الذين يخرون لله سجدًا هم من يرفعون رأس الأمة

مأرب نت || من هدي القرآن ||

 

إذًا فيجب أن نكون ممن قال الله عنهم: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا} (السجدة: من الآية15) مطلوب هنا أن يؤمن الناس بآيات الله، إنها حقائق ثابتة في كل ما تناولته، في كل ما تحدثت عنه، لكن نوعية من الناس هم وحدهم من يؤمنون بها هم أولئك {الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة: من الآية15) الإنسان المؤمن قد يعتريه – أحيانًا – ذهول عن أهمية بعض الأشياء، قد يكون غير مستشعر: أن هناك واجبًا يجب أن يؤديه، أن هناك عملًا يجب أن يشترك فيه، أن هناك موقفًا يجب أن يتبناه ويشترك مع الآخرين فيه، هو مؤمن من هذه النوعية، موطن نفسه على أن يعمل وينطلق في كل عمل فيه لله رضى؛ لأنه ساجد لله، خاضع لله، وخاشع لله فمتى ما ذكرته بآية من آيات الله تقبلها تفاعل معها استجاب لها؛ لأنه خاشع لله خاضع لله.

وهو أيضا يرى كل شيء من جانب الله – بما فيها آياته – يراها كلها نعمة عليه فهو يسبح الله، ينزهه، ويقدسه، ويثني عليه {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} ليسوا من أولئك – وهم الكثير فينا – الذي يرى نفسه أنه قد تورط وهو في عمل صالح، لكن هذا العمل هو من النوع الشاق الشائك، الخطير نوعا ما، فيرى نفسه أنه في مشكلة.

بل البعض قد يرى ذلك الشخص الذي يتحدث مع الناس من هذا القبيل أيضًا أنه أصبح مشكلة وأصبح حملًا، وهذه – أيضًا – روحية كانت موجودة عند العرب الأوائل، وما زالت هذه الروحية قائمة؛ ولهذا كان يأتي الله سبحانه وتعالى وسط آيات الجهاد والابتلاء والمصائب والمشاق التي تأتي أثناء الصراع. يقول لهم ليمسح ذلك التفكير الخاطئ، ذلك الشعور السيئ بأن: [هذا الشخص هو من يوم ما جاء مشاكل]، قال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران:164).

تجدونها في [سورة آل عمران] متوسطة للحديث عن المشاكل، وعن الصراع والمصائب، بعدما تحدث عن قضية [أحد] وما حصل في أحد؛ لأن هناك كثير من الناس ضعاف الإيمان، من ينظر إلى الشخص الذي يدفعه إلى الموقف الصحيح الذي فيه نجاته في الدنيا والآخرة، يرى أنه بلوى.. مصيبة.. {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} (يـس: من الآية18) كما كان يقول أولئك: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا [مشاكل.. نحن لا نريد مشاكل.. ولا نريد مصائب.. ولا نريد ندخل في شيء.. وكل واحد يريد أن يذهب إلى شغله وعمله!!]..

لو كانت القضية ممكنة فإن الله أرحم الراحمين هو من كان يمكن أن يوجهنا إلى هذا الشيء الذي نردده على أنفسنا: [لستم بحاجة إلى هذا الشيء.. ويمكن أن تجلسوا ولا تتعرضوا لشيء.. واسكتوا، ومن بيتك إلى مسجدك، صدق الله العظيم].

أما كان بالإمكان أن يكون هكذا؟ لا، {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة: من الآية41) {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. ألم يقل هكذا؟ تحركوا؛ ليمسح أي نظرة من هذا الشعور الخاطئ الذي يأتي عند ضعاف الإيمان، متى ما حصل شيء فيه مشاق، حتى وإن كان ذلك الشخص الذي يقوده هو رسول الله، يعتبرونه مشكلة {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ} (آل عمران: من الآية164) يجب أن تعتبروه نعمة، إن هذه المواقف نعمة، وهذا الرجل نعمة عليكم، إنه منَّة من الله عليكم {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (آل عمران: من الآية164).

ولأنها هي النقطة الخطيرة جدًا التي يتجه الأعداء إليها، كانت إذاعات متعددة – كما يقال – أكثر من أربعة عشر إذاعة، ومحطات تلفزيونية كثيرة تتجه إلى داخل إيران أيام الإمام الخميني تحاول: توحي للناس بما يبعدهم عن ذلك القائد العظيم [مشاكل.. وإيران بدأت تدخل في أزمات اقتصادية بسبب هذا الشخص، والدماء الكثيرة سفكت من أبناء هذا الشعب؛ لأنهم انطلقوا وراء ذلك الشخص، هو شر، هو مشاكل، مصائب، بلاوي أحداث] إلى آخره.

لكنه هو من كان قد سبق إلى توعيتهم توعية من نوعية مهمة، الإمام الخميني، من أين جاء له ذلك؟ من القرآن الكريم، أي توعية للأمة من غير القرآن الكريم ستكون فاشلة. فكانت تلك الإذاعات تهذي دائما ولا يظهر لها أي أثر، كان يقول لهم: أولئك الذين يتحدثون معكم أليسوا أعداءكم؟ قالوا: نعم، قال: إذًا لا تصدقوهم، هل يمكن لعدوك أن ينصحك، كل كلامه هو من أجل أن يثبطك؛ لأنه يخافك، إذًا لا تصدقه.

قطع المجال، وسد الأبواب في وجوه أي تأثير لإعلام الآخرين من الذين وقفوا ضد الثورة الإسلامية. المؤمن نفسه إذا ما ذكر بآيات الله، سواء تذكره موقفًا هو لديه معرفة نوعًا ما عنه، لكن آيات الله من خلال تذكيره بها سيظهر له أكثر وأكثر أهمية أن يكون له عمل، أن يكون له موقف أن ينطلق بجدية.

وعندما يقول: {خَرُّوا سُجَّدًا} (السجدة: من الآية15) أولئك الذين يخرون لله سجدًا هم من يرفعون رأس الأمة. ليس معنى أن آيات الله هي تنكس الناس، وأن آيات الله هي التي تضع الناس فيخرون إلى الأرض. الناس الذين يخرون إلى الأرض سجدًا لله خشوعًا لله وخضوعًا لله لا يستكبرون أبدًا.. هم أولئك الذين يعلون كلمة الله، هم أولئك الذين يعلون رأس الأمة، هم الذين يعلون الدين ويظهرونه فوق الأديان كلها، هم هؤلاء {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة:15) هم من سينطلقون انطلاقة فاعلة.

لأنه ما هو الذي ينقصنا نحن ونحن نجمد، ونحن لا نتكلم سواء من كان منا باسم عالم، أو متعلم، أو عابد، أو أي لقب يحمله: أستاذ، أو نحوه، فلأنا لم نصل إلى هذه الدرجة بعد: الخشوع الكامل لله الذي لا يحصل إلا من خلال معرفته بشكل جيد، التسبيح لله بألسنتنا وقلوبنا، الثناء على الله هذا هو ما ينقصنا، أن هذه ليست حالة مترسخة في أعماق أنفسنا. فإذا ما ترسخت في نفوس الناس تراهم أمة قابلة للنهوض، تجتمع كلمتهم بسهولة، يتحركون بمسارعة.

ألم نتحدث سابقا عن بعض آيات حول صفات المتقين أنهم يسارعون {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (البقرة: من الآية148) {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} (آل عمران: من الآية133) قلنا في ذلك الدرس: أن هذه الآيات في [سورة آل عمران] من عند قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} إلى آخر الصفحة فيها من الحديث عن المتقين مطبوعة كلها بطابع المسارعة حتى في صيغها.. نحن نرى أنفسنا نتثاقل الآن.. أليس كذلك؟

نتحدث جميعا عندما نجلس هنا، أو نجلس في المدرسة، وقد يقول البعض: أنه يود أن يكون هناك من يسمع هذا الحديث، لكن هل انطلقنا بجدية ومسارعة إلى أن نعمل العمل الكثير الذي يجعل الآخرين يسمعون هذا الحديث الذي قد تراه حديثا مناسبا أن يسمعه الآخرون.. حالة التثاقل، التباطؤ، وهي حالة سيئة عواقبها سيئة، ما تزال ماثلة.. لماذا؟ لسنا بعد ممن وصل إلى هذه الدرجة: {إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا} لعظم تأثيرها في نفوسهم {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} لا يستنكفون أمام أي شيء من آيات الله يسمعونه.

وأحيانا قد يكون موقف الإنسان موقف المستكبر، لكنه يبحث عن أي تبرير لموقفه، وهو يقعد أو وهو يعارض عملا مثل هذا يراه الآخرون أنه عمل فيه إرضاء لله، وفيه نصر لدينه، أو يعبر عن موقف ما في مواجهة أعدائه ينطلق للتبريرات يعملها؛ لأنه في واقعه مستكبر، كلام سمعه من صغير وهو يحمل لقبا أكبر من لقب هذا، علامة مثلا، أو شيخ، أو فلان. فهو إذا ما قبل؛ لأن معنى {ذُكِّرُوا} من طرف آخر.. أليس كذلك؟

{وَالّذيْنَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا} ذكروا من طرف آخر ذكرهم بها، والله سبحانه وتعالى يعتبر للتذكير أهميته من أي طرف كان ولو من صغير {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا} (المائدة: من الآية23) ألم يقل هكذا في القرآن؟ {رَجُلانِ}، مؤمن آل فرعون، ذلك الرجل العظيم يصدر كلامه وكلام أولئك الرجال كما يصدر كلام الأنبياء في صفحات القرآن الكريم {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} (غافر: من الآية28) وهكذا يتحدث كلام طويل في [سورة غافر] قريبًا من صفحة أو أكثر.

المؤمن لا يستكبر إذا ما ذكّر من صغير أو ذكر من طرف آخر يراه وضيعا، يراه دونه في المراتب الاجتماعية، يراه دونه فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، أنا تاجر وهذا فقير، أنا من أعيان القبيلة وهذا مواطن عادي، أنا علاّمة وهذا ما يزال طالب علم، وهكذا كلمة: رجلان {قَالَ رَجُلانِ} تجعل للتذكير قيمته من رجل يحمل اسم رجل أقل شيء فيه، لم يقل قال عالمان، قال أستاذان، قال شيخان، قال الملأ من أصحاب موسى، أو بعبارة من هذه.. ألم يقل القرآن رجلان؟ يعتد بكلام الرجل مهما كان، يعتد بتذكير الرجلين مهما كان مقامهما.

ولأنه عادة يأتي التذكير بآيات الله في مقامات عملية، والأعمال – عادة – تكون شاقة على كثير من الكبار من الوجهاء وأصحاب المكانة الاجتماعية؛ لأنه ينظر إلى وضعيته وضعية محترمة لا يريد أن يخرج منها؛ ولهذا تجد في القرآن الكريم الكثير من أخبار من كانوا يعارضون الأنبياء معارضة شديدة هم الملأ الذين استكبروا من قومه، {قَالَ الْمَلًا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} (الأعراف: من الآية66) {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} (الأعراف: من الآية109) {قَالَ الْمَلأُ} يرد كثيرًا في [سورة الأنبياء] وغيرها. ومن كانوا ينطلقون أنصارا لدين الله وفي أول المستجيبين لدعوة الرسل والمجاهدين بين أيدي الرسل من هم؟ كانوا هم المستضعفين، المواطنين العاديين، الناس العاديين، هم من كانوا ينطلقون ويستجيبون.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن

سلسلة معرفة الله – الدرس الثالث عشر

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 10/2/2002

اليمن – صعدة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى