خفايا احتلال الجزر اليمنية.. مخطّط أمريكي صهيوني لإنشاء قواعد عسكرية برية وجوية للتحكم بباب المندب ورصد الحركة في البحر الأحمر
توجيهات أمريكية لاحتلال جزيرتَي ميون وسقطرى والتحكم بجزيرة زقر
تتعرَّضُ الجزرُ والموانئ اليمني من حين إلى آخر لمحاولات احتلال من قبل القوى العالمية؛ نظراً لما تتمتع به من مواقعَ جغرافية هامة.
وبرزت مؤخّراً المخطّطات الصهيونية لاحتلال الجزر اليمنية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي بمساندة من قبل قوات الاحتلال الإماراتي وأدواتها ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتحتل الجزر اليمنية مكانة وأهميّة استراتيجية؛ كَونها تتصل ببعضها البعض مكونة شريطاً ساحلياً يبلغ طوله 2.500 كيلو متر، ويوجد فيه أكثر من 20 ميناء، وهذا ما ساهم في انتشار مجموعة من الجزر التي عززت من أهميّة السواحل والتي يصل عددها -بحسب إحصائية وزارة الثروة السمكية- إلى 182 جزيرة منها 125 جزيرة في البحر الأحمر.
ونظراً لأهميّة الجزر اليمنية، تشير الكثير من الدراسات والتقارير إلى أن دول العدوان الأمريكي السعودي حولت العديد من الجزر اليمنية الموجودة في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب والبحر العربي إلى قواعدَ عسكرية لمراقبة حركة الملاحة الدولية وفرض واقع جديد على هذه الجزر من خلال الأبعاد الاستراتيجية التي تنفذها لصالح العدوان الأمريكي الإسرائيلي المسيطر عليها عسكريًّا.
وتكشف المعلومات عن وجود عسكري أمريكي وإسرائيلي في هذه الجزر الاستراتيجية الهامة والخاضعة للقوات العسكرية الأمريكية الإسرائيلية التي أقامت فيها قواعدَ عسكرية، منها جزيرة سقطري وجزيره ميون وغيرهما.
العدوانُ الثلاثي وميون
تحتل جزيرة ميون أهميّة استراتيجية من الناحية العسكرية والاقتصادية فهي الجزيرة التي تبلغ مساحتها 13كم² وترتفع إلى منسوب 65م، وَتعتبر أهم منطقة يمكنها أن تكون حلقة وصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، حيثُ تقع في قلب باب المندب وتشرف عليه إشرافاً كاملاً وتقسمه إلى ممرين ملاحيين، كما تبعد الجزيرة 3كم عن الساحل اليمني و20كم عن الساحل الافريقي.
وجزيرة ميون ذات قيمة اقتصادية لصلتها بالأمن الغذائي من جهة ومصادر الثروة المعدنية من جهة أُخرى وهي عسكريًّا الحارس الأهم للأمن القومي اليمني والعربي تجاه الأخطار الغربية والصهيونية؛ لذا كان أول تسجيل لمحاولة إسرائيل احتلال جزيرة ميون في عام 1969م، بمساعدة إثيوبية لاحتلال الجزيرة.
لقد نجحت القوات البحرية العربية في حرب أكتوبر سنة 1973م في محاصرة العدوّ الصهيوني ومنع الملاحة الصهيونية من العبور في باب المندب؛ بفعل التمركز العسكري العربي في جزيرة ميون والتنسيق اليمني المصري أكبر دليل على ذلك.
وخلال العقود والسنوات الماضية، تعرضت جزيرة ميون للغزو البرتغالي ثم الفرنسي والبريطاني وحَـاليًّا الإماراتي الأمريكي – الإسرائيلي؛ بهَدفِ السطو على الميزات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يوفرها موقع الجزيرة وبسط النفوذ عليه؛ ولأن موقع جزيرة ميون يشكل خطراً على أمن الصهاينة، حيثُ تؤكّـد المعلومات أن العدوان السعودي الإماراتي سعى إلى تأمين إسرائيل من خلال احتلال الجزيرة المطلة على مضيق باب المندب والمتحكمة في التجارة العالمية وبتوجيه أمريكي.
وعمد الاحتلال الإماراتي خلال السنوات الماضية إلى إنشاء قاعدة عسكرية بمشاركة صهيونية ووجود عسكري إسرائيلي في جزيرة ميون لتعزيز سيطرته على مضيق باب المندب، حيثُ فتحت جيبوتي أبوابها في الضفة المقابلة لباب المندب من جهة الغرب لإنشاء قواعدَ عسكرية لكُلٍّ من “الصين وفرنسا واليابان وإيطاليا والسعودية وأمريكا”، وعلى الرغم من أن عدد القواعد العسكرية في جيبوتي بلغت 6 قواعد إلا أن الدول لا زالت تتسابقُ لإنشاء قواعدَ عسكرية لها في هذه الدولة التي لها موقع استراتيجي مقارب في أهميته لليمن التي تحتل المرتبة الأولى من حيث الأهميّة بالنسبة لباب المندب، بالإضافة إلى القواعد العسكرية والتواجد العسكري في البحر الأحمر بشقيه الشرقي والغربي، وهذا ما يؤكّـد وقوع أكبر معركة بحرية لم يشهدها العالم بين تلك الدول.
وللتوضيح أكثر فَـإنَّ احتلال جزيرة ميون في 2015م بتوجيه من القيادة المركزية الأمريكية، وإعلان الجزيرة منطقة عسكرية تمهيداً لإنشاء مشروع قاعدة جوية تتحكم تماماً بمضيق باب المندب، تحت إشراف الإدارة الأمريكية والإسرائيلية وتحت غطاء إماراتي لتكونَ إحدى نقاط الارتكاز في عمليات الحشد الاستراتيجي الأمريكي لمواجهة إيران على المدى المتوسط وفي مواجهة كُـلّ من الصين وروسيا على المدى البعيد.
وبدأت أعمال الإنشاءات في الجزيرة منتصف شهر 6/2016، حيثُ تمّ إنجاز المرحلة الأولى من المشروع والتي هي عبارة عن عمليات تمهيد الأرض وبناء مدرج الطائرات الذي أنجز أوائل شهر 10/2017 بطول 3200 متر، أي أنه يصلح لهبوط وإقلاع كافة أنواع المقاتلات وطائرات النقل العسكري الأمريكية والإسرائيلية.
وما يحدُثُ اليوم بين دول العدوان الثلاثي إنما هو وضع الترتيبات الضرورية لتحديد حجم العمليات الجوية وحجم الأسراب الجوية التي ستُكلف بتنفيذها لقتل الشعب اليمني وتدميره ومحاصرة الملاحة البحرية والدولية والتحكم في التجارة العالمية وانطلاقاً من قاعدة ميون المتحكمة والمطلة على باب المندب، والمتواجد فيها أربعة ضباط كبار من سلاح الجو الإسرائيلي يشاركون بشكل دائم في غرفة العمليات الجوية التي تدير المشروع.
سقطرى والبحارُ السبعة
وتعتبر جزيرة سقطرى من أهم الجزر اليمنية التي تقع في المحيط الهندي ويحدها من الشمال والشرق البحرُ العربي وجنوباً مياهِ المحيط الهندي ومن الغرب ساحل القرن الافريقي وتبلغ مساحتها حوالي 3650 كيلومتراً مربعاً.
ويعتبر رأس فرتك الواقع شرقَ المكلا أقربَ نقطة للجزيرة ويبعد عنها 380 كيلومتراً، وأهم جزيرة في كُـلّ المسرح البحري الجنوبي.
وتؤكّـد التقارير الدولية والإحصاءات البحرية أن جزيرة سقطرى أكبر جزيرة يمنية اكتسبت أهميتها الحيوية، من وقوعها في دائرة السيطرة على البحر الأحمر، وخليج عدن، وخطوط تدفق النفط الخليجي إلى خارج المنطقة، وخطوط الملاحة الدولية عُمُـومًا، بما يمكن السفن من الرسو فيها، مع ما توفره طبيعة سواحلها المتعرجة، من حماية لهذه السفن من الرياح العاتية، ولهذا تمتد أهميتها إلى عدة قرون قبل الميلاد.
وبسبب أهميّة موقع الجزيرة الاستراتيجي، فقد تعرضت للغزو الأُورُوبي فغزاها البرتغاليون في القرن السادس عشر ثم غزاها البريطانيون عام 1834م ثم حاول الفرنسيون الغزاة احتلالها منتصف القرن التاسع عشر، كما تطلع الغزاة العثمانيون والإيطاليون للجزيرة في سبعينيات القرن التاسع عشر، والآن تقبع تحت الاحتلال الإماراتي الأمريكي الصهيوني، منذ بداية العدوان في 2015م ومنتظرة موعد التحرير القادم عبر الصواريخ البالستية والطيران المسيّر.
وتكمُنُ أهميّة جزيرة سقطرى في كونها مشرفة على طرق الملاحة المارة من أمام رأس جورد فوي على ساحل الصومال والمحيط الهندي، بما فيها الطريق البحري إلى رأس الرجاء الصالح وشبه القارة الهندية وشرق آسيا؛ وفي كونها نقطة إسناد عسكرية قوية لظهر باب المندب من الناحية الجنوبية، وكذلك في تنوع تضاريسِها وتفردها الطبيعي النباتي، وجيولوجية جزيرة سقطرى تكتنز أَيْـضاً ثروات اقتصادية مهمة كالنفط والغاز والمعادن الفلزية وتعرضت للاحتلال المباشر اليوم.
وتقول نائبة رئيس جامعة صنعاء للدراسات العليا والبحث العلمي، الأُستاذة الدكتورة نجيبة مطهر: إن الصهيونية العالمية تجري التمهيد لجعل سقطرى أكبر قاعدة بحرية للغرب ولإسرائيل المتحكمة بمضيق هرمز من مسافة بعيدة، ولكنها كانت متساهلة وعميلة لها، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية أوعزت إلى العدوان السعودي الإماراتي بالذهاب إلى مدغشقر لشراء جزر هناك؛ بهَدفِ جمع المعلومات ومراقبة خصومهم؛ بهَدفِ إحكام الحصار على إيران وَأَيْـضاً محاصرة التنين الصيني اقتصادياً.
وتؤكّـد مطهر أن هناك مخطّطاً أمريكياً إسرائيلياً حقيقياً لاحتلال جزيرة سقطرى، وما يحدث اليوم فيها إنما هو لتطبيق أهداف المخطّط المتمثلة في إنشاء قاعدة عسكرية واستخباراتية لرصد التحَرّكات البحرية في المنطقة، وتحليل الحركة البحرية والجوية في جنوب البحر الأحمر، مشيرة إلى أن هذه القاعدة العسكرية تأتي استكمالاً لعمل المحطة التي أسستها إسرائيل على جبل “امباسيرا” بأريتريا لمراقبة جنوب البحر الأحمر وغرب اليمن.
ويأتي هذا ضمن تعاوُنٍ سري مستمر منذ عدة أعوام، بين دولتي العدوان الإسرائيلي والإماراتي، لمحاولة السيطرة على الملاحة البحرية في المنطقة، بعد إفراغ سقطرى من أهلها، وقد بدأوا في تجنيسِ العُملاء والمرتزِقة، والزج بالأحرار من أبنائها إلى السجون السرية الإماراتية وجعلهم مدمنين بالمخدرات وهذه من أساليبهم القذرة، وإعداد سقطرى؛ لتكونَ عاصمة للبُهرة، المتواجدين في جزيرة العرب.
وتشيرُ مصادرُ عربيةٌ وفرنسيةٌ إلى أن الاستخبارات الإماراتية والإسرائيلية أجرت قبل العدوان على اليمن، عملية مسح في جزيرة سقطرى لتثبيت محطاتِ استخباراتية لمراقبة خليج عدن وباب المندب وبحر العرب.
وتشير الدكتورة نجيبة مطهر إلى أنه ومن خلال قِراءتها للأحداث الجارية في جزيرة سقطرى فَـإنَّ النوايا ظهرت وأصبح اللعبُ بالمكشوف، حيثُ قام الخائن هادي بتأجير سقطرى لـ 99 عاماً أثناء حكومة الخائن بحّاح مقابل أن يعود للسلطة، ثم جاء عيدروس والخونة الذين معه وأرادوا بيعَها ليحقّقوا مشروعَهم الانفصالي ويمكن قد باعوها، حَــدَّ قولها.
وتؤكّـد مطهر أن هذه الأحداث في الجزر اليمنية ليست وليدةَ اليوم وإنَّما هي منذ عشرات السنين، حيثُ بدأت أمريكا وبريطانيا وإسرائيل والدول الغربية باستئجار ثلثي مساحة جيبوتي للقواعد العسكرية، وقامت بنشر القراصنة الصوماليين في البحر الأحمر والتقطع للسفن كذريعةٍ واهية، مما دفع دول العالم للتواجد البحري والحضور المباشر في المياه اليمنية؛ بحجّـة الحماية، إضافة إلى اختلاق الذرائع القاتلة والمصطنعة في الكونجرس الأمريكي؛ بهَدفِ السيطرة على الجزر اليمنية ذات الموقع الاستراتيجي، وهذا بموافقة الحكومات اليمنية السابقة الخائنة وكذلك الدول المطلة على البحر الأحمر الخائنة والعميلة.
وتشير مطهر إلى أن الحصار البحري الجائر على الشعب اليمني ما هو إلَّا محاولة لعدم القدرة على التفكير السليم لحماية الجزر البحرية التي بفضلها تمكّن العدوان من استمرار الحصار البحري، والأراضي البرية بما فيها من ثروات، وأن يبقى التفكير في الفتات المتساقط من مائدة المنظمات العميلة فقط، وهذا ما يتيح البقاء لتلك الدول المحتلّة والمستفيدة من ثروات وخيرات اليمن.
خيانةُ عفاش والحكومات السابقة
مستشارُ رئيس المجلس السياسي الأعلى، الأُستاذ عبد الإله حجر، من جانبه يؤكّـد أن ما يحدث في جزيرة سقطرى البعيدة عن العمليات الحربية، من قبل دولة الاحتلال الإماراتي من إنشاء المعسكرات والقواعد العسكرية الأمريكية الإسرائيلية والسطو على أراضي وخيرات الجزيرة وسرقة أشجارها النادرة، كان أكبر دليل على خطوة الخيانة والتطبيع التي كشفت في الآونة الأخيرة الأطماع الصهيونية وعبر عنها نتنياهو في تصريحاته التي تشير إلى الاهتمام بالتعاون الأمني مع دولة الاحتلال الإماراتي في سقطرى وساحل البحر الأحمر.
وبحسب التقارير الدولية فَـإنَّ جزيرة سقطرى كانت أولى الأماكن التي تمّ توجيه الاحتلال الإماراتي لإقامة قاعدة جوية وبحرية فيها، وذلك لسبب رئيسي يتعلق بالعقيدة العسكرية الأمريكية للقرن الواحد والعشرين والتي تنص على «أنّ من يسيطر على جزيرة سقطرى فَـإنَّه يفرض سيطرته على البحار السبعة الكبرى في العالم وهي التالية: بحر العرب وبحر الخليج والبحر الأحمر والبحر الأسود وبحر إيجه؛ كَونها متصلة عبر مضائق البوسفور والدردنيل والبحر الأدرياتيكي.
وانطلاقاً من هذا المفهوم الاستراتيجي لأهميّة جزيرة سقطرى، تؤكّـد المصادر أن الجنرال ديفيد بيترايوس -قائد القيادة الوسطى الأمريكية آنذاك- اجتمع مع الخائن عفاش بتاريخ 2/1/2010 في صنعاء وناقش معه السماح للولايات المتحدة الأمريكية بإقامة قاعدة عسكرية في الجزيرة مقابل رفع المعونة المالية الأمريكية لليمن من 70 إلى 150 مليون دولار سنوياً، وهذا ما أقدمت علية حكومة حزب الإصلاح الفاسدة لإكمال خطوة التنفيذ بعد أن أخذت بزمام السلطة بعد 2011م، على الرغم من استخدام واشنطن لمطار الجزيرة لتشغيل طائرات أمريكية بدون طيار.
وبحسب المصادر فَـإنَّ اندلاع ثورة الشعب اليمني في 21 سبتمبر أَدَّت إلى تأجيل التنفيذ وأربكت أمريكا والعالم، ولهذا وجدت القيادة العسكرية الأمريكية ضالّتها في ذلك من خلال الحرب والعدوان على اليمن، حيثُ بدأت بتحويل الجزيرة إلى قاعدة بحرية وجوية يتمّ تمويل منشآتها بأموال خليجية وليست أمريكية.
وأوضحت المصادر أن الاحتلال الإماراتي قام بتجديد وإعادة تأهيل مدرج مطار سقطرى البالغ طوله 3300 متر وبدأ سلاح الجو الأمريكي استخدامه في تنفيذ عمليات جوية مختلفة في اليمن ومنطقة بحر العرب وغرب المحيط الهندي، كما أقام الاحتلال الإماراتي -بالتعاون مع الأمريكيين والإسرائيليين- غُرفةَ عمليات خلفيةٍ لإدارة الميدان في مضيق باب المندب وتضمّ هذه الغرفة اثني عشر ضابطاً إماراتياً وسبعة ضباط أمريكيين وستة ضباط إسرائيليين.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ جهاز المخابرات الإماراتي ومن خلال منظمة الهلال الأحمر الإماراتي قد كلّف بعضَ المسؤولين الإماراتيين، بشراء أراضٍ في الجزيرة، خَاصَّةً على الساحل الواقع في الجهة الشرقية منها، لصالح شركات إسرائيلية مسجلة في دول أُورُوبية وتملكها شركات الكيرين كاييمت أَو «دائرة أراضي إسرائيل”.
أرخبيل واستراتيجية الأحداث المتكرّرة
وحولَ حنيش أرخبيل الذي يقعُ في البحر الأحمر، ويضم حنيش الكبرى وحنيش الصغرى، كما يضم الأرخبيل عدة جزر صغيرة هي “جزر القمة وسيل حنيش وأبو عيل”، بالإضافة إلى أن جزر حنيش أرخبيل تقع على بعد ما يقارب 135 كيلومتراً شمال مضيق باب المندب وتنتظم جزرُه قبالةَ سواحل مديرية الخوخة وتقترب اقتراباً شديداً من خطوط الملاحة، مما جعل لها أهميّة عسكرية كبيرة، يتحكم ويشرف على طرق الملاحة البحرية في جنوب البحر الأحمر.
ولأهميّة جزر حنيش الاستراتيجية التي تبلغ مساحتها نحو90 كيلومتراً مربعاً وتتكون من مرتفعات جبلية صخرية، ويصل أعلى مرتفع فيها إلى 430 متراً عن سطح البحر.
ووفقاً لكتب التاريخ فَـإنَّ جزر حنيش تعرضت مراراً للاحتلال، من قبل القوى الاستعمارية المتعاقبة في المنطقة كالبرتغاليين والفرنسيين والبريطانيين خلال الفترة الممتدة من العام 1513م إلى العام 1995م، حيثُ لعبت حنيش الكبرى دوراً مهماً في محاصرة الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى وتحولت الجزيرة إلى قاعدة بحرية لبريطانيا لتمويل سفنها بالفحم والوقود، وما بين الأخيرين وقبيل اندلاع حرب 1973م، أنزل العدوّ الإسرائيلي وحداتٍ قتاليةً على أرض الجزيرة، في محاولة لم تنجح لاختطاف الجزيرة آنذاك.
وبالإضافة إلى احتلال الإرتيريين للجزيرة بدعم إسرائيلي، في 15 ديسمبر 1995م، هاجمت إرتيريا الحاميةَ العسكرية اليمنية على جزيرة حنيش واحتلتها، مدعيةً تبعيةَ الجزيرة لها، لكنها غادرتها بعد ثلاث سنوات بعد عملية تحكيم دولية، وأقرت أسمرة بتبعية الجزيرة لليمن وسلمتها في نوفمبر 1998م.
ولهذا فَـإنَّ السيناريو الذي تشهدُه جزيرة حنيش اليوم لا يختلف كَثيراً عن السيناريوهات السابقة التي رسمتها القوى الاستعمارية وكذلك الحاضرة والتي رسمها العدوان السعودي الإماراتي لجزيرتي سقطرى وميون وحنيش والعشرات من الجزر اليمنية الأُخرى التي التهمها العدوان في إطار مساعيه الخبيثة لإحكام قبضته على الجزر اليمنية.
ومن خلال المغامرة الإرتيرية الجديدة باقتحام الجزيرة يبدو واضحًا أنه ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية للسيطرة على جنوب البحر الأحمر، فالاحتلالَ الإرتيري للجزيرة عام 1995م، جاء بتخطيط ودعم من الكيان الصهيوني، حيثُ أكّـد مارتن كرامر -مدير معهد موشى ديان في تل أبيب- حينها أن انتزاعَ جزيرة حنيش الكبرى من اليمن من خلال إريتريا يندرجُ في إطار استراتيجية إقليمية وقائية تنفذُها إسرائيل؛ تحسباً لأية تهديدات عربية يمكن أن تحدث مستقبلاً من خلال اعتراض حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.
وبحسب ما يذكره كتابُ “جزيرة حنيش وأبعاد العدوان الإرتيري” فَـإنَّ السفير اليمني في أسمرة آنذاك، وصف اللقاءات مع الجانب الإرتيري بالقول: كنا نصدم عندما نلتقي بالجانب الإرتيري في لجنة المفاوضات فهم لا يملكون حديثاً عن الأزمة ولا عن وسائل حلها وإنما يملكون لغةَ التهديد المبطن ولُغة الرفض للحوار وكانوا متسرعين جِـدًّا يختصرون الاجتماعاتِ إلى خمس أَو عشر دقائق.
وبحسب التقارير الدولية يتأكّـد للجميع أن دولةَ إرتيريا لم تكن إلا أداة بيد القوى الأجنبية وتحديداً إسرائيل، وهو ما اتضح اليوم وتأكّـد للجميع، من خلال الحرب والعدوان على اليمن الذي يحركه العدوانُ الأمريكي والإسرائيلي عن طريق المرتزِقة والدول العربية، وعلى رأسها العدوان السعودي والإماراتي، أجندة التنفيذ والاحتلال.
وما يمكنُ إضافتُه اليومَ أن الدولةَ اليمنية بصنعاء بعد ثورة 21 سبتمبر أثارت مخاوفَ الدولِ المجاورة، وعلى رأسها النظام السعودي الذي يخشى من وجود دولة قوية في اليمنِ تبني جيشاً متماسكاً وتعمل على استكشاف الثروة النفطية وتتحكم في الملاحة الدولية والتجارة العالمية، وهذا ما زاد تخوف النظام السعودي مع مجموعة من الدراسَات والكتابات لخبراءَ من جنسيات مختلفة تحدثوا عن استعادة اليمن حضوره في المنطقة من جديد، وسوف يعمل على استكشافات نفطية في الحدود اليمنية ويتحكم في الممرات التجارية التي تنازلت عنها الحكومات السابقة بعد حرب 1994م؛ خوفاً من النظام السعودي الذي هدّدها وأعطاها مقابل التنازل البقاء على السلطة وبعض من المال الشهري والسنوي، وهذا ما يؤكّـد ضلوعَ النظام السعودي سابقًا في قضية احتلال جزر حنيش؛ بهَدفِ الضغط على حكومات اليمن السابقة لتقديم تنازُلات كبيرة فيما يتعلق بملف الحدود، بالإضافة إلى أن دولُ العدوان السعودي الأمريكي في بداية الحرب سارعت إلى التواجد العسكري واحتلال الجزر اليمنية، وعلى رأس تلك الجزر سقطرى وميون وأرخبيل حنيش؛ لما لها من أهميّة استراتيجية كبيرة في الإشراف على ممرات الملاحة الدولية ومنها جزيرة زقر.
