الإخلاص لله هو صمام الأمان في ميادين العمل

|| من هدي القرآن ||

 

الإخلاص لله هو صمام الأمان في ميادين العمل أيضاً. إذا انطلق الناس وكلهم مخلصون لله سيخلصون في السر وفي العلن، وفي السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وسيخلص سواء هو أمام فلان أم ليس أمامه، سيخلص في أي عمل يقوم به سواء رآه أحد أم لم يره أحد، سيكونون هم مجموعة يحافظون على توحدهم على أرقى درجات ما يمكن أن يصل إليه الناس في توحدهم،

فما يفرق بين الناس إلا هذه المشاعر مشاعر الرياء. [أنا تحركت فلم يقدروا جهودي، هؤلاء لا يصلحوا]. فتذهب من عندهم, والآخر يذهب, والآخرون يذهبون من عندك، وهكذا.

لكن إذا انطلق الناس من أجل الله فما الذي سيفرق بينهم حينئذ؟ سيكونون جميعاً نفسياً مهيئين لأن يقبلوا توجيها واحداً هو هدي الله؛ لأنه ليس في نفوسهم شيء آخر بديل، ليس لدينا مطامع شخصية, ولا مقاصد شخصية، لا مادية ولا معنوية, وبالتالي فما الذي يحول بيني وبين أن أقبل هديا واحدا من جانب الله، أسير عليه أنا والآلاف من زملائي؟.

إنما أحيانا لا تسير مجموعة مكونة من عشرة أشخاص إذا كـان داخلها من له رؤى أخرى يعمل على بناء شخصيته – كما يقولون – أن يكون هو مفكرا، أن يكون له حق التفكير، وحق إبداء الرأي، أن يكون هو الذي له حق أن يجتهد، وله حق أن ينظر، وله حق.. وله حق.. إلى آخره. يملأ رأسه بالحقوق الشخصية له، وحينئذ فأي جانب من التوجيهات هي من داخل القرآن الكريم سيعمل على أن يدفعها.

فإذا كان زميله هذا أو ذلك ممن يمكن أن يقبل ذلك التوجيه من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه ليس لهم هناك قائمة للحقوق الشخصية داخل نفوسهم فإنه وهم لن ينسجموا.. بل ستكون حركته في الساحة مختلفة عن حركتهم، وسيعمل على أن يصنع في الساحة نسخا من نوعيته في الناس، وهذا هو نفسه من أهم بواعث التفرق، ذلك التفرق الذي يصبغ كل طرف فيه ما هو عليه بصبغته الدينية فيضفي على تفرقه وخلافه صبغة دينية.

الناس إذا ذابوا في الله سبحانه وتعالى قبلوا جميعا كلمته الواحدة، هديه الواحد.. ألم نقل أمس في المحاضرة أن هناك نموذج مهم لهذا الجانب هو أنبياء الله على اختلاف أزمنتهم، وأمكنتهم، تلمس فيهم روحية واحدة، وصفا واحـدا، بل يعطون الموثق والشهادة لله، والعهد لله: أنه إن بعث الله محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يقفوا جنودا معه أن ينصروه، أليس هذا هو قمة الذوبان في الله؟ وهم أنبياء مكانتهم عالية.

ما الذي جعلهم على هذا النحو؟ إلغاء تلك القائمة الطويلة العريضة في نفوسهم: لي حق أن أكون كذا, ولي حق كذا.. ولماذا لم يعتدوا برأيي، ولي حق إبداء نظري ولي حق.. ولي… الخ.

أنت تستطيع أن تنفع الإسلام, وتستطيع فعلا أن تنطلق في الساحة فتقيِّم كل شيء, تنظر إلى أعمال الآخرين من أعداء الله فتراقبها عن كثب ثم ارفع وجهات نظرك إلى الآخرين ممن تراهم قادة لك أو أعلاما لحركتك، وهم إذا كانوا مخلصين, مهتمين سيكونون ممن لا ينظرون نظرة احتقار إلى أي شخص مهما كان، فبإمكانه أن يذكرنا بقضية مهمة، ألم يتمكن [هدهد] من أن يدل أمة بكاملها بملكتها على أن تسلم؟ ألم يستفد سليمان (عليه السلام) من نملة واحدة؟.

الكل بحاجة إلى أن يذوبوا في الله، والكل بحاجة إلى أن يتحركوا بجدية، وكل واحد منهم يتحرك وكأنه هو القائد، وكأنه هو المعني بكل شيء، وكأنه هو المسؤول عن كل شيء، وكأنه هو من عليه أن يهتم بكل شيء، بشكل مراقبة لواقع الآخرين وأعمال الآخرين, وأي قصور أو تثبيط أو تخاذل يحدث من جانب الآخرين من زملائه.

ثم ليقدم كل معلوماته لمن يرى أنهم هم من يقودون أعماله، من يتحرك هو وهم في سبيل الله سبحانه وتعالى وفي مواجهة أعدائه.

الإخلاص مهم في قيمة الأعمال عند الله، وأحيانا قد تخسر قيمة كبرى لعملك، ليست فقط هي ما يمكن أن يعطيه عملك في حدوده بل آثاره أيضا, آثاره في الآخرين، وآثاره في الأمة من بعدك.. الإنسان إذا راءى أنه سيخسر شيئاً عظيماً، سيخسر أجراً مضاعفاً يتكرر جيلاً بعد جيل.

أما إذا أخلص لله فسيكون هو من يلقى الله سبحانه وتعالى بأجر كبير, بأعمال مضاعفة، ليست فقط هي أعماله بل ومن أعمال الآخرين، ومن حسناتهم الذين كان عمله سبباً لهدايتهم، من كان عمله سبباً لإنقاذهم، كان عمله سبباً لتوعيتهم، وتبصيرهم، وإكمال إيمانهم.

أليس هذا هو الفضل العظيم؟ ألم يقل الله عن أولئك المجاهدين: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة: من الآية54)؟ لأنه هكذا أنت في ميدان أن تصنع لنفسك فضلا عظيما عند الله، أن تبني لنفسك رصيدا مهما من الأجر الكبير من الحسنات المضاعفة عند الله، المجاهدون هم أولئك الذين يعملون على أن ينقذوا الأمة, وينقذوا الأجيال من بعدهم فيكونوا هم من سيشاركون كل فرد في الأعمال الصالحة التي ينطلق فيها.. أليس هذا هو الفضل العظيم؟.

عمرك القصير سبعين سنة، ثمانين سنة، ستين سنة.. ماذا يمكن أن تتسع له أمام تقصيرك وقصورك وجهلك؟!. لكن تلك الأعمال المهمة هي الكفيلة بتغطية ذلك النقص.

أليس هذا هو فضل الله يؤتيه من يشاء بهذه العبارة؟: {يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} فمن هو الذي يجعل نفسه جديراً بأن يؤتيه الله ذلك الفضل؟ هو من ينطلق في أعماله بإخلاص.

هذا هو فيما يتعلق بقيمة الإخلاص لله، فيما يتعلق بأجر العمل وهو في نفس الوقت له أثره المهم في توحيد كلمة الأمة، توحيد كلمة المجموعة، توحيد كلمة العاملين، بل وفاعليتهم سينطلقون بجد حتى وإن كان في ظلمات الليل في الصحراء لا ينتظر لأحد أن يلتفت إليه فيقول: ما شاء الله. يرى نفسه في حالة شديدة في الصحراء من البرد، من الجوع، من الألم لا يخطر بباله أن يتمنى [أن فلان يراني ليعرف أني أحسن من ذلك الشخص الذي رابض عنده أو أحسن من فلان الذي يعتمد عليه.. أو.. أو..] من هذه العبارات الكثيرة.

هو وحده واثق أن هناك من يراه هو الله، وهذا هو المهم أن يكون الله الذي يراه، هو وحده الذي يقبل عمله ذلك.. أليس الإخلاص هو الذي سيجعل كل جندي يتفانى في أي ميدان هو؟. أليس الذي هو سيقفل كل بواعث التفرق؟.

معظم بواعث التفرق هي: البغي، والحسد. والبغي والحسد منبعه هو: النظرة الشخصية، مصالح شخصية، حقوق شخصية، أهداف شخصية، ومقاصد شخصية.. أليس هكذا الله تحدث عن أولئك الذين تفرقوا من بعد أنبيائهم، أن ما كان يدفعهم للتفرق هو البغي هو الحسد. البغي من بعضهم على بعض اعتداءهم، ومتى ستعتدي على أخ لك في الله وأنت وهو منطلقان في ميدان العمل لله بإخلاص لله.

من الذي سيفرق بينكم؟ الله الواحد الأحد يمكن أن يفرق بينكم؟! وهو الذي لم يفرق بين أنبيائه جيلا بعد جيل، وهو الذي طلب منا كمؤمنين أن نؤمن بأن لا تفرقة بين أنبياءه {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية136) أبدا.. لا الله, ولا هديه، وإنما أنت أو أنا، إذا ما ابتعدنا عن هدى الله سيظهر البغي سيظهر الحسد، ستظهر المصالح الشخصية، ستظهر المقاصد السخيفة، ستظهر الحماقة.

ثم حينها سيكون كل طرف قوي.. قوي في سبيل مواجهته للطرف الآخر؛ لأنه حينئذ أصبح يتحرك لتحقيق أهداف شخصية لديه، وما أحمق الإنسان وما أضعف إيمانه، وما أضعف يقينه بالله إذا ما كانت حركته قوية عندما يتحرك من أجل مصالحه الشخصية، ومن أجل تحقيق أهدافه ثم هو الضعيف الضعيف إذا ما كانت حركته لله وفي سبيل الله.

الإخلاص لله سيقضي على كل هذه السلبيات، على كل هذه الثغرات سيسدها. حتى تكون نيتك على هذا المستوى أيضا أنت من يفكر دائما في عظمة الله، وفي حاجتك إليه، وفي أنه وحده فوق كل طرف آخر ممكن أن تطلب منه شيئا أو تخاف منه شيئا، الثناء من قبله وحده عليك أعظم من أي ثناء من الآخرين عليك.

فمنه وحده أطلب أن ينتهي بنيتك إلى أحسن النيات، فقل: ((وانته بنيتي – يا إلهي – إلى أحسن النيات)) انتهِ بنيتي إلى أحسن النيات. هل أنِّي على هذا النوع؟ هل يكون هذا مقصدي؟ إليك أنت وحدك يا إلهي اجعل عملي على أحسن ما ترى، وجِّهْهُ إلى أحسن ما ترى. فأن يكون عملك في الله ومتى كان العمل لله انظروا ماذا عمل سبحانه وتعالى لأولئك من أهل البيت الإمام علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) عندما تصدقوا بشيء بسيط لكنه انطلق منهم على هذا النحو: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} (الإنسان:10). هذه الروحية، هذه النية، تلك المقاصد هي التي جعلت حفنة من الشعير، أقراصاً معدودة تخلد ذكر أولئك الذين قدموها لمسكين واحد، وأسير واحد، ويتيم واحد، تخلد تلك الفضيلة وتلك العطية العظيمة البسيطة في القرآن الكريم، فنحن نقرأها لنعرف نحن كيف أن يكون همك هو أن تكون نيتك صالحة لله وفي الله، وأنت تعمل في سبيله، وأنت تقوم بأي عبادة من عبادات الله في صلاتك، في صيامك، في ذكرك لله، في حجك، في إنفاقك، في قولك الحق، في نصيحتك، في كل عمل تعمله يرضي الله أن يكون مقصدك فيه هو من أجل الله.

دروس من هدي القرآن الكريم

في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الأول

#ألقاها_السيد_ حسين_بدر_الدين_الحوثي

بتاريخ: 1/2/2002م

اليمن – صعدة

الله أكبر

الموت لأمريكا

الموت لإسرائيل

اللعنة على اليهود

النصر للإسلام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى