هل اقترب موعدُ سقوطَ الرأسمالية؟

مأرب نت || مقالات || عبدالرحمن مراد

 

يبدو العالَمُ اليوم أمام تموضع جديد، فالخارطة بدأت تضطربُ في اليابسة، وبدأت القوى الجديدةُ تفرِضُ أجندتَها على قائمة المصالح الدولية، فأمريكا فقدت زمام المبادرة ولا يسعها في هذه المرحلة سوى التعامل مع مفردات الواقع، أَو إعلان حرب كونية لا تبق ولا تذر بعد أن أصبحت بعض الدول تملك السلاح النووي.

اليوم روسيا تستعيدُ دورَها في حركة التوازن الدولي، وبعدها الصين التي بدأت المناورة على تايوان، والكوريتان في انتظار ما تسفر عنه الأحداث، في جزيرة القرم، كما أن الصراعات التي كان النظام الدولي يدير حركة توازنه من خلالها سوف تفرض واقعاً جديدًا في الخارطة العالمية.

بدأ سؤال التحديث والتجديد في النظم العالمية يطرح بقوة سواء في أروقة الأمم المتحدة التي سيطرت عليها أمريكا لعقود، أم في مجلس الأمن الذي ضم في عضويته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لقد كان الدب الروسي جريئاً وهو يخوض معركة تحديث العالم، كما كان جريئاً وهو يعلن هزيمته أمام الرأسمالية في نهاية القرن العشرين.

لم تجرؤ أمريكا حتى اللحظة على خوض معركتها العسكرية مع الروس، بل تركت الأمر للاتّحاد الأُورُوبي، وقد لجأت إلى الجانب الاقتصادي مع قليل من الدبلوماسية الدولية، لكن في غالب الظن أن النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا آيل للسقوط، وسوف يشهد العالم بزوغاً كَبيراً للتنين الصيني وعودة قوية للروس كقوة ردع قادرة على إحداث التوازن في العالم.

النظام الدولي القديم الذي فرضته الحروب في القرن الماضي أمام اختبار حقيقي اليوم، ويبدو أن موضوعَ تحديثه وتجديده أصبح واقعاً حيوياً وفاعلاً بعد أن برز سؤالُه اليوم على لسان الكثير من الدول التي عانت من الغَبْنِ الدولي ومن مصادرة حق الحياة ومصادرة الحريات ومن التحكم بالمقدرات الاقتصادية للبلدان، خَاصَّة بلدان العالم الثالث، الذي فقد مقومات وجوده وتفاعله مع المستويات الحضارية الجديدة، وأصبح سوقاً مستهلكاً لمنتج الشركات العالمية الكبرى التي تمارس الاستغلال والغبن على كُـلّ فرد صغيراً كان أَو كَبيراً من البشر دون احتساب للقيمة الإنسانية، ففكرة السيطرة على مصادر الطاقة والتحكم بمصادر الغذاء، وفكرة الصراعات في العالم، تركت واقعاً يشهد على الرأسمالية بالاستغلال والغبن والاضطهاد والطغيان وهو أمر تنبذه الفطرة السليمة، ولذلك خرج العالم اليوم كي يعيد تموضع نفسه ويعلن عن وجوده، فالتصريحات الصينية بشأن الموقف من حرب أوكرانيا كانت تحمل بُعدًا استشرافيًّا ينظر إلى جزيرة تايوان، وقد تحَرّكت الصين عسكريًّا في هذا الاتّجاه بمناورة عسكرية لكي تعلن من خلالها رفضها لسياسة الغبن التي تفرضها أمريكا على الشعوب والدول.

ويبدو أن زعيمَ كوريا الشمالية سيفقد صوابَه، فالراجح أنه متسرِّعٌ في قراراته وقد يعلن في لحظة عن نهاية العالم إذَا استمرت أمريكا في ممارسة طغيانها؛ ولذلك صرَّحَ البيتُ الأبيضُ أن أزمةَ أوكرانيا وتداعياتها بالغة الدقة والحساسية ويحتاج إلى التروِّي في تحديد المواقف منها، وقد بدأت معركتها على استحياء من خلال الحرب الناعمة كي نستعيد أنفاسها، لكن التحالف الروسي الصيني قد درس الواقع بدقة وهو الأقدر على التعامل مع مفردات اللحظة، وقد قال بوتن أن العالم يستحيل أن يعيش بدون روسيا، فالمعركة مصيرية وهي غير قابلة للتراجع إلا بالتنازل من قبل النظام الدولي القديم والقبول بشروط الواقع والتعامل مع تجلياته.

لقد سيطر اللوبي الصهيوني على النظام العالمي القديم، وحاول أن يجعلَه متسقًا مع مصالحه الاقتصادية والثقافية والعقائدية فخاض حروبًا في الشرق الأوسط منفردًا دون الرجوع إلى المؤسّسات الدولية، ومثل ذلك من المآخذ التي تؤخذ اليوم على المؤسّسات الدولية بعد قيام أمريكا بالتلويح والتشكيك بعضوية روسيا في مجلس الأمن الدولي والقول بعدم شرعيته، فالشيءُ بالشيء يُذكر كما يقال، ففي مقابل عدم شرعية روسيا في إرث الاتّحاد السوفيتي أثير موضوع خوض أمريكا معاركها خارج نطاق المنظومة الدولية كحربها في العراق وقتل ما يقرب مليون مواطن عراقي، وحروبها في المنطقة العربية وزعزعة استقرارها وحروبها في أفغانستان وغيرها من الحروب التي كانت تتعامل معها بشكل منفرد ودون مراعاة قوانين ومبادئ الأمم المتحدة.

نحن اليوم أمام واقع جديد، ونظام دولي جديد لن يكون كسابقه وسوف يحدث تبدلاً كَبيراً في العالم كله، في السياسات وفي النظم، وفي المستويات الحضارية، وفي النظم الثقافية والاجتماعية، سواءٌ أكان ذلك من خلال الحرب العالمية الثالثة التي تلوح بوادرها في الأُفق أم من خلال حركة التموضع وإعادة حركة التوازن الدولية التي تقوم به الكثير من الدول في العالم مثل الصين وروسيا وكوريا ومن تحالف معهم ضد أمريكا مثل إيران وغيرها من الدول التي فاض بها كيل الاستغلال الذي تمارسه أمريكا وحلفاؤها من الدول الأُورُوبية وهو دور حيوي وفاعل وسوف نشهد نتائجه في قابل أيامنا.

سقط النظام الدولي القديم وهو اليوم يصارع أسباب وجوده، وسقطت هيبته، والسؤال الجديد اليوم هل سيتمكّن العرب من صناعة وجودهم الفاعل في بنية النظام الدولي الجديد؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى