيرة.
مثلاً: من خلال هذه المعايير، عندما نأتي إلى شخص يريد أن يكون على رأس مسؤولية أمنية، أو مسؤولية عسكرية، فلننظر هل هو ممن يتصف بالحلم، أم أنه من النوع الذي لا يتصف بصفة الحلم، بل هو من النوع الذي إذا استفز بأبسط استفزاز، قابل ذلك بردة فعل مبالغٌ فيها، وبتهور، وبتصرف أرعن وأحمق.
((وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً، مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ))
يعني: لا يستفز بكل بساطة وبأبسط الأمور، أي قضية استفز فيها غاية الاستفزاز، وانفعل فيها أشد الانفعال، وغضب فيها أشد الغضب، لا، هو إنسان يمتلك الرشد، والتوازن، والقدرة على ضبط النفس، ليتعامل مع الأمور بمعيار الحكمة، والحق، والعدل، والمسؤولية، وليس بمستوى الانفعال الشخصي والنفسي.
((مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ)): ليس متسرعاً في غضبه وانفعاله؛ وبالتالي تصرفاته الناتجة عن ذلك.
((وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ))
((يَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ)): ليس ممن يبقى محتقناً دائماً، وساخطاً دائماً، مثلاً: استفز بشيء معين، أو أغضبه شيءٌ معين، فبقي معقداً دائماً، لو حصل الاعتذار، لا ينفع، ولا يقبل لا بالاعتذار، ولا يريد حل الإشكال نفسه العملي، الذي سبب انفعاله مثلاً، يريد أن تبقى المشكلة، ويريد أن يبقى ساخطاً، ويريد أن يبقى في ردة فعلٍ دائمة، مثل هذا النوع ليس إنساناً عملياً.
الإنسان العملي، الذي يتحلى بالمسؤولية، وينجح في مهامه العملية، هو الذي يهمه صلاح العمل، ومعالجة الإشكالات، وبالتالي عندما يحصل الاعتذار، الاعتذار لمعالجة إشكال معين، أو تجاه إساءة معينة؛ لكيلا تبقى الإساءة، لكيلا يبقى الإشكال، لكي يتم تجاوزه، هو يقبل هو يرتاح إلى ذلك؛ لأنه إنسان عملي، همه العمل، وصلاح العمل.
((وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ))
لا نتصور أن المسؤولية العسكرية تحتاج إلى إنسان متوحش من الجميع، الكل يخافه، شديدٌ على الجميع، فهو عسكري من الطراز الأول، لا، لابدَّ أن يكون متوازناً، ومهما كان شجاعاً، ومهما كان قوي النفس، أن يكون رحيماً بالضعفاء، رؤوفاً بالضعفاء؛ وبالتالي حتى في أدائه للمسؤولية هو رحيمٌ بالضعفاء، في إطار عمله نفسه، في نطاق مسؤوليته، وفي نفس المهام التي يتحرك فيها، ليس جباراً يبطش بالضعفاء ولا يرحم أحداً، يتصور البعض مثلاً أن المسؤولية العسكرية تحتاج إلى إنسانٍ قاسي القلب، ومتوحش، وفظ، غليظ، شديد على الجميع، هذا النوع لا حاجة إليه، ((وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ)).
((وَيَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ)).
يعني: ويكون- في نفس الوقت- شخصية قوية، إذا حاول الأقوياء أن يفرضوا عليه الباطل، أو أن يسخروه لخدمتهم فيما ليس بشيءٍ صحيح، أو لأن يُمَضِّيَ لهم ما يريدونه مما ليس بصحيح، فهو قوي الشخصية، لا يطمعون في إذلاله، والسيطرة عليه، وإمضاء ما يريدون إمضاءه عليه، مما هو منافٍ للحق والشرع، فهو قوي- في نفس الوقت- قوي الشخصية أمام الأقوياء، ليس ضعيفاً أمامهم، هو رحيمٌ بالضعفاء، لكنه قويٌ أمام الأقوياء.
((وَمِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ))
ليس متهوراً هو أمام الشدائد، أمام العنف، أمام الأهوال، إنسان أيضاً لا يفقد توازنه؛ لأن البعض قد يكون شجاعاً، ولكن إلى درجة التهور، أمام العنف، أمام الأهوال، أمام الأحداث الكبيرة، يتهور تجاهها، يفقد توازنه؛ وبالتالي يكون لذلك تأثيرٌ سلبيٌ على أدائه، على طريقته في العمل، على أدائه الصحيح، على تخطيطه الصحيح.
((وَمِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ)): لا يتهور، إذا استفزه شيء، أو عند الأهوال والشدائد، هو أيضاً راشدٌ في تصرفه، ومتماسكٌ، ومتوازنٌ، يتعامل بالشكل الصحيح، بالشكل المفيد.
((وَلَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ))
كذلك إذا كانت الظروف صعبة، أو الواقع صعب، أو المعاناة كبيرة، لا يدفعه ذلك إلى القعود والتنصل عن المسؤولية، ولا يريد أن يتحرك إلا إذا أعطي وأعطي وأعطي، ووفر له، يعني: لا يكون عوناً في المراحل التي تحتاج إلى رجال يمثلون عوناً في كل الأحوال، يتماسكون في كل الظروف.
((ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالْأَحْسَابِ))
يعني: اعتمد في العمل العسكري والأمني بشكلٍ كبير وأكثر من الآخرين على ذوي المروءات.
المروءة كنزٌ من النبل والأخلاق الحسنة، الإنسان الذي فيه مروءة فيه كرامة، فيه وفاء، لديه قيم، المروءة هي: مجمعٌ من القيم العظيمة والمهمة، الإنسان الذي فيه مروءة هو وفي، هو صادق، هو معطاء، هو مواسٍ، يمتلك صفة الإحسان، صفة المبادرة، قيم عظيمة ومهمة وأصيلة، يمثل عوناً، عوناً حقيقياً في المواقف الصعبة، والتحديات الكبيرة، ليس من النوع الذي قد يقف معك إذا كانت الأمور متيسرة، والظروف جيدة، والأوضاع مساعدة، والأجواء مهيأة، وسيحظى من خلال ذلك بالمكاسب، والمنافع، والصيت الحسن، فإذا كانت الأمور صعبة، والظروف قاسية، والمعاناة كبيرة، والتحديات كبيرة، تتطلب أعواناً حقيقيين، فهو ذلك الذي يتغير تجاهك، على حسب التعبير المحلي [يفسل]، ولا يفي معك، ولا يقف معك الموقف الصادق.
((بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالْأَحْسَابِ))، (الْأَحْسَابِ): المفاخر بالأعمال والقيم العظيمة، يعني مثلاً: البعض لديهم رصيد، البعض حتى رصيد تاريخي يتوارثون القيم العظيمة، ومكارم الأخلاق، والإحسان، والمواقف المشرفة، والوفاء، هؤلاء من يتربون على ذلك، من يمتلكون هذه الأصالة القيمية والأخلاقية، يمكن أن يعتمد الإنسان عليهم في المهام الأكبر، والمواقف الأصعب، والتحديات الأشد؛ لأنهم يمثلون عوناً حقيقياً، عندهم دافع أخلاقي وقيمي كبير، لديهم تفاعل فطري، بقيمهم وأخلاقهم الأصيلة فيهم، التي يتربون عليها منذ طفولتهم، فهم تربوا على الوفاء، على النجدة، على العطاء، على الصدق، على العون، على المساعدة، على الثبات، على… وهكذا، يستحيون من أن يفسلوا، من أن يخونوا، من أن يغدروا، من أن يفرِّطوا، من أن يحصل من جانبهم ما لا يليق بذوي الوفاء.
((وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ))
(الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ): التي تتربى على الصلاح، والخير، والقيم العظيمة، ومكارم الأخلاق، والوفاء، وصدق اللسان واللهجة، وصدق الوعد… وغير ذلك من القيم، يعني: هذه معايير قيمية، معايير أخلاقية.
((وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ))
لأن البعض مثلاً من الناس له تاريخ مشرف، من الوفاء، والقيم، والأخلاق، هذا يطمئن في أن تعتمد عليه، وتؤمِّل أنه فيما بقي سيكون كما مضى.
((ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّمَاحَةِ))
(النَّجْدَةِ): الذين يتحركون في المواقف الصعبة، في التحديات والأخطار، بمبادرة من جانبهم، يبادرون بالتحرك، فيعينون في المواقف الصعبة، في مواجهة التحديات والأخطار والأعداء، ليسوا ممن إذا حصلت أهوال، وتحديات، ومخاطر كبيرة، يتهربون عن المسؤولية، وعن التحرك، ويحاولون أن يبتعدوا، أو أن يتنصلوا عن المسؤولية، أو أن يتهربوا من المبادرة للمواقف، هؤلاء من يبادرون في المواقف التي تستدعي التحرك العاجل، عندما يدهم الخطر، أو يتوغل العدو، أو تحصل مواقف فيها ما يستدعي التحرك والمبادرة والمسارعة.
((أَهْلِ النَّجْدَةِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ، وَالسَّمَاحَةِ))، أهل شجاعة وعطاء، عطاء وكرم، هؤلاء أعوان حقيقيون في المواقف الصعبة، المسؤوليات العسكرية والأمنية يمكن لهؤلاء أن يقوموا فيها بأدوار كبيرة، يوثق بهم، ويعتمد عليهم، وهم أعوان حقيقيون.
((فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ))
لأنها تتجمع فيهم مكارم الأخلاق والمواصفات المهمة، التي تؤهلهم لأداء دور مهم في الجوانب العسكرية والأمنية، وحماية المجتمع، والدفع عن المجتمع، والقيام بالأدوار المهمة في ذلك.
يمكن يطول بنا الوقت، نكتفي بهذا المقدار، إن شاء الله نستكمل في الدروس الآتية.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