الوفاء مقابل التضحيات
|| مقالات || د. عبدالغني عبدالله جغمان
تناول السيد القائد في خطابه أمس بمناسبة يوم الشهيد، محاور متعددة منها: أن لكل مشروع وثورة تحررية واستقلالية تضحيات جمه تبذل على كل المستويات ، وبشكل خاص عندما يكون مشروع التغيير مشروع استقلالي تحرري يشمل تغييراً جذرياً وقضية أصيلة ويحمل في طياته رسالة وغاية ساميتين، مشروع عجزت عن تحقيقه دول وممالك كبرى في عالمنا العربي في السنوات الماضية.
يوم الشهيد هو يوم نقدر فيه التضحيات الكبرى التي يقدمها أبناء اليمن ومقاتليه من اجل غاية سامية ألا وهي تحرير القدس، يوم فخر واعتزاز بشهدائنا الأبرار من أبناء الجيش واللجان الشعبية الشرفاء، وبالملاحم البطولية التي سطروها في ساحات العز والشرف دفاعاً عن تراب الوطن ومكتسباته ومصالحه العليا خلال ما يزيد عن ٢١٠٠ يوم في صمود وصبر واستبسال منقطع النظير.. يوم نعبر فيه عن تقديرنا الكبير واعتزازنا اللامحدود بما قدمه هؤلاء الأبطال من تضحيات، من أجل أن نحيا أعزاء كرماء في وطننا، ومن أجل أن نواصل مسيرة التنمية والبناء، ومن اجل استعادة موقع اليمن المحوري في المنطقة، فهم ضحوا بأرواحهم من أجل أن نحيا نحن في عز وكرامة ومن أجل أن تبقى راية هذا الوطن عالية خفاقة مستقلة بقرارها، حرة في إرادتها.
تعكس هذه التضحيات معنى «الوطنية» الحقيقة، هذه الوطنية لا تظهر إلا في ساعة الزحف والعدوان، فالوطنية ليست كلمة تٌقال، إنها التحرك، التلبية، البذل، المسئولية، التضحية التي لا حدود لها وهي ما نشاهده على شاشات التلفاز في جبهات العز والكرامة وفي الريف والحضر اليمني بشكل يومي. فالشهداء ادركوا أنهم سينالون إحدى الحسنيين، إما رؤية النصر المؤزر على الأعداء، وإما الاستشهاد والفوز بالجنة، ولكنهم في الواقع يكافؤون بالاثنتين معاً، فهم يسهمون في صناعة النصر، ويكللون بالشهادة، فما كان جزاء التضحيات هذه إلا منحة الباري عز وجل في وضع الشهداء في مصاف النبيين والصديقين، ووعدهم رب العزة سبحانه وتعالى بجنات الخلد، كما قضى لهم سبحانه وتعالى بالحياة بعد الشهادة والخلود، قال تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١٦٩- آل عمران) وقوله تعالى (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ (١٥٤- البقرة)) صدق الله العظيم
اليوم عالمنا يمر بلحظات تحول كبرى، والخريطة تشهد إعادة تشكيل لمكوناتها في فرز واضح كما قال السيد القائد في كلمته ، غربلة لكل المتصهينين من أحذية الأمريكان والصهاينة التي على رأسها الأنظمة الخليجية وغيرها من الأنظمة العربية، الذين يتبنون التطبيع والتبعية للغرب ودعم الإرهاب التكفيري والتحريض الطائفي وغيرها من السياسات التي تقوّض الأمن القومي العربي، وتهدر الثروات العربية، وبالتالي تعيق التنمية الاقتصادية، وتُغرِق البلدان العربية بالفتن والدماء.
في المقابل .. هنالك محور قوي للمقاومة بقيادة إيران المناهِضة للهيمنة الغربية والعدو الصهيوني، والساعية للحفاظ على استقلالها وقرارها ونموذجها التنموي، هي علاقة تحالف ندّي مع دولة جارة تجمعنا بها روابطُ كثيرةٌ ومصالحُ مشتركةٌ، وهي ليست علاقة تبعية، ومحور المقاومة هو محور مقاومة الهيمنة الغربية والاحتلال الصهيوني، وليتذكر من يهاجمون إيران اليوم باسم العروبة أنها لو تخلت عن قضية فلسطين فقط لخفّ الضغط الغربي عليها كثيراً، وهو العرض الذي يقدمه لها الغرب في كل مناسبة، بل بالعكس يجب أن نقدر موقفها الداعم لقضية قومية عربية بالأساس، هو أشرف بألف مرة من موقف من يطبع ويخضع للغرب ويضع مقدراته وثرواته، وهو موقف يتطلب أن نُخضِع أي خلاف للتناقض الرئيسي مع الطرف الأمريكي-الصهيوني.
وبتقديرنا فإن الجانب الأخطر من الهجمة الإمبريالية الاستكبارية على بلادنا وعلى مشروعنا التحرري، يتمثل بالدرجة الأولى بالإخضاع السياسي وسلب القدرة على التطلع إلى المستقبل بحرية واستقلال، وفي مقدمة فقرات مقاومة هذا المشروع الاستقلالي:
زيادة حجم الاستقلال الاقتصادية: وفي تفاصيله الجانب الغذائي(الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي)
نقص فجوة التأخر العلـمي: وفي تفاصيله التكنولوجية والبحثية والمعرفية.
تعزيز المفاهيم الاجتماعـية: وفي تفاصيله الحفاظ على شخصية مجتمعنا القبلي العربي الإسلامي.
تعزيز الهوية الإيمانية والثقافية: وفي تفاصيله مفردات الهوية الإيمانية للشعب اليمني، وإحياء الإرث التاريخي والحضاري اليمني الأصيل.
وعليه .. ومن باب رد الجميل وتخفيف المعاناة عن أسر الشهداء والجرحى والأسرى، واستجابة لقوله تعالى ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) “. (٥٨-٥٩) سورة النساء.
وهنا ندعو المفكرين والعلماء والمثقفين إلى وضع إطارات عامة، يمكن أن تحشد وراءها الحجم الأكبر من الجمهور لدعم الجبهات ورفدها بالمال والرجال، وملامسة احتياج المواطن وتعزيز ثقته في مؤسسات الدولة من خلال تفعيل دور المؤسسات وفرض العدل والمساواة وتكافؤ الفرص أمام القوانين، وفرض قيام دولة سيادة القانون العادل، كما يجب تبني فكر اقتصادي معرفي ومجتمعي ودعمه بكافة الأشكال، والتصدي لمشكلات التصنيع والتنمية بكافة فروعها، وتحقيق ثورة علمية/معرفية/ثقافية، وانتهاج أساليب سياسية ناجحة مع تفهم لمعطيات العصر وسماته ومؤشراته.
اليمن بحاجة إلى نظام فاعل يبدد آخر آثار ومظاهر وبقايا الفساد والمحسوبية والسبات الطويل، وليمضي باليمن إلى القرن الواحد والعشرين وإلى بناء دولة يمنية حديثة تضمن العز والكرامة للشعب اليمني الأصيل.