مقومات يمنية غيرت موازين القوى في المنطقة
تقارير || مأرب نت || 4 رجب 1443 هـ
يمكن القول أن الحرب العدوانية على اليمن خلفت اضراراً اقتصادية جسيمة فيما يخص البني التحتية لليمن رغم كونها بنية هشة وغير مكتملة كما رمت بثقلها على الوضع المعيشي المتدني لدى شريحة عريضة من أبناء الشعب اليمني لكنها من جهة ثانية قد ايقظت حساً ثورياً لدى الشعب اليمني وفتحت له الأبواب لينطلق بدون قيود برؤية استراتيجية قد تغير وجه المنطقة برمتها، ومن إيجابيات هذه الرؤية أنها رؤية محلية تبلورت من ثقافة القرآن الكريم وارتكزت على أسس بناء أمة قرآنية تحمل مشروعاً وقضية ومبدأ جامع لكل أبناء الإسلام تتجاوز الأطر الضيقة وقادرة على احتواء التناقضات السياسية والإيديولوجية والمناطقية ضمن مسار قرآني جامع..
وحتى تتمظهر لنا هذه المقومات بشكل واضح سنشير بشكل مقتضب إلى بداية بروز المشروع الحاضن لهذه المقومات وهو المشروع القرآني الذي انطلق في العام 2001م على يد المؤسس الشهيد القائد/ حسين بدر الدين الحوثي وكان يخطو بخطى ثابته وكل يوم يزداد اتساعاً ما شكل مبعث قلق للأمريكي الذي كان يحكم اليمن من وراء الستار فشعر بخطورة ما يحدث في جبل مران فقرر أن يتم اخماد هذه الصوت القرآني بعد أن قامت السفارة الأمريكية عبر عملائها بتحليل محتوى محاضرات الشهيد القائد.
لقد قرر الجميع أن يتم وأد هذا المشروع فتم تدشين أول عدوان استهدف المؤسس الشهيد القائد في العام 2004م ورغم حجم العدوان وما رافقه من حصار وانتهاء ذلك باستشهاد السيد حسين بعد مقاومة شرسة ودخول الجيش اليمني الذي تعطى له الأوامر من سفارة واشنطن كما اعترف بذلك رئيس النظام السابق علي صالح عفاش من أن الحروب الست بكلها كانت بقرار أمريكي.. وأن شعار الصرخة كان يراد له أن يدفن نهائياً.
ورغم الخسارة الفادحة في استشهاد المؤسس الشهيد القائد ودخول المعتدين المعقل الرئيسي للمشروع القرآني إلا أن الشباب القرآني لم يستسلم بعد فتمكنوا من الالتقاء مجدداً ولكن الحرب عادت وكان موقفهم هو الموقف نفسه الذي اتخذه الشهيد القائد لكن هذه المرة تحت قيادة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي وانتهت الحرب الثانية والثالثة لتبدأ الرابعة أكثر عنفاً ثم الخامسة ثم السادسة التي تدخلت فيها السعودي بشكل مباشر ومولت من قبل دول الخليج وبأوامر أمريكية وفي كل جولة كان المشروع القرآني يتجاوز على الخسائر ويخرج أكثر عنفواناً وقوة وتتسع الحاضنة الشعبية ويزداد الشباب إدراكاً لعظمة المشروع خاصة وأن ما طرحه الشهيد القائد أصبح الكثير منه حياً واقعاً ولأنه في محتواه كان يلبي الفطرة اليمنية السليمة التي تنزع نحو قيم الإسلام الصحيح الذين استقوها عبر تاريخهم وعلاقتهم برسول الله في بواكير فجر الإسلام ثم عبر أعلام أهل البيت الذين كانت علاقتهم باليمن وعلاقة اليمنيين بهم أكثر تفاعلاً وتجذراً ولم يتأثر اليمن كثيراً بما أحدثته الدولة الأموية ومن بعدها العباسية من تجريف للإسلام المحمدي ولرموزه العظماء فظل أبناء اليمن على علاقة متصلة ومتواصلة مع رموز عظيمة من أهل البيت عبر تاريخهم..
مغامرة أمريكية غير محسوبة
كان العدوان الإجرامي الأخير أو ما يسمى عاصفة الحزم آخر حلقة لحد الآن في سلسلة استهداف المشروع القرآني والشعب اليمني بعد أن تمكن المشروع من تجاوز الجولات الست السابقة ليكون واجهة ثورة يمنية نقية وخالصة تمكنت من اسقاط اقطاب النظام السابق بشقيه القبلي والعسكري والذي كان يعتبر سقوطهم من المستحيلات في القاموس اليمني وأعلنت وبمساء الواحد والعشرين من سبتمبر 2014م كان اليمن لأول مرة يعلن انتصاراً تاريخياً لثورة شعبية خالصة ليس لها أي امتداد خارجي وهذا الخبر نزل كالصاعقة على البيت الأبيض الذي تفاجأ بهروب جنوده ودبلماسييه من صنعاء.
وتحت الضغط الأمريكي سحبت القوى الغربية سفرائها ليبدأ فصل جديد من التآمر على ثورة الشعب اليمني والاعداد والتخطيط لعدوان إجرامي تشارك فيه كل القوى التي تنضوي تحت اللواء الأمريكي فكانت السعودية والإمارات وبقية دول الخليج واجهة العدوان وببيان من واشنطن انطلقت بالفعل الطائرات الحربية الأمريكية من قواعدها في منطقة الخليج لتستهل عدوانها على الشعب اليمني ليلة السادس والعشرين من مارس 2015م ومن ضخامة الاعداد وتوفر أمكانيات عسكرية ومادية ضخمة بنت أمريكا تقديراتها أن اليمن لن يصمد أسابيع وستسقط صنعاء وتنتهي حركة انصار الله خلال شهر على الأكثر.. لكن تلك النظرة كانت خاطئة والعدوان برمته اتضح أخيراً أنه مجرد مغامرة لم تكن محسوبة العواقب وأصبحت الرؤية الآن والتحليلات الاستراتيجية تقول انه سيكون اللعنة التي ستخرج أمريكا من المنطقة..
العدوان في بدايته كان عنيفاً وكان مرشحاً لسقوط اليمن خلال أيام معدودة ولوكان حجم القصف على صنعاء على عاصمة أخرى لسقطت في ليالي معدودات خاصة وأنه كان مفاجئاً وغير متوقعاً..
فما الذي استجد؟
الأهداف التي أعلن عنها العدوان الأمريكي السعودي في الشهور الأولى كانت مضللة وكان الهدف هو السيطرة على باب المندب وإنهاء ما يسمونه الانقلاب الحوثي.. اي القضاء على حركة أنصار الله وعلى المشروع القرآني وإذ لم يكن ممكناً فتحجيمها وإعادتها إلى جبال صعدة ووديان مطرة..
إضافة إعادة السيطرة على القرار السياسي ومنع أي شخص غير مرغوب فيه سعودياً وأمريكيا من تولي أي وزارة أو مؤسسة حكومية
الهيمنة على الثروات النفطية ومنع اليمن من استخراج ثرواته.. وإبقاء دائرة العلاقات الخارجية اليمنية مرهونة بالمزاج السعودي الأمريكي وإقامة حكومة يمنية شكلية تسمح للقوات الأمريكية بالتواجد في اليمن وتفعل ما تريد.. وكذلك السيطرة على الجزر اليمنية والموانئ والمنافذ البحرية..
بعد سبع سنوات المصالح الصهيوأمريكية في دائرة الاستهداف
لقد كان الصمود اليمني العظيم والحنكة العسكرية والسياسية والإرادة القوية والإصرار والعزيمة والتوكل على الله والموروث الأخلاقي والقيمي للشعب اليمني العامل الأقوى في وأد الأحلام الأمريكية واجهاض مشروعها العدواني في اليمن وعجزت بعدوانها العالمي من تحقيق أي مكسب وامتدت الأسابيع والشهور إلى سنوات وقارب العدوان الدخول في العام الثامن وكل هذه الأعلام يمكن تلخيص نتائجها في التالي..
لربما كانت المبررات الأمريكية في حال تعرضت للانتقادات جراء المجازر التي ترتكبها في اليمن والحصار الذي يتسبب بموت الآلاف من الشعب اليمني هو أنها تدافع عن مصالحها لكن بعد كل هذه السنوات من العدوان باتت المصالح الأمريكية والصهيونية تحت مجهر القوة الصاروخية اليمنية وسلاح الجو المسير الذي قلب المعادلات وبات الشعب اليمني برجاله من أبناء الجيش واللجان يشكلون خطراً حقيقياً على المصالح الأمريكية الغير مشروعة في المنطقة برمتها.. ويمكن أن نلخص المآلات التي آل إليها العدوان الأمريكي السعودي الاماراتي البريطاني في النقاط التالية:
– أدى العدوان على اليمن الى تنامي قوة الجيش واللجان الشعبية التي باتت تشكل خطرًا على منظومة المصالح الامريكية والإسرائيلية وعززت من حضور المشروع القرآني بشكل أقوى ليس على الساحة اليمنية وحسب بل في المنطقة برمتها..
– تكاليف العدوان المادية الضخمة ساهمت في تراجع حاد للاقتصاد السعودي والاماراتي ..
– فشل خطة تقسيم اليمن (شمال-جنوب).
– فشل أمريكا في حماية النظام السعودي و منشآتها الحيوية حيث باتت مهددة في قلب عاصمتها، بالإضافة لأهم منشآتها خاصة النفطية منها، إلى جانب المطارات ومثلها النظام الاماراتي فالقوة الصاروخية وسلاح الطيران المسير خلال العمليات الأخيرة أجبرت المارينز الأمريكي على النزول للملاجئ.
– فشل خطة التوسع السعودي الجغرافي والسيطرة على المناطق اليمنية.
– تمكين السلطة المركزية في صنعاء ، بينما تعاني حكومة هادي المنتهية ولايته والتي تدعمها السعودية من التشتت والتفكك بين الرياض وعدن في الجنوب.
-اخفاق العدوان في استغلال المتناقضات السياسية بين مختلف الاطراف اليمنية.
-العجز عن حماية ممرات الشحن الدولية الحيوية القريبة من مضيق باب المندب.
-تحقيق الجيش واللجان إنجازات عسكرية بكسر تحالف العدوان السعودي وداعميه أمريكا، بريطانيا والكيان الاسرائيلي.
– الفشل في السيطرة على مضيق باب المندب والموانئ اليمنية لتدارك مخاطر تعطيل حركة الملاحة البحرية في أعقاب الأزمة السياسية والعسكرية.
-عدم قدرة العدوان التضييق على موقع اليمن الاستراتيجي الذي يؤهله للعب دور حيوي في منطقة مواصلات دولية ، وعلى تماس مع أكثر من قضية شائكة.
– اخفاق العدوان في تأمين الحماية للخط البحري ، وهو الوسيلة الحيوية لنقل النفط الى اوروبا والعالم.
-وربما الأهم من كل ذلك هو عدم القدرة على تأمين الحماية لكيان الاحتلال من صواريخ المقاومة اليمنية التي باتت اليوم رادعاً عسكرياً قادراً على تهديد المصالح الاسرائيلية الأمريكية في المنطقة.
الكيان الصهيوني أصبح يتحسس رأسه
ظل الكيان الصهيوني منذ بداية العدوان يهول من حجم التهديدات في اليمن وبقي من اكبر الدعمين والمحفزين لاستمرار العدوان على الشعب اليمني لكن اليوم بعد سبع سنوات بات يتحسس رأسه وهو يرى المسيرات والصواريخ اليمنية لا قبل لقبته الحديدية ولا الباتريوت الأمريكي لها وهي تتساقط يومياً على ادواتهم في المنقطة مخلفة خسائر جسيمة وهو ما جعل الكيان يتيقن بقرب ضربة عسكرية مشابهة لما يحدث في السعودية والإمارات.. وهو يدرك جيداً وأكثر من غيره جدية الأنصار في عدائهم للكيان الغاصب وخطواتهم الاستراتيجية باتجاه تبني القضية الفلسطينية .. ولذا فتحليل المواقع والصحف والقنوات الصهيونية لا تتوقف وهي تحلل ما يحدث وما يجري ومتى يتلقى الكيان صفعته وقد اخترنا بإيجاز ما أكده معهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي INSS والمنشور في موقع (الخنادق) أن هجوم أنصار الله على “إسرائيل” وتكديسهم لمخزون كبير من السلاح يضع القادة الإسرائيليين أمام معضلة الانجرار إلى “المستنقع اليمني”.
وأشار المعهد في دراسة بحثية الى نهج أنصار الله الاستراتيجي تجاه كيان الاحتلال، وكذلك القدرات والممارسات العملياتية للحركة.
ويهدف الباحثون في المعهد الإسرائيلي إلى تقديم تقييم لتهديد أنصار الله للكيان، كما يقدمون خمس نقاط رئيسية لصناع القرار فيه من أجل صياغة السياسة الإسرائيلية بشأن هذا التهديد القادم من اليمن وفق الدراسة.
وجاءت هذه النقاط بمثابة استنتاجات، وهي:
– لا يبدو أن “الحوثيين” اتخذوا قرارًا بضرب “إسرائيل”، لكن التطورات الاستراتيجية في المنطقة يمكن أن تجعل الهجوم أكثر احتمالا.
– استعداد “الحوثيين” لضرب “إسرائيل”.
– من المتوقع أن يمتلك “الحوثيون” في المستقبل القدرة على تشكيل تهديد استراتيجي كبير لـ “إسرائيل” بدعم من إيران والحرس الثوري.
– التطورات العسكرية لدى “الحوثيين” بعد الحرب الأهلية اليمنية تؤثر سلبًا على “إسرائيل”.
– هجوم “الحوثيين” على “إسرائيل” وتكديسهم لمخزون كبير من السلاح يضع القادة الإسرائيليين أمام معضلة الانجرار إلى “المستنقع اليمني”.
– الهدف الأساسي من هذا العمل هو تسليط الضوء على محتويات هذا “الصندوق الأسود” الغامض لخدمة صانعي قرار الأمن القومي الإسرائيلي.
المقومات اليمنية التي غيرت موازين المعركة
أصبح اليمن بفضل الله قوة لا يستهان اليوم في المنطقة وبات المجتمع الدولي برمتها رغم المكابرة الأمريكية يجزم باستحالة انتصار أمريكا وادواتها عسكريا في اليمن وفي نفس الوقت عجزت عن حماية ادواتها في المنطقة رغم امكانياتها الضخمة وحالة التخبط والفشل باتت تلاحق دول العدوان على مختلف الصعد ..
كل ذلك كان سببه بعد فضل الله وكرمه ونصره وتأييده هو تمكن القدرات اليمينة من تطوير منظومات صاروخية نوعية وصناعة طيران مسير نوعي في القوت نفسه الذي تمتلك فيه القيادة اليمنية الإرادة والعزيمة وحرية القرار وهو مالا تمتلكه الكثير من الدول فنجد بعض الدول لديها أسلحة نوعية لكنها عاجزة عن استخدامها نتيجة افتقارها للقرار والإرادة .. إن امتلاك السلاح النوعي والإرادة هما مقومتان أساسيتان امتلكها الشعب اليمني ومكنته من دحر العدوان العالمي عليه وهذه المقومتان ضرورية لنيل الاستقلال في منطقة غرقت في وحل الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي الذي صنع لنفسه هالة حماها بمقامع من حديد يستحيل على من نسي ربه أن يخرج منها ولكن اليمنيون برهنوا على أن أمريكا والكيان الصهيوني ومن معهم لا يستطيعون فعل كل مايريدون..
وتبقى أن نقول أنه في الوقت الذي لهث الكثير من المرتزقة الذين جندتهم أمريكا في عدوانها على اليمن للحصول على العوائد المادية كان لدى الأنصار رجال ذابوا في الله فوهبهم العزة واستلهموا أمجادهم فنمت فيهم المسؤولية واتعظوا بغيرهم فتجذر فيهم الإصرار والإرادة فأثمر كل ذلك الصبر والتضحية قوة ونصرا سجد لها الاستكبار العالمي ذلة وقسرا وما يجري اليوم من متغيرات إقليمية وعالمية في صالح هذا الشعب وأمته ما هو إلا تجسيد لقوله تعالى {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ(41)إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ }[الشورى42 آية]