رؤيةُ النفط وامتدادُها التطبيعي
إبراهيم عطف الله
منذ أن أعلنت السعوديةُ عن خطة التحول بعيدة المدى المعروفة بـ”رؤية 2030″، رأى أكثر المعنيين بالشأن السعودي في فشلها؛ نظراً للخلل المزمن في البنية السعودية، والمتمثلة بشكل رئيسي في اقتصاد وهمي قائم على استخراج وبيع النفط بنسبة 90 %، وكذلك كون الرؤية رُوّج لها إعلامياً أكثر من كونها تطوراً اقتصاديًّا ملموساً في وقت تعاني فيه الرياض من عثرات عدة.
لكنها تأتي ضمن خطوات تمهيدية لتطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، وتجذرها بشكل شامل وعلني، على خلفية التعاون الاقتصادي لتنفيذ الرؤية، والأكثرُ أهميّةً هو تأسيسُ علاقة أكثر متانة عن طريق إقامة علاقة عميقة بين البلدين، تتشكل في سياق شراكة اقتصادية مفيدة للطرفين إلى جانب الشراكة السياسية والعسكرية، والحقيقة أن المملكة تعاني من أزمات داخلية وخارجية لا يمكن أن تجد طرفاً متوافقاً معها سوى إسرائيل، والتطبيع معَها، ممهدةً بلسان أحد مسؤوليها في الجامعة العربية قبل فترة قائلاً::إن السعودية وإسرائيل ملتزمتان بسياسات عقلانية ومتوازنة على مدى سنوات، وإن في المملكة مئات اليهود من شتى العالم يفيدون الاقتصاد ويساهمون في المشاريع، وإن ضرورة توسيع العلاقات فيما بينهما سيشكل قاعدة ثابتة”، مُضيفاً أن “إسرائيل والسعودية قادرتان على تشكيل عمودين توأمين جديدين لاستقرار المنطقة، ومعاً سيكون بإمْكَانهما تعزيز السلام والتنمية في الشرق الأوسط”.
ووفقاً لتصريحات م. ب. س. فَـإنَّ تلك «الرؤية» تهدف لنقل السعودية إلى حقبة ما بعد النفط بتنويع مصادر الدخل، تم الإعلانُ عنها في ربيع 2016م، والتي تنصُّ على مشاريع عدة وطَموحة بتكلفة مئات المليارات والدولارات يتم توفيرها من مصادر عدة أبرزها العائدات النفطية إلى جانب بيع قسم من شركة النفط العملاقة “أرامكو” في البورصة العالمية، لتسخّر المملكة قوتها الاستثماري الهائل وتحظى بموقع استراتيجي مميز يساعدها في تعزيز مكانتها كمحرك رئيسي للتجارة الدولية ومحور يربط ثلاث قارات أفريقيا وآسيا وأُورُوبا.
وتَعِد بتنويع الاقتصاد السعودي على مدى 14 سنة مقبلة، وأنّ العام 2020 سيشهد قدرة المملكة على «العيش من دون نفط»، ولكن غالبيةَ طموحاته بصدد «رؤية 2030» تكسرت تباعاً، وانتهت ركائزها الكبرى إلى فشل ذريع، لعلّ أبرز أسباب فشلها هو توريطها في العدوان والحرب على اليمن طيلة ستة أعوام، إلى جانب تقلبات أسعار النفط، وسياسات آل سعود على أصعدة شتى، بما في ذلك المتغيرات الاجتماعية كـ (الإيحاء بمحاربة الفساد، ومنح المرأة الحرية المطلقة، واعتقال النشطاء والشيوخ والأمراء، وقمع المعارضين، وأكثرُها أثراً اغتيالُ الصحفي جمال خاشقجي، إلى جانب شراء أسلحة أمريكية بأكثر من 200 مليار دولار، لتشكيل تحالف العدوان على اليمن).
ومن ضمن أسباب الفشل، ارتفاع نسبة البطالة خلال الربع الثاني من 2020م إلى 15,4 % بمعدل 8,1 % للذكور، و4,31 % للإناث، بالرغم من ترحيل ملايين المقيمين، والتي كان من أبرز أهداف الرؤية منح السعوديين وظائف جديدة، وما حدث هو العكس.
مؤشرات انهيار الرؤية بدأت قبل فترة طويلة سبقتها مسرحية “شرعية الفنادق”، ثم مغامرات بن سلمان في توريط الخزينة حول مشروع خرافي وهمي ببناء مدينة “نيوم”، ثم تلاها ظهور فيروس كورونا وانتشاره وعدم احتوائه، وكذلك مناطحة روسيا وغيرها حول سعر البرميل النفطي، إلى جانب المزيد من العبث في اليمن والتخبّط بين صواريخ الجيش واللجان الشعبيّة.
كذلك سوء الأداء، قسر السياسات، طموحات خيالية بأكثر مما يتيح الواقعُ الفعلي، وثمة السياسة العمياء، وتورّطه مع الجوار والإقليم، وبهذا انهارت طموحاته «المنشارية»، فخابت آماله وحالفها الفشل، بعد الاستهداف المتكرّر لشركاته النفطية من قواتنا الصاروخية والطيران المسيّر، خُصُوصاً بعد ضربة بقيق التاريخية، التي بثت الرعب والشؤم في قلوب المستثمرين، وتلاها تحذير من واشنطن بوست للمستثمرين الغربيين من الاستثمار في بلد محكوم بنظام وحشي يقتل معارضيه ويصادر الحقوق والحريات، مما أَدَّى إلى جمح شراء أسهم في شركات آل سعود.
والحقيقة، المملكة السعودية مبنية على النفط، اقتصادها وكل استثماراتها مرتبطة بالنفط؛ لذلك نهاية النفط في السعودية يعني نهاية مملكة بني سعود، فوظيفة هذا النظام قائمة على حراسة النفط للشركات الغربية، ونهاية النفط يعني نهاية وظيفة هذا النظام وتفككه.
فعندما تكون الطموحاتُ مبنيةً على السوائل، كُنْ متيقناً أنهُ سيأتي اليوم التي تتبخّر فيه كُـلُّ الطموحات والأوهام بتبخر ما كان الاعتماد عليه بنسبة 90 % من نفط وغاز وما شابه، تتبخر وتتلاشى وتصبح أضغاث أحلام، وهذا ما حدث للعاهل السعودي وابنه المراهق بأحلام 2030م.
فهل سيستمر ملوك الصحاري بغبائهم القاتل بعد كُـلِّ هذه الخسائر الباهظة؟!
أم سيفيقون من سباتهم العميق وأحلامهم الخيالية ويخضعون للواقع؟!
الإجَابَة سترويها الأحداثُ ويكتبها الميدان.