صراع غنائم الحرب.. الإمارات وتركيا على خط النار!
أدّى انتشار الأخبار الأخيرة حول المساعدات المالية التي تقدّمها دولة الإمارات للجماعة الإرهابية (ب. ك. ك) إلى توتر العلاقات بشكل جادّ بين أبوظبي وأنقرة أكثر من أي وقت مضى، حيث إنّ المساعدات الماليّة التي تقدّمها الإمارات لحزب العمال الكردستاني واسعة النطاق لدرجة أنّ حكومة إقليم كردستان اتخذت خطوات لمواجهتها، كما أنّ الوكالة الأمنية داخل الاقليم قد وضعت تدابير جديدة فيما يتعلّق بالحوالات الماليّة من الإمارات على جدول أعمالها، وبناءً على هذه الاجراءات فإنّ تحويل أكثر من ألف دولار من الإمارات الى الحسابات المصرفيّة وشركات الصرافة يجب أن تتضمّن لموافقة قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق.
والحقيقة هي أنّ التوترات بين الإمارات وتركيا كانت موجودة على مدى السنوات القليلة الماضية، لكن القضايا العالقة بين الجانبين وصلت الى أعلى مستوى ممكن لها في الآونة الأخيرة، فالإمارات هي سادس أغنى دولة في العالم من حيث احتياطيات النفط، وبسبب قدرتها المالية العالية في مختلف المجالات، دخلت رسميّاً المنافسة والحرب الباردة مع تركيا، حيث إنّ دعمها المالي لجماعة الـ (ب ك ك) هو مثال بارز على ذلك، والسؤال الآن، ما هي أسباب وعوامل التوتر بين أنقرة وأبوظبي، وكيف يمكن توقّع مستقبل العلاقات بين الجانبين؟
نقطة بداية الخلاف بين تركيا والإمارات
يمكن من خلال دراسة الخلفية والبعد التاريخي للاختلافات بين الإمارات وتركيا، التركيز على التطوّرات في غرب آسيا بعد عام 2011 ، والتي شهدنا من خلالها موجة من الصحوة الإسلامية والثورات الشعبية في بعض الدول العربية، وفي غضون ذلك ، حتى في الأيام التي تلت الثورة في مصر، كان يُعتقد أن الإمارات يمكن أن تكون شريكاً تجارياً وسياسياً جيداً لتركيا، لكن الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي ضدّ حكومة الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي في عام 2013 ، أسفر عن قدر كبير من التوتر بين أنقرة وأبو ظبي، والذي استمر في التزايد في السنوات الأخيرة.
وفي أعقاب هذا الانقلاب، دافعت قطر وتركيا من جهة عن حكومة الإخوان ووصفت حادثة القاهرة بأنّها جريمة ضدّ الديمقراطية، وعلى الجانب الآخر تواجدت الإمارات والسعودية وحكومة عبد الفتاح السيسي في مصر، والتي اتخذت موقفاً جادّاً ضدّ تركيا بسبب الخلافات الأيديولوجية بينها وبين الإخوان المسلمين، ومن هذه النقطة، بدأت فترة المنافسة الاستراتيجية بين البلدين، ولكن دعم الإمارات للانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016 في تركيا زاد من حدّة التوترات بين الطرفين.
من انقلاب 15 يوليو إلى دعم تركيا لقطر
أشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بعد فشل الانقلاب، إلى الإمارات قائلاً: “نحن نعلم أنّه ثمّة هناك دولة قد قدّمت 3 مليارات دولار لتمويل الانقلاب في تركيا”، كما ازدادت الخلافات بين الجانبين في السنوات الأخيرة خاصة بعد خفض قيمة الليرة التركية، وظهرت أدلّة تشير الى تدخل الإمارات والسعودية في هذا الأمر ما أدّى إلى غضب واستياء أنقرة وأردوغان بشكل متزايد.
لكن في غضون ذلك، كانت هناك أزمة أكثر خطورة بين الإمارات وتركيا بشأن دعم أنقرة لقطر، فبعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية الخمس بقيادة السعودية مع قطر في 5 يونيو 2017 ، أرسلت تركيا في البداية مجموعة من قواتها إلى قاعدة بالقرب من الدوحة، وأيضاً قال اردوغان خلال زيارة لقاعدة عسكرية تركية في قطر أنّ تركيا ستواصل دعم قطر في مختلف المجالات خاصة في المجالين الصناعي والعسكري ، وقد فاقم هذا الحادث أيضاً الخلافات بين الجانبين.
التوترات في سوريا
يمكن النظر إلى محور آخر من التوتر والأزمة في العلاقات بين تركيا والإمارات في تعارض موقف أبو ظبي مع موقف أردوغان، فمنذ بداية الأزمة السورية عام 2011، اتبع رئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب أردوغان، استراتيجية لدعم الإخوان المسلمين ومعارضة الحكومة السورية الشرعية، ولكن على مدار السنوات القليلة الماضية اتخذت الإمارات موقفاً مضادّاً تماماً لتركيا، ونتيجة لذلك، رأينا الإمارات تصف مراراً وتكراراً القوات المدعومة من تركيا بأنّها إرهابيّة وتدعم مواقف الحكومة الشرعيّة السوريّة.
وحتى وقت قريب، عقب الهجمات التركية على المواقع الكردية السورية في الشمال، اتخذت الإمارات موقفاً متشدّداً ضد تركيا، وأيضاً، في سياق معادلات إدلب الأخيرة، نرى أنّ المسؤولين الإماراتيين تحدّثوا عن استعدادهم لتقديم الدعم المالي والسياسي لدمشق، ويبدو الآن أنّ حكومة أبوظبي تتبع استراتيجية أساسيّة حول التطوّرات في سوريا، وهي معارضة لاستراتيجية تركيا في جميع المجالات المتاحة.
الجدل حول الأزمة الليبية
وربما يمكن تقييم أهم وأحدث مستوى من الخلاف بين الإمارات وتركيا حول المواقف المتضاربة للجانبين بشأن الأزمة الليبية، وفي الواقع، بعد نهاية دكتاتورية معمر القذافي التي استمرت 42 عاماً، اندلعت موجة كبيرة من الأزمات والحرب الأهلية في البلاد بين الثوريين والمعارضين السابقين للحكومة، وحوّلت البلاد فعلياَ إلى جزأين، ومنذ أبريل 2019 حتى الآن ، فقد شهدنا بداية حرب أهلية شاملة في هذا البلد ، حيث قُسّمت ليبيا إلى قسمين، أحدهما هو الجزء الغربي للبلاد بمركزية طرابلس والتي تدار من قبل ما يسمى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة “فايز السراج” المدعوم من قبل الأمم المتحدة ، والقسم الآخر ، هو الجيش الوطني الليبي ، بقيادة خليفة حفتر بمركزية “بنغازي” ، والتي تسعى للاستيلاء على العاصمة والسيطرة الكاملة على البلاد.
لكن تقسيم ليبيا بين هاتين القوتين أدّى أيضاً إلى نوع من ثنائية القطب على مستوى الجهات الفاعلة الأجنبية ، وعلى هذا الأساس فإنّ الدول العربية المحافظة، وخاصة السعودية والإمارات، تدعم بقوة خليفة حفتر عسكريّاً وماليّاً في سياق معارضتهم الشديدة للتيار السياسي والفكري للإخوان المسلمين ، بينما تركيا ، بقيادة أردوغان وقطر ، مستعدّة للحفاظ على حكم طرابلس بأيّ شكل كان ، والمثال البارز على ذلك هو إرسال مسلحين من أنقرة إلى طرابلس ، وفي ظلّ الظروف الجديدة ، فإنّ الإمارات تواصل دعم حفتر ، وتواصل تركيا دعم حكومة السراج ، ونتيجة لذلك ، أصبحت العلاقات بين الجانبين متوترة بشكل متزايد أكثر من أيّ وقت مضى.