كيف ينظر الأميركيّون والإسرائيليّون إلى القدرات الصاروخية لمحور المقاومة؟
شارل أبي نادر
رغم أنّ الحرب على اليمن أميركية القرار والتخطيط والرعاية والتنفيذ، ولكنها تبقى ثانوية في استراتيجية الأميركيين، مقارنة مع أي حرب ممكنة أو مفترضة ضد «إسرائيل».
تحت عنوان «حرب الصَّواريخ في اليمن»، نُشرت دراسة علمية لمجموعة من الباحثين والاختصاصيين التابعين لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، تضمَّنت مقاربة شاملة لمسار معركة الصواريخ الباليستيّة التي نفّذها، ولا يزال، «أنصار الله» في اليمن، مع الإضاءة على ما حقّقته هذه المناورة الصّاروخية في الحرب على اليمن على الصّعيدين الميدانيّ والاستراتيجيّ.
صحيح أنه يمكن إعطاء الدراسة طابعاً موضوعياً وعلمياً، نسبةً إلى ما تضمّنته من تفاصيل تقنيّة وتكتية تتعلّق بحرب الصواريخ وبإمكانيتها ومميزاتها بشكل عام، ولكن لا يمكن إغفال طابع الهدف الاستراتيجي من الدراسة، والمتعلق بالأمن القومي الأميركي، حول تأثيرات القدرات الصاروخية اليمينة في هذا الأمن بطريقة غير مباشرة طبعاً، لناحية المستوى الضعيف الذي ظهرت به منظومات الدفاع الجوي الأميركي – وخصوصاً الباتريوت – في مواجهة صواريخ باليستية عادية المستوى، أو لناحية عجز القدرات الأميركية أو ضعفها في حماية حلفائها ومنشآتهم الحيوية الاستراتيجية.
لا تكمن حساسية الدراسة المذكورة في مضمونها فقط، والذي لا شكّ في أنه كان لافتاً وصادماً لأغلب المتابعين، وخصوصاً الغربيين، بل إنَّ حساسيَّتها تكمن في أنها جاءت بعد فترة غير بعيدة من الإفصاح عن دراسة إسرائيلية مشابهة، قام بها مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية، وأشارت إليها عدة وسائل إعلام أجنبية وإقليمية في حينه، «من إعداد عوزي روبين الذي ترأس سابقاً مشروع «حيتس» للدفاع ضد الصواريخ في وزارة الأمن، وأكَّد فيها أنّ «إسرائيل» تبذل جهوداً ملحوظة لإحباط مشروع الدقة الذي يعمل عليه حزب الله، لأنَّه بعد استكماله، سيكون لدى الحزب سلاح جو خاص به مع تفوّق جويّ هجوميّ، لكن من دون طائرات، بمعنى أنَّ الصواريخ الدقيقة سوف تقوم بشكل كامل وناجح بكلّ ما تقدر القاذفات المتطورة على القيام به من استهداف الموقع الذي تريده.
في مقارنة للدراستين، الأميركية من جهة، والإسرائيلية من جهة أخرى، يمكن أن نستنتج ما هي، في نظر الأميركيين والإسرائيليين، القيمة العسكرية للقدرات الصاروخية التي يمتلكها أطراف محور المقاومة، وخصوصاً في اليمن ولبنان، وطبعاً في الجمهورية الإسلامية في إيران، وما يمكن أن تحققه هذه الصواريخ من أهداف أو تأثيرات في الصراع والمواجهة المفتوحة في المنطقة، بين إيران وحلفائها من جهة، وواشنطن وحلفائها (الإسرائيليين والخليجيين) من جهة أخرى.
وقد بيَّنت دراسة المركز الأميركي كيف يمكن اعتبار مناورة استخدام الصواريخ الباليستية في اليمن المناورة الأكبر والأضخم في التاريخ الحديث. هذا الاستنتاج يملك نسبة كبيرة من الدقة، لأنَّ الحرب على اليمن، والتي تجاوزت حتى الآن 5 سنوات ونيف، شهدت أوسع معركة صاروخية بالنسبة إلى مروحة الأهداف التي عالجتها القوة الصاروخية اليمنية، داخل اليمن أو على حدوده الشمالية أو في عمق دول العدوان (السعودية والإمارات العربية المتحدة)، أو بالنسبة إلى أنواع الصواريخ المستعملة، من باليستي تكتي، إلى باليستي استراتيجي، إلى مجنح تكتي أو استراتيجي (كروز)، حيث يشكّل الأخير نموذجاً لنوع من الصواريخ النوعية المميزة بقدرتها على تجاوز الرادارات المعادية، وعلى الطيران على مسار منخفض يتكيّف مع التضاريس الجغرافية وتغيرات حركة الأرض ويتجاوزها، فقد كان لافتاً استعماله من قبل القوة الصاروخية اليمينة في عملياتها الصادمة الأخيرة (توازن الردع الثالثة والرابعة)، والتي استهدفت بنجاح مروحة واسعة من الأهداف الاستراتيجية الحسّاسة داخل السعودية.
وتطرّقت الدراسة الأميركية حول الصواريخ اليمينة أيضاً إلى قدرة الأخيرة على نقل المعركة إلى دول التحالف، التي اعتقدت في بداية الحرب أنَّها قادرة على إنهاء المعركة في وقت قصير، لتتفاجأ أنّ عمقها الحيوي مهدد بقدرات صاروخية غير متوقّعة، وأنَّ تصاعد العمليات الصاروخية أخلَّ بموازين القوى، بعد أن أُدخلت عواصم العدوان في قلب الصّراع بشكل مباشر.
وممّا تطرّقت إليه أيضاً الدراسة الأميركية، أنَّه ومع تنفيذ آلاف الغارات، والحصار المطبق على اليمن، وحصول السعودية على أحدث الأنظمة الدفاعية الأميركية، والتي كان من المفترض أن تعزل القدرات الصاروخية اليمينة، مهما كانت إمكانياتها، فإن النتائج العملية لمناورة الصواريخ اليمنية، استطاعت أن تحقق، وبنسبة كبيرة جداً، توازناً معقولاً في مواجهة القدرات الجوية للتحالف، فمن جهة، أدَّت تلك الصواريخ دوراً محورياً في دعم العمليات التكتية داخل اليمن، دفاعاً وهجوماً، ومن جهة ثانية، حقَّقت توازن رعب ومعادلة ردع في مواجهة التفوق الجوّي لتحالف العدوان.
وقد خلصت الدّراسة إلى تخوف كبير من أن عدم قدرة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة على كبح جماح نشاط الصواريخ من اليمن، قد يكون سبباً في توسّع دائرة الصراع من دون قصد، أي من خلال استدراجها من قبل محور المقاومة إلى مواجهة أوسع وأشد حساسية وخطورة، ما دامت كانت تريد الابتعاد عنها، والتي تتعلق بالمواجهة المباشرة مع «إسرائيل» بعد استهداف عمق الأخيرة الحيوي.
وعليه، من خلال التطرّق إلى الموضوع الذي خلصت إليه الدراسة الأميركية أخيراً، يمكن تلمّس حساسية الموضوع والنظرة الأميركية الاستراتيجية الحذرة نحو خطر صواريخ محور المقاومة المرتقب والمفترض والأكيد على نقطة الضعف الأميركية في المنطقة، أي على «إسرائيل».
من هنا، وعلى الرغم من أنّ الحرب على اليمن أميركية القرار والتخطيط والرعاية والتنفيذ، ولكنها تبقى ثانوية، بل هي هامشية في استراتيجية الأميركيين، مقارنة مع أي حرب ممكنة أو مفترضة ضد «إسرائيل»، حيث للأخيرة الأفضلية القصوى في الدعم والمساندة، وفي تسخير القدرات النوعية والمتطوّرة.
ويبقى خطر الصواريخ اليمنية على السعودية، مهما كانت تداعياته، هامشياً وبسيطاً بالنسبة إلى الأميركيين طبعاً، مقارنة مع خطرٍ ما قد يماثلها أو يفوقها من صواريخ نوعية دقيقة يمتلكها حزب الله، وذلك استناداً إلى ما تكلَّم عنه تقرير مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية حول خطر تلك الصواريخ الدقيقة على «إسرائيل».