هل تعدّى قطار التطبيع حدود الدول الخليجية؟
لقد كبرت شعوب المنطقة عموماً والشعوب العربية خصوصاً على اعتبار “اسرائيل” كياناً غاصباً احتل أرض فلسطين وأرض دول عربية أخرى وشرد أهلها ولا يزال يستمر على نفس النهج حتى اللحظة، ولم ينمُ كره “إسرائيل” في قلب الأجيال العربية بناءً على أقاويل من هنا وهناك أو بناء على أفكار وهمية تم اختراعها، بل تشكلت هذه النظرة بعد أن دمرت “اسرائيل” احلام الشباب العربي وطموحاتهم ومستقبلهم بدعم أمريكي_بريطاني_اوروبي، ورغم اعتبار جميع الدول العربية الكيان الاسرائيلي كياناً غاصباً والتعامل معه على هذا الاساس، إلا أن زعماء بعض الدول لاسيما الخليجية بدؤوا يتجهون نحو “التطبيع” مع كيان العدو غير آبهين بمشاعر شعوبهم والشعب الفلسطيني وانما اتجهوا نحو هذا المسار لتحقيق مصالح “آنية” تعدهم بها واشنطن.
ما سبق الجميع يتحدث عنه واصبح أمراً واقعاً بعد كم هائل من التقارير والوثائق حول هذا الموضوع، إلا أن الصدمة أن تتجه دولاً أخرى نحو هذا المسار، نحن نتحدث هنا عن ليبيا وتونس، هاتين الدولتين اللتان تدعمان القضية الفلسطينية، حتى النخاع، الا ان وزراء من كلتا الدولتين خالف هذا المسار قبل ايام وبدأ يبعث رسائل “تطبيع” للكيان الصهيوني، وهذا الأمر يعد “خيانة عظمى” لدى شعوب هذه الدول، فهل سيتم محاسبة هذين الوزيرين أم سيكمل قطار التطبيع نحو هذه الدول؟.
البداية كانت مع وزير السياحة التونسي، روني الطرابلسي الذي قال في 29 نوفمبر الماضي: إن “90% من الحجيج اليهود القادمين من إسرائيل هم من أصول تونسية، ولهم الحق في العودة إلى بلدهم والحصول على جوازات سفر لتسهيل دخولهم”. وجاء في تصريحات الوزير المثيرة للجدل أن قطاع السياحة سيواجه اختباراً صعباً العام المقبل في ذكرى الاحتفالات السنوية في معبد “الغريبة” بمدينة جربة.
ما ان صرح الوزير التونسي بهذا الشكل حتى اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي التونسية للتنديد بما قاله الوزير التونسي ورافق ذلك دعوات من سياسيون وإعلاميون ونشطاء تونسيون، إلى إقالة وزير السياحة في حكومة بلادهم “روني الطرابلسي”، متهمينه بمحاولة التطبيع مع إسرائيل.
ويخشى قطاع واسع من الشعب التونسي، الذي منح حركة “النهضة”، أكبر الأحزاب التونسية، فوزاً في الانتخابات التشريعية الأخيرة، من انجرار البعض لدعوات تطبيع مع الدولة العبرية، خاصة بعض الدول الخليجية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية والبحرين.
الكثير اعتبر ان تصريح الطرابلسي هو خروج عن الاتجاه العام للدبلوماسية التونسية المدافع عن القضية الفلسطينية والمناهض للتطبيع والاحتلال الإسرائيلي، فهذه التصريحات برأي التونسيين هي محاولة غير معلنة للتطبيع مع إسرائيل، ووصل استياء البعض إلى درجة المطالبة بإقالة الوزير، بينما التزمت الحكومة الصمت، ولم يصدر عنها أي موقف رسمي.
والطرابلسي رجل أعمال تونسي يهودي كان يقيم في فرنسا، وهو الرئيس التنفيذي لشركة “رويال فرست” الرائدة في مجال السياحة، كما أنه ابن رئيس الطائفة اليهودية في جربة، والمسؤول عن معبد الغريبة الذي تحج إليه جموع من اليهود كل عام. ويعد الطرابلسي ثالث وزير يهودي في تونس بعد استقلال تونس، وتم تعيينه في نوفمبر من العام الماضي، ضمن حكومة الشاهد.
ومنذ تعيينه على رأس وزارة السياحة، في الخامس من نوفمبر 2018، أثار الطرابلسي جدلاً واسعاً باعتباره يهودي الديانة، واتهمه عدد من المنظمات والأحزاب بالتطبيع مع “إسرائيل”، وخرجت مظاهرات في 11 من الشهر نفسه مطالبة بإقالته، لكنه نفى مراراً أنه يملك الجنسية الإسرائيلية.
وسبق أن أثير الجدل حوله، في يناير من العام الحالي، عندما أشيع يومها حول إجرائه لقاءً إعلامياً مع قناة إسرائيلية خاصة، رغم نفي الوزير هذه الأخبار لاحقاً، ووصفها بالإشاعات المغرضة.
ويخشى سياسيون وإعلاميون ونشطاء في المجتمع المدني أن تحمل تصريحات الطرابلسي نوايا خفية تمهد للتطبيع الذي وصفه الرئيس التونسي قيس سعيد أثناء حملته الانتخابية بأنه جريمة ترقى إلى الخيانة العظمى.
وكان سعيّد قال أكثر من مرة قبيل انتخابه رئيساً للبلاد: إن “التطبيع خيانة عظمى، ويجب أن يحاكم من يطبع مع كيان شرد ونكل شعباً كاملاً”.
وأضاف: “كلمة تطبيع هي كلمة خاطئة أصلاً، نحن في حالة حرب مع كيان غاصب”، مشيراً إلى أنه لن يسمح بزيارة المعابد اليهودية في تونس لمن يحمل جواز سفر إسرائيلياً، قائلاً: “نحن نتعامل مع يهود ونقبلهم لا الإسرائيليين”.
وتعليقاً على ما جاء من تصريحات على لسان الوزير، قال الإعلامي والمحلل السياسي الحبيب بوعجيلة إن “تصريحات الطرابلسي، تتضمن دعوة واضحة للتطبيع مع من أسماهم الوزير إسرائيليين من أصل تونسي”.
واعتبر بوعجيلة في حديث للأناضول، أن “هؤلاء الإسرائيليين من أصول تونسية مخالفين للقانون بذهابهم لدولة الاحتلال وإقامتهم هناك، فهم غادروا بإرادتهم وجعلوا انتماءهم الديني مبررا ليكونوا مستوطنين ومحتلين”.
وزاد: “كونهم من أصل تونسي، هذا لا يبرر دعوة الوزير لتمكينهم من جوازات سفر والدخول بإذن، وما فعله الوزير خطأ.. الوزير أخطأ لأنه مس سيادة تونس وانحيازها للقضية الفلسطينية ولانتمائها العربي”.
واستطرد: “أعتبر الدعوة لإقالة الطرابلسي مسألة عاجلة، لأنها مست مشاعر التونسيين وانتمائهم العربي ومناصرتهم للقضية الفلسطينية”.
تصريحات الوزير التونسي من أصل يهودي أثارت كثيراً من ردود الأفعال، والتي كان أبرزها موقف النائب في البرلمان التونسي، خالد الكريشي، الذي دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال، يوسف الشاهد، إلى ضرورة إقالة الطرابلسي من منصبه.
وقال في منشور على الفيسبوك: إن “النواب الذين شككوا في الطرابلسي وإمكانية حمله للجنسية الإسرائيلية منذ البداية كان لهم حق في ذلك”.
على المقلب الآخر ذكرت صحيفة “معاريف” العبرية، صباح اليوم الأحد، إن ليبيا تأمل في إقامة علاقات طبيعية “تطبيع” مع إسرائيل، إذا ما تم حل القضية الفلسطينية.
وأجرت الصحيفة العبرية حوارا مع وزير الخارجية الليبي، جاء فيه أن عبد الهادي الحويج، وزير خارجية الجنرال خليفة حفتر، قد أكد خلال على هامش زيارته للعاصمة الفرنسية، باريس، أن بلاده تأمل إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.
يبدو واضِحاً أنّ الهرولة نحو التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيليّ لا يشمل الدول الخليجيّة فقط، بل بات يتعدّاها إلى دولٍ كانت حتى الأمس القريب تعتبِر التطبيع جريمةً بحق الأمّة العربيّة، فهل يتم وضع حد لهذا المسار الخارج عن الاصول والاعراف العربية أم يمضي قطار التطبيع ويتم غسل عقول الشباب العربي؟، ولكن السؤال الأهم هل يستطيع هؤلاء طمس جرائم كيان الاحتلال؟.