لوفيجارو” تكشف عن تردي علاقة السعودية وفرنسا.. هذه الأسباب
كشفت صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية، عن تدهور العلاقة بين السعودية وفرنسا، مؤكدة أن الأمور ليست على ما يرام بين ولي العهد محمد بن سلمان، والرئيس إيمانويل ماكرون، إضافة إلى تجميد الرياض أموالا كانت تنوي تقديمها إلى “القوة المشتركة لدول الساحل”.
وقالت الصحيفة في تقرير لها: إن انفتاح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تجاه إيران، أغضب السعودية التي قامت بتجميد مساهمات مالية تقدر بـ 100 مليون دولار تعهدت بتقديمها عام 2017 إلى “القوة المشتركة لدول الساحل” التي تحارب “المجموعات المتطرفة” في مالي والبلدان المجاورة.
علاقة سيئة
ونقلت “لوفيجارو” عن أحد رجال الأعمال الفرنسيين في الرياض: العلاقات بين باريس والرياض ليست على ما يرام، مشيرا إلى أنه “لم يزر أي وزير فرنسي رفيع المستوى السعودية منذ ثمانية عشر شهرا”.
وأوضح المصدر للصحيفة أن ذلك أمر نادر الحدوث، لأن المملكة العربية حليف إستراتيجي لباريس فهي سوق هام للصناعة الفرنسية، حتى لو لم تعقد صفقات كبيرة بين الجانبين على مدار السنوات العشر الماضية.
وبحسب الصحيفة، فإنه بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي قبل عام في القنصلية السعودية بإسطنبول – حيث تلقي بالمسؤولية في ذلك على ولي العهد محمد بن سلمان – من الواضح أن الوزراء الفرنسيين لا يرغبون في الظهور بالرياض، رغم أن إيمانويل ماكرون خطط زيارة العاصمة السعودية قبل قمة مجموعة العشرين التي ستعقد هناك في نوفمبر/ كانون ثاني 2020.
وشدد رجل الأعمال الفرنسي في حديثه للصحيفة، بالقول: “يجب أن يأتي ماكرون بسرعة، حيث البعد السياسي في المملكة مهم، الوزراء السعوديون يتغيرون، والكثير منهم شباب، والنسيج الصناعي الفرنسي في طليعة الصادرات ويتوافق مع الاحتياجات السعودية فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى التي سيتم توقيعها خلال 18 شهرا المقبلة”. والتي تم الإعلان عنها في “دافوس الصحراء”، نهاية أكتوبر/ تشرين أول، حيث لم يذهب وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير إلى هناك.
غضب سعودي
وعلى الجانب السعودي، قالت “لوفيجارو” في تقريرها: إن هناك العديد من الشكاوى، إذ غضبت الرياض من عدم إعلامها بمبادرة إيمانويل ماكرون تجاه إيران، عندما دعا رئيس الجمهورية وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى حضور قمة السبع في بياريتز هذا الصيف.
ونقلت عن دبلوماسي سعودي (لم تسمه) قوله: “ارتكب ماكرون خطأ عندما تواصل مع ظريف والرئيس حسن روحاني، كان يعتقد أن روحاني هو صانع القرار، لقد اتصل بهما سبع مرات في شهرين. لكن لا روحاني ولا ظريف يقرران في إيران”.
وتساءلت الصحيفة هل هذا انتقام؟ لم تف الرياض بوعدها بدفع 150 مليون يورو للقوات المتحالفة في الساحل الإفريقي التي تقاتل المتطرفين.
ونوهت إلى أنه في 21 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، لم تتردد وزيرة القوات المسلحة، فلورنس بارلي، في استنكار ذلك خلال جلسة استماع بالجمعية الوطنية. وقالت بارلي المستاءة من الرياض: “لا يمكنني إلا أن أشعر بالأسف لأن (السعودية) لم تف بالالتزامات التي قطعتها على نفسها”.
عداوة الجانبين
ونوهت الصحيفة إلى أنه خلال الشهرين الماضيين، لم يكن للمملكة العربية السعودية سفير بباريس، وهو ما رآه الديبلوماسي السعودي “رسالة” إلى فرنسا.
ولحل هذه الخلافات، وصل إيمانويل بون، المستشار الدبلوماسي لإيمانويل ماكرون، للرياض خلال الفترة من 3 إلى 4 ديسمبر/ كانون أول الجاري، بحسب الصحيفة.
وأوضحت “لوفيجارو” أنه في باريس قيل إن “الزيارة سارت على ما يرام”، لكن الدبلوماسي السعودي أكد أنه وراء هذا الارتباك، العلاقة ليست جيدة بين إيمانويل ماكرون ومحمد بن سلمان.
ونقلت عن الدبلوماسي السعودي أيضا: “لا توجد في الواقع أي كيمياء بين الرجلين”، اللذين واجها بعضهما البعض أثناء احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرياض نوفمبر/ تشرين ثاني 2017.
لكن عبد العزيز الصقر، الذي يرأس “مركز الخليج للأبحاث” في جدة، قلل من هذا الأمر في حديث للصحيفة، وقال: “الاثنان شابان وحيويان”، مشيرا إلى أن ماكرون نادى ولي العهد أثناء تنحيته جانبا على هامش اجتماع مجموعة العشرين في أكتوبر/ تشرين أول 2018 في الأرجنتين.
خصام ماكرون
وأكدت الصحيفة أنه ولفترة طويلة كانت فرنسا الشريك الثالث للجزيرة العربية وراء الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، ولكن منذ سنوات، تتراجع باريس تجاريا في المملكة.
ونقلت عن أحد الخبراء في العلاقات بين باريس والرياض، قوله: فرنسا لم تعد في الحقيقة على رادار السعودية، مؤكدا أن أولويات محمد بن سلمان أصبحت الولايات المتحدة وآسيا، وحتى روسيا، التي لها، في نظر الرياض، علاقات متقاربة مع إيران.
وكجزء من مشاريعه التطويرية الواردة في رؤيته 2030، منح ولي العهد فرنسا تطوير موقع العلا السياحي في شمال السعودية، وهو مشروع ببضعة مليارات فقط.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في أوائل نوفمبر/ تشرين ثاني، سعى إيمانويل ماكرون إلى الاتصال بمحمد بن سلمان لمناقشة الأزمة في لبنان والحرب في اليمن، حيث تتعثر الرياض. لكن وفقا لمسؤول سعودي، لم يرد ولي العهد على الرئيس الفرنسي عندما اتصل للمرة الأولى.
وبيّنت “لوفيجارو” أنه في سبتمبر/ كانون أول، بعد وقت قصير من الهجمات الإيرانية المزعومة على منشآت النفط السعودية، قبل ابن سلمان عرضا فرنسيا بإرسال ستة خبراء عسكريين إلى السعودية، لكنهم لم يتمكنوا من تحديد الجهة التي تقف خلف الضربات، التي أضعفت السعودية في وجه عدوها الإيراني.
ماذا يريد؟
وتساءل الدبلوماسي السعودي متعجبا: “ما الذي يبحث عنه ماكرون؟ العقود؟ التزام من جانبنا في إفريقيا؟ علينا إيجاد طرق لإعادة تأسيس علاقة جيدة”، بحسب الصحيفة.
ونوهت إلى أن الصندوق السيادي السعودي، اشترى 49 بالمئة فقط من شركة “ريتشارد أتياس وشركاه”، وهي شركة الاتصالات التابعة لمجموعة الاتصالات الكبرى في الخليج. بالنسبة لزوج الزوجة السابقة للرئيس نيكولا ساركوزي، سيسيليا أتياس، التي تعمل الآن في مجلس إدارة الشركة، فإن السعودية سوق كبيرة.
وتقوم الشركة الفرنسية بتنظيم منتدى الاستثمار السنوي الذي يدعى “دافوس الصحراء”، ومن المتوقع أن يعهد إليه بتنظيم قمة مجموعة العشرين المقبلة في نوفمبر/ تشرين ثاني 2020 في الرياض.
وقال ريتشارد أتياس، الذي ينفي إجباره من الرياض على جعل مقره في المملكة للصحيفة: لقد أبرمنا مشروعا مشتركا مع السعودية يغطي منطقة الخليج بأكملها”. وأضاف: “السعودية مهتمة للاستفادة من خبرتنا في الأحداث المماثلة بأوروبا، وكذلك في إفريقيا والولايات المتحدة، حيث نسعى لتطويرها”.