أوروبا تعارض الضم .. هل تحمي الفلسطينيين أم تحمي نفسها؟
لا يبدو أن أمريكا ودول اوروبا على وفاق تام فيما يخص سلسلة القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ وصوله للسلطة وحتى الآن، نتحدث هنا عن القرارات التي اتخذها حول الشرق الأوسط وبالأخص فلسطين، حيث أظهرت أوروبا قلقها من خطوات “صفقة القرن” ونقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس، ليتبع ذلك الحديث عن ضم أجزاء من الضفة الغربية وهذا ما تخالفه أوروبا في الظاهر، حيث تدعي اوروبا بأنها من أكبر المعارضين للمشروع الاسرائيلي، حتى أن دوله بدأت التفكير بعقوبات محتملة ضد إسرائيل في حال أنجزت الضم. ذلك أن أكثر ما يقلق إسرائيل هو الموقف الأوروبي، فرغم أن فرض عقوبات يتطلب إجماعاً من دول الاتحاد – وهو ما فشل به التكتل خلال السنوات الأخيرة، لمعارضة المجر والنمسا- لكن هناك خطوات عقابية لا تتطلب إجماعاً، كالاتفاقات التجارية أو المنح أو المشاريع التعاونية، فهل تتجرأ أوروبا على تنفيذ خطواتها العقابية في حال أقدمت اسرائيل على الضم، اذا كان الأمر متعلقاً بألمانيا بالتأكيد “لا” ولكن ماذا عن بقية الدول؟.
يوم أمس الثلاثاء كتبت صحيفة “هآرتس” أن 11 وزير خارجية دول أوروبية طالبوا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بتسريع تشكيل قائمة ردود فعل ضد مخطط ضم مناطق في الضفة الغربية “لإسرائيل”.
وأوضحت هآرتس أنها اطلعت على المراسلات الداخلية بين وزراء الخارجية الأوروبيين وبوريل، التي يبدو أنها سُرّبت للصحيفة بهدف تحذير “إسرائيل” من مغبة تنفيذ الضم. فقد عبّر وزراء الخارجية الأوروبيون عن قلقهم من أن “نافذة الفرص للردع تُغلق بسرعة”. ووقع على الرسالة إلى بوريل وزراء خارجية فرنسا، إيطاليا، هولندا، إيرلندا، بلجيكا، لوكسمبورغ، السويد، الدنمرك، فنلندا، البرتغال ومالطا.
وبحسب الصحيفة العبرية فقد طُرح مطلب بلورة قائمة ردود فعل على الضم، في 15 أيار الماضي لأول مرة، خلال لقاء غير رسمي بين بوريل وممثلي الدول الموقعة على الرسالة.
وفي أعقاب ذلك، أوعز بوريل لمساعديه بإعداد وثيقة، باتت تعرف منذ ذلك الوقت في مقر الاتحاد الأوروبي بـ”وثيقة الاحتمالات”، ولكن لم يتم استكمالها بعد.
وأشارت إلى أنه جاء في رسالة وزراء الخارجية لبوريل أن “الاحتمال لضم “إسرائيلي” لأجزاء من المناطق المحتلة الفلسطينية لا يزال موضوعا مقلقا للغاية بالنسبة للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه. ومثلما ذكرت في تصريحاتك السابقة، فإن الضم الإسرائيلي سيكون بمثابة خرق للقانون الدولي”.
وأضاف لبوريل:” إننا ندرك أن هذا موضوع حساس والتوقيت مهم، لكن الوقت قصير. ونحن قلقون من أن نافذة الفرص لردع إسرائيل عن عزمها للضم تُغلق بسرعة. وثمة أهمية للتوضيح بما يتعلق بتبعات الضم القانونية والسياسية. ولذلك، نريد أن نرى وثيقة تلخص هذه التبعات، إضافة إلى قائمة الاحتمالات لخطوات رد فعل، وتشمل مجمل اتفاقيات الاتحاد مع إسرائيل”.
ولفتت الصحيفة إلى أن وزراء الخارجية الأوروبيون شددوا على أن “وثيقة الاحتمالات ستسهم أيضا في جهودنا لردع “إسرائيل” من الضم. ونؤمن بأهمية طرحها، كي تمنحنا أساسا صلبا في مداولات أخرى”.
فيما سعت دول مركزية في الاتحاد الأوروبي إلى منع تنفيذ مخطط الضم، منذ أن أعلن عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن أن بدء تنفيذه في الأول من تموز الحالي، وفقا لخطة إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المعروفة باسم “صفقة القرن”. إلا أن الإدارة الأمريكية تمتنع حتى الآن عن إعطاء ضوء أخضر لنتنياهو بتنفيذ أي ضم.
الفرق بين أوروبا وأمريكا
الشيء المشترك بين أوروبا وأمريكا أن كلا الطرفين حريص كل الحرص على أمن اسرائيل ويعتبرون هذا الأمر خط أحمر، لأن أمن اسرائيل يحقق للسياسة الأمريكية والاوروبية مصالح خاصة كل على حدا، فأمريكا تريد اسرائيل قوية قادرة على فرض نفسها في الشرق الأوسط، فالوجود الاسرائيلي القوي يتماشى مع سياسة الفوضى الأمريكية، ووجود اسرائيل يعني استمرار الفوضى والانقسام في الشرق الاوسط واستمرار الحروب وبالتالي المزيد من النفط وصفقات الأسلحة الى أجل غير مسمى.
أما أوروبا فهي راضخة منذ عقود للسياسة الأمريكية نتيجة ضعفها والمشكلات التي تعانيها اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، ناهيك عن الانقسام الذي تعاني منه، ومع ذلك لا مشكلة لدى الاوربيين بأن يقتل الاسرائيليون مئات الفلسطينيين فهي لم تحرّك ساكنا طوال العقود الماضية بعد كل المجازر التي حصلت هناك، وكل ما تدّعيه هذه الدول من انسانية هو مجرد كذب ونفاق اعتدنا عليه، ولكن في الوقت نفسه لا تريد من ترامب ان يزيد من الضغط على الفلسطينيين ليس محبة بالفلسطينيين وانما كي لا يقوم الفلسطينيون بأي ردة فعل، وتشتعل حرب جديدة وفوضى جديدة تؤدي إلى مزيد من الهجرة نحو أوروبا وهذا آخر ما تتمناه اوروبا “الانسانية”.
ومن هنا يمكن القول أن الأوروبيين والأمريكيين يقفون على طرفَي نقيض حيال الشرق الأوسط، بيد أن أوروبا لا تقدّم بديلاً لرسم معالم التنافس الجيوسياسي الذي تشهده المنطقة. فالقارة العجوز مُنقسمة على نفسها سياسياً وتفتقر إلى القوة العسكرية اللازمة للتصرّف بشكلٍ فعّال من دون دعم أميركي.
أخذ ترامب هذا الدعم إلى مستوى آخر، وخرق المعايير الدولية، وعكس مسار السياسات التي استمرت لعقود من الزمن، وتحدّى بعض أقرب حلفاء واشنطن لكي يقدّم خدمات متعاقبة لحكومة اليمين في إسرائيل.
في الختام.. إن محور السياسة الأمريكية، اي الدعم لإسرائيل، ما زال على حاله، بل ازداد، بسبب انعدام الاستقلالية العربية سياسياً واقتصاديا. الدور الإسرائيلي أمريكياً، انتقل من حاجة إسرائيل لحماية أمريكا من الخطر العربي (كما كان زمن عبد الناصر مثلاً)، إلى الحاجة إلى إسرائيل قوية، لدعم الأنظمة المحافظة، أمام ثورات شعوبها، هذا ما نراه وما يُفسر، التقارب العربي الإسرائيلي بين دول الثورات المضادة وإسرائيل. فهي تريد أن تحمي نفسها، وتجلب التعاطف الأمريكي، عن طريق الارتماء بالحضن الإسرائيلي، لم تعد إسرائيل موجودة لمنع أي تحالفات في المنطقة، قد تؤدي إلى تهديد وسائل نقل النفط، والذي قلت أهميته، وإنما فقط الحفاظ على وضع سياسي عربي مُفكك، لمنع أي انتصار، أو تكامل وتضامن الشعوب العربية، بأُطر أنظمة ديمقراطية، ستكون بشكل شبه أكيد، خارج إطار السياسة الأمريكية.