بالأرقام والوثائق” فساد بملايين الدولارات لإحدى المنظمات العاملة في اليمن تحت غطاء إنساني”
شهادات حيةٌ من الميدان تؤكّـدُ عدمَ التزام المنظمة بتنفيذ المشروع
5 % حجمُ الإنجاز في مشروع المنظمة التي تتحدث عن إنجازها 70 %
11.000 دولار مقابل استئجار كُـلّ سيارة للمرافق الصحية الخاضعة للمشروع
قرابة 35 مليون ريال يمني تكاليفُ نظام رقابي لم تنفّذه المنظمة
حوافزُ منظمة هيومن أبيل تذهبُ لأسماء وهمية بمعرفة مكاتب الصحة في ريمة
المنظمة ومكاتبُ الصحة يتقاسمون الفسادَ ومخصصاتِ العاملين
شهاداتُ موظفين بالمشروع حول تزوير بيانات لصالح المنظمة البريطانية
وثائقُ تؤكّـدُ تقديمَ أجهزة متهالكةٍ وقديمة لا تتناسبُ وهدفَ المشروع
اختلاسُ ما يزيد عن 16 مليوناً كانت مخصصة لدعم مطابخ المستشفيات
في تحقيق موسّع أجرته صحيفةُ المسيرة
منظمةُ “هيومن أبيل” البريطانية تصرفُ ميزانيةَ مشروع بمليارَي ريال في نفقاتها التشغيلية وتجهيزاتها الفنية
تتكشَّفُ قضايا الفساد الكبيرة التي تُخفِيها بعضُ المنظمات العاملة في اليمن تحتَ غطاءات إنسانية زائفة، في حين تواصِلُ تلك المنظماتُ نَهْبَ مساعداتِ الشعب اليمني تحت بنود الميزانية التشغيلية والحماية والتجهيزات الفنية الخَاصَّة بها وغيرها من البنود التي أسرفت المنظمةُ في سرقة المساعداتِ عن طريقها.
وفي هذا الصدد أجرت صحيفةُ المسيرة تحقيقاً صحفياً كشفت فيه عن فسادٍ بملايين الدولارات تولّت كِبَرَه إحدى المنظمات العاملة في اليمن، وتحديداً بمحافظة ريمة.
منظمة “هيومن أبيل”، فسادٌ بالأرقام والوثائق، كانت نتيجته نهب ثلاثة ملايين دولار ميزانية مشروع لم يُنفَّذ منه إلا أقل من 5%، وتالياً تستعرضُ الصحيفةُ نتائجَ التحقيق في هذا الموضوع بالوثائق والأدلة والشهادات الحية:
المسيرة: تحقيق: فاروق علي
“لم أكن حاضرًا خلال فترة عملي في المنظمة أَو المشروع، لكنني استلمت رواتبي كبقية الموظفين”.. هكذا بدأ حديثَه أحدُ موظفي منظمة هيومن أبيل البريطانية ضمن مشروعها (تنفيذ حزمة الخدمات الصحية الأَسَاسية الدنيا)، بما في ذلك الرعاية الصحية الإنجابية الأَسَاسية والشاملة والذي يستهدفُ عدداً من المرافق الصحية في عشر مديريات، منها خمس في محافظة ريمة ومثلُها في كُـلٍّ من حجة والحديدة، استطرد الموظف في حديثه لصحيفة المسيرة، حَيْــثُ قائلًا: “ما دفعني للحديث عن ذلك على الرغم من أني كنت أتقاضى الحوافزَ الشهرية هو فساد المنظمة التي لم تقدم للمواطنين أبسط الخدمات الأَسَاسية، لا سيما أن المناطق التي استهدفها هذا المشروع نائية وتفتقر بشكل كبير لأبسط الخدمات الصحية“..
الدكتورة (ل. ص) هي الأُخرى قالت للصحيفة في اتصال هاتفي إنها حصلت على مبلغ مالي أُرسل لها عبر بنك الكريمي، على الرغم من أنها لم تحضُرْ يوماً واحداً، ولم توقّع أي عقد عمل مع المنظمة بناءً على ترشيح مكتب الصحة، وهي إلى الآن لا تعرف سببَ حصولها على المبلغ، حَيْــثُ أننا في هذا التحقيق سنركز على عمل المنظمة في محافظة ريمة كنموذج على فسادها في هذا المشروع.
آمالُ المواطنين تتبخر:
في محافظة نائية كمحافظة ريمة التي تفتقر إلى أدنى مقومات البُنية التحتية عند مقارنتها ببقية المحافظات اليمنية الأُخرى، حَيْــثُ القرى الراسية على الجبال الوعرة والحياة القاسية، الأمر الذي جعل من هذا المشروع بارقةَ أمل وطوقاً لعذابات المئات من أبناء المحافظة المرضى والذين يتنقلون بين مستشفيات المدن اليمنية، حتى أن البعض يكون مصاباً بوعكة طفيفة لا يجد أبسط الخدمات اللازمة، حَيْــثُ أن وضعَ المحافظة الصحي يرثى له، فلا توجد فيها صيدلية متكاملة، أي تحتوي على معظم الأدوية التي يحتاج إليها المرضى.
وهذا ما يعكس حالة الوضع الصحي هناك، لكن دخولَ منظمة هيومن أبيل مثّل حُلُماً للمواطنين المحرومين من الخدمات الصحية خلال العقود الماضية، لا سيما أنه جاء في ظل ظروف العدوان القاسية وما نتج عنه من انتشار أوبئة لم تكن موجودة في السابق نالت من أبناء ريمة كما كُـلّ اليمنيين، حتى جاء المشروع الذي كانت أهدافُه تتمثل في تحقيق بعض النتائج منها: أن يتم تقليلُ نسبة الوفيات من الفئات الأشد فقراً والتي لا تقوى على دفع تكاليف العلاج في خارج المحافظة، بحيث يتمكّن المواطنون من الوصول إلى حزمة وقائية علاجية ذات جودة من الخدمات الصحية وما سينتج عن نجاح مشروع المنظمة الإنساني الذي يستهدف مستشفيين اثنين في المحافظة، بالإضَـافَـةِ إلى عدد من المراكز الصحية من خلال دعمها وتشغيلها وتأهيلها حتى تكون جاهزة وقادرة على استقبال المرضى وخدمة سكان هذه المديريات البالغ عددهم أكثر من أربعمِئة ألف نسمة، كان من المفترض أن يحصل هؤلاء السكان على الخدمات الصحية التي ترعاها منظمة هيومن أبيل في كُـلّ المديريات الواقعة في نطاق المشروع بالمحافظة، حَيْــثُ أن المستشفيات ستقدم خدمات ذات جودة متقدمة في الخدمات الصحية، أي أنها ستكون قادرة على تقديم خدمات صحية ثانوية – إجراء العمليات الجراحية وما سواها من الخدمات الصحية، بينما المراكز الصحية الرئيسية ستقدم خدمات صحية ثانوية أَسَاسية ذات جودة عالية (أدوية – فحوصات -… إلخ).
بهذا الحلمِ الكبيرِ في هذه المحافظة المحرومة صحياً، علّق المواطنون آمالاً كثيرة في أنهم أخيراً سيجدون هذه الخدمة مجاناً ضمن الإطار الجغرافي للمحافظة، ما يخفف عنهم أعباءَ التنقل وتكاليف السفر إلى المحافظات الأُخرى إلّا أن ذلك تبخر مع انتهاء فترة المشروع الذي لم يكن سوى حلم استيقظ منه الأهالي.
ميزانيةٌ ضخمةٌ تلاشت بفعل فساد المنظمة:
لقد رصدت المنظمة البريطانية ميزانية كبيرة لإنجاز هذا المشروع الذي سيخدم -بحسب دراساتها- ما يزيد عن 400 ألف نسمة، سواءً مديريات ريمة الخمس التي شملها المشروعُ، إضَـافَـةً إلى الخمس المديريات الأُخرى التي شملها المشروعُ في كُـلٍّ من محافظة الحديدة وحجة، علماً بأن تعداد سكان المديريات الخمس في ريمة يقتربُ من هذا العدد، وهذا ما يقود إلى تساؤل عن الكيفية التي جرت عليها دراسةُ المشروع من ناحية عدد المستهدفين، حَيْــثُ يشيرُ ذلك إلى العشوائية التي تعمل بها المنظمة.
وبينما بلغت التكلفةُ الماليةُ للمشروع الذي بدأ في العشرين من شهر مارس وحتى 20 أكتوبر الماضي ثلاثة ملايين ومئتين وستة آلاف وأربعمِئة وخمسة وثلاثين دولاراً (3206435 $) خلال سبعة أشهر تتكفل المنظمة بدعم المراكز الصحية والمستشفيات بكامل التجهيزات من غُرَفِ عمليات وغرف عناية وكهرباء وسيارات إسعاف ومختبرات ومعدات طبية وأدوية وتقديم حوافز لموظفي الدولة في هذه المراكز، إضَـافَـةً للتعاقد مع موظفين جُدُدٍ وتدريب وتأهيل الكادر حتى تستطيعَ هذه المرافقُ الصحية من مستشفياتٍ ومراكزَ صحيةٍ من تقديمِ الخدماتِ الصحية بشكل يتواءمُ ووظيفةَ هذه المرافق خلال 24 ساعة، بحيث تكون ميزانية النفقات التشغيلية 11% في مقابل نفقة أنشطة المشروع 89% بحسب الرأي الفني الوارد في استمارة تحليل المشروع والإجراءات الإدارية الصادر عن وزارة الصحة.
إنجازٌ هزيلٌ في تنفيذ المشروع:
تذكُرُ المعلوماتُ التي حصلت عليها الصحيفة أن المنظمة تؤكّـد على أنها حقّقت ما نسبته 70% من أهداف المشروع عند انتهاء فترة المحدّدة، وعلى الضد من ذلك تشير المعلومات الواردة من الميدان إلى أن نسبة الإنجاز في المشروع ضئيلة جِـدًّا ولا تتجاوز 5%، هذا ما أكّـده لصحيفة المسيرة ممثل الهيئة الوطنية للشؤون الإنسانية (المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية) السابق في محافظة ريمة، عبدالجبار العمدي، بأن نسبة ما تم إنجازُه من قبل منظمة هيومن أبيل يكاد ينعدمُ، أي أن المنظمة لم تقدم إلا الفُتاتَ لأبناء هذه المناطق.
بينما صرّح مديرُ مكتب الصحة في المحافظة، صادق المسوري، للصحيفة بأن الترتيبَ الزمني للمشروع خلال أيامه الأخيرة من قبل المنظمة لم يكن موجوداً، وهذا الأمر أَدَّى إلى أنها تتأخر في التنفيذ وهي الملاحظة الوحيدة على أداء المنظمة -بحسب وصفه-، مُضيفاً أن أعمال التأهيل والتأثيث والصيانة والترميم جارية وأن الطواقم الطبية متواجدة وتعمل في هذه المراكز، بينما التجهيزات تم ترسيتها وأُعلن عنها ولم يتبقَّ سوى التوريد.
لكن الملفت أن مديرَ مكتب الصحة في مديرية بلاد الطعام، عبدالله علي حسن، تواصلت به الصحيفة ونفى جزئياً ما قاله المسوري من خلال مطالبته بالضغط على المنظمة حتى توفر لمستشفى الميثاق قسم الطوارئ التوليدية وقسم معالجة سوء التغذية الحاد، إضَـافَـةً إلى توفير أخصائيين بالخدمات الثانوية كالعمليات الجراحية والرقود وأخصائي أطفال ونساء وولادة، ما يشير إلى أنها لم تقدم سوى النزر اليسير.
وَيدعم تصريح عبدالله علي حسن ما قاله ضابط المشروع السابق التابع للمنظمة الدكتور فيصل الصعدي في اتصال هاتفي مع الصحيفة أَن المنظمة قدمت شيئاً بسيطاً وتبقى الكثير لم تنفّذه، وهذا ما ذهبت إليه الشهادات الميدانية أَيْـضاً والتي أكّـدت أن المنظمة وفرت حوافز للعاملين والأوليات التشغيلية فقط بما يثبت عدم تنفيذها الحدَّ الأدنى من التزاماتها.
جرّاحون بلا غرف عمليات:
لم تكن فترةُ المشروع القصيرة توحي بأن المنظمة راغبة بتقديم خدمة إنسانية صحيحة في مناطقَ تفتقر لأبسط مظاهر هذه الخدمات التي يكابد سكانها معاناةً طويلة وممتدة عبر الأزمنة، وهذا أمر لم يتغير كثيرًا مع قدوم منظمة هيومن أبيل ومشروعها، ذلك أن المنظمة وفرت حوافز لجراحين وأطباء؛ مِن أَجْـلِ تلبية احتياجات المرضى في هذه المناطق، ولم توفر لهم مع ذلك أبسط احتياجاتهم من الأجهزة والمعدات الطبية والأدوية للقيام بمهامهم الوظيفية، فلا غرف عمليات وُجدت ولا رممت غرف عناية وملحقاتها وغيرها من الاحتياجات ولا مرضى أخذوا حقهم في العلاج، وهذا أمرٌ يدين المنظمة التي تستهتر بالتزاماتها من خلال فسادها الذي لا يمكن سترُه في هذا المشروع، ليأتي سؤالٌ على لسان العامة: كيف أن المنظمة استقدمت هؤلاء المختصين بالعمل الصحي دون وجود أَسَاس عملهم من المعدات؟ لتدفع رواتبهم مقابل أن يظلوا كالأصنام دون أية فائدة لوجودهم، وهذا ما أكّـدته الجهاتُ المعنية بالقطاع الصحي والذين حمّلوا المنظمة الفسادَ في هذا الجانب، لا سيما أنها تعلم أن هذه المرافق الصحية غيرُ مجهَّزة.
اختفاءُ سيارة الإسعاف:
لقد حُرم أبناءُ معظم هذه المناطق التي شملها المشروع من توفر سيارات إسعاف في المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لها منذ عقود طويلة، لا سيما وهم يسكنون قممَ الجبال الوعرة وفي تضاريس جغرافية قاسية فقد كانت عملية نقل المرضى تعد من أكبر التحديات التي يعيشها السكان بشكل عام والتي غالباً ما كانت تتم عبر النعوش التقليدية.
فلم تكن فترة المشروع القصيرة والمحدّدة بسبعة أشهر كفيلة بتواجد سيارة الإسعاف بشكل دائم في المركز الصحي بمديرية كسمة والتي رُصِدَ لاستئجارها أحدَ عشرَ ألف دولار 11000 $، وهذه بحَــدِّ ذاتها مخالفةٌ صريحةٌ لمحذورات وزارة الصحة اليمنية التي ترفُضُ استئجار السيارات من قبل المنظمات، مع العلم أن المبلغَ الذي رُصِدَ لاستئجارها خلال فترة المشروع القصيرة كفيلٌ بشراء سيارات لهذه المراكز، وبالرغم من تجاوزات المنظمة هذه المحظوراتِ إلّا إنها لم تكتفِ بذلك، فقد حصلت الصحيفة على وثائقَ تثبت أن وصولَ سيارات الإسعاف إلى المرافق الصحية كانت في شهر أغسطُس من العام الحالي، أي قبل أقل من شهرين على انتهاء مدة المشروع، حَيْــثُ تفيد هذه الوثائق عدمَ مطابقة سيارات الإسعاف للمواصفات من ناحية بعض التجهيزات الطبية الضرورية وعدم ملاءمتها مع التضاريس الوعرة في هذه المناطق.
ووفق شهادات بعض المواطنين في مديرية كسمة لصحيفة المسيرة الذين قالوا بأن سيارةَ الإسعاف التابعة للمركز الصحي في مديرية لم تمكث سوى ليلة واحدة، الأمر الذي أكّـده مدير المركز الصحي بالمديرية، الدكتور أحمد شرف، بالإضَـافَـةِ إلى وجود مذكرة رسمية حصلت الصحيفة على نسخة منها رُفعت من مكتب الصحة بالمديرية إلى مكتب الصحة في المحافظة تضمنت شكوى من سحب السيارة، لكن المفاجأة تمثلت في نفي مدير مكتب الصحة بالمحافظة، الدكتور صادق المسوري، لوجود سيارة إسعاف مخصصة للمركز في كسمة، وبين هذا وذلك يبقى السؤال الأهم: أين ذهبت سيارة الإسعاف؟! ولماذا لم يبت هذا الموضوع مع المنظمة؟ والأهم من كُـلّ هذا، لماذا يتم استئجارُ سيارة إسعاف بينما يمكن شراءُ سيارة لهذه المرافق الصحية بالمبالغ المرصودة للإيجار؟ وما مصلحة مدير مكتب الصحة بالمحافظة في انكار ذلك؟
غيابُ الرقابة:
بعد أن بدأت الإرهاصات تزداد حول وجود أعداد وهمية في قوائم الموظفين الذين يحصلون على حوافز لجأت المنظمة إلى إدخال نظام البصمة بعد أن كانت تعتمد على حافظات دوام تقليدية؛ بهَدفِ تنفيذ خطوة في ظاهرها معالجة هذه الفضيحة وباطنها التستر فضيحة وجود أسماء وهمية حتى تُسكت الأصوات المتذمرة من فسادها، وهذه إحدى صور فسادها مع العلم أن هذه الخطوةَ جاءت في نهاية المشروع أي في شهر ثمانية قبل شهر ونصف شهر تقريباً على انتهاء المشروع، بالرغم من أن ميزانية المنظمة تضمَّنت مخصصاتٍ لتكاليف إنشاء نظام التقارير الآلي والإبلاغ مقدر بحوالي 60000 $ ألف دولار أي ما يزيد عن 35 مليون ريال يمني.
الموظفون الوهميون:
ضمنَ المشروع المقدَّم من المنظمة والاتّفاقية التي أبرمتها مع وزارة الصحة، في أن تتولى تقديم حوافز وكذلك أجور العاملين، ووفق الدكتور صادق المسوري، يحظى المركز الصحي المتقدم بدعم للكادر الذين يصل عددهم إلى 24 موظفًا ما بين طبيب وأخصائي ومختبري وصولًا إلى الحراسة وعمال النظافة، بينما تدعم الكادر الصحي في المراكز الصحية الأولية والذين يصل عددهم 12 موظفاً، أما المستشفى المرجعي فإنها قدمت الحافز لـــ 79 موظفاً ويصل عددهم في المستشفى الريفي 57 موظفاً.
وعندما طلبنا من المسوري كشوفاتٍ بأسماء المستفيدين من حوافز المنظمة حتى نتمكّنَ من التأكّـد من المعلومات حول أسماء مستفيدين وهميين، ومع أنه وعدنا إلّا إنه لم يفِ بوعده، وعلى نفس المنوال رفض مدير مكتب الصحة في مديرية السلفية التعاطي مع الصحيفة منهياً المكالمة ومتحججاً بأسباب واهية، علماً بأننا لم نوجه سؤالاً يستوجبُ التستُّرَ على هكذا معلومات، إلا أن المراكز والمستشفيات التي تم التأكّـدُ من عدد المنتسبين لها والحاضرين في الميدان لم تكن حقيقية ولم يكونوا مكتملين، حَيْــثُ وُجد عددٌ من الأسماء الوهمية أَو غير المتواجدة، وهذا ما نفاه جملةً وتفصيلاً مدير مكتب الصحة بمحافظة ريمة الذي أكّـد أن جميع الأسماء حاضرة ومتواجدة في ميدان العمل.
تأكيداتُ مدير مكتب الصحة، الدكتور المسوري، هذه تنسِفُها شهاداتٌ ميدانيةٌ وتقريرُ مكتب الشؤون الإنسانية في مديرية بلاد الطعام الذي حصلت الصحيفة على نسخة تؤكّـد أن هناك سبعةَ أسماء وهمية، أي أنها غير موجودة ولم يتواجد أحد من هؤلاء الموظفين في مستشفى الميثاق، بينما أسماؤهم معتمدة ضمن الطاقم الطبي الذين يحصلون على حوافزَ ورواتبَ من قبل المنظمة، وهذا الأمر ليس حكراً على مستشفى الميثاق، بل إن هناك شهادات موثقة من مصادر بمديرية كسمة تؤكّـد وجود أسماء لم تتواجد ضمن الطاقم الصحي في مركز كسمة خلال فترة عمل المنظمة في ذات المديرية، بالإضَـافَـةِ إلى شكاوى بعض المواطنين الذين قالوا للصحيفة بأن هناك عدداً من الموظفين غيرُ متواجدين في مستشفى المسجدين بمديرية السلفية مع العلم أن هؤلاء يحصلون على حقوقهم المالية، وهذا ما يضع الجهات المعنية في مكتب الصحة في خانة الاتّهام.
الصحةُ في ريمة شركاء الفساد:
ضمنَ اتّفاقية مكتب الصحة في محافظة ريمة مع منظمة هيومن أبيل توجدُ فقرةٌ تنُصُّ على أن المنظمةَ تلتزمُ بدفعِ الحوافزِ للعاملين بناءً على الوصف الوظيفي وبحسب الكشوفات التي تم ترشيحُ العاملين فيها بالريال اليمني، بناء على سعر صرف البنك المركَزي، هذه الفقرة كانت نافذةً للفساد من جهتين.. أولاها: فوراق سعر صرف الدولار الذي تذهب لموظفي المنظمة، لا سيما أن عمليةَ تسليم الحوافز كانت تتم عبر مصرف الكريمي، وهو ما انعكس تذمراً من قبل الموظفين؛ نتيجةَ تدنِّي الحافز في محافظة نائية تفتقر لأبسط مقومات وأشكال الحياة، والجهة الأخرى منه: أن حوافزَ الموظفين الوهميين تذهب للنافذين في مكتب الصحة، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل إن الصحيفة حصلت على شكاوى ووثائقَ تثبت تورط مدير مكتب الصحة في بلاد الطعام، الدكتور منصور التهامي، في ابتزاز موظفيه وَالذين دفعوا مبالغَ مالية لقاءَ استمرارهم في العمل وتحت تهديد فصل الموظفين وإبعادهم من كشوفات الترشيح الذي يتم رفعُها من قبل مكاتب الصحة، وعلى ضوئه تلتزم المنظمة بدفع الحوافز لهؤلاء، بالإضَـافَـةِ إلى اختلاسه أكثرَ من أربعة ملايين ريال، بحسب وثيقة حصلت الصحيفة على نسخة، منها هذه لم تكن الحالة الوحيدة، حَيْــثُ تواصلت الصحيفة مع أحد الموظفين في مركز آخر وهو أحد المستفيدين من حوافز المنظمة، حَيْــثُ أكّـد أن عملية ابتزاز الموظفين تتم بتنسيق بين مكاتب الصحة ومدراء المرافق الصحية، ما يضطرهم -أي الموظفين- لدفع جزء من الحوافز؛ خوفاً من استبعادهم واستبدالهم بآخرين؛ لأَنَّ المنظمةَ لا يحِقُّ لها دفعُ حوافز إلا لمن يمثِّلُهم بناءً على ترشيحات مكتب الصحة في المحافظة، حَيْــثُ مثّل ذلك ممرًا آمنًا يتسرّب عبره الفساد، ليشكوا الكثيرُ من الحاصلين على هذه الحوافز ابتزازَ مدرائهم الذين يهدّدونهم باستمرار بقطع مصدر رزقهم، الأمر الذي جعلهم تحت سياطِ نافذي مكاتب الصحة وممثّليها.
ويضيفُ أحد الموظفين -الذين عملوا في إحدى المرافق الصحية المدعومة من هذه المنظمة-، حَيْــثُ كان يعمل مدخل بيانات قائلاً: “لقد كنت أُدخِلُ بيانات وهمية عما تقدمه المنظمة، فعلى سبيل المثال كان المساعدات التي تُقدَّمُ من بعض المنظمات المتعلقة بسوء التغذية ندخلها ضمن ما تقدمه المنظمة، وهذا بالطبع كان يتم بمعرفة المعنيين في الصحة من مدراء ومسؤولين.
أشهرُ الوهم السبعة:
لم تكن نسبةُ الإنجاز الضئيلة من قبل منظمة هيومن أبيل على محدوديتها مكتملة، إذ شابها الكثير من المخالفات، حَيْــثُ أن المنظمة قدمت بعض الأجهزة المتهالكة والتي تخالفُ الموصفاتِ ولا تناسبُ احتياجاتِ المشروع، حَيْــثُ أن الصحيفة حصلت على وثائق تؤكّـد أن ما تم تقديمه من أجهزة قديمة، إضَـافَـةً إلى أن الأدوية لا تتناسب والهدفَ من المشروع والخدمة المنتظرة منه، وهذا الأمر ينسحبُ على التدريب الذي لم تقم به المنظمة حتى نهاية المشروع بينما كانت أعمالُ الصيانة قد بدأت تتهالك؛ لأَنَّها -أي المنظمة- تعمل بعشوائية لا ينسجم مع طبيعة العمل المؤسّسي وبعيداً عن الرقابة، وهذا يمثل هدراً كبيراً للأموال المخصصة للعمل الإنساني.
وعلى الرغم من أَن أكبرَ إنجاز حقّقته المنظمةُ تمثل في أنها دفعت حوافزَ العاملين إلّا أنها لم تدفع سوى حوافز أربعة أشهر فقط من أصل سبعة، هكذا تمادت المنظمة في مخالفاتها غيرَ مكترثة بقوانين الجمهورية اليمنية.
مشاريعُ متداخلةٌ للمنظمات في نطاق واحد:
ضمن مشروع منظمة هيومن أبيل يظهر تداخلٌ بين عملها وعمل بعض المنظمات في ذات النطاق الجغرافي، فعلى سبيل المثال تدعم المنظمة مراكز الاستقرار لسوء التغذية الحاد، لكنها في حقيقة الأمر لم تقدم أيَّ شيء في هذا الجانب، بينما تتولى الدعمَ لحالات سوء التغذية منظماتٌ أُخرى، ويقوم العاملون في المنظمة بتسجيل هذا الدعم لحساب المنظمة -بحسب شهادة أحد الموظفين-، بالإضَـافَـةِ إلى وجود ازدواجية بعض الموظفين والذين يحصلون على حافز من المنظمة لقاءَ تأدية الوظيفة المناطة بهم على أكمل وجهٍ، لكنهم يعملون لحساب منظمات أُخرى، بحيث أن البعض منهم يشغل ثلاثَ وظائف في نفس الوقت -وفق إحدى الوثائق التي حصلت الصحيفة على نسخة منها-، بالإضَـافَـةِ إلى شهادة أحد الموظفين الذي قال: إن هناك بعضَ الموظفين يشغلون أكثرَ من وظيفة، بينما يوجد الكثير من الكوادر الصحية حُرِمَ من الحصول على فرصة العمل، هذه نتيجةٌ لفساد مكتب الصحة الذي يحابي بعضَ هؤلاء الموظفين، حَيْــثُ يشكلون لوبياً يستحوذُ على الوظائف، وهذا ينعكس على جودة الخدمة المقدمة للمواطن؛ كون الموظَّف منشغلاً بأكثرَ من جهة، الأمر الذي يقلل من جودة عمله، ويشير إلى وجود خللٍ في النظام الإشرافي للمنظمة وكذلك رداءة الرقابة وتثبت عشوائية العمل.
غيابُ جودة الخدمة في المرافق الصحية:
بالرغم من أن مشروعَ المنظمة يؤكّـد أن الخدمة التي ستُقدَّمُ في هذه المرافق الصحية مجانيةٌ إلّا أن الصحيفة وفي سياق بحثها عن فساد ومخالفات المشروع تأكّـدت من المواطنين كانوا يدفعون مبالغَ ماليةً مقابلة الخدمة التي يحصلون عليها.
وفيما يخُصُّ خدمةَ نزلاء المستشفيات بأحد البنود المدعومة المتعلق بدعم المطابخ في بالمواد الغذائية لا يُعرف أين ذهب المبلغ الذي يزيد عن 16 مليون ريال يمني، بحسب شهادات حصلت عليها الصحيفة، أكّـدت أنه لا يوجدُ أيُّ دعم في المستشفيات الخَاصَّة بمحافظة ريمة حتى انتهاءِ فترةِ المشروع.
عملُ المنظمة المشبوه:
إنَّ سريانَ قوانين البلد مع منظمات العمل الإنساني إحدى الثوابت المعروفة لدى المنظمات، ويجب أَن تلتزمَ المنظماتُ وتخضعُ مشاريعها لهذه القوانين، بحيث يجعل منظمة هيومن أبيل تندرجُ تحت المساءلة بحسب القانون اليمني، وهذه فقرة موجودة في اتّفاقية وزارة الصحة مع منظمة هيومن أبيل إلّا أن ممثلي هيئة الشؤون الإنسانية في محافظة ريمة أفادوا بأن المنظمة تتجاوزهم، حَيْــثُ ظلت تعمل بعيداً عنهم على الرغم من أن هيئة الشؤون الإنسانية هي الجهةُ المخولة بالتنسيق مع كافة المنظمات، لكن الأدهى من ذلك أن المنظمة كانت تتجاوز مكتب الصحة في المحافظة، حَيْــثُ حصلت الصحيفة على وثيقة تتضمن شكوى من مكتب الصحة بالمحافظة تقول بأنهم تفاجأوا من ببلاغات تلقوها من النقاط الأمنية عن وجود شاحنات وسيارات على متنها أثاث مخصصة إلى المراكز المستهدفة بدعم المنظمة بغيرِ علم مكتب الصحة في المحافظة وليس لدى المنظمة تصاريح؛ مِن أَجْـلِ نقلِ المعدات، ومع ذلك كان الأمر الأكثر غرابة في أن الشاحنات التي كانت محملةً قامت بتفريغ حمولاتها إلى سيارات أُخرى استأجرتها في الطريق، وهذا ما يدفع لوضع تساؤلات قد يثبت تورطَ المنظمة بعمل مشبوه، لا سيما أنها قدمت مشروعاً لم تنفّذ فيه إلّا شيئاً بسيطاً، وهذا الجزء البسيط كان مليئاً بالفشل والفساد.
شركاءُ الأوبئة:
وسبق أن شهدت بعضُ المناطق في محافظة ريمة موجةً من وباء الكوليرا توفي على إثرها عددٌ من الأطفال، بينما أُصيب الكثيرُ من أبناء هذه المناطق النائية، حَيْــثُ سبق للصحيفة أن تناولت هذا الموضوع في أحد أعدادها ضمن تقريرٍ عن ارتفاع عدد الحالات المصابة في بعض المحافظات خلال شهر مايو الماضي، أي خلال فترة عمل المنظمة أَو بداية تنفيذ المشروع، أي أن المنظمة تتحمل مسؤوليةَ قتل هؤلاء الأطفال، ويأتي هذا الحكم استنادا إلى فساد المنظمة التي تثبّتنا منه من خلال ما سردناه في الأعلى، وعليه تقرير لها عن وجود وفيات نتيجة الكوليرا، وعليه فإنَّ ضحايا من جائحة حمى الضنك التي تفتك بمناطقَ تمتد من الحديدة حتى تعز والتي جعلت وزارة الصحة تطلقُ الكثيرَ من المناشدات؛ طلباً لإنقاذ الآلاف تجعل المنظمة تتحمل أية ضحايا في نطاق علمها؛ كونها لم تلتزم بتأهيل وترميم وتشغيل المراكز الصحية والمستشفيات، بحيث أنها لم تترك للآخرين من شركاء العمل الإنساني ملءَ الشاغر في هذه المناطق، لا سيما أنها تعبَثُ بالأموال المخصصة لإغاثة اليمنيين.
مدير مكتب الصحة يبرّرُ الفساد:
مَن يعملْ يخطِئْ ومَن لا يعملْ لا يخطئْ.. هكذا كان تبريرُ مدير مكتب الصحة في المحافظة عندَ ما تواصلنا به، مؤكّـداً أنهم رفعوا إلى الجهات العليا بالوزارة بكل الإيجابيات والسلبيات عن المنظمة.
وبين كلام مدير مكتب الصحة وما أنجزته المنظمة فجوةٌ كبيرةٌ، حَيْــثُ أن نسبةَ ما حقّقته المنظمة كان بسيطاً ونسبة المخالفات مرتفعة بشكل كبير، بالاستناد إلى الوثائق التي حصلنا عليها في صحيفة المسيرة، ومع أن المنظمة تسعى لاستكمال المشروع الذي أوقف من قبَل الجهات المعنية، إلّا أن السؤال المهم: على أي أَسَاس سيتكمل المشروع؟ وماذا عن الأموال التي نُهبت من قبل المنظمة؟، لا سيما أنها تقول بأن نسبةَ الإنجاز فيه تتجاوز 70 %، بينما الواقعُ في الميدان يثبت عكسَ ذلك؟ وَإذَا استلمت منظمةٌ أُخرى المشروعَ هل ستعتمدُ على بيانات المنظمة؟ وكيف ستعوِّضُ الميزانيةَ المهدورة؟ أسئلةٌ نضعُها على طاولةِ وزيرِ الصحة وكُلِّ المعنيين.