جزيرة زُقَــــر نقطة مراقبة
أمّا جزيرة جبل زُقَر فهي تعد أكبر جزر أرخبيل حنيش الواقعة بين سواحل اليمن وإريتريا، قُربَ مضيق باب المندب الرابط بين البحر الأحمر وخليج عدن، وتحتل بجانب جزيرة “حنيش” أهميّة استراتيجية بإشرافهما على الممر المائي الدولي، بالإضافة إلى أنها تقابل مدينة التحيتا وتبعد عن الساحل اليمني 18 ميلاً بحرياً، وعن الساحل الإرتيري 62 ميلاً بحرياً، ويبلغ طول الجزيرة من الشمال إلى الجنوب 16 كيلو متراً وعرضها 13 كيلو متراً ومساحتها تبلغ 185 كيلومتراً مربعاً.
وتتحكم جزيرة زُقَــــر من خلال موقعها على خطوط الملاحة الرئيسية، ويوجد فيها أعلى قمة جبلية في البحر الأحمر، بارتفاع يصل إلى 624 م عن سطح البحر وهذا ما يتيح إمْكَانية مراقبة ورصد الأنشطة البحرية التي تجري في المياه المحيطة بها، حيثُ تعرضت زقر للاحتلال الإسرائيلي والبريطاني وقبلة الاحتلال التركي وكذلك الاحتلال السعودي الإماراتي الإسرائيلي الأمريكي اليوم.
وبحسب مصادر محلية، فَـإنَّ جزيرةَ زقر تعرضت مطلع السبعينيات، للاحتلال من قبل دولة الكيان الصهيوني فترةً من الزمن؛ بسَببِ حادثة عام 1971م، وذلك أن سفينة نفط صهيونية تحمل اسم (كورال سي) تحمل العلَم الليبيري تعرضت في 11 يونيو من نفس العام في أثناء مرورها من باب المندب متجهة إلى ميناء إيلات محملة بـ 65 ألف طن من النفط الإيراني تعرضت لهجومٍ من قبل أحد الزوارق التي يسيرها بعضُ الفدائيين الفلسطينيين وقام بضربها بستة (قذائف بازوكا) تسبب في إشعال النار فيها وعلى الاثر قامت إحدى السفن الحربية الصهيونية الموجودة في الجُزر الإرتيرية بالتصدي لذلك القارب.
فاستغل الصهاينة الحادثَ وعلى نطاق واسع سياسيًّا، قاموا بإبلاغ سفراء الدول الأجنبية وسارع الأمريكيون لإبلاغ الاتّحاد السوفيتي بالحادث الذي اعتبروه بادرةَ قرصنة دولية تهدّد الملاحة الدولية. وأكثَرَ من نشاطهم العسكري على مقربة من مضيق باب المندب تحت عدة مبرّرات؛ تجنباً للمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها ملاحتهم البحرية.
وعسكريًّا تؤكّـد المصادر أن الكيان الصهيوني قام بتوسيع وجوده العسكري واحتلال بعض الجزر العربية ومنها جزيرة (زقر) اليمنية والتي تبعد 32 كم من ساحل اليمن وأقام فيها الكيان الصهيوني شبكة اتصالات وأجهزة كشف رادارية ضخمة ووضع أجهزة كشف إلكترونية متطورة لمراقبة حركات السفن في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن وتم فعلاً وضعُ تلك الأجهزة في جزيرة زقر ورابطت وحدة من قوات الكوماندوز الصهيونية في الجزيرة؛ لحماية الأجهزة الموضوعة هناك.
وتشير المصادر إلى دور بريطانيا باحتلال جزيرة زقر وجزيرة كمران إلى جانب جزيرة ثالثة في 10 يونيو 1915 م في الحرب العالمية الأولى؛ وذلك لإحكام الحصار على الاتراك في اليمن وسد جميع المنافذ البحرية أمامهم في موانئ اليمن المختلفة والتي كانت تقع تحت الاحتلال التركي، والتي انسحبت منها بعد شهرين؛ بسَببِ قسوة المناخ وظلت مسيطرة ومحتلّة لجزيرة كمران. لافتةً إلى ما تتعرض له جزيرة زقر من قبل العدوان الأمريكي السعودي الذي إنشاء قاعدة عسكرية فيها وعزز تواجده العسكري في زقر كبرى جزر أرخبيل حنيش، جنوب البحر الأحمر على بعد 34 كم من الساحل اليمني، ما هو إلَّا أمر من العدوان الإسرائيلي لكي يتمكّن من إغلاق المنافذ البحرية بحسب الخطة البريطانية السابقة؛ تحسباً منها من أية تحَرّكات عسكرية.
وتؤكّـد المصادر أن من أهم الجزر أَيْـضاً التي احتلها العدوان جزيرة صيرة وهي الأهم بين الجزر اليمنية في خليج عدن وتقع أمام مدينة عدن ولعبت دوراً استراتيجياً في مقاومة الغزاة، وتعود أهميّة خليج عدن إلى ارتباطه المباشر بمضيق باب المندب من حَيثُ مرور السفن والملاحَة الدولية والثروات، إذ أنه لا يمكن المرور من باب المندب دون الوصول لهذه الجزيرة، مشيرةً إلى أن احتلال جزيرة كمران المحاذية لميناء الصليف بعد أن تم استهدافُها من قبل طيران العدوان بعدد من الغارات، والتي تقع على بعد 200 ميل شمال مضيق باب المندب وعلى بعد لا يتعدى 3 أميال من الساحل الشمالي لليمن.
وللجزيرة أهميّة استراتيجية واقتصادية وعسكرية كبيرة، وعلى مر التاريخ كانت محط أنظار القوى المتصارعة والطامعة وتعرضت لاحتلالات متعاقبة استخدمتها كقاعدة انطلاق للوثوب منها إلى أي جزء في البحر الأحمر أَو الدول المشاطئة لها.
وبخصوص العدوان السعودي الذي بدأ مبكراً نسجَ خيوطِه لإحكام السيطرة على الجزر اليمنية خَاصَّة تلك الواقعة على البحر الأحمر، تؤكّـد مصادر سياسية وعسكرية أن وثيقةً رسميةً في عام 2012م وَصفت الأطماعَ السعودية في الجزر اليمنية بأنها خطيرة وتعد مؤشراً بالغ الخطورة قد يؤدي للسيطرة عليها ووضعها تحت السيادة السعودية، ولكن النظام السابق وحكومته كان متساهلاً وربما عميلاً، مشيرة إلى أن أوضاع الجزر اليمنية كانت خالية من كُـلّ مقومات الدفاع فلا حاميات ولا تواجد عسكري أَو أمني، ما أتاح للاحتلال السعودي أن يسيطرَ على تلك الجزر الحدودية ويحارب سكانها من الصيادين ويستوليَ على قواربهم ويحتجزونهم ويمنعَهم من الاصطياد في مياه اليمن الإقليمية.
وبحسب المصادر فَـإنَّ تلك الأحداث مَـا هِي إلَّا نتيجة الهيمنة السعودية على الحكومات اليمنية التي كانت علاقتها مع جزرها الواقعة على الحدود السعودية علاقة انقطاع وإهمال وعلاقتها مع مواطنيها في بعض هذه الجزر مفقودة تماماً.
وتؤكّـد المصادر أن العدوان السعودي الأمريكي في 2015م جاء تكملةً لعملية التوسع والسيطرة على عشرات الجزر التي لم يتمكّن من احتلالها وهذا من جانب واحد فقط، حيثُ أصبح الاحتلال السعودي يسيطر على نصف الجزر والاحتلال الإماراتي يسيطر على النصف الآخر في عملية وهمية لجناحي الفشل السعودي والإماراتي اللذين يوهمان العدوان الإسرائيلي والأمريكي بالحماية وهذا غير صحيح أمام عزيمة وإرادَة القيادة الثورية والشعبيّة، وعاجلاً أَو آجلاً سوف تتحرّر الجزر اليمنية واليمن بشكل عام.
وفي سياق متصل، فَـإنَّ الأمر بات واضحًا من خلال ما حدث في الماضي وما يحدث اليوم من قبل دول العدوان السعودي الإماراتي المحتلّة للجزر اليمنية المتواجدة في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب والبحر العربي والتي حولت العديد من هذه الجزر إلى قواعد عسكرية لمراقبه حركة الملاحة الدولية وفرض واقع جديد على هذه الجزر من خلال تهجير السكان والتغيير الديموغرافي للمواطنين المتواجدين في هذه الجزر.