المؤمنون يستحقون أن يسلط الله عليهم عدوهم في حال قصروا واختلفوا وإن كانت قيادتهم عظيمة
مأرب نت || من هدي القرآن ||
وقال الله أيضًا في هذه: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية166) فبإذن الله، المفسرون عند هذه المسألة، المفسرون يستبعدون المسألة هذه، يقولون عنها: بعلمه، أو بتخليته؛ لأنه يستبعد بأنه يأتي مثلًا أن الله يسلط كافرين على مسلمين، أليس هو يستبعد هذه من منطلق العدل؟ لكن على أساس قضية: الثواب والعقاب الأخروي، لكن أما في الدنيا هنا فسواء يسلط الله عليك نمرًا، أو أسدًا، أو كافرًا، أو جملًا، {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الفتح: من الآية4).
متى ما عصى الإنسان، ويعصي وهو في موقع مهم جدًا، ويتحمل مسؤولية للبشرية كلها، استحق أن يضرب على يد الآخرين؛ ولهذا قال الله: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ – يوم أحد – فَبِإِذْنِ اللَّهِ}يهيئ أن تضربوا؛ لتؤدبوا؛ لأنكم عصيتم، وتنازعتم، وفشلتم، وأنتم من تحملون رسالة مهمة، وقيادتكم قيادة عظيمة، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ما ينبغي أن تتنازعوا مع وجوده، ولا ينبغي أن تعصوه، ولا ينبغي أن تفشلوا وهو قائدكم، وأنتم أيضًا من تحملون رسالة للبشرية كلها {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} كما قال الله عفو عنهم، ثم عفا عن الأمة كلها، لو دخل المشركون المدينة، اجتاحوا المدينة، وضربوا قاعدة الدولة الإسلامية اعتبر المسألة انتهت.
فهنا كانت الخطيئة كبيرة، لكن المفسرين عندنا يكون همهم هو ما يتعلق بماذا؟ إثم ما إثم فقط! بينما القرآن يؤكد أن المسألة هنا في الدنيا، وهو الذي يجب أن ننتبه له، أن أيَّ معصية تحصل عقوبتها هنا في الدنيا قبل الآخرة، عقوبتها هنا في الدنيا: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} (طـه: من الآية123) كما قال الله في معصية آدم وإبليس، لأنه لا يأتي للناس شقاء في هذه الدنيا أبدًا، ولا ضلال في هذه الدنيا أبدًا إلا عن طريق مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى.
إبليس عصى الله فتحول إلى ضال مضل، وآدم عصى أيضًا فتحول إلى شقي، شقي في حياته عندما أخرج من الجنة. قال الله بعدها: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} (طـه: من الآية123) فلا يضل، ولا يشقى، شقي آدم، ألم يطرد من الجنة ونزع الله عنه لباسه هو وزوجته؟ مع أنه تاب عليهم.
فعندما نقرأ: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} في قصة أحد قالوا: [أي: عفا عنكم الإثم]، عفا لم تترك المسالة تنتهي إلى أقصى حدودها، لأنه كان – كما قلنا أكثر من مرة – أنه كان من المحتمل عسكريًا احتمالًا مؤكدًا هو: أن يدخل المشركون المدينة، لكن الله عفا فصرفهم.
فالمهم في هذا الموقف أن فيها دروس، وفيها خسارة كبيرة هي خسارة حمزة، ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) تألم جدًا على حمزة؛ لأنه كان في ظرف أحوج ما يكون إلى شخص كحمزة، رجل شجاع، ورجل مخلص، ورجل مؤمن، ورجل قوي في ذات الله، وأي قائد يدخل في مواجهة مع آخرين يعرف قيمة الرجل المهم.
الآن لأننا لسنا في مواجهة مع أعداء الله لا قيمة لبعضنا عند بعض إن مات هذا، أو قتل أو راح هذا ليست مشكلة, لكن في ميادين المواجهة مع أعداء الله يصبح الرجل المهم له قيمته العالية، ويعرف الناس الحاجة الماسة إليه، رسول الله تألم جدًا على حمزة، على قتله، ثم على قتلته على تلك الطريقة والتمثيل الذي حصل له من قبل أم معاوية هند بنت عتبة.
ومما عبر عن تألمه الكثير هو أنه صلى عليه مع بقية الشهداء فكبر عليه – كما يقال – سبعين تكبيرة، وصلى عليه مع الكل، أيضًا في المدينة عندما عاد إلى المدينة والنساء في المدينة يبكين على القتلى، وضجة في المدينة، قال: إلا حمزة فلا بواكي عليه! تألم جدًا، فنساء المدينة كلهن بكين على حمزة، وأصبحت سنة عند أهل المدينة – لا أدري إلى الآن – كما يقال: سنة جيل بعد جيل، أنهم إذا مات فيهم ميت، أو قتل قتيل يبكون على حمزة أولًا، ثم على ميتهم، مواساة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
فعندما نزور أحد، ونزور سيد الشهداء حمزة مواساة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أولًا، وتذكيرًا بجهود ذلك البطل، وتقديرًا لروحيته العالية لأنه كان إنسانًا متوثبًا في ميادين القتال في سبيل الله، وطاعة رسوله ( صلوات الله عليه وعلى آله ) فسماه رسول الله سيد الشهداء. هنا لاحظوا الفوارق كبيرة تأتي داخل النفسيات، يخرج المئات من الناس مجاهدون في سبيل الله، وأبطال مقاتلون في سبيل الله، لكن عمق الإخلاص، الإخلاص درجات متفاوتة، الوعي درجات متفاوتة، الإيمان درجات متفاوتة .
فرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) سمّى حمزة سيد الشهداء، مع أنه قتل شهداء آخرون، ولهم مكانتهم، ولهم فضلهم، ولهم درجتهم العالية، فالمسألة هكذا، ليس هناك خط يرتقي إليه الناس جميعًا في مقامات الإيمان، في مقامات الإخلاص، في مقامات الاستبسال، تفاوت كبير، ألسنا مؤمنون بالآخرة كعناوين، كما يؤمن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) نؤمن بالآخرة كعناوين، لكن هل إيماننا كإيمان علي بن أبي طالب؟ يختلف اختلافًا كبيرًا، هل إيماننا كإيمان رسول الله ( صلوات الله عليه وعلى آله )؟ لا، يختلف اختلافًا كبيرًا .
فعندما يقول رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لحمزة، يسميه: سيد الشهداء، لا يعني ذلك هضمًا للآخرين أبدًا؛ لأنه أن يعطى الإنسان ما يستحقه، وفوق ما يستحقه هذه هي الدرجة العالية، لا يهضم أبدًا، أن يعطى الإنسان ما يستحقه. إذا أنت تريد أن تستحق أكثر أخلص أكثر، وتفانى أكثر، واستبسل أكثر.
حمزة عندما سماه رسول الله سيد الشهداء لم يكن لاعتبار أنه من أقاربه، عمه أبو لهب ألم يلعنه القرآن، وينزل سورة فيه خاصة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (المسد:1) ؟ ليست قضية قرابة، قضية تقدير، تقدير لروحية حمزة، واستبساله، لما يعلمه عن الله عن واقع حمزة في نفسه فسماه سيد الشهداء، لم تكن الألقاب عند رسول الله ( صلوات الله عليه وعلى آله ) مثلما هي الآن عند الملوك والرؤساء، رتبة لواء، أو عميد، أو من هذه الألقاب يسبر فيها وساطة! لا، تأتي من قبل الله الذي يعلم بخصائص النفوس، والذي يعلم بذات الصدور.
فنحن عندما نزور حمزة ندعوا الله سبحانه وتعالى أن يرحمه، وأن يجزيه عن رسول الله، وعن الإسلام خير الجزاء، ونقرأ [الفاتحة، والإخلاص] إلى روحه.
كذلك عندما نعود ونقرأ القرآن في قصة [أحد] نأخذ منها عبرًا؛ لأن الله خلدها، وعندما خلد هذه القصة؛ لأن الأمة بحاجة إليه في كل مراحل حياتها، والقرآن ليس كتابًا تاريخيًا، أو كتاب قصص، يخلد القضية؛ لأنها مُهمة، وموطن العبرة فيها هي المخالفة، والمخالفة التي قد نقول: أولئك لا يأثمون، إذا جئنا على قواعدنا، أنهم يأثمون أو لا يأثمون، متأولين، ألم يقولوا هكذا: التأويل ينهي الإثم ونحوه؟ لم ينطلقوا بجرأة، لكنهم عصوا، أنت عصيت أمرًا، الأمر هذا لا تنطلق تتأول في مواجهته أبدًا، وهذا هو ما دار حوله القرآن الكريم: التأكيد على أن لا يفسح المجال أبدًا للتأويلات، والتصنيفات، والتقديرات، وربما.. ولعل كذا، والغاية واحدة، وعبارات من هذه.. التزم، التزم، وهكذا كانت روحية الإمام علي (عليه السلام ) روحية الالتزام المطلق لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) .
ولأن من يلتزمون هذا الالتزام هم من يحصلون على الكمال المكتوب لمن دانوا بهذا الدين العظيم؛ لأن الإسلام دين تكامل، دين تكامل للبشر، فمن التزم به، من سلَّم روحيته له، وأطاع الله، وأطاع رسوله الطاعة المطلقة، يحصل على العلم، يحصل على الكمال المقدر له، لكن من ينطلقون وراء التصنيفات والتأويلات هم من يجنون على الأمة، ما ضربنا من ذلك اليوم إلى الآن إلا من التأويلات هذه.
كما قلنا سابقًا: رسول الله قال: علي بن أبي طالب يوم الغدير، ألم يقل: علي، يوم الغدير؟ الآخرون قالوا: المقصود واحد، المقصود واحد يقودنا، وهذا رجَّال باهر، وهو صهر رسول الله، وقد هو شيبة، ومجرب، وعارف، والمقصود واحد، ومن هذه تأتي؛ لأن معناه في الأخير: المسألة ليست بسيطة، معناها: إفساح المجال لوضع بدائل من قبلنا بدلًا عما رسمه الله سبحانه وتعالى في كتابه، يقول هكذا، أقول: ماشي! وأنا جئت أصنف المسألة، بأنه المقصود واحد، والغاية واحدة! هذا هو الذي سينتهي إليه الناس: المقصود واحد، والغاية واحدة، كله سابر، هذا، أو هذا .
مثلما قال الله عن آدم، كيف عمل الشيطان له؟ {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} (لأعراف: من الآية20ـ2 2) المفسرون يقولون: أن آدم تأول، أي لم ينطلق بجرأة على الله فيأكل من الشجرة، أليس كذلك؟ لكن الله لم يتعامل معه على تأويلاته، تأول، أو ما تأول، على أساس أنك عصيت أمري، نهيتك فعصيت، قال له:{أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تلكما الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} (لأعراف: من الآية22) .
قضية أنه أنت كما قال لك إبليس:{مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} (لأعراف: من الآية20) إلا كراهة أن تكونا ملكين، أو لأن لا تكونا ملكين، فمتى ما أكلتم منها يمكن أن تصبحوا ملكين، ثم تتخلدوا فتعبدوا الله، وتستغفروه، وتمحى هذه الخطيئة، هي ليست إلا شجرة واحدة، ليست مشكلة، هكذا يأتي إفساح المجال للتأويلات، والتصنيفات، ما الذي حصل؟ الله تاب على آدم باعتبار الإثم، لكن ما كرره عليه من أنه سيشقى إذا ما أكل من هذه الشجرة، شقي فعلًا، وطرد من الجنة، أو أخرج بعبارة لائقة، أخرج من الجنة هو وزوجته، ونزعت عنهم حتى ملابسهم، حقيقة، ليست ملابس التقوى كما يقال، ملابسهم الحقيقية، كما قال الله في أكثر من آية:{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (لأعراف: من الآية22). لم يسمح حتى لملابسهم أن تبقى فوقهم، شقيوا شقاء، الشقاء الذي هو عقوبة للمعصية .
قصة أحد كلها تركزت حول هذه النقطة: أن يأخذ المسلمون العبرة من أنه لا بد من طاعة مطلقة، إذا فتح المجال للتصنيفات فالأمة ستفشل تحت أي قيادة كانوا، حتى ولو كانوا تحت قيادة محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، هل هناك أعظم من قيادة رسول الله؟ فشلوا وهم تحت قيادة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، فشلوا والقرآن ينزل، لماذا؟ لأنهم عصوا، هل عصوا بجرأة؟ لا، هل عصوا بتمرد؟ لا، تأويلات: [انتهت المعركة وقد راح المشركون والمسلون قد هم يجمعون الغنائم، إذًا ننزل ما بقي لزوم] هي هذه! المفروض أنهم يجلسون، حتى لو راح رسول الله إلى المدينة هو وأصحابه، قال لهم أن يبقوا، يبقوا ولو راح رسول الله إلى المدينة، لأنه هكذا الطاعة المطلقة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
دورس من غزوة أحد
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ ذي الحجة 1422
جبل الرماة