تحالف «المحمّدين» يجدّد نفسه: جنوح نحو استراتيجية تهدئة
كثيرة هي اللقاءات بين الرجلين، لكنّ زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى الإمارات، ولقاءه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، يستحوذان على أهمية استثنائية، سواء للتوقيت أم للطابع الرسمي الذي أوحى بتجديد «صفقة» الثنائي وفق تفاهمات جديدة. تفاهماتٌ يبدو أن المراد منها استيلاد تحالف «للسلم» بعد التحالف الذي بدأ على الحرب والدم في اليمن، وانعكس على المشهد الإقليمي برمّته.
في التوقيت، يأتي اللقاء بين الرجلين اللذين تجمعهما علاقة جدلية، مع طيّ صفحة من مرحلة التصعيد في الإقليم، طاولت تشابك العلاقة بين الطرفين. فالإمارات تتراجع عسكرياً في اليمن لصالح فتح خطوط مع طهران، فيما ينهي «اتفاق الرياض» ترتيب أوراق المرحلة الجديدة بين بيادق الحليفين المتنازعة في عدن، ومن ثم تبادر الرياض الخارجة من ضربة «أرامكو» إلى التهدئة، مُخفّفة 80 % من عملياتها العسكرية في اليمن بموازاة فتح قناة تفاوض مع صنعاء.
لا شكّ في أن لقاء الأمس يرسّخ التحالف بين الرياض وأبوظبي، ويعلن صموده على رغم الانتكاسات والإصرار على إنتاج ثنائية «المحمدين» للإمساك بـ«الريادة» إقليمياً. لكن تجاوز اختبارات المرحلة الأخيرة، يشي ضمناً بالمضيّ في سياسة مختلفة تحتّمها مآلات المواجهة مع إيران على وقع الحملة الأميركية المتراخية. بشكل جليّ، يظهر رجحان وجهة النظر الإماراتية أخيراً، مع صمود التهدئة بين أبوظبي وطهران، ومواصلة الإمارات انسحابها من المشهد اليمني.
بشكل جليّ يظهر رجحان وجهة النظر الإماراتية
يستعين ابن زايد، في مسعاه لإقناع ابن سلمان بضرورة التهدئة، بوضع العنوان الاقتصادي كأولوية في هذه المرحلة، تفوق كل المعارك الأخرى، وفي الوقت نفسه بالتخويف من أن التصعيد يضرب برامج ابن سلمان للتحول الاقتصادي. في كلمته أمس، في اجتماع «مجلس التنسيق السعودي الإماراتي»، بدا ابن سلمان منخرطاً في هذا الاتجاه، بالقول: «عام 2020 هو عام الإنجاز للدولتين، فنحن على أعتاب احتضان فعّالية دولية كبرى وصلنا إليها بعد تخطيط وعمل وجهد متواصل، فرئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين في عام 2020، واحتضان دولة الإمارات العربية المتحدة لمعرض إكسبو 2020، هما خير دليل على ما يحظى به كلا البلدين من مكانة».
بات «المحمدان» يدركان أن إحراز أيّ تقدم يحتاج إلى تهدئة تمنع استمرار تورّط البلدين بالصورة السابقة، وهو ما يظهر في أزمتَي: طرح «أرامكو» والعمليات اليمنية. ويبدو أن استراتيجية التهدئة ستنسحب على الأزمة مع قطر، في ظلّ مؤشرات على إمكانية أن تحمل القمة الخليجية القريبة تطورات على هذا الصعيد، بعد التحرك الأميركي في اتجاه الحل من باب توحيد جهود «الحلفاء» ضد إيران، والتصريحات «المتفائلة» من الوسيط الكويتي، بموازاة استضافة قطر «كأس الخليج».
مع ذلك، فإن لقاء أمس يبعث برسالة واضحة إلى الدوحة بأن أيّ تهدئة لن تكون عودة إلى «قواعد اللعبة» السابقة ولا على حساب العلاقة الثنائية. يؤكد ذلك تعزيز اعتبار «مجلس التنسيق» بين البلدين فوق أهمية «مجلس التعاون الخليجي» المحتضر، إذ انعقد أمس المجلس الذي وُلد إثر حرب اليمن، مُذكّراً باجتماع العام الماضي حين شهد نقلة نوعية في التعاون بين الطرفين عبر توقيع 44 مشروعاً استراتيجياً.
يحتاج «المحمدان» إلى عام من التهدئة لإنجاح قمتَي «العشرين» و«إكسبو»، خصوصاً في ظلّ تصاعد الانشغال الأميركي الداخلي والدخول في مرحلة الانتخابات. إلا أن «الصفقة» الجديدة بين الرجلين، والتي تظهّرت في الاستثمار الإماراتي في طرح «أرامكو» المتعثّر، تبقى في السياسة، في انتظار ترجمة الاستراتيجية الجديدة عبر الخطوات المنسّقة التي ستظهر على الأرض في مقبل الأيام، وذلك في ملفات: اليمن وقطر وإيران.