هل انتهى تحالف الضرورة بين السعودية وإخوان اليمن؟
طالب الحسني
الإصلاح (إخوان اليمن) أمام تصفية سعودية إماراتية مشتركة، لقد كان ذهاب الإصلاح الذي وصل إلى السلطة في 2011 نحو خيار تأييد “التحالف” الذي تقوده الرياض بمثابة الانتحار السياسي، أزعم أن هذا ما سيكتبه مفكرو الحزب أَو ربما بدأوا بكتابته، البعض يقول ذلك حَـاليًّا وإن بصيغة مختلفة، من الجدير التذكير أن قادة الإصلاح لم يكونوا مجبرين على تأييد التحالف، وبالتالي تأييد العدوان على اليمن، كان بإمْكَانهم الانتظار لنتائج الثورة التي قادها أنصار الله الحوثيون والقبائل في سبتمبر 2014 وأطاحت بهم من السلطة، كان بالإمْكَان البقاء كحزب سياسي وعدم الصدام العسكري بالسلطة الجديدة، من تعرضوا للملاحقة هم فقط الذين واجهوا عسكريًّا، نتحدث هنا عن آل الأحمر وبعض القادة العسكريين الذين عرفوا بانتمائهم للإخوان، كالجنرال علي محسن الأحمر.
لو فعلوا ذلك لن نخسر شيئاً إن قلنا لو.. ماض من الصعب العودة إليه، فهل كانت المسألة سوء تقدير؟ هي كذلك، لم يكن الأمر يتعلق بمخاوف من السلطة الجديدة، بل رغبة جامحة في العودة إلى السلطة حتى لو كان ذلك بمساندة الشيطان، هذا ما فعلوه بالضبط.
لو افترضنا اجتماعاً طارئاً عقده حزب الإصلاح بالقيادة، بالهيئة العليا، تملك الهيئة القرار النهائي في الحزب، التجمع، لاتِّخاذ قرار جريء بهذا الحجم، سيجري النقاش هنا حول مستقبل الحزب في مرحلة تحول كبير تمر به اليمن، سلطة جديدة غير مقبولة سعودياً وأمريكياً، وتحالف عسكري عربي وإقليمي ودولي ومدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط التحول غير المرغوب به من قبل هذه القوى.
لقد توقع الإصلاح تماماً ما كانت تعتقد به السعودية وهي تجهز للحرب، ذهبوا جميعاً إلى اعتقاد واحد مفاده لن تصمد السلطة الجديدة التي يقودها أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام، حزب الرئيس الأسبق صالح، ومدعومة من القبائل اليمنية، ما يعرف بقبائل الطوق، أمام تحالف بهذا الحجم والقوة والعدد والاستعدادات العسكرية، سيكون سقوط السلطة الجديدة سريعاً وستعود الأمور أفضل مما كانت عليه، قبل الثورة الأخيرة، أطلق الإصلاح عليها ”انقلاباً”، ربما لم يكن لدى الإصلاح شك في ذلك، بالتالي اتخذ قراره الأكثر خطأ في تاريخ الحزب الذي يمتد لثلاثة عقود.
على الرغم من هذا القرار الجريء الذي اتخذه الإصلاح وبالتزامن مع شد الرحال نحو السعودية لمساندة حربها على اليمن، كانت الرياض وأبو ظبي يدركون تماماً أن الخطة “ب” ستبدأ بعد إعادة عبدربه منصور هادي إلى السلطة في العاصمة صنعاء، تقتضي الخطة بالتخلص تماماً من الإصلاح وإبعادهم عن السلطة، لم يكن أحد يستطيع أن يمنع ذلك، التحالف هو الذي يقرّر مصير اليمن؛ لأنه هو من أعاد رئيساً هرب من العاصمة، هذا ما غاب عن الإصلاح وهو يتحالف مع الشيطان، غاب تماماً عن الإصلاح أن السعودية لم تكن تدعم فكرة وصوله إلى السلطة ووقفت مع صالح في 2011 لمنع سقوطه عبر المبادرة الخليجية، تقتضي الخطة “ب” أَيْـضاً تقوية عبدربه منصور هادي، إعادة إنتاج نظام تحَرّكه السعودية 100 %، إبعاد الإخوان المسلمين من السلطة في الدول العربية، استراتيجية بالنسبة للرياض وأبو ظبي بدعم مفتوح من الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون ذلك أسهل في اليمن فيما إذَا حسم التحالف عسكريًّا، لا أدري لماذا لم تخطر هذه الأفكار برأس اليدومي رئيس الهيئة العليا للإصلاح؟!
بالطبع ليست مخاوف، بل أطماع بالسلطة مجدّدًا.
من المفارقات أن فشلَ التحالف في اليمن حافظ على تواجد الإصلاح (إخوان اليمن) حتى الآن في المشهد لأسباب تتعلق بحاجة السعودية إليه عسكريًّا وليس سياسيًّا، الرياض عسكرة الحزب من اللحظة الأولى لوصول اليدومي والآنسي والزنداني إلى الرياض، بينما اعتبر الإصلاح أن هذه أَيْـضاً فرصة لا تعوض ليصبح هو القوة العسكرية المهمة، دفع بكلِّ قواعده التي استطاع انتزاعها إلى معسكرات التجنيد، لم يكن هذا غائباً عن الرياض وأبو ظبي، كانت مجبرة أَيْـضاً مع تعثر عملياتها العسكرية وصمود التحالف الوطني في الداخل الذي وقف ضد التحالف، لقد تغيرت الخارطة التي كانت مرسومة أمام السعودية والإمارات كاستراتيجية للدولتين وَأَيْـضاً للداعم الأمريكي في اليمن، لم يكن ضمن الخيارات السعودية تقوية الإصلاح ودعم المعسكرات التي يفتحها تحت عنوان دعم التحالف، الخطة “أ” هي الانتصار، الخطة “ب” هي إبعاد الإصلاح من السلطة، لم يعد ذلك متاحاً، ما كان يحصل هو تقوية نفوذ الإخوان عسكريًّا، مع عجز كبير في تقوية عبد ربه منصور هادي، هذا الأخير فراغ كبير لا يحظى بدعم شعبي ولا سياسي، القادة العسكريون الذين يوالونه بحاجة إلى قواعد عسكرية، من الصعب إيجاد ذلك دون الاستعانة بالإصلاح.
تلك أزمة السعودية العميقة، هي تقاتل بالتالي لصالح محور آخر تعتبره عدوًّا أَيْـضاً، المحور التركي القطري، لقد ظهر هذا بشكل أوضح في الأزمة السعودية القطرية، جزء كبير من الإصلاح بما في ذلك من كونتهم عسكريًّا، (المخلافي نموذج) (الحسن أبكر)، ذهبوا نحو قطر وتركيا، لقد تعزز لدى السعودية فعلاً أنها في أزمة أعمق من الخسارة العسكرية أمام قوة تتصاعد عسكريًّا وسياسيًّا، ما من خيارات كثيرة للتنقل بينها بما في ذلك الرهان على أنصار صالح الذي انقلبوا على التحالف مع أنصار الله وقتل؛ بسَببِ هذا الانقلاب صالح نفسه بعد أَيَّـام قليلة من إعلان تأييده للتحالف.
من الواضح لكلِّ من يتتبع الملف اليمني أن الإمارات الشريك المتبقي مع السعودية في التحالف الذي تفكك وخسر عسكريًّا حتى الآن، حدّدت خياراً آخر بعد أن انتزعت تغاضياً سعودياً يتجه نحو دعم وتأسيس الانتقالي جنوب اليمن، يصل ما جندته الإمارات من أنصار هذا الوليد الجديد في المشهد اليمني إلى مئتي ألف مجند، ومنذ 2017 جرف هذا المكون العسكري (الانفصالي) الإصلاح من أغلب المحافظات الجنوبية اليمنية، آخر عملية تجريف جرت في جزيرة سقطرى قبل أقل من شهر، هذا العمليات التي تستهدف الإصلاح مسكوت عنها سعوديًّا، بدت السعودية حتى في هذا المسار دون استراتيجية وتقاتل أَو تتوقف عن القتال دون استراتيجية، إذ أنه ليس من مصلحتها في الوقت الراهن الدفع نحو ذبح ”الشرعية” المزعومة للحد الذي لا تجد لنفسها مقرًّا لحكومة بلا صلاحية، ذلك يجعلها محرجة أمام المجتمع الدولي وفي الوقت نفسه لم يعد لديها حليف في اليمن تقدمه في أية عملية تفاوضية مع صنعاء، والبقاء في الحرب تحول إلى بقاء تحت رحمة الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيّرة والانتظار لمجهول في هذه الحرب، مع قوة متصاعدة تقترب من إعلان النصر العسكري والسياسي.
خلف هذا الجدار المعتم تقف الرياض أمام عجز في تكوين استراتيجية جديدة، من الصعب خلق مسار آخر لهذه الحرب العدوانية التي تقودها، في المقابل يقف الإصلاحُ الذي راهن على السعودية في آخر معاركه في اليمن جنوباً وشمالاً، لقد كشف الغطاء تماماً عن أزمة الثقة بين السعودية والإخوان، الإصلاح بدأ يغادر المعسكر السعودي إلى النهايات، يسلم الطرفان بالهزيمة والانفكاك وفك ارتباط هذا التحالف الذي بني على مصالح مضمرة ونوايا غير جيدة أخفاها الطرفان عن بعض، أخفت السعودية أنها كانت تضمر خطة “ب” تقتضي بإبعاد الإصلاح من السلطة في حال نجح التحالف، بينما أخفى الإصلاح أن تحالفه مع السعودية لم يكن استراتيجياً، بل مسألة العبور مرة أُخرى إلى السلطة التي فقدوها.
وطالما حصل هذا، فهل نشهد اعتقال قادة الإصلاح في السعودية، ثمة من يسرب أن الكثيرَ منهم يقبع تحت الإقامة الجبرية، والبعض في المعتقل فعلاً.