التقديرات الديسمبرية لعفاش
حزام الأسد*
لم يكن يومُ الثاني من ديسمبر ٢٠١٧م إلّا نتاج ومحصلة لمقدمات وخطوات كبيرة.
وبحسب اطلاعي وتقييمي للواقع، فقد جرى الإعدادُ لهذا اليوم من بعد ثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م، والأدلة كثيرة، فمجرياتُ الأحداث التي رافقت مرحلةَ ما قبل العدوان وأثناء العدوان كانت تدُلُّ على حالة التربص والتحريض الممنهج وتأليب الشارع على القوى الثورية والشخصيات الجهادية المخلصة عبر يافطات الفساد وشراء الأراضي والفلل والثراء المفاجئ، وتارةً عبر التلويح ودغدغة العواطف بعبارات السلام ورغبة المجتمع اليمني بوقف الحرب والاقتتال، حَــدَّ وصفهم، وأحياناً كان بالدفع عبر عناوين الفشل الإداري والعسكري، وأنه لولا عفاش ورجال عفاش ومخزون عفاش التسليحي لما صمدت البلادُ ولما أُديرت الدولة ولما انتصر الجيشُ واللجان ولما أُطلِقَ صاروخٌ واحد!
لهذا فقد تحَرَّكَ عفاشٌ بعدة مسارات، وأصبح منطقُه وتصريحاتُه تنسجمُ كَثيراً حَــدَّ التطابق مع منطق الإعلام الإماراتي والسعودي وبات محمد بن سلمان يصفُه بالأسير لدى من أسماه بجماعة الحوثي والمجبور على مواقفَ لا تمثل توجّـهاته، كُـلُّ تلك المقدمات والخطوات التي سبقت إعلانه الواضحَ والصريحَ للخيانة في ديسمبر ٢٠١٧م كانت تنفذ وتمر بعضها أمام نظر القيادة والأجهزة الأمنية ومختلف أبناء الشعب اليمني؛ ونتيجةً للصبر وإعطاء الفرصة تلو الفرصة من قبل القيادة لتفويت ما يطمح إليه العدوّ الخارجي، إضافةً إلى الالتفاف والتسليم الكبير من غالبية أبناء الشعب اليمني للقيادة الثورية المتمثلة بالسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الموسوم بالعفو والصفح وبالصبر.
ظن عفاش أن الظروفَ المحلية والإقليمية أصبحت مواتيةً لتمرير مشروعه الذي كان يهدفُ إلى قتل المشروع الوطني المقاوم للغزو والاحتلال وإعادة البلد إلى بيتِ الطاعةِ السعودي الإماراتي الأمريكي، لقد كان عفاش يرتب لمعركة محسومة قصيرة وخاطفة بعد أن رتب وهيأ لها، لا سِـيَّـما بين عامَي ٢٠١٦م – ٢٠١٧م بشكل كبير، وكانت المعطيات والتقديرات لديه مبنية على المحيط الضيق والمتأثر بنشاطه الدعائي من بعض القيادات العسكرية والقبلية المرتبطة به ومعه في نهب ثروات البلاد والارتهان للخارج طيلة أكثر من ثلاثة عقود؛ ولهذا تم الدفع به لإعلان الخيانة في مراحل عديدة بين تلك الفترة ولولا ما كان يخشاه من الفشل لأعلن عن موقفه الخياني في أغسطُس ٢٠١٧م وربما قبل ذلك، لا سِـيَّـما والغطاءُ المالي والعسكري الإماراتي كان متاحا له والدفع النخبوي ممن يسمى حينها بصقور المؤتمر أَو ما يسمى بجناح طارق عفاش كان كبيراً، بالإضافةِ إلى الرغبة الجامحة لديه بالسلطة والحلم بالعودة للحكم والتسلط ولو بالطريقة الأولى التي بدأها مع النظام السعودي نهاية السبعينيات عبر التخلُّص الدموي من حاملي المشروع الوطني، وعلى رأسهم الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي؛ ولهذا فقد تكامل الحلم السلطوي مع الدفع النخبوي من زُمرة الفيد والفساد التي رافقت نظامه إلى جانب الوعود والطمأنة الإماراتية والسعودية والإشارات الأمريكية لإنجاح تحَرّكه العسكري، وبهذا واصل مشروعَه الخياني وعمد عبر مخطّط عسكري وأمني وإعلامي ومجتمعي محكَم إلى إسقاط العاصمة صنعاء وعددٍ من عواصم المحافظات وقطع خطوط الإمدَاد والتموين عن الجبهات العسكرية من خلال قطع الطرق وفرض الكانتونات وتقسيم المدن إلى مربعات أمنية وإحكام السيطرة على مداخل ومخارجِ المدن وربط التحَرّك بغُرفةِ عمليات وسيطرة مرتبطة بأبو ظبي، والاعتماد على أُسلُـوبِ الصدمة وإرهاب المجتمع عن طريق الإفراط في سفك الدماء وقنص وقتل المارة والمسافرين ولو لمُجَـرّدِ رؤيةِ اللون الأخضر أَو الشعار أَو صورة شهيد على سيارة أَو الاشتباه بالانتماء للجيش واللجان؛ ولذا فبعد إعلانه الخيانةَ وخلال ثلاث ساعات ارتسم المشهدُ بشكل أوضح وبان وانكشف ما كان يحاكُ ويدارُ خلفَ ستارِ الوطنية والشراكة في مواجهة العدوان خلال أكثر من عامين.
لم تكن تقديراتُ عفاش مبنيةً على واقع الشعب اليمني ٢٠١٧م الذي أصبح فيه الأغلب إن لم أقل الجميع متصدراً للقضية الأَسَاسية والمشتركة في مواجهة العدوان وعاقد الأمل على قيادة استثنائية شابة ومخلصة لله ولقضايا شعبها تستقي وتنهل قيمها ومبادئها وتستلهم تحَرّكاتها ومواقفها من منهج الله تعالى وترتكز في قوتها على تأييده وثقتها به وعلى عدالة القضية والتفاف الشعب اليمني حول توجيهاتها، كما أن تضحياتِ أبناءِ الشعب اليمني والأعداد الكبيرة من الشهداء سواء شهداء المظلومية من الأطفال والنساء والمدنيين ممن استهدفهم العدوان بتعاون عناصرَ داخلية متعاونة معه بالرصد والمعلومات والتصويب أَو شهداء الموقف من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة والتي أصبحت روضاتُهم تزيِّن معظم قرى وعزل ومدن الجمهورية، بما تمثله تلك الأرواح والدماء من وقودٍ لمواصلة درب الجهاد والكفاح حتى الانتصار ووقف العدوان ورابطٍ مشتركٍ وعهدٍ وثيقٍ لجميع أبناء الشعب اليمني للثأر لكل تلك التضحيات، ومع كُـلّ تلك المعطيات والثوابت الواقعية التي لم يدركْها عفاش ولم يلتفت إليها شياطينُه ودافعوه؛ كون تركيزهم الإعلامي كان في مسار استغفالِ العقول وتسميم الأفكار عبر شمَّاعات الفساد والفقر والجوع والثراء والفشل الإداري وتقديم نفسه بصورة مزيفة ومزورة كصانعٍ للإنجازات والانتصارات ومديرٍ للمعركة وسرٍّ غامضٍ للصمود! وأن كُـلّ انكفاء أَو تقهقر يحصل هو نتيجة لمخالفة توجيهاته العسكرية وتجاوز لخططِه وحبكاته وبهذا المنطق والمسار خاطب الشعب اليمني بخطاب المستغفل والمستخف، غير مدرك بأن القناعاتِ الراسخةَ لدى الجميع هو أن واقعَ البلاد اليوم وما وصل إليه الوضع الاقتصادي والإداري وغيره مَـا هو إلَّا انعكاسٌ لفساد الماضي، وما العدوان على الشعب اليمن إلَّا نتيجة لحالة الارتهان ومسيرة العمالة التي امتدت لأكثرَ من ثلاثة عقود، وأن تضحياتِ الشعب اليمني اليوم تأتي في سياقِ التكفيرِ عن الماضي وإعادة الاعتبار لبلد كان منزوعَ السيادة وشعب ظل مسلوبَ الإرادَة لعقودٍ ولا يحظى بالاحترام بين الشعوب.
وبهذا فقد تجاوز عفاش جهلًا وغرورًا واقعًا كان الأحرى والأجدى له أن يعيشَه منكفئاً على نفسه نادمًا على حياة قضى معظمَها في جرائم وجنايات وخيانات وعمالة بحق شعبه وقضايا أمته، طالبًا من الله ومن الشعب التجاوُزَ والمغفرة، ولهذا فقد ارتسمت آياتُ الله وسننُه في خلقه بتحديد النهايات ورسم مصير الطُّغاةِ والمجرمين عندَ ما انتصر الحقُّ رغم وضعِه المتواضع وقلةِ إمْكَانياته وتلاشى الباطل بكل ما يملِكُ من إمْكَانياته وقدراته والدعم والغطاء الخارجي.
“وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا”.
“وكان حقَّا علينا نصرُ المؤمنين”.
“ولا يحيق المكرُ السيءُ إلَّا بأهله”.
“ويمكرون ويمكرُ الله واللهُ خيرُ الماكرين”.
“والله لا يهدي القوم الظالمين”. صدق الله العظيم.