الوضع الأمني اليمني في عهد الوصاية الأمريكية 2-3
|| مقالات || أنس القاضي
منذ مطلع العام 2000، مع بداية الهجمة الاستعمارية الأمريكية الجديدة باسم “مكافحة الإرهاب”، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخلات العسكرية المباشرة في اليمن، ومثلت بلادنا ثاني أهم منطقة لأمريكا بعد افغانستان في تلك الفترة.
وكادت أمريكا تحتل عدن بعد تفجير المدمرة كول عام 2000م، لتدخل أمريكا مع صالح في استثمار “القاعدة”وخلال هذه الفترة، شاعت التدخلات الأمريكية المباشرة في الشؤون العسكرية والأمنية وانمحت الحدود الفاصلة ما بين عمل السفير وما بين عمل المندوب السامي، وكانت الحكومة اليمنية عملياً في وضع الحكومة المستعمرة.
التدخلات الأمريكية الصارخة 2004 – 2010
شهدت هذه الفترة تدخلات أمريكية خطيرة أضرت بالسيادة الوطنية، وتفجرت في الواقع اليمني حروب ظالمة شنتها سلطة الاستبداد العميلة لأمريكا ضد شعبها فأنتجت مخاطر أثرت في مسار التاريخ اليمني ومازالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم، فقد وقعت في هذه الفترة الحروب الست على صعدة وظهر الحراك الجنوبي السلمي، وعادت القاعدة للاغتيالات والتفجيرات والاختطافات، كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتدمير أسلحة الدفاع الجوية اليمنية، وكل هذه الأحداث وقفت خلفها الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد برز النشاط التكفيري في هذه المرحلة كأبرز مظاهر الانهيار والتدهور الأمني، وباعتباره أيضاً أي مجال ما يسمى “محاربة الإرهاب” مبرر وجود أمريكا في اليمن، وأكثر المجالات التي تلقت دعماً مالياً ورعاية أجنبية من أجل نجاحه، إلا أن نظام علي صالح كان يريد الابقاء عليه من أجل تلقي المزيد من الدعم المالي، فقد عاد التنظيم إلى الواجهة مجدداً في عام 2006م بعد هروب عدد من السجناء من الأمن السياسي في صنعاء بتوجيه أمريكي، وفي 2009م اُعلن عن قيام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب باندماج فرع تنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية وتنظيم القاعدة في جنوب جزيرة العرب فرع اليمن، وتأسيس تنظم موحد.
الحروب على صعدة
في هذه المرحلة شُنت الحروب الستة في صعدة والتي امتدت من سبتمبر العام 2004م حتى فبراير 2010م تخللتها فترات توقف للمعارك.
كانت الحرب على صعدة حرباً أمريكية بالوكالة، واستمراراً للدور التخريبي الأمريكي في الوطن اليمني، فقد كان النشاط الثقافي الذي يتزعمه السيد حسين الحوثي موجه ضد الحملة الاستعمارية الأمريكية الجديدة، وترابطت مصالح كل من الولايات المتحدة الأمريكية ونظام علي صالح في الحرب على المشروع الذي تحرك به القائد الوطني الثوري السيد حسين بدر الدين الحوثي.
وكما في حرب صيف 94 فقد استخدمت السُلطة الحاكمة الجماعات المتطرفة التكفيرية أداة في الحروب الست على صعدة، وشاركت بذلك في توسع التطرف والتكفير ونشر الفوضى في البلاد ونظراً لطبيعة الجيش اليمني -آنذاك- المنقسم بين أسرتين(بيت عفاش وبيت الأحمر) فقد مثلت هذه الحروب الظالمة فرصة لكل طرف لتدمير قوة الطرف الثاني رؤوس المواطنين، فيما مثلت فرصة لأمريكا لتدمير القوة المسلحة اليمنية عموماً، فما لم يتحقق عبر الاتفاقيات من تمير للقدرات العسكرية اليمنية البشرية والتكنيكية جرى تدميره في هذه الحروب.
في 20 مارس 2004م ألتقى علي صالح بقائد القيادة المركزية الأمريكية “جون أبي زيد”، وكان ذلك اللقاء إرهاصاً لشن الحرب على صعدة ضد مشروع “المسيرة القرآنية”، في ذات العام قام السفير الأمريكي “أدموند هول” بزيارة إلى صعدة ، مر بسوق “الطلح” حينها ووجه الدولة بسحب السلاح الخفيف والمتوسط من الأسواق المحلية كخطوة في محاولة لتجريد المواطنين من سلاحهم حتى لا يتمكنون من المقاومة وكجزء من مسار سحب السلاح الثقيل والاستراتيجي وتدميره.
في هذا العام 2004م التقى علي عبد الله صالح بوزير الدفاع الأمريكي “دونالد رامفسليد” ضمن إرهاصات الحرب على صعدة، وبعد سفر علي صالح إلى ولاية جورجيا الأمريكية والتقاءه الرئيس الأمريكي “جورج دبليو بوش” في قمة الدول الثمان الصناعية بتاريخ 9 يونيو 2004م، دشن النظام الحرب على صعدة بعد 9 أيام من لقاء بوش في 18 يونيو 2004م.
التغلغل الأمريكي في اليمن
تورط نظام علي صالح في الحرب على صعدة زاد من تبعيته لأمريكا ومن تقديم التنازلات، لتثبيت نظام حكمه على حساب سيادة الوطن ودماء الشعب وثرواته.
في نوفمبر من العام 2005م قام الرئيس الخائن علي صالح بزيارة واشنطن في إطار التزاماته للجانب الأمريكي، وهي أول زيارة بعد الحرب الأولى على صعدة، وقد هيمن الملف الأمني على المباحثات، وكان من ضمن التوجيهات الأمريكي لعلي صالح ضبط تجارة الأسلحة، وكذلك تدمير اسلحة الدفاعات الجوية ورغم أن عملية تدمير اسلحة الدفاعات الجوية بدأت منذ العام 2004م إلا انها تصاعدت بشكل أكبر عقب هذه الزيارة.
في هذا العام 2006م التقى علي صالح ، نبيل خوري” نائب السفير الأمريكي” ، وفي مر أخرى التقى علي صالح السفير الأمريكي “توماس جرادسكي”، كما ألتقى “ديفيد ويلش” مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى.
وفي 2مايو 2007م أجرى علي عبد الله صالح محادثات في واشنطن مع جورج بوش في أمريكا، تزامنت مع الحرب الرابعة التي توسعت إلى خارج صعدة، وعقب هذه المحادثات عينت أمريكا سفيراً جديداً هو”ستيفن سيش” وكان تعيينه نوعاً من دعم النظام وتحفيزه على مواصلة الحرب على صعدة، واستمر سفير الحرب لأمريكي حتى نهاية الحروب الست، وفي ذات الفترة تواصلت اللقاءات بين أمريكا ونظام صالح بشكل غير معهود في العلاقات الدولية، كما ألتقى صالح “جنيداي فريزر” مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، هذا العام.
في العام 2008م وصول إلى صنعاء مساعد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة “الإرهاب” (كينيف ال وينستين)، حمل رسالة من بوش إلى الرئيس صالح وانتهت بالتأكيد مجددا على الشراكة في مكافحة ” الإرهاب” أي على التبعية اليمنية للولايات المتحدة الأمريكية.
في 29 من نوفمبر 2008م استقبل علي صالح في عدن قائد القوات المركزية الأمريكية الجنرال “ديفيد بترويوس”، ولم يمر على القاء أكثر من 13 يوماً حتى شهد البحر الأحمر تواجداً كثيفاً للقوات الدولية التابعة لحلف “إيساف” (التحالف الدولي في الحرب على افغانستان) بحجة القرصنة الصومالية.
ورغم أن هذا الحضور جاء بعد لقاء علي صالح بقائد القوات المركزية الأمريكية والتفاهم حول هذا الأمر، خرج وزير الخارجية اليمني آنذاك أبو بكر القربي ليعبر عن قلق اليمن من مخاطر الوجود العسكري المكثف والمتعدد الجنسيات في البحر الأحمر، وما يمثله من مقدمة لتمرير مشروع تدويل مياه البحر الأحمر.
هذا التصريح كان تغطية على موافقة اليمن على هذا التواجد الدولي في البحر الأحمر، وفي ذات الوقت فإن هذا التصريح يثبت حقيقة تاريخية ويؤكدها وهي أن القوات الأجنبية في تلك الفترة بقيادة أمريكا كانت عدوانية الحضور واستعمارية التطلعات، وقد تزامن هذا اللقاء مع اندلاع الحراك الجنوبي السلمي، ومن هنا كانت رمزية تحديد علي صالح لمدينة عدن مكاناً للقاء قائد القوات المركزية الأمريكية تأكيداً على دعم أمريكا لسلطته في المحافظات الجنوبية اليمنية.
بعد شهر من الحضور العسكري الأمريكي الخطير في البحر الأحمر، زار عل صالح أمريكا في 23 فبراير 2009م ، حضرت أمريكا لاستهداف جديد هو السيطرة على قطاع خفر السواحل، ففي صنعاء ألتقى قائد قوات (المارينز) الجنرال الأمريكي “صموئيل هيلر” اللواء الركن احمد علي الأشول رئيس هيئة الأركان العامة اليمنية، وكان موضوع اللقاء مجالات خفر السواحل ومكافحة ” الإرهاب” والقرصنة البحرية.( 1) وفي واقع لم يتم بناء أي قوة بحرية استراتيجية في اليمن وظلت سواحلها عرضة لتدفق المهاجرين ولنهب شركات الأسماك وجاء العدوان على بلادنا في العام 2015م واليمن مكشوفة من السواحل بدون أي قدرات ردع استراتيجية.
في 7 يناير 2010م صرح وزير الخارجية أبو بكر القربي برفضه تدخل أي قوة أجنبية في اليمن لمحاربة تنظيم ” القاعدة” في شبه الجزيرة العربية(2 ). وهذا التصريح أكد وجود التدخل العدواني الأجنبي ، وعقب تصريح القربي (الحزب الحاكم) بثلاثة أيام حذر الزنداني (المعارض) من “احتلال أجنبي” لليمن حينها أصدر ” رابطة علماء اليمن” الذي يترأسه الزنداني، بيانا حول التدخل الأجنبي في اليمن،(3 ) وكان ذلك البيان مؤشراً على تنامي الحضور الأمريكي في اليمن والذي بات قضية عامة تجاوزت كواليس غرف الاستخبارات.
في 13 ابريل 2010م الحكومة اليمنية استجابت للتوجيهات الأمريكية في ملاحقة المواطنين اليمنيين بتهم ” الإرهاب”، حيث طالبت الحكومة بدلائل من اجل ملاحقة المواطن اليمني “العولقي” وقالت الحكومة بأنها سوف تتعامل مع أي “اثباتات” أمريكية ضده وفقا للدستور اليمن، كما صرح آنذاك نائب رئيس الوزراء اليمني لشؤون الدفاع والامن رشاد العليمي. وهو ما لم يتم حيث قامت الولايات المتحدة بقتل العولقي بغارة لطائرة من دون طيار في العام 2011م(4 ). وقد كان “مجلس الأمن القومي الأمريكي” أعلن أنه اعطى للمخابرات المركزية الامريكية الضوء الاخضر لتصفية العولقي في اليمن(5 ).
وفي ذات الفترة استقبل الرئيس علي صالح مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى جيفري فلتمان وقائد القوات المركزية الأمريكية الجنرال “ديفيد باتريوس”، ولقاءات كهذه لم تكن زيارات ودية لتبادل التحايا و”التعاون المشترك”، بل كانت اليمن ورئيسها صالح في موقع من يتلقى الأوامر من الأمريكي صاحب الأدوار الفاعلة في الميدان العسكري والسياسي والأمني في اليمن.
الحراك الجنوبي
شهد العام 2007م ظهور الحراك السلمي الجنوبي، كنتيجة للممارسات الظالمة التي تلت حرب صيف 94م وقد تعرض الحراك السلمي الجنوبي لانتهاكات أمنية وقمع شديد حيث جرى توجيه القوات الأمنية بعيداً عن واجباتها في حفظ الأمن في الوقت الذي تعاني فيه البلاد اختلالات أمنية خطيرة، فخلال عام 2007م جرى اعتقال 138 مواطنا، و قتل 7 مواطنين، وجرح 32 مواطنا.( 6)
استغلت السُلطة ذريعة “الحرب على الارهاب” في حشد القوات العسكرية للمحافظات الجنوبية من أجل قمع الحراك الجنوبي السلمي، وعملت السلطة بإصرار على ربط نشاط الحراك الجنوبي السلمي بالجماعات “الإرهابية”.
تدمير أسلحة الدفاع الجوي اليمني برعاية أمريكية
بعد شَهر من تفجير المدمرة كول (اكتوبر 2000)، وقعت الولايات المتحدة الامريكية مع الحكومة اليمنية اتفاقاً فيما سمي بالتعاون في مجال “مكافحة الإرهاب”. أمسى هذا الاتفاق بوابة التدخلات الأمريكية في اليمن التي وصلت إلى حد تفكيك وإتلاف اسلحة الدفاع الجوي، كان هدماً مقصوداً لمقومات الأمن الوطني قامت به الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الحاكم العميل آنذاك، حيث أشرف نائب وزير الدفاع الأمريكي على تدمير 4500 صاروخ دفاع جوي.
الوثائق التي كشفتها دائرة التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع اليمنية تكشف عمليات لتدمير صواريخ متنوعة للدفاعات الجوية اليمنية بإشراف خبراء أمريكيين وحضور مسؤولة مكتب إزالة الأسلحة في وزارة الخارجية الأمريكية، تظهر أن تدمير الصواريخ كان مؤامرة ممنهجة بخيانة من مسؤولي النظام السابق وعلى رأسهم رئيس الجمهورية آنذاك علي عبد الله صالح، واستمرت على مراحل متتابعة امتدت على مدار عشرة أعوام، بدءً من مباشرة أمريكا في جمع وإتلاف الصواريخ في أغسطس 2004م، وحتى عمليات التدمير التي وثقت مقاطع الفيديو الجديدة تنفيذها في 2014م. ( 7)
أبرز الأعمال “الإرهابية” في هذه المرحلة
جرت في هذه المرحلة اعمال ” إرهابية” عديدة، كانت تتضاعف كلما تضاعف الحضور الأمريكي، ومن أبرز الاعمال ” الإرهابي” في هذه المرحلة.
في العام 2007 مقتل ثمانية سياح أسبان ويمنيين اثنين في انفجار سيارة مفخخة بالقرب من موقع أثري في مأرب.
17 سبتمبر 2008م استهداف السفارة الأمريكية في صنعاء من قبل تنظيم ” القاعدة”.
في 18 يناير 2008 مقتل سائحتين بلجيكيتين وسائقهما ومرشدهما اليمني في إطلاق نار بوادي حضرموت.
18 مارس 2008 مقتل جندي وطالبة في هجوم بالصواريخ استهدف السفارة الأمريكية في صنعاء .
17 سبتمبر 2008 مقتل 16 شخصاً في انفجار سيارتين مفخختين استهدفتا السفارة الامريكية في صنعاء .
“في مارس 2008 هجوم على أنابيب النفط الفرنسية وحقل النفط الصيني”. ( 8)
في أبريل 2008 في عدن هجوم على مصافي النفط بقذائف “آر بي جي”.
15 مارس 2009 مقتل أربعة سياح كوريين جنوبيين وإصابة أربعة آخرين بجرح في تفجير انتحاري في شبام حضرموت ، وبعد 3 أيام نجا فريق تحقيق كوري وعدد من أسر ضحايا انفجار شبام من هجوم انتحاري استهدف موكبهم في شارع المطار صنعاء.
26 أبريل 2010 هجوم انتحاري فاشل في صنعاء استهدف سفير بريطانيا.
أواخر 2010م نفذ تنظيم القاعدة عمليتين انتحاريتين بسيارتين مفخختين ضد موكبين لجماعة “الحوثي” (أنصار الله لاحقا) في كل من الجوف وصعدة.
الهوامش:
[1] اليمن يبحث مجالات التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الامريكية 23 فبراير 2009 صنعاء ـ سبأ نت.
[2] اليمن يرفض التدخل ويلاحق القاعدة. الجزيرة نت. 6 يناير 2010م
[3] رابطة علماء اليمن تدعو للـ”الجهاد” إذا تدخل الاجانب. بي بي سي عربي. 15 يناير 201
[4] مقتل العولقي في ضربة جوية للمخابرات الامريكية . رويترز. 30 سبتمبر 2011م
[5] اليمن ترفض سعي امريكا لاغتيال العولقي على اراضيها. أرتي عربي. 30 مايو 2010م
[6] التقرير السنوي لحقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن 2007م . المرصد اليمني لحقوق الإنسان صنعاء ابريل 2008م. ص 159-160
[7] وثائق جديدة لسلسلة المؤامرة الأمريكية. 8 مارس 2020م موقع صحيفة الثورة اليمنية.
[8] الارهاب وإستراتيجية البقاء في السلطة. ص 60 . ط 2 2016م . المرصد اليمني لحقوق الانسان . رقم الايداع 1129 لسنة 2011م
المصدر: سبأ