مراحل تمييع القضية الجنوبية..السعودية وهادي والإصـلاح شركاء في المؤامرة
بدَأَ الضُّبَّاطُ والمتقاعدون في الجيش من أبناء المحافظات الجنوبية في عام 2007م احتجاجاتٍ للمطالَبة بتسوية أَوْضَــاعهم الوظيفية والمالية، وفق الاستراتيجية الجديدة للمرتبات والأجورِ وإعادتهم إلَـى وظائفهم التي أقصوا منها بعد حرب 94م.
واستمرت الاحتجاجاتُ حتى توسَّعت وأخذت بالانتظام وتشكيل جمعيات وغيرها، وزاد الضغط على نظام علي صالح الذي كان يتجاهلهم تَمَـاماً، فأَعْـلَن عن تشكيل لجنة لحل قضية الضباط المتقاعدين لكنها كانت لجنة شكلية الهدف منها امتصاص غضب الاحتجاجات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف تحولت هذه المطالب الحقوقية إلَـى قضية سياسية؟.
والحقيقة أن النظام السابق لم ينفذ شيئاً على أرض الواقع لحل المشكلة وَاستمرار تجاهل النظام أدى إلَـى توسع الاحتجاجات لتعم أغلب المحافظات الجنوبية.
وبدأ النظام باعتقال قياداتهم وسجنهم وقتل المتظاهرين منهم، مبرراً ذلك بأنهم متمردون انفصاليون مخربون رجعيون يريدون الانقلاب على الوَحدة التي كان يردد أنها خط أَحْـمَـر وعمل الإعْـلَام الرسمي وغيره على تبرير جرائم النظام بحملات إعْـلَامية منظمة.
وبسبب ذلك تجولت مطالب أبناء الجنوب من قضايا حقوقية إلَـى مطالب سياسية، على إثرها تشكل فيما عُرِفَ بعدُ بالحراك الجنوبي السلمي، وكان وقتها النظام يشن حروبه على أَنْصَـار الله بصعدة والمحافظات الشمالية >
ثورة 11 فبراير
وعمل الحراك السلمي على تنظيم المسيرات والاعتصامات الأسبوعية في كُلِّ المحافظات الجنوبية تحت شعارات مختلفة، وكان النظام يواجهها بالقتل والقمع والسجن، واستمر الوضع دون أَي أفقٍ حتى تفجرت ثورة 11 فبراير واستبشر بها الـيَـمَـنيون خيراً بما فيهم أبناء الجنوب الذين شاركوا فيها؛ لأن من أهم أَهْـدَافها إسقاط نظام حرب 94 بكل مكوناته وإعَادَة جميع حقوقهم المغتصبة إلَّا أن إعْـلَان علي محسن الانضمام إليها وترحيب حزب الإصْـلَاح به أفقد الجنوبيين الأمل في الثورة والتخلص من أمراء الحروب، لتأتي المبادرة الخليجية الأَمريكية لتحافظ على النظام بشقَيه ولتسلم السلطة لعبدربه منصور هادي وقوى التكفير من حزب الإصْـلَاح.
وخلال تلك الفترة عيّن هادي محافظين ومسئولين في المحافظات الجنوبية من حزب الإصْـلَاح التكفيري الذي رفض التراجُعَ عن فتواه بإباحة دماء أبناء الجنوب عام 94، وهو ما فُسِّرَ بأنه إصرارٌ على تعميق المشكلة وعدم الجدية والنية في حلها وإعَادَة تسليط أمراءِ الحرب عليهم من جديد بدلاً عن التخلص منهم، وهو ما زاد المشهد الـيَـمَـني تعقيداً، وعلى وجه الخصوص في الجنوب.
توقيع المبادرة الخليجية
وعمل عبدربه منصور هادي وحزبُ الإصْـلَاح وقوى النفوذ بإشراف النظام السعودي على تمييع القضية الجنوبية وتفريغها من محتواها من خلال تفريخ مكونات جديدة تابعةٍ لهم باسم الحراك واستقطاب قيادات للحراك واستمالتها، فنشطت الزياراتُ إلَـى الرياض وكثرت المقابلات الصحفية للقيادات المؤيِّدة للنظام السعودي، وإما عن طريق الاغتيالات التي طالت أبرز القيادات المستقلة والحرة، والتي كانت تنفذها عناصر المخابرات الأَمريكية السعودية المسماة قاعدة حتى ظهرت عشرات المكونات السياسية للحراك وتباينت مطالبها ووسائلها.
