دق الأسافين الأخيرة في نعش الوجود الأمريكي في العراق
أثارت غارات المقاتلات الأمريكية فجر يوم أمس على المواقع العسكرية والمدنية في العراق مرة أخرى غضب الحكومة والشعب العراقي لانتهاك السيادة الوطنية العراقية من قبل أمريكا مراراً وتكراراً. ردود الفعل التي جعلت قضية ضرورة إنهاء وجود قوات الاحتلال الأمريكية والدور السلبي لأمريكا في ضمان أمن العراق لتصبح القضية رقم واحد في الأوساط السياسية والإعلامية مجدداً.
بعد مقتل ثلاثة عناصر من جنود التحالف فيما يسمى بمحاربة تنظيم داعش من خلال الهجمات الصاروخية على قاعدة التاجي يوم الأربعاء الماضي ، بدأت المقاتلات الأمريكية في قصف موسع لمواقع ومقرات قوات الحشد الشعبي في محافظات بابل وصلاح الدين والبصرة. كما قصفت الطائرات الأمريكية مطاراً قيد الإنشاء في كربلاء. ولم تسبب هذه الهجمات بمقتل عدد من قوات التعبئة المدنية العراقية فحسب ، بل استهدفت أيضا قوات الجيش والشرطة وحتى المدنيين العراقيين. وفي هذا الصدد أصدرت قيادة الجيش العراقي بياناً تعلن فيه ان خمسة من قوات الأمن العراقية ومدني قضوا خلال هذه الغارات الغاشمة.
إدانة واسعة النطاق للهجمات الأمريكية ، من استدعاء السفراء إلى عقد الاجتماعات البرلمانية الطارئة
قوبل الهجوم الأمريكي على القواعد العسكرية العراقية بردود فعل قوية وإدانة واستنكار شديدين من قبل الحكومة والبرلمان العراقي. وفي هذا السياق صرح مكتب الرئاسة العراقية في بيان إن الهجمات الأمريكية هي انتهاك صارخ للسيادة العراقية. وجاء في البيان ما يلي: ” نحن ندين الهجوم الأمريكي على القواعد داخل الأراضي العراقية ، بما في ذلك مطار كربلاء ، والذي أسفر عن مقتل وإصابة عدد من قوات الأمن العراقية والمدنيين ، ونعتبر هذا العمل الاجرامي انه انتهاك للسيادة الوطنية العراقية”. وتم التأكيد في هذا البيان انه يجب أن نمنع العراق من أن يصبح ساحة معركة للآخرين وأن نركز على استكمال معارك النصر ضد الإرهاب. ودعا البيان المجتمع الدولي لدعم العراق واحترام سيادته.
وبالإضافة إلى بيان الرئاسة ، عقد وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم اجتماعاً استثنائياً مع ممثلين ومستشارين للوزارة لمناقشة الأعمال المترتبة على الهجوم الأمريكي. كما استدعى سفيري الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا لشرح وتوضيح هذا الهجوم.
وفي رد مهم آخر ، أعلن بعض أعضاء البرلمان العراقي أنهم بدؤوا في جمع التواقيع بغية عقد جلسة استثنائية واتخاذ موقف واضح بشأن انتهاكات السيادة العراقية من قبل أمريكا.
وفي هذا الصدد قال جمال فاخر في حديث لـ “السومرية نيوز” يوم أمس الجمعة: “إن الصمت إزاء تجاوزات وانتهاكات الولايات المتحدة الامريكية الماضية والاكتفاء بإداناتها وعدم اتخاذ مواقف جدية وواضحة تجاهها ، جعلت الشيطان الأكبر يستمر في استبداده وغطرسته. إلى حد أنه بعد استهداف قادة النصر والمقاومة ، فإنه يحاول استهداف مواقع حزب الله والجيش العراقي على نطاق واسع.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية نينا ، حث حسن الكعبي ، نائب رئيس البرلمان العراقي ، الحكومة ووزارة الخارجية على إدانة الهجمات الوحشية التي تشنها القوات الأمريكية على المنشآت العسكرية والمدنية العراقية ، واتخاذ إجراءات قانونية من شأنها اخراج وطرد المحتلين من خلال الوسائل الدبلوماسية والسياسية. مؤكداً أن قصف المنشآت العسكرية والمدنية هو رد فعل انفعالي غير دقيق وغير مبرر ، ويظهر نية مبيته تهدف الى انتهاك السيادة العراقية ، خاصة بعد التصريحات غير المسؤولة لبعض العسكريين والمستشارين الأمريكيين حول قصف المناطق المدنية والمواقع العسكرية.
دعوات الى اخراج القوات الأمريكية
بالإضافة إلى ردود المسؤولين السياسيين ، تلقت الغارات التي نفذتها أمريكا أيضًا ردود فعل واسعة النطاق من الجماعات والتيارات السياسية العراقية ، التي أدانت الهجوم الأمريكي وأكدت على ان هذا العمل يؤكد ماهية الاحتلال الأمريكي ، ودعت إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لاخراج القوات العسكرية الامريكية في أقرب وقت ممكن.
وفي هذا الصدد ، أدان زعيم تيار الحكمة الإسلامية في العراق عمار الحكيم الهجوم الأمريكي على مواقع قوات الحشد الشعبي في تغريدة على موقع تويتر قائلاً: ان تكرار الاضطرابات الأمنية وآخرها غارات بطائرات مسيرة مجهولة الهوية على مقرات قوات الحشد الشعبي على الحدود السورية ، وكذلك الهجوم الصاروخي على قاعدة التاجي العسكرية يظهر تزعزع الوضع الأمني الهش وتخلق صورة سلبية وغير متناسبة للعراق وقدرة حكومته على السيطرة على البيئة الأمنية امام الرأي العام العالمي وعدم القدرة على تحقيق العراق لالتزامات الدولية والأمنية. واضاف “ندعو الحكومة العراقية الى اتخاذ اجراءات عاجلة وواقعية للحيلولة دون عودة الكارثة ، وفي نفس الوقت ندين ونؤكد بشدة ان سيادة العراق الإقليمية واحترامه هي مسؤولية على عاتق المجتمع الدولي بأسره ولا يقبل أي استثناءات”.
كما دعا ممثلو فصيل الصادقون التابع لعصائب أهل الحق والتحالف الذي تقوده الحكومة إلى توحيد جميع العراقيين لطرد الأمريكيين من العراق. حيث كتب نعيم العبودي ، عضو فصيل الصادقون في البرلمان العراقي ، على صفحته على تويتر: “لقد استطاعت الولايات المتحدة الامريكية قتل الأبرياء وتدمير البنية التحتية لبلدنا ، لكنها لن تكون قادرة على البقاء في هذه الأرض لفترة طويلة ولن ينابها سوى الخزي والعار”.
من جهة أخرى ، أدان عدنان الأسدي ، عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي ، الهجمات التي شنتها أمريكا الليلة الماضية على مواقع الحشد الشعبي ومطار كربلاء وطالب بإخراج القوات الإرهابية الأمريكية من العراق على الفور.
كما قام الشيخ خالد الملا ، رئيس مجموعة علماء العراق ، بالتغريد ردا على الغارات الأمريكية الليلة الماضية واستهدافها مواقع الحشد الشعبي قائلاً: “إن الغارة الجوية الأمريكية على مقرات الحشد الشعبي والجيش هي اعتداء صارخ وانتهاك للوحدة الوطنية العراقية ، وتهدف هذه الخطوة إلى إعادة إرهابيي تنظيم داعش وإلحاق الضرر بأمن بغداد والمحافظات العراقية الأخرى. كما أدانت كتائب سيد الشهداء الهجوم وتوعدت برد حاسم.
وفي واحدة من أهم ردود الفعل ، تحدث مقتدى الصدر عن استحالة السلام مع المحتلين ، وأكد على ضرورة إبعاد العراق عن التوترات والصراعات.
وأعلنت العتبة الحسينية في بيان لها أن الهجوم الأمريكي على مطار كربلاء الدولي إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالمنشآت الإدارية والخدمية بالمطار أدى إلى مقتل مدني وإصابة بعض العاملين في بناء المطار. وجاء في البيان ان منشآة مطار كربلاء الدولي تعرض لهجمات صاروخية نفذتها المقاتلات الامريكية مما أدى الى مقتل مدني وجرح عدد من العاملين في بناء المطار صباح الجمعة. وقال البيان إن المطار مدني تماما ، وتشرف العتبة الحسينية المقدسة على بنائه بالتعاون مع عدة شركات عراقية وكوادر مدنية بالكامل.
بالإضافة إلى ذلك ، أدانت عتبة كربلاء المقدسة الهجوم الصاروخي الذي لا مبرر له على الإطلاق ، وطالبت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية بتوثيق الهجوم ومعرفة الطبيعة المدنية للمطار ومدى الأضرار التي تسبب فيها الهجوم الأمريكي. وقالت مصادر عراقية أيضا أن العتبة الرضوية تسعى لاقامة دعاوى قضائية دولية ضد استهداف مطار كربلاء.
السعي الأمريكي لعدم تحمل المسؤولية
ولكن مع اشتداد موجة الإدانة على الهجمات الأمريكية من قبل الحكومة والشعب العراقي والتاكيد مرة أخرى على ضرورة اخراج القوات الأمريكية من العراق ، سعى مسؤولو واشنطن إلى تبرير انتقاد العدوان وتبرير انتهاكات السيادة العراقية في سلسلة من المواقف. من خلال رفع إصبع الاتهام والاشارة الى إيران والتذرع بان هذه الهجمات “انتقامية ودفاعية”.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية في بيان صدر الليلة الماضية عقب الهجمات التي شنتها المقاتلات الامريكية على مواقع الحشد الشعبي في العراق ، زاعمة أن الهجمات على معسكر التاجي في العراق نفذتها “القوات الشيعية المدعومة من إيران”. ووفقاً لتصريح وزير الدفاع الأمريكي مارك اسبر أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع الهجمات ضد الشعب الأمريكي أو مصالحا أو حلفاءها. مضيفاً “كما أظهرنا في الأشهر الأخيرة ، سنتخذ أي إجراء ضروري لحماية قواتنا في العراق”.
وفي رد آخر ، دافعت المتحدثة باسم البنتاغون أليسا فرح عن الهجوم على مواقع كتائب حزب الله في العراق ، زاعمةً أن الهجمات كانت متناسبة ومباشرة مع الرد على تهديدات المجموعات التي تعمل بالنيابة عن ايران والتي هاجمت مواقع القاعدة المضيفة لقوات التحالف الدولي. وتابعت بالقول “ان مهاجمة الناس أو مصالحنا أو حلفائنا لن يتم التسامح معها. وسنفعل كل ما هو ضروري لحماية قواتنا في العراق والمنطقة”.
ولكن على الرغم من جهود رجال الدولة الأمريكيين هذه الأيام للهروب من عواقب انتهاك السيادة العراقية وقتل المدنيين ، فإن ما هو مؤكد أن تصرفات ترامب ، خاصة بالنظر إلى التجربة التاريخية المؤسفة للشعب العراقي بعد عقدين من الاحتلال العسكري من قبل الأمريكيين. مثل الأسافين الأخيرة التي تدق في نعش الوجود العسكري الأمريكي في العراق.