أنصار الله» ومواجهة الاستعمار .. من الفكر إلى الفعل

|| مقالات || أنس القاضي

 

في الملموس التاريخي تختبر صوابية الأفكار، ولا قيمة لفكرة إذا لم يكن هناك حقل لتطبيقها واختبار صوابيتها، وكذلك هو فكر «أنصار الله» حول مسألة الاستعمار، فمن النظري الذي أبدعه السيد حسين الحوثي في 2002، إلى الممارسة التي يقودها السيد عبدالملك الحوثي منذ 2004م، وبشكل يمني أوسع منذ ثورة أيلول 2014م، يشهد الواقع على صوابية هذا الفكر القرآني الوطني الذي يرفعه «أنصار الله» في مواجهة التدخلات الاستعمارية والصهيونية.

 

لا يُمكن فصل السيد عبدالملك الحوثي الذي يُعد شخصية وطنية يمنية عامة، كقائد للثورة الشعبية ولمهمة مواجهة العدوان الاستعماري التوسعي الراهن، عن السيد الشهيد حُسين بدر الدين الحوثي القائد المؤسس لـ»أنصار الله»، هذه الرابطة بين العام والخاص تتحقق في قيادة السيد عبدالملك الحوثي للنضال الوطني للشعب اليمني مُستنداً على الإرث الفكري والحركي الذي أسسه الشهيد السيد حُسين بدر الدين الحوثي، وامتداداً للموروث الكفاحي اليمني الثري، والشخصية اليمنية الفذة في بلد سُمي «مقبرة الغزاة».

 

إذا كان المضمون المعين، الذي جاء به القائد المؤسس لـ»أنصار الله» حول قضية الاستعمار الغربي وخطر دخول أمريكا اليمن، يُمكن اعتباره الوثيقة الفكرية التي يُصاغ بالاستناد عليها ومن وحيها «البرنامج السياسي» لـ»أنصار الله»، والمطروح من قبلهم أمام اليمنيين معبراً عن رؤيتهم لهذه المشكلة وسبل مواجهتها دفاعاً عن الشعب اليمني وعن سيادة الجمهورية اليمنية ووحدتها الجُغرافية، فإن تصدر «أنصار الله» -اليوم- لمقاومة العدوان الاستعماري التوسعي يُعتَبَر التجسيد الملموس لهذا «البرنامج»، ويُعَبِّر عن التزامهم الديني والوطني والأخلاقي بـ»برنامجهم السياسي» وتوجههم الاجتماعي والثقافي كحركة إحياء وإصلاح قرآنية، تدعو في أحد أوجهها إلى التحرر من الطاغوت الاستعماري الغربي ومقاومة دول الاستكبار (الإمبريالية الصهيونية) باعتبارها «أئمة الكفر في هذا الزمان».

 

نظرة السيد عبدالملك الحوثي إلى السيد حسين الحوثي -وملازم هذا الأخير- هي تلك الصلة بين الشهيد حسين المؤسس من جهة، وبين قائد الثورة و»أنصار الله» وعموم الشعب اليمني من جهة ثانية، وهذه الصلة الأيديولوجية هي ما تعطي للشهيد حسين الحوثي حضوراً في الواقع الراهن؛ فالشهيد الذي دفع حياته ثمناً لقناعاته ومشروعه القرآني في معركة دفاعية بمنطقة في صعدة، عام 2004، ها هوَ اليوم حاضر بتلاميذه ورفاقه ومُحبيه، يُجسدون صدق القضية التي تحرك من أجلها، في حرب مصيرية تُخاض على مستوى الوطن اليمني، ويخوضها أحرار الشعب بتعددهم وتنوعهم الثقافي والمناطقي والعرقي والحزبي، وفي طليعتهم يقف «أنصار الله» كأكثر القوى اليمنية إخلاصاً لقضية السيادة الوطنية وتضحية في سبيلها، في العصر الراهن.

 

 

 

مركزية قضية الاستعمار في فكر حسين الحوثي

 

تحتل قضية الاستعمار ومخاطره على العالم العربي الإسلامي مساحة كبيرة في فكر الشهيد حسين الحوثي، ويكتسب مضمون خطاب السيد حسين الحوثي وفكره عن الاستعمار، معنى ثوريا ووطنياً، على الرغم من أن اهتمام السيد حسين في ما يتعلق بقضية الاستعمار يتعدى الواقع الوطني اليمني إلى بحثه للظاهرة في الواقع الدولي والعربي ـ الإسلامي، وهو الاهتمام الذي يأخذ طابعاً أممياً ثوريا واضحاً في خطاب السيد عبدالملك الحوثي.

 

وطنية الفكر وثوريته ليست مرتبطة بمنظومة مفاهيم متخصصة أو معتمدة على مصطلحات تنتمي إلى مدرسة أيديولوجية محددة، بل إنها قضية الشخصية الوطنية ذاتها، أي أنها ليست قضية ثقافية بحتة، بل قضية وجود هذا الإنسان في عالمه وموقفه العملي والفكري من الصراع في عالمه، لأن وجوده الإنساني مشروط بقدرته على الصمود في وجه القوى الاستعمارية التي تريد محو شخصيته وبنية وجوده الإنساني.

 

طابع أسلوب محاضرات الشهيد حسين الحوثي مع جماهير ريفية بسيطة -بعكس المحاضرات والمؤلفات الأكاديمية- يجعل من الصعوبة أن يجد المرء موضوعاً محدداً مركزا ومكتملا في محاضرة واحدة كموضوع الاستعمار الذي يتوزع على عدد من الملازم كجزئيات منفردة، ومن تجميع هذه الأجزاء تكتمل اللوحة الكُلية، وتقدم تحليلاً علمياً عن طبيعة الاستعمار وأساليبه، وموقع دول الاستكبار (الإمبريالية والصهيونية) منه، ويتطرق إلى مختلف جوانبها السياسية الاقتصادية والمعرفية.

 

 

 

شكلان للاستعمار: التبعية الاقتصادية والتخلف المعرفي

 

يبرز شكلان للاستعمار في فكر السيد حسين الحوثي، الأول هو التبعية الاقتصادية التي تجعل شعوبنا أسواقاً استهلاكية للغرب، وفي ضرب إنتاجنا الوطني، والشكل الثاني من الاستعمار هو فرض التخلف المعرفي والعلمي على مجتمعاتنا المُستَعمَرة، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تأبيد التبعية والتخلف.

 

وهذا الشكل الثاني من أشكال الاستعمار أو التخلف الخادم للاستعمار في أحد جوانبه علاقة بالغرب الذي يفرض حصاراً معلوماتياً على البلدان المُستعمرة، أو يُقدم لنا المعرفة الناقصة التي لا تفيدنا في تجاوزهم، والجانب الآخر في قضية المعرفة والاستعمار هو التخلف الناتج عن التراث الرجعي الذي كرسه وعاظ السلاطين وفقهاء أصول الدين، الذين يصورون الحياة البشرية على الأرض دون معنى، وينفون عن الوجود قيمته الموضوعية، ويفهمون التفكر الذي يدعو إليه القرآن في حدود الاستدلال على وجود الخالق من وجود المخلوق، الذي لا يؤدي إلى تحريك الطاقات نحو الإبداع والإنتاج، ويرهن أوطاننا ومجتمعاتنا للاستغلال والاستعباد الأجنبي.

 

فيما التفكر في فكر الشهيد حُسين يقصد به إعمال الفكر في العلوم الطبيعية والاستفادة من عناصر الطبيعة في التصنيع والزراعة لبناء الحضارة وتحقيق الاستخلاف في الأرض ليظهر في ذلك عظمة الله وكماله قدرته، واعتبار تحقيق ذلك من أجل العبادات.

 

وبناء على ذلك نستخلص من تحليل الشهيد حسين الحوثي أن أزمتنا هي نتيجة وجود عوائق في وصولنا إلى الاكتفاء الذاتي في الصناعة والزراعة، وبصياغة علمية يتأبد تخلفنا الحضاري في إعاقة دول الاستعمار -وفي مقدمتها أمريكا الإمبريالية- لتطور البنية الاجتماعية الاقتصادية إلى أطوار أعلى دخل ذات التشكيلة الرأسمالية من الاستيراد والتبعية إلى الإنتاج، فبإعاقة تطور البنية الاقتصادية الاجتماعية تتجدد السيطرة الاستعمارية، ويتأبد خضوعنا لهذه السيطرة، ويتأبد بالتالي (تخلفنا). وأزمة التخلف في رأي الشهيد حسين الحوثي هي نتيجة تبعية العلاقات الاقتصادية العربية للسيطرة الغربية التي تجعلنا سوقاً مستهلكة لهم، فإذا تحررت من هذه السيطرة فسنتحرر من حالة التخلف والهوان.

 

 

 

الاستعمار الجديد وخطر دخول أمريكا اليمن

 

ظهور مفهوم الاستعمار الجديد من خمسينيات القرن الماضي، إلا أن السيد حسين الحوثي أعطى له مدلولاً تاريخياً ملموساً متناسباً مع الواقع في بداية القرن الحادي والعشرين بعد تراجع المعسكر الشرقي وظهور الولايات المتحدة الأمريكية كأقوى قوة عالمية تسعى لفرض هيمنتها، واعتبر السيد حسين الحوثي هذا الاستعمار الجديد بأنه الخطر القادم تحت شِعار «محاربة الإرهاب»، ويُعد السيد حسين الحوثي في طليعة مَن تنبهوا للتوجهات الاستعمارية الجديدة، التي تحركت بها الولايات المتحدة الأمريكية باسم «مكافحة الإرهاب»، ولزيف حربها على تنظيم أسامة بن لادن. وكشف أبعادها بعد 4 أشهر من أحداث 11 سبتمبر 2001، وليأتي غزو العراق في 2003 مصداقاً لتحليله، ومع تطور نشاطه الفكري والتثقيفي بدأت الحرب العدوانية الأولى على صعدة -تكليلاً لممارسات القمع ضد نشاطهم التثقيفي بالشكل السلمي الحضاري- بعد عودة الرئيس علي صالح من أمريكا آنذاك، وليستشهد السيد حسين الحوثي على إثرها في 10 سبتمبر 2004.

حديث السيد حسين الحوثي عن الاستعمار الجديد استند على شواهد تاريخية ماثلة، لا يُمكن لمن يدقق فيها أن يكذبه، وهي أخطار متسقة مع الخطاب القرآني حول العدوانية اليهودية، وتكشف محاضراته عن شخصية فذة تستشعر مهمة المقاومة والنهوض، وذات اهتمام عال بالوضع السياسي العالمي، ورصد دقيق لمجريات الأحداث والتحولات، فمن مشاهدة الأحداث وتحليلها استنتج الشهيد حسين الحوثي جوهرها المحرك الاستعماري باعتبارها سياسة عدوانية واحدة، وقام بتعميم هذه النتائج على الواقع اليمني المهدد بالخطر الاستعماري الأمريكي.

 

ركز السيد حسين الحوثي على أن النظر إلى الأحداث ككل لا يتجزأ من موقع من يعي أنه جزء من واقع الصراع العالمي هذا، لا مقيم خارج هذا الوجود الإنساني، بخاصة وأن طبيعة الاستعمار والخطر الإمبريالي والصهيوني هو عالمي، والمجتمعات العربية الإسلامية في مقدمة المستهدفين فيه.

 

سعى الشهيد حسين الحوثي إلى أن يرفع من الوعي الاجتماعي ليتجاوز المشاهدات والأحكام اليومية السطحية ويرتقي بها إلى مستوى التحليل الاستراتيجي العميق، لإدراك الخطر الاستعماري ومواجهته، وعدم قبول أي تبريرات له.

 

يذهب السيد حسين الحوثي إلى أبعد من ذلك، إلى تناول ما قد يُقال على سبيل التبريرات حين دخول أمريكا اليمن، فيتصدى له سلفاً، ومنه تفنيد فكرة أن الدولة هي المسؤول الوحيد عن الدفاع عن الوطن أو مخولة ضمن مهامها الدستورية بقبول التدخل الأجنبي.

 

وفي سياق رده على الوعي اليومي فإن السيد حسين الحوثي يتصدى لفكرة أن وجود الإرهاب في اليمن يبرر التدخل الأمريكي، وأن اليمنيين بـ»إرهابهم» حفزوا أمريكا، ويستند إلى التجربة التاريخية، وهي حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي قامت برعاية ذهاب المقاتلين اليمنيين لـ»الجهاد» ضد الاتحاد السوفييتي.

 

شدد السيد حسين الحوثي على تقديم تحديد ملموس للمسلمين والمجتمعات الإسلامية المعرضة للخطر، بحيث يستشعر من يسمع الحديث حول الأخطار التي تهدد العرب والمسلمين أن هذا الخطر عليه، على عكس الخطاب الشائع في تناول المسلمين كمفهوم مجرد.

 

إنزال الخطر والمجتمع المهدد بالخطر من التجريد إلى الملموس التاريخي، يرافقه تحدد المقاوم وصاحب المسؤولية الأولى للتصدي للخطر. ويعتبر السيد حسين الحوثي أن الشعوب هي صاحبة القضية والمسؤولية الأولى في التصدي لهذه المشاريع الاستعمارية، رغم أن الخطر يهدد أيضاً الأنظمة والزعامات الموالية لأمريكا وليس الشعوب فحسب. ويُصبح التحرك حتمياً، والبذل في سبيل الحق والوطن أقل كلفة من أن يُساق الإنسان في سبيل خدمة الباطل والاستعمار، كما هي سنة التاريخ بحق من آثروا الحياد وخانوا أوطانهم.

 

وفي تناول قضية «الإرهاب» فإن السيد حسين الحوثي يُحلل بُعديه الاستعماريين، فإذا كان البُعد الأول يعتمد على دخول الإرهابيين الوهابيين بعلم أمريكا وملاحقة أمريكا لهؤلاء الإرهابيين وإقامة العلاقات مع الدولة والشخصيات على هذا الأساس وصولاً إلى الهيمنة على هذه الدول، فإن البُعد الثاني لـ»الإرهاب» -وهو ما يجري في الواقع- استخدام أمريكا و»إسرائيل» لتهمة «الإرهاب» في ضرب حركات المقاومة وحركات التحرر وكل من يحمل موقفاً أو رأياً معارضاً للهيمنة الاستعمارية.

ميزة فكر الشهيد حسين عن الفكر الإسلامي السائد في حل قضية الاستعمار

 

إن القضية التاريخية الأساسية التي يطرحها السيد حسين الحوثي في مناهضة الاستعمار ليست مثالية ورداً فعل ميكانيكي ضد الاستعمار دون معرفة سُبل الفكاك منه، فهي في فكره تأخذ طابعاً جدلياً، حيث يطرح شروطاً اجتماعية اقتصادية للاستقلال عن الاستعمار، وهي شروط واقعية.

 

وهذا الفكر العقلاني المتقدم الذي قدمه السيد حسين الحوثي مختلف عن الفكر الإسلامي السائد الذي قدمته الحركات الإسلامية كفكر نقيض للاستعمار، وأبرزها الحركة الإخوانية والوهابية ذات المنطق السلفي، فالفكر الإخواني والسلفي يؤمن بتماثل التاريخ ودورانه في حلقة مفرغة يتكرر فيه هذا الجوهر كل مرة. ترى هذه المثالية السلفية أن انتصار المجتمع الإسلامي على الاستعمار يكون بالعودة إلى شروط اجتماعية تُطابق ظروف وسلوكيات ومظاهر المجتمع الإسلامي في القرن الأول للهجرة، وزمن الخلافة. هذا الفكر، تطرحه بعض القوى الإسلامية كنقيض للاستعمار، ينفي المعرفة والعلم وحرية الإرادة البشرية. ومثلت «داعش» محاولة لتجسيد دولته المتوهمة على الأرض. ومأزق هذا الفكر -وفق تعبير المفكر اللبناني مهدي عامل- هو أن الماضي عنده نموذج المستقبل، يصطدم هذا الفكر بأفقه كلما حاول أن يتخطى أُفقه، ومسدود الأفق منغلق عليه لا منفذ له سوى ماضٍ يحن إليه ويستحضره علّه يتكرر فيتأبّد لكنه في الواقع يتقوض.

 

وعلى العكس فإن فكر السيد حسين الحوثي يتجاوز هذه المثالية السلفية ويدعو إلى مواكبة التقدم والتطور وأخذ المكتسبات العلمية الحديثة، نحو التطور الحضاري، باعتبار التحضر جزءاً من الصراع ضد الاستعمار.

 

يتفق فكر السيد حسين الحوثي مع حركة التاريخ الفعلي في حركته المادية، أي في القول بأن واقع مجتمعاتنا العربية الإسلامية خاضع لسيطرة دول الاستكبار العالمية الإمبريالية. ويعتقد السيد حسين الحوثي بأن على هذه المجتمعات من أجل التقدم والتحضر ليس اللحاق بالنموذج الغربي إلى ما وصل إليه، وليس بالعودة إلى القرن الأول للهجرة، بل إلى تجاوز النماذج الغربية، وبناء نماذجنا الوطنية المستقلة.

 

ويأخذ تحليل جوهر الاستعمار الأمريكي شكلاً أرقى في خطاب السيد عبد الملك الحوثي، الذي لم يُبن فقط على فكر السيد حسين في تحليل قضية الاستعمار، إنما عاش تجارب جديدة كشفت له جوهر السياسة الأمريكية، ووصول الأخطار الاستعمارية الأمريكية إلى الواقع بعد أن كانت في زمن السيد حسين أساطيل في البحر يُحذر منها.

رؤية الشهيد حسين لقضايا الاقتصاد وعلاقته بالاستعمار

 

إن التلازم في حركة التحرر الوطني هوَ في ضرورة أن تكون قوى الثورة متمسكة بموقف العداء للرأسمالية الاحتكارية. هذه القانونية التاريخية تميز حركة التحرر الوطنية في عصر تسيد الرأسمالية الاحتكارية (الإمبريالية)، وهي موجودة في فكر السيد حسين الحوثي، كما هي موجودة في الفكر الاشتراكي والقومي، كقضية ثابتة مصدرها طبيعة عدوانية أنظمة الرأسمالية النزاعة للاستعمار. وتختلف هذه الأيديولوجيات في قضية بناء النموذج التالي بعد الفكاك من الهيمنة الرأسمالية الاحتكارية.

 

يعتبر الشهيد حسين الحوثي أن المال هو في الأساس مال الله كنعمة، ومن حيث الملكية فهي ملكية جماعية، وملكية خاصة ذات توجه اجتماعي، بعيداً عن النظرة الاحتكارية الأنانية، ليكون في حركته وسط المجتمع نافعاً لكل الناس، غير مُحتكر. ويشدد الشهيد حسين الحوثي على القطاع العام المملوك للدولة، وعلى التوجهات الاقتصادية الإنتاجية لا الخدمية، ليعطي المال ثمرته في الواقع الاجتماعي والواقع الوطني في الصمود بمواجهة التحديات الاستعمارية، باعتبار الاقتصاد «أحد حقول المواجهة»، و»حاجة الناس إلى الغذاء أشد من حاجتهم إلى السلاح».

 

وهذه النظرة إلى المال وحركة الاقتصاد هي في عموميتها متناسبة مع التطور التاريخي اليمني، وحاجته إلى بناء قاعدة إنتاجية والاكتفاء الذاتي، وتطوير البُنية الاقتصادية، والاستقلال مالياً عن المراكز الاقتصادية الإمبريالية، أي التحرر من العلاقة الاستعمارية الكولينيالية التي تميز عصر الرأسمالية الاحتكارية الإمبريالية الحالي.

 

ويربط الشهيد حسين الحوثي بشكل وثيق بين خيانة الحكام لشعوبهم وقضايا أممهم، وبين علاقتهم بالدول الرأسمالية الغربية وأثقال الملكية الخاصة الأنانية التي تمنعهم من اتخاذ مواقف وطنية وإنسانية مناهضة للاستعمار.

 

 

 

رؤية قائد الثورة للاستعمار وتأثير فكر الشهيد حسين فيه

 

تتطور حركة الفكر في خضم الواقع وتحت ضغط الحاجة الشديدة لمواجهة المواقع، فالفكر في استكشافه الواقع يخضع للبنية الفكرية التي يتطور وفقها في صدامه مع الواقع التاريخي. وبنية الفكر لدى السيد عبد الملك الحوثي متأثرة بالفكر القرآني والمنهج الذي جاء به الشهيد السيد حسين الحوثي.

