التعليم ومتطلبات النهوض والتطور

عبدالفتاح علي البنوس

 

سُئل مسؤول رفيع في الحكومة اليابانية عن سر النهوض والتطور الذي شهدته بلاده والذي جعل منها من الدول العظمى في الجانب الاقتصادي فكان رده ( إنها ثمرة اهتمامنا بالتعليم ودعمنا للمعلم، لقد منحناه راتب الوزير وحصانة الدبلوماسي ) وفي ذات السياق أرجع باني الدولة الماليزية، أحد النمور الأسيوية السبع مهاتير محمد، سبب تطور ماليزيا والقفزة النوعية التي شهدتها في مختلف المجالات إلى ثورة التعليم التي شهدتها البلاد، والمتأمل للدول الأسيوية والأفريقية التي شهدت تطورا مضطردا في مختلف المجالات حتى غدت من الدول المتقدمة التي يشار إليها بالبنان، يدرك جيدا بأن اهتمام هذه الدول بالتعليم النوعي ومنح هذا القطاع الهام النصيب الأوفر من موازناتها واعتماداتها المالية كان السبب الجوهري والأساسي في الوصول إلى المستوى من التقدم والتطور.

فالتعليم هو حجر الزاوية في عملية النهوض والتطور، به تبنى الدول، وترتقي الشعوب، وتنهض الاقتصاديات، ويتحقق التطور المنشود في شتى مجالات الحياة، بالتعليم نصنع الوعي في أوساط الشعوب، وبالوعي يحصل البناء والتحديث والتطور والنماء، وفي بلادنا ونتيجة للسياسة الرعناء التي تعاملت بها السلطة السابقة لملف العملية التعليمية والتربوية، شهدت التعليم تراجعا مخيفا من حيث الكم والكيف والمخرجات وخصوصا عقب ذهاب السلطة إلى اتخاذ قرار يمننة التعليم والاستغناء عن الكوادر المصرية والسودانية والأردنية والسورية التي كانت عاملة في اليمن.

تم الاعتماد على مخرجات معاهد المعلمين بدرجة أساسية في عملية اليمننة وهي مخرجات دون المستوى المنشود، وفجأة بدأ مستوى التعليم يتدهور تدريجيا وخصوصا في ظل التحاق خريجي كليات التربية بالحقل التربوي، بعد أن تحولت الشهادة الجامعية إلى ما يشبه التحصيل الحاصل بعد دراسة أربع سنوات، بغض النظر عن مستوى وإمكانيات الكثير من هؤلاء الخريجين، الذين يجد بعضهم صعوبة بالغة في القراءة والكتابة بالطريقة الصحيحة، أضف إلى ذلك تعمد السلطة السابقة نسف المناهج الدراسية التي كانت سائدة والتي تمثل خلاصة للأبحاث والدراسات التي قامت بها لجان تربوية من مختلف الدول العربية، وسارت خلفت المخططات الأمريكية والسعودية التي تستهدف التعليم، وتسعى لإفراغه من محتواه، والاتجاه بالعملية التعليمية والتربوية نحو السطحية، من خلال تغيير المناهج والاهتمام بالمظهر وإغفال الجوهر، والاهتمام بالكم على حساب الكيف، والمحصلة مناهج دراسية غير ذات جدوى، لا تراعي القدرات العقلية للطلاب والطالبات في مختلف المراحل، مناهج تتناغم مع المناهج السعودية، مناهج يجد المعلمون صعوبة في فهمها وفك رموزها، فكيف سيتمكن الطلاب من فهمها ؟!! ومن هو المعلم الذي يمتلك القدرة على تعليمه وإفهامه إياها ؟!!

وفي ظل العدوان والحصار وانقطاع المرتبات زاد وضع التعليم الحكومي تدهورا، على حساب التعليم الأهلي الذي شهد إقبالا واسعا على الرغم من تدني مستوى مخرجاته، وصار التعليم الحكومي في حالة يرثى لها، وزارة التربية والتعليم ورغم جهودها المبذولة في ظل الإمكانيات الشحيحة إلا أنها لا تؤتي ثمارها في ظل انقطاع المرتبات وعدم قدرة الحكومة على توفير الحد الأدنى من الراتب، وهو ما يتطلب معالجات سريعة وعاجلة في مقدمتها تفعيل المشاركة المجتمعية الشهرية الرمزية التي تصرف للمعلمين والمعلمات العاملين في الميدان، والتنسيق مع الأمانة العامة للمجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي لمخاطبة المنظمات الداعمة بتوفير سلل غذائية للمعلمين لتشجيعهم على مواصلة العملية التعليمية إلى حين قيام المجتمع الدولي بمسؤولياته والتزاماته وتعهداته بالضغط على قوى العدوان وحكومة الفنادق لصرف المرتبات وفق الآلية التي تم الاتفاق عليها في السويد.

بالمختصر المفيد: التعليم في اليمن بحاجة إلى ثورة وعي، ثورة بناء للمعلم وللبنية والوسائل والمناهج التعليمية، ثورة تعمل على جودة وتحسين مخرجات العملية التعليمية والتربوية، ثورة تعيد الاعتبار للتربية والتعليم الحكومي، ثورة تضع نهاية للوضع القائم، والبداية تكمن في التدريب والتأهيل للكادر وحسن اختيار الكفاءات العلمية من التربويين وتحويل الكوادر غير المؤهلة للتدريس للعمل في الجوانب الإدارية لضمان جودة المخرجات وفاعلية وتأثير ثمرتها.

قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم، هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى