الشرعية لله هو صاحب الأمر وحده

مأرب نت || من هدي القرآن ||

 

{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (الحديد7) بعدما تحدث، أو بعدما قررت الآيات الأولى في ما يتعلق بكمال الله سبحانه وتعالى ثم خلقه للسماوات والأرض ثم ملكه للسموات والأرض، وما فيهما.. إذاً آمنوا به، من هو ذلك الذي يمكن أن يكون له هذا الكمال، أن يكون له هذا الملك فتروا أنفسكم ملزمين بأن تؤمنوا به، أو تروا أن عليكم حقاً أن تؤمنوا به من هو هذا غير الله سبحانه وتعالى؟.

 

ثم من هو الذي يمكن أن تخافوه من ملوك الأرض، من رؤساء الأرض، وهم من هم.. من هم بالنسبة لملك الله سبحانه وتعالى؟ من هم بالنسبة لكمال الله سبحانه وتعالى؟ من هم؟ من هو منهم يستطيع أن يغالب الله سبحانه وتعالى؟. من هو منهم يستطيع أن يخرج عن دائرة قدرته وجبروته وقهره لعباده؟. فكيف تخافونهم أكثر مما تخافوا الله؟.

 

كل حديث أو كل آية من هذه الآيات كلها تتجه نحو نفسية الإنسان، نحو نفسية الإنسان لتعزز داخلها الإيمان والثقة المطلقة بالله سبحانه وتعالى.

 

{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (الحديد:7) لاحظ، تحدثت بداية الآيات عن تدبيره لشؤون مخلوقاته فيما يتعلق بحركة الكون {مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} هو يعلمه.. الليل والنهار في حركتهما المتعاقبة، هو نفسه الذي يحرك الليل والنهار فيولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.. أليس هذا جانب من شؤون مخلوقاته؟. ثم يتجه إلى الجانب الآخر، وهو الجانب التشريعي جانب الهداية بالنسبة للإنسان ليقول لنا: بأنه من اختصاصه هو، هذا كله من اختصاصه هو سبحانه وتعالى؛ لأنه هو الملك.

 

فهو من له الحق أن يشرع لعباده، من له الحق أن يأمرهم حتى فيما يتعلق بأغلى الأشياء لديهم وهو المال: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه} هو من له الحق أن يصطفي من عباده رسولاً لعباده فيبلغ شريعته وهديه إليهم {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} بعد أن قرر لكم بأنه هو الذي خلق السماوات والأرض، وأن له ملك السماوات والأرض، إذاً فما أنتم إلا عبارة عن مستخلفين فيما بين أيديكم من أموال، هو المالك الحقيقي، هو الخالق لها، وهو المالك الحقيقي لها.

 

من يحاولون أن يفصلوا سلطان الله عن عباده فيما يتعلق بالتشريع والهداية، وتدبير شؤونهم، وولاية أمرهم يسيئون إساءة كبيرة إلى الله سبحانه وتعالى، فكأنهم إنما يحولون الله – وسبحان الله أن يقول الإنسان عبارة كهذه مهما كانت لكن الحاجة إليها – أصبح الله شغال لديهم، يولج الليل في النهار، ويدبر هذا الشيء وينزل مطر، و..! شغال لديهم، وهم من يتحكمون في شؤون عباده كما يشاءون، فهم الملوك وهو عامل لديهم، هذه إساءة عظيمة إساءة بالغة.

 

فِعلاً كما يقول بعض العلماء: هذا شرك، وكيف لا يكون شركاً وهو يقول للمؤمنين في ما يتعلق بالميتة عندما كانوا يجادلوهم الكفار حولها، كانوا يأكلون الميتة فجاء الإسلام يقول: لا يجوز أكل الميتة، فكانوا يجادلونهم ويقولون: كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (الأنعام: من الآية121) أن تطيعوهم في شأن مخلوق واحد من مخلوقاته إنكم إذاً لمشركون؛ لأنكم قبلتم حينئذٍ ما قرروه هم فيما يتعلق بالميتة من أنه لا مانع من أكلها بناءً على أنه [كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله].

 

أليسوا قرروا شيء فيها؟ لكن لا. من هو الذي له الحق أن يقرر في شؤون عباده، ويحكم فيهم بما يريد؟ من هو؟ الله سبحانه وتعالى، إذا أطعتموهم في شأن ميتة، نعجة ميتة أو أي حيوان من الأنعام تطيعوهم فتقبلوا حكمهم، ولا تقبلوا حكم الله تكونوا أنتم إذاً مشركون، جعلتم ما هو من اختصاص الله وما هو حق لله جعلتموه للآخرين فأصبحتم مشركين به، مشركين به في ملكه، جعلتم هؤلاء هم الملوك، فهم الذين يقرروا ما يروا في شأن هذه الميتة، والحق فيها إلى الله.

 

هذا مثال واحد في شأن ميتة، فشأن أمة تقرر أنت، وتقبل أنت بأن لطرفٍ آخر الحق أن يقرر ما يريد، وتفرض على نفسك أن تطيعه وتؤمن بما قرره في شؤون أمة! أليس هذا أعظم من شأن ميتة؟ فإذا كانوا مشركين – أولئك السابقون الذين نقول عنهم: صحابة، وصحابه – هم سيطلعون مشركين فيما إذا قبلوا قرار الكافرين في حكم هو من اختصاص الله سبحانه وتعالى.

 

فما أسوأ الإنسان أن يكون في واقعه ممن يقدم إلهه عبارة عن عامل لدى الآخرين، ويكون الملوك هم الآخرون الذين لا نفترض أن يكون لملكهم شرعية من قبل الله سبحانه وتعالى، بل هم لا يفرضون أن لأنفسهم شرعية من قبل الله سبحانه وتعالى، وإنما شرعية نظامية وفق قانون الديمقراطية، أو وفق قانون الوراثة في التعاقب على السلطة في البلد هذا أو ذاك، فيصبح هو من له الحق أن يحكم، ولتصبح أنت من عليك الحق أن تسمع وتطيع، الخطورة عليهم أشد، والإساءة من جانبهم أكثر عندما يحكموا رقاب الناس دون أن يستندوا على شرعية إلهية.

 

بل قُدِّمَ هذا المنطق بأنه منطق مرفوض، هو ما يسمى بالحكم [الثيوقراطي] ما يقابل [الديمقراطية] [الثيوقراطية] أي الحكم الإلهي، الله لا دخل له في العالم، ومن ينادون بأن يكون الله هو من يحكم عباده، وأن لا نقبل إلا من له شرعية من الله أن يحكم في أرضه، قالوا: ربْطُ الحكم بالله، ربْطُ السلطة بالله، هذا هو نظام [ثيوقراطي] هو نظام مرفوض! بديل عنه النظام الديمقراطي الذي يجعل السلطة ملكاً للشعب، هذا هو النظام التقدمي والنظام الأفضل، هكذا يقولون.

 

مع أن النظام الديمقراطي أو هذه العناوين هي من قبل الإسلام بفترة طويلة عند اليونانيين، وعند الإغريق، عند فلاسفتهم هم من تفلسفوا وحللوا ما يتعلق بالأنظمة فقدموا عناوين وقسموها إلى تقسيمات معينة، لكن الإسلام أصبح تخلفاً، والديمقراطية هي ماذا؟ هي تقدم، وهي من عمرها قد يكون ربما نحو ألفين سنة أو أكثر من أيام الإغريق، ثم يأتي الإسلام دين للعالمين، ورسوله رحمة للعالمين ثم لا يكون لديه أي نظام، لا يكون لديه أي نظام، يكون امتداداً لسلطان الله في أرضه، إذا كان تدبيره في ما يتعلق بالإنزال للهداية إلى خلقه لا بد أن يرتبط بشخص {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} (الحج: من الآية75) فولاية شأن عباده في هذا الجانب لا بد أيضاً أن تكون مرتبطة بأحد من عباده، وهو هو من له الحق أن يصطفي ويختار ويعيِّن ويحدد هو سبحانه وتعالى.

 

فنحن عملنا نحن المسلمين عملنا ثورة على الله – إن صح التعبير – ونزعنا سلطاننا من يده، وجئنا لنقول: الأمر لنا، والملك لنا، والزعامة لنا، فنحن من نتحكم فيها ونمنحها من نشاء!، بينما هو في هذه الآيات يتحدث معنا بأنه هو من – بعد أن قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} –  فهو يدبر شؤون مخلوقاته، سواء ما كان حركة هذا العالم بكله، بما فيها حتى إمساك السماوات والأرض أن تزولا {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} (فاطر: من الآية41).

 

ثم يقول لنا بعد مما يدل على أنه فيما يتعلق بالهداية والتدبير والتوجيه والأوامر والنواهي هو من يختص بها سبحانه وتعالى، وهي أيضاً مظهر من مظاهر ملكه، وحق من الحقوق له التي يجب أن نؤمن بها، أنها حق يختص بالله سبحانه وتعالى؛ لأنه الملك، وهو الإله، وهـو الذي خلق،: {فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} هذا – كما أسلفت سابقاً – له علاقة بما يتعلق بمعرفة الله سبحانه وتعالى.

 

إذاً ليس معرفته كما يقال فقط [أن تعرفه إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً] فتحفظ هذه الكلمات كعناوين.. أن تعرفه إلهاً، هو إلهك هو ملكك، ثم ماذا يعني أن أؤمن بأنه إلهي وإله العالمين، بأنه الملك عليَّ وملك العالمين، بأنه ربي ورب العالمين؟، هو هذا: أن تكون مؤمناً بأنه هو وحده الذي له الحق أن يتصرف في شؤون عباده كلها.

 

أوليس القرآن الكريم هو كله يدور حول جانب الهداية لعباده؟ أنزله من عنده، حتى لم يكتفِ أن يصطفي أحداً من رسله ثم يقول له انطلق أنت فشرِّع للناس كما ترى، بل هو الذي يتولى التشريع لهم {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ} (البقرة: من الآية213) هو الذي له الحق أن يشرِّع، وهكذا كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في كل قضية ينتظر، ينتظر كيف سيكون الحكم فيها من قبل الله سبحانه وتعالى، وهو من قد اصطفاه الله وأكمله.

 

فالذي نريد من خلال معرفة الله هو أن نفهم معرفة واسعة، كلمة [مَلِك]، أنه ملكنا، ترددت في القرآن الكريم كثيراً، ونحن نؤمن بها، نؤمن بأنه ملك الناس في هذه الدنيا، وأنه ملك يوم الدين، أليس كذلك؟. لكن نجهل ماذا يعني هذا، وهو الذي نريد أن نفهمه؛ لأنك قد تدخل في الواقع في اعتقادات، في رؤى، في وجهات نظر هي متنافية مع ما تؤمن به من أن الله هو ملك الناس، وأنه ملك العالمين في الدنيا والآخرة، ملك الدنيا والآخرة، فتكون في واقعك أسوأ من أولئك الذين قال الله: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}.

 

وحينما نعرف – معرفة واعية – أنه سبحانه وتعالى هو ملكنا إذاً فلنثق به؛ لأنه هو العليم بذات الصدور، هو الذي يحرك هذا العالم بكله، حركة الليل والنهار، هو يعلم كل ما يدور في هذا العالم، فلماذا لا تثق به.. فتتولاه؟. ثم تنطلق في توجيهاته من منطلق الثقة به.. هذا ما نحاول من خلال كل درس.

 

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لحسن معرفته والثقة به إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

 

 [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن

سلسلة معرفة الله (12 – 15)

معرفة الله عظمة لله¬ الدرس (6)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 23/1/2002م

اليمن – صعدة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى