الجزائر تحيي الذكرى الـ61 للتفجيرات النووية الفرنسية- الإسرائيلية في صحرائها

تحيي الجزائر اليوم السبت، الذكرى الـــ61 للتفجيرات النووية (الفرنسية – الإسرائيلية) المشتركة في صحرائها، حيث أجرى الاستعمار الفرنسي نحو 17 تجربة نووية بين عامي (1960- 1966).

وأكد الخبراء أمام حجم هذه التجارب المرعبة، أن النفايات النووية والإشعاعات تتطلّب قرونا للتخلص منها وتستدعي ضرورة حشد كل الطاقات من أجل إعادة الحياة لهذه المساحات الميتة وتخليص مئات الآلاف من الجزائريين من جحيم الإشعاعات.

وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية فقد أبرز وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقدوم، اليوم السبت، دور الجزائر من أجل الحظر الشامل للتجارب النووية في العالم.. مذكرا بالتداعيات الاشعاعية الكارثية التي خلفتها التفجيرات النووية التي قامت بها فرنسا الاستعمارية في الجنوب الجزائري.

وقال بوقدوم في تغريدة على حسابه ب”تويتر”، “في مثل هذا اليوم من عام 1960 على الساعة 7:04 صباحا، قامت فرنسا الاستعمارية بأول تفجير نووي في منطقة رقان بالصحراء الجزائرية، في عملية سميت بـ “اليربوع الأزرق”، بقوة 70 كيلوطن، وهو ما يعادل من 3 إلى 4 أضعاف قنبلة هيروشيما، كان لهذا الانفجار تداعيات اشعاعية كارثية لا تزال أضرارها على السكان والبيئة قائمة إلى اليوم”.

من جهته أكد الباحث في التاريخ محمد القورصو على ضرورة استرجاع الأرشيف المتعلق بالتجارب النووية التي أجرتها فرنسا خلال الفترة الاستعمارية بالصحراء الجزائرية لتقييم هذه الجريمة ضد الإنسانية في جوانبها الصحية والبيئية.

وقال: إن “فرنسا مطالبة بتسليم الأرشيف الخاص بسلسلة التفجيرات النووية التي أجرتها في الصحراء الجزائرية من خلال تشكيل ثنائية تعاون جزائرية- فرنسية لتقييم كامل لآثار الجريمة الفظيعة في حق الإنسان والبيئة، لاسيما الكشف عن أماكن دفن النفايات النووية لتحديد الحالة الإشعاعية بالمناطق المتضررة وتفادي ضحايا جدد”.

واعتبر المؤرخ القورصو أن استرجاع هذا الأرشيف الخاص بالتجارب النووية الفرنسية التي استهلت بتفجير يوم 13 فبراير 1960 بمنطقة حموديا بأدرار، سيساهم في تسيير هذا الملف الجوهري المتعلق بالذاكرة الوطنية.. واصفا التفجيرات “بالجريمة في حق الجزائريين وضد الإنسانية والبيئة والتي لا تسقط بالتقادم”.

بدوره، قال الباحث الأكاديمي في تاريخ المنطقة، الدكتور لمحارزي عبد الرحمن، إن فرنسا قامت بتفجيرات نووية تراوحت قوتها بين 20 و70 كيلو طن حملت مسميات مختلفة كاليربوع الأزرق واليربوع الأخضر واليربوع الأبيض واليربوع الأحمر، غير مبالية في ذلك بحرمة البيئة ومختلف مكوناتها بعد أن عملت على إيهام الرأي العام الدولي بخلو منطقة رقان من أي وجود بشري.

وبهذه المناسبة الأليمة قام وفد وزاري جزائري أمس الجمعة، بزيارة إلى ولاية أدرار ودشن منشآت فندقية بعاصمة الولاية وزار معرض متنوع حول الذاكرة التاريخية إلى جانب أنشطة الجمعيات التضامنية والسياحية والمرأة الماكثة بالبيت.. بالإضافة إلى ذلك انطلقت قافلة تضامنية لفائدة ساكنة رقان بولاية أدرار.

وتتكون القافلة التي نظمت تحت شعار (الذاكرة تأبى النسيان) من عدة شاحنات محملة بمواد طبية وشبه طبية وأجهزة التنفس وأخرى لقياس السكر والضغط الدموي والمؤن ومواد غذائية وأفرشة وأغطية وكراسي متحركة لذوي الاحتياجات الخاصة وكذا بعض الاحتياجات المنزلية الأخرى.

من جهته أعلن الأمين العام لوزارة المجاهدين في تصريح للصحفيين بأن هذا اللقاء خصص لإحياء الذكرى الـ 61 لجريمة التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، معتبرا الذكرى أليمة ألمت بالشعب الجزائري.

وعلى هذا الصعيد فقد أكدت جمعية “الغيث القادم” لمساعدة المرضى بولاية أدرار التزايد “المقلق” في حالات الإصابة بمختلف أنواع السرطان والتشوهات الخلقية للمواليد الجدد والعقم خلال السنوات الأخيرة بولاية أدرار، بسبب أخطار الإشعاعات النووية التي لازالت قائمة والناجمة من التفجيرات التي أجرتها فرنسا الاستعمارية بمنطقة رقان ذات 13 فبراير 1960.

ودق رئيس الجمعية التومي عبد الرحمن، ناقوس الخطر حول “الانعكاسات المستمرة للإشعاعات الناجمة عن التفجيرات النووية بمنطقة رقان والتي كانت أغلبها سطحية وهي الى غاية اليوم ذات آثار وخيمة على مختلف مكونات البيئة والمحيط بالمنطقة”.

بدورهم ناشد سكان منطقة رقان السلطات العليا الجزائرية باتخاذ إجراءات وتدابير عملية ميدانية لفائدة سكان منطقة رقان الذين لايزالون يكابدون ويلات معاناتهم جراء الانعكاسات السلبية والآثار الوخيمة للتفجيرات النووية الفرنسية بالمنطقة على الجانب الصحي والبيئي.

ودعت فعاليات المجتمع المدني بولاية أدرار إلى ضرورة تحقيق النجاعة المرجوة من الأرضية الرقمية الخاصة بمكافحة داء السرطان التي أطلقتها وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات للتكفل الأمثل بالمرضى بالجنوب سيما بولاية أدرار التي تعرف تزايدا في عدد المصابين بالسرطان المتسببة فيها الإشعاعات النووية.

فيما أشارت بعض الجمعيات المحلية منها جمعية “الغيث القادم” الى ضرورة تعزيز الهياكل الصحية بالعتاد المتخصص على غرار مركز مكافحة السرطان بأدرار الذي يحتاج الى فتح مصلحة التشريح الباطني للعينات وتدعيم المركز بجهاز التصوير بالرنين المغناطيسي وفتح مصلحة الجراحة العامة وتجهيز مصلحة أمراض الدم لتوفير عناء تنقل المرضى لولاية باتنة.

كما أبرزت أيضا ضرورة الاهتمام باختصاص علاج مرضى السرطان من فئة الأطفال غير المتوفر بالجنوب وإدراجهم ضمن الأرضية الرقمية للوزارة الوصية، وتوفير اختصاص طب الاشعة وجهاز تشخيص سرطان الثدي.

والتجارب النووية الفرنسية في الجزائر هي تجارب لأسلحة دمار شامل نووية وكيميائية، وصواريخ الباليستية قامت بها فرنسا في عدة مواقع من الصحراء الجزائرية أثناء احتلالها لها من 1957 إلى ما بعد الاستقلال سنة 1966.

بداية التجارب النووية:

استيقظ سكان منطقة رقان الواقعة بالجنوب الغربي الجزائري صباح يوم 13 فبراير 1960 الساعة 7:4 على وقع انفجار ضخم ومريع، والذي جعل من سكان الجزائر حقلًا للتجارب النووية وتحويل أكثر 42 ألف مواطن من منطقة رقان ومجاهدين، حكم عليهم بالإعدام، إلى فئران تجارب للخبراء الإسرائيليين وجنرالات فرنسا على رأسها الجنرال ديغول.

وصرح حينها الجنرال لافو بأن اختيار منطقة رقان لإجراء تجربة القنبلة الذرية، وقع في يونيو 1957 حيث بدأت الأشغال بها سنة 1958، وفي أقل من 3 سنوات وجدت مدينة حقيقية برقان يقطنها 6500 فرنسي و3500 صحراوي، جميعهم اشتغلوا ليل نهار لإنجاح إجراء التجربة النووية في الآجال المحددة لها.

وأضاف: إنه وقد بلغت تكاليف أول قنبلة ذرية فرنسية مليار و260 مليون فرنك فرنسي، تحصلت عليها فرنسا من الأموال الإسرائيلية بعد الاتفاقية المبرمة بين فرنسا وإسرائيل في المجال النووي.

وفي صبيحة هذا اليوم المشهود تمت عملية التفجير تحت مسمي “اليربوع الأزرق”، تيمنًا بلون الكيان الصهيوني وأول لون من العلم الفرنسي، هذا التفجير الذي سجل بالصوت والصورة بعد الكلمة التي ألقاها ديغول في نقطة التفجير بحموديا (65 كلم عن رقان المدينة) قبل التفجير بساعة واحدة فقط، وتم نقل الشريط مباشرة من رقان إلى باريس ليعرض في النشرة الإخبارية المتلفزة على الساعة الثامنة من نفس اليوم بعد عرضه على الرقابة.

نجحت فرنسا وإسرائيل في تجاربهما النووية المشتركة وهما تُدركان حق الإدراك أن سكان هذه المنطقة سيعانون لفترة تزيد عن 4500 سنة من وقع إشعاعات نووية لا تبقي ولا تُفرق بين نبات وحيوان وإنسان أو حجر، ارتكبت فرنسا جريمتها الشنعاء مع سبق الإصرار، ذلك أنها كانت تسعى للالتحاق بالنادي النووي آنذاك بنية إظهار عظمتها للعالم مع مد الكيان الصهيوني بالتسلح النووي سراً بأي ثمن.

وكانت أول قنبلة نووية سطحية بقوة ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان عام 1945.. تلتها قنبلة “اليربوع الأبيض” ثم “اليربوع الأحمر” حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي، لتختتم التجارب الاستعمارية النووية بمنطقة حموديا رقان بالقنبلة الرابعة والأخيرة التي سميت “باليربوع الأخضر”، وهذا في 25 أبريل 1961، لتنفتح شهية النظام الديغولي من أجل التنويع في التجارب النووية في العديد من مناطق الصحراء الجزائرية لتصل قوة تفجيراتها إلى 127 كيلو طن من خلال التجربة الباطنية.

وقال الجنرال الفرنسي فاو إن اجمالي التفجيرات بالصحراء الجزائرية 117 تفجير نووي بمختلف المقاييس، وفي يوم الانفجار الموافق لتاريخ 13 فبراير 1960 أحس السكان بزلزال كبير متبوع بغبار كثيف مع وميض ضوئي يمكن رؤيته من كرزاز (بشار) على بعد 650 كلم من حمودية -كما قال الرقاني-.

وفي ذلك اليوم سجلت فرنسا دخولها المدوي إلى نادي القوى النووية، مخلفة وراءها بالحمودية نفايات نووية ملقاة فوق الأرض التي لا زالت بعد نصف قرن تخلف ضحايا لها.

أما التفجيرات النووية المقدرة ب 210 تجربة فقد أجرتها فرنسا ما بين سنة 1960 و1966.

وتعتبر تجارب رقان النووية أهم الاتفاقيات التاريخية بين فرنسا وإسرائيل من خلال الاتفاق السري الذي وقعه الطرفان مع بعضيهما عام 1953، حيث كانت إسرائيل تبحث عن الأرض لإجراء مثل هذه التجارب رغم امتلاكها لحوالي 11 بروفيسور في الذرة شاركوا في تجارب أوكلاهوما الأمريكية و 6 دكاترة و 400 إطار في نفس الاختصاص.

 

في الوقت ذاته كانت فرنسا تبحث عن الحلقة المفقودة في امتلاك القنبلة النووية بعد أن تخلى عنها حلفاؤها القدماء: أمريكا وبريطانيا، وامتنعتا عن تزويدها بالطرق والمراحل التجريبية الميدانية للتفجير النووي، كما استفادت فرنسا بشكل كبير من رؤوس أموال أغنياء اليهود لضمان القوة النووية للكيان الصهيوني بغية تأمين بقائهم في منطقة الشرق الأوسط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى