التولي لله ولرسوله ولأعلام الهدى بوصفه مصدرا للفخر

مأرب نت || من هدي القرآن ||

 

{هو الملك الْقُدُّوسُ} المُن‍َزَّه المُعَظّم، فأنت عندما تكون منقطعًا إليه، ملتجئًا إليه تجهر بأنه ربك، وأنه ملكك، وأنه إلهك، وأنه وليّك، فإنه هو من هو فخرٌ لك أن يكون إلهك، هو (قدُّوس)، هو من‍زّه، هو طاهر، هو معظّم، أنت لم تلجئ نفسك إلى طرف تستحي إذا ما أحد عرف أنه وليك أو أنه قدوتك أو أنه رئيسك أو أنه ملكك فتخزى، أما الله فإنه من يشرفك أنه إلهك أنه ربك وملكك، من تتشرف بأنك عبدٌ له.

 

ولهذه القضية أهميتها في السمو بالنفس حتى على مستوى القدوات من البشر، ألم نقل في مقام آخر أن من الفخر لنا، أن قدواتنا من أهل البيت، ليسوا من أولئك الملطخين بعار المخالفة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) الملطخين بالأخطاء والمساوئ، والمواقف السيئة، فنحن نتعب أنفسنا في الدفاع عنهم وفي تَنْمِيق مظهرهم.

 

قدواتنا من أهل البيت هم من أولئك المن‍زهين المطهرين الكاملين في أنفسهم، ممن يشرفنا أن نقتدي بهم. فأنت لا تخجل إذا ما قلت إنّ وليّك علي بن أبي طالب، عد إلى علي فتعرّف على علي تجد أنه بالشكل الذي يشرفك، بالشكل الذي يجعلك تفتخر بأنه إمامك، بأنك تتولاه.

 

ولكن انظر إلى الآخرين كيف يتعبون أنفسهم وهم دائمًا يدافعون عمن يتولونهم، يحرفون معاني القرآن من أجلهم، يحرفون معاني كلام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من أجلهم، يعملون على أن يحولوا سيئاتهم إلى حسنات، يعملون على أن يقدموهم للأمة كأعلام. ولكن يكفينا شهادة على أنهم ليسوا ممن يمكن أن نفخر بهم إذا ما انتمينا إليهم أننا نجدكم أنتم تتعبون أنفسكم وأنتم تغطّون على خطيئاتهم، وعلى قصورهم ونقصهم.

 

الله سبحانه وتعالى {الْقُدُّوسُ} هو الذي تفتخر بعبوديتك له، وتفخر بقربك منه. أليس هناك في هذه الدنيا من يفخر بأنه مقرب من الرئيس أو مقرب من الملك؟  ويرى لنفسه مكانة عظيمة يتطاول بها علينا، أنه شخص له كلمته عند الرئيس أو عند الملك أو عند رئيس الوزراء أو عند الشيخ فلان، أليس هذا هو ما نراه؟  ومن هم هؤلاء؟  من هم هؤلاء البشر الضعاف الناقصين القاصرين المساكين!

 

فإذا كنا نجد من يفخر بقربه منهم، من يفخر بتوليه لهم، من يفخر بطاعته إياهم، فلماذا نحن لا نفخر على الآخرين بأننا نعمل لنكون مقربين إلى الله؟! أن نبحث عن كيف نحصل على ما فيه مجد لنا، وعزة لنا، وفخر لنا هو أن نقرب من الله، وأن نعزِّز علاقتنا به، وأن نرسخ تولينا له؛ لأنه {الْقُدُّوسُ}.

 

{السَّلامُ الْمُؤْمِنُ} سلام لأوليائه، مؤمن لأوليائه، فكن من أوليائه سيرعاك ويحيطك بالسلامة بالأمن من الضلال، من الذل في هذه الدنيا، وهو من سيوصلك إلى دار السلام في الآخرة، ألم يصف جنـته بأنها دار السلام في الآخرة؟

 

{الْمُهَيْمِنُ} على كل شيء، هو المهيمن على كل شيء، فكيف تخاف، وكيف ترهب ممن هم تحت هيمنته! إذا كان رئيس أمريكا هو من يهيمن على بقية الزعماء، وهو مَن هو؟! أليس هو مَن “الله” مهيمنٌ عليه؟  فما هو إلا ذرة من ذرات هذا الكون الذي يهيمن الله عليه. أنظر كيف نـتعامل نحن: نخاف من شخص هناك من هو مهيمن عليه شخص آخر، وهذا الشخص الآخر هو مهيمن عليه شخص آخر، وهذا الكبير في الأخير هناك من هو مهيمن عليه، هو الله الواحد القهار، الذي يقول لنا في كتابه {هُوَ اللَّهُ} هو، هو.

 

عبارة (هو) هي تناجيك في كل لحظة وأنت تبحث عن أن تـنصرف بذهنك إلى هذه الجهة أو إلى هذه الجهة، تقول لك: {هُوَ} وحده {اللَّهُ}.

 

بالإمكان إذا كنت تبحث عن السلام، تبحث عن الأمن، كما هو حال العرب الآن في صراعهم مع أعداء الإسلام والمسلمين يبحثون عن السلام، ويـبحثون عن الأمن، فلم يجدوا أمنًا ولم يجدوا سلامًا وإنما وجدوا ذلًا وقهرًا وإهانة، ودوسًا بالأقدام. لماذا لا تعودون إلى الله هو الذي سيمنحكم السلام. أليست إسرائيل هي في موقع سلام بالنسبة للفلسطينيين؛ لأنها هي المهيمنة عليهم؟  هل هي التي تخافهم أم هم الذين يخافونها؟

 

نحن لو التجأنا إلى الله سبحانه وتعالى كلنا وتلك الحكومات التي تبحث، وأولئك الكبار الذين يبحثون عن السلام من أمريكا، ويبحثون عن السلام من روسيا، يـبحثون عن السلام من بلدان أوروبا، بل يـبحثون عن السلام من إسرائيل نفسها، عودوا إلى الله هو الذي سيمنحكم القوة، يمنحكم العزة فتكونوا أنتم المهيمنين على الآخرين؛ لأنكم تمسكتم بالسلام المؤمن المهيمن، وهناك من الذي يستطيع أن يضركم؟  من الذي يستطيع أن يؤذيكم؟  من الذي يمكنه أن يقهركم؟  أوليس هذا هو السلام؟

 

السلام لا يتحقق لك إلا إذا كنت في موقف عزة وقوة ومكانة، أما أن تأتي تبحث عن السلام وأنت تحت، – كما يصنع الفلسطينيون، وكما يصنع العرب الآن – فإنما هو استسلام، هو استسلام، وأنت في الواقع تحت رحمة عدوك، بإمكانه أن يضربك في أي وقت، بإمكانه أن يختلق لك مشكلة ما مع أي بلد آخر فتدخل في حرب مع ذلك البلد كما رأينا.

 

هل يريد الناس سلامًا بما تعنيه الكلمة، وأمنًا بما تعنيه الكلمة؟  فليعودوا إلى السلام المؤمن المهيمن، مَنْ كتابه مهيمن على الكتب، ومن سيجعلهم مهيمنين على بقية الأمم وحينها سيحظون بالسلام.

 

والإسلام هو دين السلام، لكن دين السلام بمعناه الصحيح، ما معناه إقفال ملفات الحرب مع الآخرين ليس هذا هو السلام؟  أن نقول: انتهى الأمر نلغي الجهاد، ونلغي الحروب لنعيش مع الآخرين في سلام. هذا هو ما حصل لنا نحن المسلمين، ما عمله كبارنا، ظلوا يلهثون وراء السلام، ويناشدون الآخرين بأننا نريد السلام ويـبحثون عن السلام، بعد أن ألقوا آلة الحرب وألغوا اسم (الجهاد)، فما الذي حصل؟  هل حصل سلام أم حصل دوس بالأقدام؟  وحصل استسلام. أليس هذا هو الذي حصل؟

 

افهم، إسلامك الذي سيحقق لك السلام هو دين الله السلام، لكن بمعنى آخر، متى ما سرت على نهج هذا الدين، متى ما تمسكت بهذا الدين، متى ما اعتصمت بالله المشرِّع والهادي بهذا الدين ستكون قويًا، ستكون عزيزًا، ستكون الأعلى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (محمد:35).

 

ألم يستنكر عليهم أن يدعوا إلى السِّلم وهم في موقف يجب أن يكونوا هم الأعلون؟ فكيف تبحث عن السّلم مع الآخرين وأنت من يجب أن تكون أنت من يحاول الآخرون أن يبحثوا عن السِّلم معك، فتقول لهم: ادخلوا في الإسلام لتحظوا بالسِّلم؛ ليكون لكم ما لنا وعليكم ما علينا. ألم يكن هذا ما يعمله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في أيام حروبه، عندما يخيرهم بين واحدة من اثنتين: إما الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، أو الحرب. أنتم تريدون السلام ادخلوا في هذا الإسلام لتحظوا بالسلام، وإلا فليس أمامكم إلا السيف. حينها يصح أن نقول عن أنفسنا بأننا قد حصلنا على السلام، وحينها سنعرف معنى اسم كلمة إسلام الذي شُوِّه معناه، فأصبح يعني الآن استسلام للآخرين.

 

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} أليس في هذه الأسماء الحسنى – التي تتحدث عن كمال الله سبحانه وتعالى – أليس فيها ما يصنع الثقة في نفوس أولئك الذين ارْتَمَوا تحت أقدام أمريكا وإسرائيل؟  لماذا يعرضون عن الله وهم من يعترفون ويشهدون على أنفسهم بأنهم مسلمون، وأنهم مؤمنون بهذا القرآن الكريم؟

 

هذه هي التي ضربت المسلمين كبارًا وصغارًا (عدم الثقة بالله)، عدم الثقة بالله حتى فينا نحن الصغار نخاف من شخص هو مسكين بالنسبة للآخرين هناك من هو مهيمن عليه، والذي هو مهيمن عليه مسكين بالنسبة لذلك الأمريكي الذي في واشنطن الذي هو مهيمن عليه، والكل مساكين ومقهورين تحت جبروت الله وقهره.

 

اربط نفسك بالله رأسًا، تجاوز كل هذه الأصنام في هذه الدنيا، وارتبط بالله رأسًا، وثق به، وهو من سيجعلك قويًا أقوى مما يملكه هؤلاء من وسائل القوة في هذه الدنيا.

 

هو أيضًا {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} فأنت عندما تلتجئ إليه تقول: فعلا: [الله هو طيب، لكن نفسه سمحة وأعداءنا والله ما هو محاول يحرك ساكن معهم واحنا عارفين له، وإنما يريد أن نسير نمسِّح أكتافهم ونحاول نحسن أخلاقنا معهم لأنه مسكين سالك لطريقه لا يريد أن يتدخل في شيء]. هل الله هكذا؟  يمكن إذا قلنا: [يا خي فلان ممكن يعاونا؟  تقول: والله فعلًا هو رجّال جيْد لكن ما مِنَّه شيء سيمكنها ضحكة في الأخير، نحن الآن معنا مشكلة مع ذولاك ونريد رجَّال يكون وجه بادي ورجَّال يستطيع أنه ينفع] أليس الناس يقولون هكذا؟

 

الله في الوقت الذي يقول لنا: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ} أليست عبارات تبدو رقيقة؟  يقول لك: هو أيضًا في نفس الوقت إذا ما وثقت به وأنت في ميدان المواجهة والصراع مع أعدائك وأعدائه من يريدون ظلمك وقهرك واستذلالك هو {عَزِيز} يمكنك أن تمتنع به، هو (جَبَّار، مُتَكَبِّر) سيقهرهم، وسيجعلك أنت من تقهرهم {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} (التوبة:14) ألم يقل هكذا؟

 

هو يقول: سأجعلكم جبارين على أعدائكم، ومتكبرين على أعدائكم، فأنت عندما تثق بالله، ستثق بمن هو سلام لك وأمْنٌ لك في مقامات السلام معه، عزيز جبار متكبر سيمنحك من عزته وجبروته وكبريائه ما تقهر به أعداءك وأعداءه، ليس هناك نقص إطلاقًا في جانب الله عندما تثق به وتلتجئ إليه.

 

عندما تشعر بعظمته ليس فيه صفة واحدة كما هي في الناس، والتي نسمعها كثيرًا من بعضنا بعض نقول فلان، تقول: [فعلًا يا أخي فلان رجّال جيْد وباهر، وما يقصر لكن أمانه ما هو حق هذه المواقف] أليس الناس يقولون هكذا؟

 

أما الله فهو من يكون لك في كل المواقف، ولك بأكثر مما يمكن أن تدرك، سيملأ قلوب الآخرين رعبًا بالشكل الذي لا يمكن أن تصنعه وسائل إعلامك، ولا يمكن أن تصنعه أيضًا آليتك العسكرية. هو من نصر نبيه بالرُّعب بمسافة شهر، وكم كان الجيش الذي معه؟  هم أولئك الذين حُوصروا في المدينة عدد قليل، ونصره الله بالرعب، فكان بعض أعدائه من اليهود يخربون بيوتهم ويقطعون نخيلهم أحيانًا، ويرحلون خوفًا قبل أن يجيّش الجيوش عليهم، وقبل أن يحاول أنه يشعرهم بأنه يريد أن يهاجمهم.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن

معرفة الله -عظمة الله : الدرس السابع

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 25/1/2002م

اليمن – صعدة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى