مشروع حياة
د. فاطمة بخيت
في فترة مظلمة من حياة الأمة، كانت تعاني فيها من الذل والهوان والتبعية لقوى الشر والضلال، وبلغ بها الخنوع والاستسلام ذروته، في بقعة مباركة من هذه الأرض انطلق ليعلن البراءة من تلك القوى الظلامية التي أذلت الأمة وهيمنت عليها وفصلتها عن قيمها الدينية والإنسانية.
في أرض مران بدأ السيد حسين الحوثي –رضوان الله عليه- مشروعه القرآني ليحيي الأمة ويوقظها من سباتها الطويل، ويمسح عنها غبار التضليل ويفضح المؤامرات التي تحوكها قوى الشر ضدها، ويستنهضها للتحرك لمواجهة الخطر المحدق بها، ذلك الخطر الذي طوقها من مختلف الجهات وغزاها في شتى المجالات، انطلق بكل قوة وعزم في مواجهة أعداء الدين والأمة من الأمريكان والإسرائيليين ومن دار في فلكهم، سالكاً طريق أجداده أعلام الهدى في توعية الناس ونصرة هذا الدين ومحاربة أعدائه، باذلاً في سبيل ذلك روحه وماله وكل ما يملك، لقد كان قائداً شجاعاً مؤمناً بعدالة القضية التي يتحرك لأجلها، مستشعراً المسؤولية أمام المولى عز وجل في نصرة دينه ومواجهة المشروع الغربي التدميري لهذه الأمة. تحرك معه ثلة من المؤمنين الصادقين الذين باعوا من الله أموالهم وأنفسهم.
سعت السلطة الظالمة حينها أن تثني السيد حسين عن التحرك في ذلك المشروع بالتهديد والوعيد تارة، وخدعة الوساطة تارة أخرى، لكنه كان صامداً ثابتاً لم يزده ذلك سوى عزماً وصبراً على مواصلة طريق الجهاد؛ لأنّ الإيمان كان يملأ قلبه ووجدانه.
ضاقت تلك القوى الظلامية بالمشروع القرآني ذرعاً؛ لأنّها تدرك أكثر من غيرها مدى خطورته على مشروعها التدميري للقضاء على الأمة، وتعمل لكل خطر ألف حساب حتى وإن كان بنسبة 1% كما أشار إلى ذلك الشهيد القائد رضوان الله عليه.
فما كان من تلك القوى الظالمة سوى أن تآمرت وأمرت بشن حرب على هذا المشروع، وقد كان النظام العميل حينها يدها التي تبطش، فحشد كل طاقاته وإمكاناته للقضاء على المشروع القرآني الذي يشكل خطراً على أمريكا وإسرائيل وقوى الشر والضلال.
جهزوا الجيوش بمختلف أنواع الأسلحة وبأعداد هائلة، قصفوا بكل وحشية وقتلوا وحاصروا ونشروا الرعب في المنطقة، قصف وغارات بلغت رقماً قياسياً، لم يدخروا جهداً في تلك الحرب لقتال تلك الثلة من المؤمنين وقائدهم العظيم الذي كان رمزاً في ثباته وشجاعته ومواجهته للباطل.
شهر مضى وشهر أتى، كانوا يزدادون فيه صبراً وعزماً على مواصلة الطريق الذي بدأوه، واجهوا حرباً وحشية وشرسة على الرغم من قلة العدد وبساطة الإمكانات التي لا تقارن بما يمتلكه العدو من عدة وعتاد، واصل أولئك المجاهدون جهادهم إلى ما يقارب ثلاثة أشهر تحكي تفاصيل مظلومية وملحمة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً، وستظل الأجيال تتناقلها جيلاً بعد جيل وكانت بحق كربلاء العصر. لم يدخر العدو فيها أيّ وسيلة، واستخدم فيها حتى حرب الإشاعات التي بدا فيها حقيراً وصغيراً وكشفت الأيام مدى كذبه وزوره.
طال الحصار، انقطع المدد، نفد الماء، ضخ العدو البنزين بدل الماء وألقى بنار حقده عليه لتشتعل النار في المكان ليرتقى عدد من جرحى المجاهدين إلى شهداء، ليكون ذلك آخر حيلهم للمواجهة.
أعطوا الأمان للسيد حسين ليخرج إليهم وهو جريح مضرّج بدمه، لكنهم نكثوا، وكيف يفي من خان الله من قبل؟! فما كان منهم إلا أن قاموا بإطلاق الرصاص عليه وعدد من المجاهدين الصابرين ليرتقوا شهداء عند رب العالمين.
استشهد القائد العظيم وعلم عصره وزمانه السيد حسين بدرالدين الحوثي –رضوان الله عليه- بعد عمر حافل بالجهاد والنضال ضد قوى الباطل والضلال. ظن العدو بحمقه وجهالته أن بقتله له سيتمكن من القضاء على مشروعه القرآني، جهل بأن من تكفّل بحفظ القرآن، قادرٌ على حفظ أيّ مشروع ينطلق من هذا القرآن، الذي هو امتداد لذلك النور الإلهي الذي يأبى الله أن يتمّه ولو كره الكافرون.
على الرغم من الخسارة الفادحة التي منيت بها الأمة لفقد هذا القائد العظيم، إلا أنّها لا زالت بخير ما دام فيها القائد العلم المجاهد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- الذي هو امتداد لذلك المشروع الإلهي على هذه الأرض.
السلام عليك أيّها السيد المجاهد حسين بدرالدين الحوثي يوم ولدت ويوم انطلقت في هذا الشروع الإلهي ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً.