اتحاد الأدباء والكتَّاب اليمنيين .. إلى أين؟
أحمد الحبيشي
منذ تأسيسه في عام 1973م ، وحتى قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 اجترح اتحاد الأدباء والكتَّاب اليمنيين مسيرة وطنية جسَّدت وعي ودور المثقفين في الارتباط العضوي بالقضايا الوطنية الكبرى والدفاع عنها ، وفي مقدمتها الوحدة والسيادة والاستقلال.
وكان لهذا الاتحاد دور كبير في دعم العمل الوحدوي المشترك بين الشطرين ، والانحياز إلى الوطن في كل الصراعات السياسية الداخلية ، وعدم التهاون إزاء الأطماع والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية .
ولقد تجسدت أهداف الاتحاد بعشرات الأعمال الإبداعية للأدباء والكتَّاب اليمنيين التي شكلت بمضامينها وقيمها إرثا وطنيا ملهما للأجيال اللاحقة ، لكن بعض النخب السياسية والحزبية القديمة تخلت عن هذا الإرث الوطني العظيم بعد حرب 1994م ، ثم جاء العدوان السعودي الإماراتي قبل خمس سنوات ليستهدف وحدة وسيادة واستقلال الوطن وهويته الوطنية ، فيما تزايدت المؤامرات الخارجية لتقسيمه وتفكيكه ونهب ثرواته ، وتحويله الى غنيمة للقوى الطامعة في أراضيه وموانئه وأجوائه وجزره وممراته البحرية ، ليجعل من هذا الاتحاد وبعض قياداته أدوات وأبواقاً لهذا العدوان.
كانت حرب 1994م بداية الانحراف عن أهداف هذا الاتحاد ، حيث تمكن المنتصرون في تلك الحرب القذرة من احتواء الاتحاد تدريجيا ، وفرض صفقات غير مشروعة على قياداته الهزيلة ، بدأت بالتوافق على شطب عضوية عدد كبير من الأدباء والكتاب الذين عارضوا حرب 1994م ونزحوا الى الخارج ، وبضمنهم أعضاء مؤسسون وقياديون بارزون في هيئاته القيادية ــ ومن بينهم كاتب هذه السطور على سبيل المثال لا الحصر ــ واستبدالهم بقائمة أخرى من مثقفي الحزبين المنتصرين في تلك الحرب وبعض المنتسبين إلى أحزاب أخرى جرى تدجينها وبضمنهم مدرسون وخطباء مساجد ومخبرون في جهاز الأمن السياسي !!
وقد خفتَ صوت الاتحاد ، وأصبح حضوره باهتا منذ احتوائه من فبل جهاز الأمن السياسي ، وصولاً الى صمته عن إدانة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2140 الصادر بتاريخ 26 فبراير 2014م ، ثم جاء العدوان السعودي الإماراتي الأميركي على الوطن اليمني أرضا وشعبا وتاريخا ، ليفضح انحرافات أهم قيادات هذا الاتحاد من خلال مشاركة بعضها في مؤتمر الخيانة والعار بالرياض ، والذي انعقد بدعوة من مجلس التعاون الخليجي تطبيقا للقرار الدولي رقم 2216 الذي شرعن الحرب على اليمن.
مما له دلالة على أن هذا الاتحاد لم يترك فراغا حقيقيا في البيئة الثقافية بعد تشظيه الى ثلاثة أجنحة هزيلة وميتة ، توزعت بين مرتزقة يتسولون امام ابواب أمراء النفط في الممالك الوراثية العائلية ويؤيدون تحالف العدوان والاحتلال ، وجناح ثان يدعو الى الانفصال وتسويق مشروع الجنوب العربي ويتزعمه رئيس الاتحاد الحالي مبارك سالمين الذي يتخابر مباشرة مع ضباط المخابرات السعودية والاماراتية سواء في عدن أو في أبوظبي والرياض لدعم مشروعه الانفصالي ، وجناح ثالث متكلس ذهنيا يمارس سياسة النأي بالنفس والحياد بين العدوان والوطن المعتدى عليه !!
المضحك ان الجناح الثالث يبرر سياسة النأي بالنفس وعدم إدانة العدوان والاحتلال بأنه يجسد ما يسمونه (الإرث الوطني ) للاتحاد ، الأمر الذي يعكس جهلهم بتاريخه ورصيده منذ تأسيسه ، قبل أن يقفز هؤلاء الطارئون إلى قيادته بعد حرب 1994م القذرة.
وقبل أن نلقي نظرة سريعة على قائمة بأسماء الذين سقطوا في مستنقع الخيانة والعار ، يتوجب القول إن الفساد المالي والأخلاقي والتصحر الثقافي الذي أصاب الاتحاد في ظل القيادات التي هيمنت عليه بعد حرب 1994م ، كان المدخل الرئيسي للأجنحة الثلاثة إلى الخيانة الوطنية وتأييد العدوان والصمت عن إدانته ، مقابل تسوُّل المعاشات الشهرية والإعانات والامتيازات المدنسة بالعار ، على ابواب أمراء وشيوخ النفط في دول العدوان والاحتلال ، والتهافت على استقبال الحوالات المالية شهريا ، من الرياض وابوظبي إلى صنعاء وعدن وتعز.
في هذا السياق يحتل المدعو عزالدين الأصبحي الذي كان قياديا في فرع الاتحاد بمحافظة تعز ، قبل أن يفر الى السعودية مرتبة متقدمة بين صفوف مؤيدي العدوان ، حيث أصبح وزيرا لحقوق الإنسان في حكومة فنادق الرياض العميلة ، ثم أصبح سفيرا لها في المغرب بعد فضائح فساد أزكمت الأنوف.
ويأتي الى جانب عزالدين الأصبحي طابور كبير من المتساقطين الذين شوّهوا سمعة وتاريخ اتحاد الأدباء والكتَّاب اليمنيين ، بعد أن تحولوا الى أبواق رخيصة تدافع عن جرائم العدوان والاحتلال عبر القنوات الفضائية ، أو تدعو إلى تكوين اتحاد موازٍ بهوية جنوبية ملفقة ، أو تلتزم الصمت والحياد وسياسة النأي بالنفس ، ومن بينهم ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ علوان الجيلاني ومحمد البكيري وعصام القيسي وعلي المقري وياسين التميمي ومعن دماج وعبدالباقي شمسان وأحمد الصوفي ونورا الجروي والغربي عمران ونبيلة الزبير وشوقي شفيق ومنى باشراحيل وسعيد الجريري وفتحي ابو النصر ومحمد عبدالوكيل ومحمد عبدالوهاب الشيباني المسؤول المالي حالياً ، ومحمد ناجي أحمد وعبدالكريم قاسم وعلي ربيع ووجدي الأهدل وصالح باعامر وعبدالباري طاهر ، وآخرون لا يتسع هذا الحيِّز لذكرهم.
ومن نافل القول أن بعضهم توزعوا على بعض البلدان الأوروبية ، طمعا في الحصول على اللجوء السياسي والجنسية ، فيما تهافت آخرون على الالتحاق بوظائف دبلوماسية في السفارات أو الملحقيات الثقافية لحكومة فنادق الرياض العميلة !!
من حقنا في ضوء ما تقدم أن نتساءل عن مدى وجود مبدعين حقيقيين في إطار ما يسمى اتحاد الأدباء والكتَّاب اليمنيين ، منذ احتوائه من قبل سلطة 7/7 وجهاز الأمن السياسي بعد حرب 1994 ، وانكفائه داخل طوطم الركود والكسل الذهني ، واعتماده على ايرادات الماخور الذي استثمره في عدن ، حيث تحول المقر المركزي للاتحاد على شاطئ خور مكسر بعد عام 1997م ، الى بؤرة قذرة تنشر الدعارة الجنسية وتتاجر باللحم الأبيض بعشرات المومسات من مختلف الجنسيات بالتنسيق مع جهاز الأمن السياسي؟
ومن حقنا أيضا أن نتساءل عن أسباب نجاح الجبهة الثقافية لمناهضة العدوان برئاسة الأديبة والكاتبة المناضلة ابتسام المتوكل في قيادة وتنظيم وتعبئة أوسع مشاركة إبداعية وثقافية لمئات الأدباء والكتَّاب والشعراء والفنانين والمواهب الأدبية والمصنفات الفنية والندوات المتنوعة ، وإبداعات المفكرين المشتغلين في مجالات البحوث العلمية والدراسات الاستراتيجية والتعليم الجامعي والفنون ، وصولا الى تقديم مختلف أشكال الحشد الثقافي المساند لجبهات مقاومة العدوان والاحتلال ؟
الثابت أن جرائم العدوان لا تنحصر فقط في تدمير المساكن على رؤوس ساكنيها من الرجال والشباب والنساء والأطفال والشيوخ ، وتدمير البنية التحتية للدولة ، وقصف الجسور والطرقات والآثار الثقافية التاريخية والمصانع ومنشآت الكهرباء والمياه والمدارس وصالات الأفراح والعزاء وناقلات الغذاء والدواء والوقود ، وغيرها من جرائم الحرب والجرائم المعادية للإنسانية التي لا تسقط بالتقادم ، بل إن هذه الجرائم تزامنت مع حصار جائر أفرز كوارث انسانية هي الأخطر في العالم ، الأمر الذي لا يبرر سكوت اتحاد الأدباء والكتَّاب اليمنيين الذي تتبع قياداته المنحرفة سياسة الصمت والحياد والنأي بالنفس !!
صحيح أن بعض هؤلاء يدافعون عن الحياد بين الوطن والعدوان ، لكنهم يفقدون الوعي بالمكان والزمان ، ويتناسون أن كل النخب القديمة التي شاركت في مؤتمر الخيانة والعار في الرياض وساندت العدوان على الوطن بمن فيهم الفئة الصامتة والمحايدة يجب إدانتها لأنها تخلت عن واجباتها السياسية والأخلاقية تجاه الوطن والمواطن.
ثمة ما كنا نتفق ونختلف عليه مع الذين يُقبِّلون اليوم أيدي (سادتهم) في ممالك النفط العائلية الوراثية باستثناء التآمر على الوطن الذي يتعرض للعدوان والاحتلال والتفكيك والتقسيم ، لكن الذين عميت بصائرهم لا يفقهون ، وهذا هو سر ركودهم وجمودهم وتخبطهم وإفلاسهم المتكرر وإقامتهم الدائمة في الماضي!!