الإمارات والحرب على اليمن.. سحبت قواتها وأبقت عدوانها وأدواتها
عبدالله علي صبري
حين نظمت أبو ظبي في 8 فبراير الجاري احتفالا لاستقبال جنودها العائدين من اليمن، فإنها قد أرادت بذلك الإعلان على نحو رسمي عن سحب قواتها، بعد أن تحدثت وسائل إعلامية أن الإمارات باشرت هذه المهمة فعليا في يوليو 2019م، إثر متغيرات جيوسياسية ذي صلة بملف تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومخاوف حكام الإمارات من تداعيات لا تحمد عقباها في حال اندلعت حرب شاملة بينما أبوظبي منغمسة في حرب اليمن التي انخرطت فيها بزعم الحد من التمدد الإيراني في المنطقة.
والعامل الثاني المهم أيضاً، يتعلق بتصاعد القوة الصاروخية اليمنية، وتنامي الهجمات النوعية التي تمكنت من ضرب الرياض في العمق وفي الوجع معا، وانطوت في نفس الوقت على تهديد مباشر للإمارات إن هي استمرأت البقاء في اليمن كقوة غزو واحتلال.
وهذان العاملان الحاسمان لا يلغيان أهمية عوامل أخرى، يمكن القول أنها تضافرت حتى أدت إلى خروج إماراتي تدريجي، لكنه غير مكتمل من حرب اليمن.
فما هي هذه العوامل التي فرضت على أبوظبي سلوك مسار الانسحاب؟، ولماذا لم تحزم الإمارات أمرها، فتعلن على نحو صريح الانسحاب من التحالف وما يسمى بـ “عاصفة الحزم”؟، وهل يمكن للقوى الوطنية في صنعاء أن تقبل بالسلوك الإماراتي المخاتل، وتمنح أبوظبي فرصة النجاة من العقاب؟.
مناورة قذرة وتكتيك مفضوح
بالنظر إلى وقائع ومآلات الحرب العدوانية على اليمن خلال الخمس سنوات الماضية، يدرك المراقب العادي أن الإمارات عملت وتعمل على الخروج من الحرب بأقل الخسائر الممكنة، مع استثمار ما تحقق لها من مكاسب ميدانية بفضل حضورها على مسرح العمليات في عدد من المحافظات الجنوبية، وفي باب المندب والساحل الغربي لليمن، ما ساعدها على تشكيل مليشيات محلية تدين بالولاء للجانب الإماراتي، وإن كان ذلك على حساب ما يسمى بالشرعية، أو على الضد من توجه التحالف الذي تقوده السعودية.
وحين تحدث الفريق الركن عيسى المزروعي أن قوات بلاده قد دربت وسلحت نحو مائتين ألف جندي يمني ، فقد كان يشير بوضوح إلى أن مهمة الإمارات في اليمن مستمرة من خلال المليشيا المحلية التي أمكن لها فرض أمر واقع في المحافظات الجنوبية، وكادت أن تنهي تواجد ما يسمى بالحكومة الشرعية، قبل أن تتدخل الرياض، وتفرض على الأفرقاء اتفاقا هشا جرى هندسته بالتفاهم مع أبوظبي.
بل إن الإمارات قد ألمحت إلى استمرار التواجد العسكري في اليمن، بزعم ” مكافحة الإرهاب “، وجاء على لسان وزيرها أنور قرقوش أن أبوظبي ” ارتأت أن الوضع لم يعد يستدعي الإبقاء على قوات إماراتية كبيرة ” . وبالموازاة، وفي رسالة تطمينية للجانب السعودي أشار محمد بن زايد إلى أن الإمارات لم تسحب قواتها بشكل كلي، وزعم أن بقاء قوات عسكرية في اليمن- لم يحدد عددها ومواقعها- بهدف إسناد وعون الرياض في صيانة أمن المنطقة واستقرارها .
فوق ذلك، فإن الانسحاب من على الأرض يمنح الإمارات فرصة أكبر على المناورة لبلوغ أهدافها السياسية والاقتصادية، بالاعتماد على المرتزقة المحليين الذين تتحالف معهم، خاصة بعد أن عززت حضورها وحضورهم عند خطوط الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، وباتجاه القرن الأفريقي .
وبإعلان الانسحاب غير المكتمل تكون الإمارات قد استجابت بشكل مباشر للضغوط المتنامية عليها والتي سببت حرجا للحليف السعودي، وهو يرى ويتابع تزايد السخط الشعبي في المناطق التي تمركزت فيها القوات الإماراتية، حيث أقدمت هذه القوات على انتهاكات متوالية بحق المدنيين، وتلطخت سمعتها بجرائم التعذيب في السجون التي تديرها، وبجرائم الاغتصاب التي يتورط فيها مرتزقتها الأجانب، ما جعل العديد من المنظمات الدولية الحقوقية تقرع جرس الإنذار.
غير أن خطوة الانسحاب لا يمكن فصلها عن الفشل الذريع في الحسم العسكري للتحالف بشكل عام، وإذا كانت الإمارات قد راهنت على ” حصان طروادة ” في المحافظات الشمالية، فإن آمالها تراجعت كثيرا بعد القضاء السريع والمحكم على فتنة ديسمبر 2017م، الأمر الذي جعل قواتها تنكفئ في حدود المحافظات الجنوبية، مع تعزيز تموضعها في الساحل الغربي، وتمكين الأدوات الشمالية من مرتزقها في المناطق المتاخمة للحديدة ومديرياتها مترامية الأطراف.
ولا يخفى أن معركة الساحل الغربي بدءا بباب المندب، فالمخا، وحتى محاولة اقتحام مدينة الحديدة في العام 2018م، قد جرت بدعم ومباركة الحليف الأمريكي، الذي ينظر إلى تأمين خطوط الملاحة الدولية كخط أحمر، وبهذا تكون القوات الإماراتية قد اشتغلت في إطار خدمة الأجندة الأمريكية والدولية التي تعلي من حرية التجارة على حرية وحقوق الإنسان.
كما يمكن الإشارة إلى النزعة البراغماتية الإماراتية في التعاطي مع ملف الحرب اليمنية، حتى أنها بادرت إلى التعاطي الإيجابي مع المحاولة الأمريكية التي جرى تحريكها أواخر فترة الرئيس باراك أوباما، حين جرى التسويق لمبادرة وزير خارجتيه جون كيرى، فجاء الموقف السياسي متجاوبا ومستبقا الإعلان عن الحل المقترح حين صرح أنور قرقاش في 2016م زاعما أن “الحرب انتهت بالنسبة لجنودنا، نراقب الترتيبات السياسية، ونعمل على تمكين اليمنيين في المناطق المحررة “، فيما قام ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ال بنقل تصريحات قرقاش على حسابه الرسمي، وغرد بها على تويتر .
أكسبو دبي 2020م وعلاقته بالموقف الإماراتي
بالإضافة إلى العوامل آنفة الذكر، يلعب الهاجس الاقتصادي دورا كبيرا في الموقف الإماراتي سواء لجهة الاندفاع في حرب اليمن والاستفادة من فرصة التحكم في موقعه الاستراتيجي وموانئه المهمة على البحر الأحمر وخليج عدن، خاصة في ظل حرب الموانئ، والتنافس الشديد مع قطر والصين وتركيا في القرن الأفريقي. أو لجهة دراسة التهديدات الجادة التي تصدر من صنعاء ومن السيد عبدالملك الحوثي في حال لم تكف الإمارات عن عدوانها، والتأثير المحتمل لأي تصعيد تجاه اقتصادها وحركة الاستثمار التي لا غنى لها عن الأمن والاستقرار.
واللافت أن التهدئة المتبادلة بين صنعاء وأبوظبي ما تزال قائمة منذ يوليو 2019م، رغم أن الطرفين لا يعترفان بها رسميا. ولأن صنعاء قد أثبتت قدرتها على استهداف المنشئات النفطية السعودية وعلى مسافة تزيد عن ألف كيلو متر، فإن الإمارات قد استوعبت الرسالة على ما يبدو، وسارعت إلى استكمال سحب قواتها العسكرية، من منطلق أنه إذا كان بمقدور الصواريخ اليمنية الدقيقة أن تطال الرياض وأبها وجيزان وبقيق وغيرها، فإن بإمكانها أن تقصف أبوظبي ودبي بكل سهولة .
صحيح أن أدوات الإمارات ما زالت تعبث باستقرار اليمن، وتدعم توجهات انفصال الجنوب، إلا أن صنعاء راهنت ولا تزال على تفكيك تحالف العدوان الذي تقوده السعودية، من خلال تحييد الإمارات والاستفادة من انسحابها العسكري الذي ترك فراغا ملموسا في كثير من الجبهات، وساهم في خلط الأوراق بالنسبة للفرقاء من القوى والأحزاب السياسية التي تتلفع رداء الشرعية الزائفة.
وبالنسبة للإمارات، فإن الهاجس الاقتصادي بات أكثر حضورا في القرار السياسي للحكومة، خاصة وأن البلد تتهيأ لانطلاق معرض أكسبو دبي 2020 الدولي، الذي من المقرر أن تحتضنه مدينة دبي لمدة ستة أشهر وذلك خلال الفترة من أكتوبر2020م إلى أبريل 2021م. وتعتبر الإمارات أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا تستضيف هذا المعرض الشهير، والذي من المتوقع أن يستقطب خمسة وعشرين مليون زائرا، وبمشاركة أكثر من مائتين دولة ومنظمة، حسب ما ورد في الموقع الرسمي للمعرض .
الجريمة والعقاب
ربما يسأل البعض، وهل يمكن للشعب اليمني أن يغفر ويتسامح مع النظام الإماراتي، لمجرد أنه قرر الانسحاب، وكأن شيئا لم يكن؟. وبالطبع فإن الجواب يظل برسم المستقبل، ذلك أن الحكمة تقتضي في الظرف الحالي التعاطي الإيجابي مع خطوة كهذه، والضغط بشأن استكمالها على النحو الذي يمكن القول معه أن الإمارات قد فقهت الدرس واستوعبت مغبة الاستمرار في إيذاء اليمن واليمنيين والتدخل في شئونهم بأي شكل من الأشكال.
وفي هذا الإطار، فلا ينبغي أن تنطلي على صنعاء خطوة الانسحاب الإماراتي المخاتل، فما معنى أن تبقى قوة إمارتية عسكرية بزعم محاربة الإرهاب في اليمن، ومن له حق أن يمنح دولة غزو واحتلال مثل هذا الامتياز. وفي المقلب الآخر، فما معنى أن تخرج القوات الإماراتية من الساحل الغربي اليمن، فيما هي مستمرة في دعم وكلائها المحليين لوجستيا وسياسيا وإعلاميا، وهم الذين لم يكفوا يوما عن اختراق اتفاق السويد بشأن الحديدة، ولا زالوا يعترضون على كثير من الخطوات الأممية التي قد تساعد على تخفيف الحصار والحد من معاناة اليمنيين بشكل عام.
ملف الأسرى هو الآخر لا يزال متعثرا، وللإمارات ضلع في استمرار هذه المأساة الإنسانية، حيث تختطف لديها العشرات وربما المئات من الأسرى اليمنيين، دون أن تساعد على الدفع بعملية التبادل التي كانت ضمن توافقات السويد أيضاً.
وعليه وحتى تتخذ الإمارات خطوة الانسحاب الكلي من العدوان على اليمن، ومن تحريك أدواتها لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، يتعين الضغط من جديد وصولا إلى استخدام القوة الرادعة إن لزم الأمر، فالاحتلال أو السكوت عليه وعلى تداعياته غير وارد. ومن كان اقتصاد دولته من زجاج، عليه أن يدفع ثمن مغامراته غير محسوبة النتائج، خاصة حين تكون هذه المغامرة باتجاه اليمن التي عرفت تاريخيا بـ ” مقبرة الغزاة “
هوامش
– https://www.aa.com.tr/ar/1729114
– https://arabic.cnn.com/…/uae-celebratestroops-returning-yem…
– https://www.alittihad.ae/article/8030/2020
– أحمد ناجي: الإمارات في اليمن..تموضع لا انسحاب، مركز كارينغي للشرق الأوسط
https://carnegie-mec.org/diwan/79561
– انظر موقع إذاعة مونت كارلو الدولية
https://www.mc-doualiya.com/articles/20160616
– عبدالباري عطوان: انسحاب مفاجيء لجميع القوات الإماراتية من اليمن، موقع رأي اليوم
https://www.raialyoum.com
– https://www.expo2020dubai.com.