 

في واقع احتدام الأخطار الاستعمارية الراهنة الملموسة المهددة للوطن اليمني كجزء من قضية الاستعمار للأمة العربية ـ الإسلامية التي تحدث عنها الشهيد حسين الحوثي، أخذت حركة التطور الفكرية لدى السيد عبد الملك الحوثي تتحدد أكثر وتصبح أشد فاعلية في تحليل الوضع الملموس وسبر أغوار هذا الخطر الاستعماري الأمريكي: طبيعته، أساليبه، وأهدافه، لتأخذ قضية مناهضة الاستعمار لدى قائد الثورة أكثر وضوحاً، وتتبلور على الصعيد العملي لممارسة السيد عبد الملك الحوثي وأخذه زمام قيادة المرحلة وحمل مهمة التحرر اليمني وصون السيادة الوطنية، منذ الثورة الشعبية التي اشتعلت في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 وصولاً إلى ملحمة التصدي للعدوان العسكري الراهن الذي بدأ -قبل 6 أعوام- عشية يوم 26 مارس 2015.

تشخيص قائد الثورة للطبيعة الاستعمارية للولايات المتحدة الأمريكية

 

في تشخيصه للولايات المتحدة الأمريكية، يُقدم السيد عبد الملك الحوثي تحليلاً علمياً لأطماعها الاستغلالية الاستعمارية، كنزعات متعلقة بطبيعتها الإمبريالية كرأسمالية في أعلى مراحلها الاحتكارية. وتعاني الرأسمالية من أزمة الموارد ظهرت منذ سبعينيات القرن الماضي، وتقف رغبة الحصول على المواد الخام خلف توسعها الاستعماري. وحديث السيد عبد الملك الحوثي يحدد بشكل دقيق تلهف الولايات المتحدة المحموم لأخذ الموارد من الشعوب بطريقة استعمارية دون مراعاة المصالح المتبادلة وفق المشروعية التجارية في المنافسة الحُرة.

 

السمة الأخرى التي يركز عليها السيد عبد الملك الحوثي في تحليله للولايات المتحدة الأمريكية، هي مسألة تجاوز خطر الولايات المتحدة الأمريكية للواقع الإقليمي والوطني، كدولة استعمارية عالمية تسعى للسيطرة على مقدرات شعوب العالم.

 

في تشخيصه للولايات المتحدة، يُقدم السيد عبدالملك الحوثي تحليلاً علمياً لأطماعها الاستغلالية الاستعمارية، وكيف أن خطرها يتجاوز الواقع الإقليمي والوطني، كدولة استعمارية عالمية تسعى للسيطرة على مقدرات شعوب العالم، إلا أن حديثه لايبرز الطابع العالمي للاستعمار الأمريكي وحسه الأممي على حساب القضية الوطنية، كهروب العاجز عن تحليل واقعه الوطني  والمتهرب نحو القضايا الأممية تغطية على غيابة في النضال على الصعيد الوطني، بل يتحدث السيد عبدالملك الحوثي عن الاستعمار الأمريكي على الصعيد الوطني من موقع المناضل والمدافع عن حرية الوطن، من موقع الذي يقف مباشرة في وجه الغزو الأمريكي والمؤامرات الأمريكية عسكرية وسياسية.

 

 

 

يُدافع السيد عبدالملك الحوثي، عن الحرية الوطنية والاستقلال الوطني، وعن حرية اليمنيين في تقرير مصيرهم، وسيادتهم على أرضهم، رافضاً التدخلات الأمريكية المباشرة، والسياسة الاستعمارية الأمريكية، التي تبدو بها الولايات المتحدة بأنها صاحبة الحق المباشر في تقرير مصير العرب ومصير اليمنيين، وكما يؤكد السيد عبدالملك الحوثي فإن جوهر هذه التدخلات والوصاية الأمريكية هو من أجل تشكيل الواقع الوطني في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على نحو يجعله ضعيفاً ومعقداً ودولة مأزومة عاجزة عن كسر طوق التبعية.

 

ويأسف السيد عبدالملك الحوثي بأن يكون من أبناء الوطن من يقف داعماً للتوجهات الأمريكية ومعينا للغزو الأمريكي، غير معتبر بالتاريخ الذي يُبين خسارة من يقف مع الغزاة أو من تنطلي عليه الدعايات الأمريكية التي توظف شعارات تلامس القضايا الاجتماعية كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

 

بالعودة إلى فكر السيد حُسين فهو يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية كاذبة في رفع شِعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مستنتجاً ذلك من حربها على الشِعار الذي شنته عبر السُلطة اليمنية آنذاك. وهذا الجوهر الأمريكي الرجعي المعادي للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان يتجلى بشكل أوضح في خطاب السيد عبدالملك الحوثي، إذ يركز على نحو أعمق على الأساليب الأمريكية في اعتمادها على هذه الشعارات في حراكها الاستعماري وسط المجتمع اليمني.

ويفند السيد عبدالملك ادعاءات الإمبريالية الأمريكية في حمل وتبني هذه القيم ويحاكمها وفق ممارستها العدوانية والإجرامية في الملموس التاريخي الذي يتجسد في عدوانها الاستعماري على الوطن اليمني، وامتداد رجعيتها وتفسخ قيمها إلى استخدام الخطاب الطائفي في تمزيقها للمجتمعات عبر مرتزقتها وأدواتها الوظيفية من أجل إحكام سيطرتها عليها.

 

 

 

أثر فكر الشهيد حسين في قيادة السيد عبدالملك الحوثي مرحلة مواجهة العدوان

 

دخل قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، مرحلة مواجهة العدوان وتصدى لمهمة قيادتها، مُسترشداً بفكر قرآني وسياسي ثوري عن طبيعة الاستعمار الأمريكي استقاه من فكر الشهيد حسين حسين الحوثي، وطور عليه، من أجل ضمانة حل مهام مواجهة الصلف الأمريكي ومؤامراته بطرق واعية.

 

كان خيار المواجهة والتصدي للعدوان هو الخيار الصائب الذي اتخذه قائد الثورة، وبنى استراتيجية المواجهة على هذا القرار الوطني متفهماً تداعياته، ومحفزاً الشعب ليقدم كلفة الحرية التي هي أقل بكثير من كُلفة الاستسلام لقوى العدوان الإجرامية، واعياً بأن قرار الاستسلام لن يورث الأجيال القادمة إلا المزيد من الأغلال، وهذه المبدئية في قيادة السيد عبدالملك الحوثي تنعكس فيها الثقافة القرآنية التي تدعو إلى تحرير الإنسان من استغلال واستعباد أخيه الإنسان الطاغية. وفي هذا الفكر القرآني التقدمي لا ينحصر الطاغية في الإنسان، بل يتعداه إلى دول وأنظمة استعمارية، فتعظم بذلك المهمة الإيمانية في التخلص من عبودية الأشخاص وتعلو إلى مصاف وطني يرفض التبعية ويكافح من أجل الاستقلال.

 

وقد ظهر قائد الثورة -في مرحلة العدوان هذه- بسمات قيادية فذة، بقدر حجم المواجهة، شخصية واعية بطبيعة العدو، وتمتلك حساً عاليا من الجرأة والثقة، والقدرة على المبادرة وتقدير الظروف واستنهاض الجماهير للمواجهة، وإدارة عملية التفاوض السياسية وفق مبادئ وثوابت محددة، ووفق ما يقتضيه الواقع والفهم العلمي للسياسة، باعتبار السياسة بناءً فوقياً يعكس الواقع الملموس، وفناً لإدارة الصراعات، تَقتضي أن الصمود اليمني على الأرض يَعكس ذاته في ملف المفاوضات، إلا أن قوى العدوان، لم تُرد للسياسة أن تكون معبرة عن الواقع، إنما أرادت استخدامها للتأثير على الواقع بما يخدمها، لا بما يوصل إلى السلام، ويعبر عن ذلك قائد الثورة في حوار مع مجلة «مقاربات سياسية»، جاء فيه: «العقدة المؤثرة على سير المفاوضات والحوارات أن الطرف الآخر أراد أن يحقق بها ما سعى لتحقيقه بالحرب، ولم يفهم أن مسار الحوار والسلام غير مسار الحرب، وإلا فالوفد الوطني قد قدّم من التنازلات ما يكفي لضمان الحل السلمي والتحفيز له، والمشكلة -أيضاً- أن المرتزقة يعتبرون أنفسهم خاسرين بالسلم، وأن استمرار الحرب يضمن تدفق المزيد من النقود إلى جيوبهم؛ ولو سالت المزيد من دماء الشعب اليمني».

 

تصدى السيد عبدالملك الحوثي لمسألة المواجهة العسكرية والسياسية معاً، بإيمان كبير بحتمية النصر، وبقضايا وثوابت وطنية محددة وملموسة اعتبرها غاية الكفاح الوطني، شدد عليها في مختلف خطاباته، وحشد كل الجهود العسكرية والسياسية صوب تحقيقها، وهذه الثوابت هي الحفاظ على حياة الإنسان اليمني بوقف الحرب وفك الحِصار عليه، وانتزاع السيادة الوطنية، وعدم التنازل عن القضية المركزية في مواجهة الأطماع الإمبريالية الأمريكية والصهيونية، بل توطيد الانتماء والانحياز لها والاستعداد للانخراط العسكري انتصاراً لها، باعتبار أن العدوان على اليمن في أحد أسبابه أتى لأن اليمن و»أنصار الله» أشد تمسكاً بالقضية الفلسطينية.

 

من أجل هذه القضية العليا، لم يكن لدى قائد الثورة أي مُشكلة بالشراكة الداخلية وحل القضايا على أساس العدل، بل بتقديم التنازلات للقوى المحلية اليمنية، من أجل إسقاط الذرائع عن العدوان الاستعماري ومن أجل التفرغ له بشكل أفضل. وقد نظر قائد الثورة لقضية مواجهة العدوان كمسؤولية وطنية تاريخية أمام الشعب وكقضية وجودية للوطن اليمني مقارنة بخطورة التهديد العدواني الذي تشنه عليه أغنى دول المنطقة وأقوى دول العالم الغربي.

تعامل السيد قائد الثورة مع أمريكا كصاحبة قرار العدوان، وبالتالي فقد بنى المواجهة على أساس من المسؤولية الكبيرة والشاقة في مواجهة هذه الرغبة الاستعمارية الأمريكية والغربية، وعلى أساس فهم المصلحة الرأسمالية الغربية من استمرار العدوان، وتأثيرها على قرار الهيئات الأممية، انعكس عن هذا الفهم في الصعيد العسكري على ضرورة استمرار دعم الجبهات بشكل متواصل، وتطوير الأسلحة على أساس مواجهة أحدث التقنيات الغربية الأمريكية، باعتبارها أسلحة دفاعية وحق للجمهورية اليمنية، لا على أساس عدوانية الأسلحة وتوظيفها الإقليمي في إطار التنافر السعودي ـ الإيراني، وضمن المسؤولية الوطنية في امتلاك قوة الردع، وفرض هذه المعادلة التي تضمن السلام في إطار واقع دولي لا يحتكم للقوانين الدولية.

 

 

 

المراجــــــع:

 

– السيد حسين الحوثي- محاضرة «يوم القدس العالمي»، 2001/12/14.

 

– السيد حسين الحوثي- محاضرة «الصرخة في وجوه المستكبرين»، 2002/1/17.

 

– السيد حسين الحوثي- محاضرة «معرفة الله، نعم الله»، الدرس الثاني، 2002/1/19.

 

– السيد حسين الحوثي- محاضرة «دروس معرفة الله»، الدرس الخامس 2002/1/22.

 

– السيد حسين الحوثي- محاضرة «من نحن ومن هم»، 2002.

 

– السيد حسين الحوثي- محاضرة «خطر دخول أمريكا اليمن»، 2002/2/3.

 

– السيد حسين الحوثي-  محاضرة «الشعار سلاح وموقف»، 2002/11/16.

 

– السيد حسين الحوثي- محاضرة «سورة البقرة» الدرس التاسع، 2003/11/3.

 

– خطاب السيد عبدالملك الحوثي بمناسبة المولد النبوي الشريف، 2013.

 

– حوار قائد الثورة مع مجلة «مقاربات سياسية»، 2016.

 

– نص خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة عيد الغدير وذكرى ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2016.

 

– خطاب السيد عبدالملك الحوثي في ذكرى عاشورا، 2016.

 

– خطاب السيدعبدالملك الحوثي في الذكرى السنوية لإطلاق الصرخة في وجوه المستكبرين، 2016.

 

– خطاب السيد عبدالملك الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد القائد، 2017.

 

– حوار قائد الثورة مع صحيفة «26 سبتمبر» بمناسبة العيد الـ50 لثورة 14 أكتوبر، 2017/10/12.

– خطاب السيد قائد الثورة بمناسبة ذكرى ثورة 21 أيلول/ سبتمبر و26 سبتمبر في العام 2017.

 

– خطاب السيد عبدالملك الحوثي بمناسبة مرور 100 يوم على العدوان، 2018.

 

– مقابلة للسيد عبدالملك الحوثي مع جريدة «الأخبار» اللبنانية، 2018.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى