الأبعادُ الاستراتيجيةُ لثورة 21 سبتمبر 2014م المباركة

اللواء / يحيى محمد المهدي*

 

ثورةُ الحادي وعشرين من سبتمبر عام 2014م تُعتبَرُ أُمَّ الثورات اليمنية وأصلَها؛ لأَنَّ أهدافَ الثورات السابقة 26 سبتمبر عام 1962م و14 أكتوبر عام 1967م تضمنتها أهدافُ ومبادئُ ثورة الواحد وعشرين من سبتمبر، واندلعت الثورةُ لتطبيق تلك الأهدافَ للثورتين السابقتين بعد انحرافها عن مسارِها بشكل كبير وربما لم يتغير من بعد ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر سوى المسميات فقط، فبدلاً عن تحقيقِ أول هدف لثورة سبتمبر بإقامة نظامٍ جمهوري عادل وإزالة الفوارق بين الطبقات. أصبح اليمنُ يرزحُ تحت نظامٍ أسري خاصٍّ لعقود من الزمن ويسعى للديمومة باسم الديمقراطية المزيَّفة.

 

وبدلاً عن تحقيقِ أول هدف لثورة أكتوبر وهو التحرّر من الاستعمار ونيل الاستقلال، أصبحت اليمنُ ترزحُ تحت الاستعمار بكل أصنافه ومختلف ألوانه، فقبل ثورة 14 أكتوبر كان جزءٌ من اليمن تحت الاحتلال البريطاني، بينما شاهدنا في العقود الماضية الهيمنةَ الأمريكية والسعودية والخليجية على السيادة الوطنية والقرار السياسي باليمن، وأضحى اليمن حديقةً خلفيةً للنظام السعودي خَاصَّةً.

 

وبدلاً عن بناءِ جيشٍ يمني قوي كهدفٍ أَسَاسٍ من أهداف الثورة اليمنية، وصل الجيشُ اليمني إلى أسوأ المراحل وأضعف الجيوش في العالم من كُـلّ النواحي، فالتصنيع الحربي لا يوجدُ نهائياً، والجيشُ اليمني ليس مسخراً لحماية اليمن كُـلَّ اليمن، وإنما تم تقسيمُ الجيش لحماية أفراد وشخصيات معينة، فالحرسُ يتبعُ شخصاً، والفِرقةُ بجميعِ أسلحتها ومعسكراتها تتبع شخصاً، والقواتُ الجوية تتبعُ شخصاً، والأمن المركزي يتبع شخصاً… وهكذا، أما خفرُ السواحل أَو ما يُعرف بالقوات البحرية فكانت غرف عمليات ومكاتب الدول المهيمنة على القرار في اليمن (الأمريكية والبريطانية) هي المتحكمةَ في قوات خفر السواحل، وللمندوبين الأمريكي والبريطاني مكاتب لهم رسمية داخل مصلحة خفر السواحل بالعاصمة اليمنية صنعاء، وتتبعهم غرفُ عمليات في بقية المحافظات الساحلية.

 

وأصبحت الدولةُ عاجزةً عن ضبط عصابة هنا أَو هناك، أَو أن تدافع عن مواطن في أية محافظة من محافظات الجمهورية، رغم الميزانية الرهيبة التي سُخِّرت للجيش الذي أصبح قادتُه من أصحاب الثروات الطائلة والمباني الفاخرة، بينما تبقى المعسكراتُ هشةً وضعيفةً وآلياتُها العسكريةُ قديمةً ومتهالكةً، والجيشُ نفسُه في أدنى المستويات، وأضعف موظف كان هو الجندي المغلوب على أمره، إلا من كان ذا حظ عظيمٍ لدى بعض القيادات.

 

حتى انتشرت العصاباتُ والتنظيمات الإرهابية المنظمة وسط العاصمة وخارجها دون أن تتمكّنَ الأجهزةُ الأمنية من القبض عليها أَو كشفها، بل وصل الأمرُ إلى أخطر من ذلك، فبعض القيادات العسكرية الكبيرة تتخذُ من تلك التنظيمات أدواتٍ لتنفيذ مآربها الشيطانية.

وكذلك الحال في بقية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وغيرها رغم وجودِ ثروات نفطية وسمكية وطَفرة كبيره في المال اليمني إلَّا أن المواطن اليمني من أضعفِ المواطنين وأكثرهم فقراً في العالم؛ بسَببِ الانحرافِ عن مبادئ وأهداف الثورات التي قام بها الشعبُ اليمني والتضحيات الكبرى التي قدمها الشعب اليمني العظيم.

 

لذا كان لا بد من قيامِ ثورةٍ نابعة من الشعب نفسه دون تدخُّلٍ أَو وصاية مفروضة من أي تدخل أجنبي، فبفضل الله تعالى اندلعت ثورة 21 سبتمبر لتصحيحِ مسار الثورات السابقة؛ ولتحقيق أهم الأهداف وأعظمها: التحرّر من الهيمنة والاستعمار المغلف التي كانت ترزحُ تحته اليمن منذ عقود من الزمن.

 

وكون ثورة 21 سبتمبر لم تكن تنفيذاً لأجندة أية دولة أُخرى، بل تلك الدول هي من فقدت هيمنتها على اليمن بشكل كامل، ولم تستطع بعد قيام ثورة 21 سبتمبر تنفيذَ حتى أقل أهدافها وأضعفها في اليمن، فاضطرت لإنشاء تحالف دولي؛ بهدف إجهاض الثورة وإعادة اليمن إلى حُضن الوصاية الأجنبية.

 

وها هو العالَمُ اليومَ يقفُ حائراً أمامَ عظمة وقوة أبناء اليمن؛ بفضل ثورة الـ 21 من سبتمبر التي أعادت لليمن سيادتَه وكرامتَه وحريتَه رغم تكالب الأعداء عليها وهجومهم الشرس بأعظم وأقوى أسلحة العالم وأكبر جيوشها إلا أنها تحطمت كلها على أيدي رجال وشباب ثورة الـ 21 من سبتمبر وأبناء اليمن بمختلف أطيافهم وألوانهم الذين وقفوا إلى جانب الوطن؛ دفاعاً عن السيادة والعزة والكرامة، وأصبح الجيش اليمني اليومَ من أقوى جيوش العالم، بما يمتلك من قوة بشرية ليس لها نظيرٌ في العالم، وبما وصل إليه من تصنيع حربي في مختلف المجالات العسكرية ويمتلك قراره السيادي بتصنيع أقوى الأسلحة كالصواريخ والطائرات التي كان تصنيعُها حكراً على الدول العظمى، وكانت اليمنُ تستقبلُ النفاياتِ فقط مما يصدّر إليها من الأسلحة بمختلف أنواعها وأشكالها.

 

وما تزامُنُ نجاح الثورة في 21 سبتمبر المخصِّص من الأمم المتحدة كيوم عالمي للسلام -دون تخطيطٍ مسبقٍ- إلا ليؤكِّـدَ أنها ثورةُ سلامٍ عالميةٌ سيعُــــمُّ نُورُها المشرِقَ والمغربَ بإذن الله تعالى.

 

* رئيسُ لجنة الدفاع والأمن بمجلس الشورى

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى