بَرُّ الأمان
|| مقالات || أحمد يحيى الديلمي
ونحن على مشارف العام السابع من هذا العدوان الهمجي السافر الذي تكالب فيه العالم على اليمن واليمنيين ، لابد أن نبدأ التفكير بمستقبل هذا الوطن على أساس سليم وأن نُعمِّل العقل في كيفية صناعة هذا المستقبل لنصل بالوطن والمواطن إلى بر الأمان ، وهنا لا يجب أن يحاصر أي إنسان الإحساس بأن أي طرف بذاته يحاول اختطاف البلاد لصالحه، وهي مخاوف مشروعة لها ما يبررها استناداً إلى مرارة تجربة ما سُمي بثورة الربيع العربي الذي عانى تيار أنصار الله منها كثيراً بعد أن نالهم التنكيل والقمع والمطاردة والإقصاء القهري مع أنهم كانوا شركاء فاعلين في الثورة وإذكاء جذوتها إلا أنهم تعرضوا للكثير من المشاكل والاستهداف المبرمج من قبل من وصلوا إلى سدة الحكم .
لكن هذا لا يعني أن يتعاملوا مع الواقع بروح انتقامية ، فمن العيب أن يحاول أي طرف استغلال واستثمار التضحيات الكبيرة من قبل الشباب المؤمن للاستئثار بكل شيء ، بل على العكس لابد أن تتفاعل الروح اليمنية العظيمة التي جسدها الشعب كل الشعب في جبهات العزة والكرامة وأن نحتكم جميعاً إلى الرؤية التي اختزلها الشهيد العظيم صالح الصماد في المقولة الخالدة (يد تبني ويد تحمي )، ففي تلك الروح المذهلة بأفقها الإيماني الحل السحري لكل المشاكل والأزمات التي تراكمت، ولابد أن يُدرك الجميع أن عملية بناء الدولة تتطلب تكاتف الجهود وتفعيل الحوار المجتمعي والتحام الجماهير بقيادتها السياسية لمواجهة الأزمات والتحديات الكبيرة كأساس للتعبير عن روح وعظمة المجاهدين التي ترفض الانكسار وتُصِرُّ على الانتصار مهما تكالبت عليها الظروف ، ولكي يحس الجميع بروعة ذلك الانتصار لابد أن يتعاظم الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى وتتعزز الثقة بعظمته وتأييده لعباده المستضعفين ، وبالتالي تتحدد خطوات المستقبل اعتماداً على نظرية الحرب والقتال كرجل واحد في هذه الظروف، بحيث لا يعلو أي صوت على صوت المعركة والارتهان إلى قاعدة ( النصر أو الشهادة ) التي آمن بها المجاهدون ، بعد ذلك يتم حشد الطاقات واستغلال الثروات الطبيعية غير المستغلة وتوظيف الطاقات المهدرة واستقطاب العقول الجبارة المهملة والخبرات النادرة لتشكيل جبهة البناء والتنمية والاتجاه صوب بناء اليمن العملاق في محيطه العربي وعالمه الإسلامي وفضائه الإنساني ، أي أنه لابد أن تشع روح الثقة بنصر الله سبحانه وتعالى وتأييده في كل الميادين وتشرق في كل الوجوه لكي تُنعش الروح الوثابة للمجد والكرامة وصيانة السيادة والاستقلال ، كل هذا يتطلب منّا الاعتراف بالحقيقة، ومفادها أن أزمة اليمنيين اليوم تكمن في انعدام الثقة التي تراكمت خلال العقود الماضية ، وجاء العدو لكي يعمقها في النفوس ، ثم انتقلت من داخل المواطن إلى طبقات المجتمع ، ومن طبقات المجتمع احتلت مكانة بارزة بين الدولة والشعب، بحيث استفحلت في أوساط القوى والنخب السياسية وقادة الرأي، وهي حقيقة مؤلمة تولد دوماً الصراع وتجعل السباق المحموم لنيل المكاسب واستغلال تضحيات الأبرياء من أبناء هذا الوطن للظفر ببعض المكاسب المهترئة ، وهذا هو الأساس الذي يجب أن نفكر فيه الآن، فالهموم كثيرة والصعاب أكبر ويجب على الجميع استشعار المسؤولية بحيث نرفض جميعاً أن يستغل طرف معين الدين لصالحه، أو يحتكر الوطنية لصالحه ويحولها إلى سيف مسلط على رقاب الآخرين ، فهذه أعمال لا تليق ببلد منتصر قاوم ثماني عشرة دولة بكل ما تمتلكه من أسلحة وآلات دمار شامل .
نحن جميعاً- الحمد الله- في اليمن مسلمون ولا يمكن لأحد أن يزايد على الآخرين، ويكفينا تلك التجربة المؤلمة التي كرّسها الإخوان في فترة حكمهم وكادوا يقضون في تلك الفترة على الأخضر واليابس ، وأتهموا كل اليمنيين بالكفر والإلحاد، وهي صورة ممقوتة وخطيرة تصنع الفرقة وتعزز الصراع وتمنح الآخرين الفرصة الذهبية لكي يستولوا على كل شيء وهذا هو مربط الفرس والطريق الوحيد للوصول بالوطن والمواطن إلى بر الأمان وهو طريق معزز بالدليل إذا ما سلكه الجميع وصلوا باليمن واليمنيين إلى المكان الذي يتطلع إليه كل مواطن يمني شريف ، لا يجب الانجراف نحو شيطنة الآخر سواءً المعارض أو الصامت ووضعه في خانة المروق السياسي ، بل يجب تفعيل الحوار معه والوصول إلى نقطة التقاء أساسية يُغلّب فيها الجميع المصلحة العليا للوطن ويعملوا بعيداً عن المزايدات أو الشعارات الزائفة التي لا تسمن أو تغني من جوع .
في النهاية.. لا يسعني إلا أن أوجِّه تحية إكبار وإجلال للشهداء العظماء شهداء اليمن الأوفياء الذين قدموا أرواحهم رخيصة من أجل رفعة هذا الوطن ومجده واستقراره ، لقد بذلوا أرواحهم دون أن يسألوا عن المقابل أو الثمن الجماعي أو الفردي ، بل رحلوا في صمت مُهيب مكلل بالجلال والوقار والإيمان الصادق بالله ، وقدموا لنا الحل الناجع لكل الأزمنة والظروف، فأكدوا أن المسعى الوحيد لإنقاذ البلاد من الأزمات يكمن في الوحدة وتفعيل باب الجهاد بمعناه الواسع واحتشاد الجماهير في كل الميادين لكي نترجم ذلك الشعار العظيم (يد تبني ويد تحمي ) في الميدان ، ونوقظ روح التحدي والصمود لإسقاط الاستبداد ومحاربة الفساد وهذا أهم برنامج يجب أن يُفعّله الجميع إذا أردنا بالفعل الوصول إلى بر الأمان .. النصر لليمن والعزة والكرامة لأبنائه من المجاهدين الأبطال .. والله من وراء القصد..