كما عمل النظام السعودي على إحياء ما يُعرف بعُصبة القبائل في محافظة حضرموت لتشكل جبهة خَاصَّـة بحضرموت؛ لتسعى مملكة الشر من خلالها إلَـى فصل حضرموت عن الـيَـمَـن واستخدامها لمصالحها الإقْليْمية وتوسع نفوذها في المنطقة
- اللجنة الفنية للتحضير لمؤتمر الحوار
قبلت جميعُ المكونات السياسية بمبدأ الحوار لحل مشاكل الـيَـمَـن والخروج به مما يعانيه من أزمات كثيرة فشكّلت لجنة فنية للتهيئة والتحضير لمؤتمر الحوار من جميع المكونات السياسية وخلال عملها قدم أَنْصَـار الله رؤيةً لتنفيذ بعض الخطوات (عُرفت فيما بعد بالنقاط العشرين) تجاه أبناء الجنوب وقضية صعده كبادرة حُسن نية من قبل النظام تجاههم ولجبر الضرر وللتهيئة للدخول إلَـى مؤتمر الحوار إلَّا أن هادي والقوى التكفيرية ومن خلفهم نظام آل سعود رفضوها، وبعد ضغوطات شديدة تم القبولُ بها بعد إجراء تعديلات فيها وصدر قرار جمهوري بها إلَّا أن النظامَ وكعادته عرقل تنفيذها وعطّل إجراءاتها حتى حان موعدُ انعقاد الحوار الوطني ولم يُنفذ منها شيْءٌ، وتم الوعد مرة أُخْـرَى بتنفيذها خلال مؤتمر الحوار إلَّا أنه لم يتم شيْء من ذلك.
- مؤتمر الحوار
انعقد مؤتمرُ الحوار في صنعاء بتَأريخ 18 مارس 2013 وكان هناك رفضٌ من بعض مكونات الحراك الجنوبي للمشاركة فيه، بينما شاركت الأُخْـرَى بفريق برئاسة محمد علي أحمد.
واستمراراً للمؤامرة ضد القضية الجنوبية من قبَل هادي وقوى النفوذ عملوا على عدم الاعتراف بها وتجاهلها ومحاربتها أثناء مناقشة المواضيع المتعلقة بها، ومن تلك المؤامرات أيضاً.
– قدّم الحراك الجنوبي وأَنْصَـار الله رؤيةً واقعيةً ومنصفة لحقيقة نشوء القضية الجنوبية، بينما قدمت بقية الأحزاب رؤية حملت فيها أبناء الجنوب مسئولية حرب 94، وهو ما يعني استمرار الأحزاب في سياستهم تجاه أبناء الجنوب وعدم الاعتراف بالأخطاء في حقهم.
– تم استبعادُ رئيس فريق القضية الجنوبية محمد علي أحمد؛ بسبب رفضه كُلّ الضغوطات التي مورست عليه من هادي وقوى النفوذ للتخلي عن مطالب أبناء الجنوب في الحوار وتم استبداله بياسين مكاوي المقرب من هادي، وعلى ضوئه انسحب نصفُ فريق الحراك وقام هادي بتعيين بديلاً عنهم ممن هم محسوبون عليه واعتبرت هذه الخطوة إجهازاً على ما تبقى من صوت للجنوب في مؤتمر الحوار.
– تم ترحيلُ كثير من المواد المتعلقة بالقضية الجنوبية إلَـى لجان فرعية كانت تتحكّم بها قوى النفوذ، ومع ذلك صدرت بعضُ المواد التي اعتُبرت لصالح أبناء الجنوب كالشراكة في الثروة وإعادتهم إلَـى السلطة بنسب معينة، لكن لم يعلم الحراكيون أن إدراجَ مثل هذه المواد لن ينفعهم بشيْءٍ طالما والمتحكم بالسلطة هادي وحزب الإصْـلَاح ومن خلفهم نظام مملكة الشر.
– وخلال تلك الفترة كان هادي يواجه مسيرات الحراك بالقمع والقوة والسجن
- ما بعد مؤتمر الحوار
كان من ضمن مخرجات الحوار تشكيل حكومة وَحدة وطنية تشمل كافة الأَطْـرَاف إلَّا أن هادي وقوى التكفير منعوا من تشكيلها ورفضوا دخول أَنْصَـار الله والحراك فيها فتم الالتفافُ عليها وأَعْـلَن هادي بن مبارك رئيساً للحكومة وبعد الضغوط الشعبية ومجزرة التحرير المشهورة تراجع عنها ليستبدلها بحكومة بحاح التي لم تضم أَنْصَـارَ الله أَوْ الحراك السلمي، بل ضمت شخصيات محسوبة على هادي وبالرغم من إعْـلَان السيد عبدالملك الحوثي وقتَها تنازل أَنْصَـار الله عن مقاعدهم في الحكومة لصالح أبناء الجنوب إلَّا أن هادي ضرب بكل الاتفاقيات ومخرجات الحوار عرض الحائط.
- ثورة 21 فبراير 2014م
تأزم الوضع الميداني والأمني والسياسي والاقتصادي وأَعْـلَنت قرارات رفع الجرعة السعرية على المواطنين نتج عنها ثورة 21 سبتمبر التي قضت على رؤوس الفساد وتجار الحروب كعلي محسن وأولاد الأَحْـمَـر وبعض قيادات حزب الإصْـلَاح (وخلالها دعا السيد عبدالملك الحوثي قيادات الجنوب في الخارج إلَـى العودة إلَـى بلادهم معززين مكرمين لحل قضيتهم بعيداً عن التدخلات الخارجية)، وبعدها تم توقيع اتفاقية السلم والشراكَة الوطني إلَّا أن هادي وزُمرته وكعادتهم رفضوا تطبيق هذا الاتفاق حتى تدخلت اليدُ الخارجية لنظام قرن الشيطان وقدم بحاح استقالة الحكومة تلاها تقديم هادي لاستقالته.
- نزول هادي إلى عدن
بعد فراره من صنعاء مثّل نزول هادي إلَـى عدن أكبر خطر على القضية الجنوبية، وحينها حذر السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أبناء الجنوب من محاولة هادي نقْل الصراع إلَـى الجنوب على حساب القضية الجنوبية، وأصدرت بعدها مكونات من الحراك بيانات ترفض نزول هادي وتحركاته من عدن التي تمثلت في تسليم المحافظات الجنوبية لعناصر القاعدة والإفراج عن سجنائهم وذبح الجنود ومحاولة تطبيق النموذج الليبي من خلال إعْـلَان عدن عاصمةً للـيَـمَـن واستجلاب القاعدة إلَـى الجنوب عبر رحلات يومية إلَـى المكلا وعدن… إلخ.
- العدوان السعودي الأمريكي على اليمن
وجاء العُـدْوَانُ السعودي الأَمريكي ليُقضيَ على ما تبقى من القضية الجنوبية من خلال استهدافه للجنوب ونشْر القاعدة فيها بشكل كبير وتسليمها آبار النفط ومعسكرات الجيش، كما حدث في شبوة وحضرموت، واستخدام أبناء الجنوب كوقود لحربهم ضد الجيش واللجان الشعبية تحت عناوين طائفية ومناطقية بغيضة وهو نفسه النظام الذي شن عليهم حرب 94 بنفس الشعارات التي يغرر بها على أبناء الجنوب.
وتأكيداً لاستهداف الـيَـمَـن عمل العُـدْوَان على تدمير كُلّ البنية التحتية له بما في ذلك الجنوب من كهرباء ومصافي عدن و… إلخ، زاد في الأخير إنْـزَال جنود ومرتزقة أَجَـانب إلَـى عدن لمحاولة احتلالها.
ومع أن أَنْصَـار الله أَعْـلَنوا أَكْثَـر من مرة استعدادَهم تسليم المحافظات الجنوبية لأبنائها ليديروا شئونهم بأنفسهم إلَّا أن العُـدْوَانَ السعودي الأَمريكي يمنع الوصول إلَـى ذلك، كما صرح الناطق الرسمي لأَنْصَـار الله محمد عبدالسلام مُؤخراً، في عرقلة تامة لحل القضية الجنوبية من قبَل نظام قرن الشيطان الذي كشف أنه وراء كُلّ ما يحدث للجنوب منذ 94 م وَأَن قوى التكفير وأمراءَ الحروب كانت مجرد أداة بيده للعبث بالـيَـمَـن وشعب.