اليمنُ العنيدُ يجابهُ إسرائيل
السيّد عبدالملك قائدٌ مجابهٌ عنيدٌ
د. وفيق إبراهيم*
السيّدُ عبدالملك الحوثي قارئٌ عميقٌ للتطورات الجديدة في علاقات الخليج بإسرائيل برعاية أمريكية، وهو أَيْـضاً مجابهٌ عنيدٌ لها بما يمتلكه من دولةٍ قويةٍ وشعبٍ تاريخيٍّ شجاع وجيش باسل وتحالفات داخلية وخارجية متمكّنة.
لذلك جاء خطابُه الأخيرُ بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف؛ ردًّا صريحاً على محاولتين:
– الفرارُ السعوديُّ إلى الأمام والمتعمّد في إضاعة الوقت الثمين لعدم تطبيق اتّفاقية ستوكهولم، بانتظار إعادة إنتاج أمريكية لآليات جديدة.
– أما المحاولة الثانية فتتعلّقُ بمحاولاتٍ لاستثمار حلفه، حلفٍ أسماه الأمريكيون “أمن الملاحة في الخليج”، ويضمُّ دولَ الخليج وإسرائيل والأردن والسودان، وبعض البلدان الأوروبية والغربية لجهة إضاعة الوقت، تراوغ السعوديّةُ في تطبيق اتّفاق السويد الذي يؤكّـد تراجعَ القوى المهاجمة في الساحل الغربي إلى مسافة متساوية خارج مدينة الحديدة، وهذا معناه انسحاب قوات الدولة اليمنية إلى خط الحديدة؛ لأَنَّها موجودةٌ في معظم أنحائها مقابل انسحاب القوات السعودية والإماراتية ومرتزِقتها العرب والغربيين وبعض اليمنيين إلى مسافات بعيدة عنها.
هذا ما تتحاشاه السعوديةُ وتماطلُ لكسبِ الوقت، بأسلحة الإعلام العالمي المؤيد لها والسياسة الأمريكية خَاصَّةً المشروعَ الفعليَّ، مع صمت روسي صيني براجماتي الطابع، وبتهليلٍ إسرائيليٍّ يكشف حجمَ الانغماس الصهيوني في استهداف اليمن.
إنَّ السيّدَ الحوثيَّ كان واضحاً في ربطه بين هذه المماطلة السعودية والحلف البحري المشبوه، ومحاولة فك ارتباط جنوب اليمن بشماله، الأمر الذي دعاه إلى رصِّ الصفوف في الشمال، وتلبية حاجات الناس بقدر الممكن؛ للاستعداد لمقبل الأيّام الصعبة.
إلا أنّه أطلق رشقات عميقة نحو هدفين متحالفين، السعودية التي تُجهّز لوضع أرامكو في أسواق الاكتتاب لبيعها في هذه المرحلة بالذات، وإسرائيل اللاهثة لبناءِ حلفٍ مع الخليج يلعب دورَ صفقة القرن المرتقبة، فاتحاً أسواقَ الخليج للبضائع الإسرائيلية وجيوشه الضعيفة للسلام الإسرائيلي، كما إنَّه يضع الإمْكَانات السياسيّة لشبه جزيرة العرب بمقدساتها وأنظمتها تحت الإبط الإسرائيلية، فلا يتبقّى في وجه إسرائيل إلا اليمنُ وسوريا وبعضُ العراق وحزبُ الله وغزّةُ المحاصرة.
وهذا ينهي قضيّةَ فلسطين، فاتحاً المدى لحلف عربي أمريكي يجابهُ إيران، مانعاً التمدّد الصيني الروسي، ومحافظاً على أحادية الهيمنة الأمريكية على العالم.
هذا ما قرأه السيّدُ الحوثيُّ الذي أرسل ردَّه بالبريد السريع على شكل تهديدٍ للسعودية، وإعلانٍ بمجابهة إسرائيل على فلسطين المحتلّة وفي مياه بحرَي الخليج والأحمر.
لقد اعتبر السيّدُ الحوثيُّ أنَّ اتّفاقَ أمن الملاحة الذي جرى إعلانُه في قاعدة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، يستهدف بشكلٍ عمليٍّ السيطرةَ على مضيق هرمز الإيراني، وباب المندب والساحل الغربي في اليمن؛ لأَنَّهما النقطتان الوحيدتان اللتان تخرجان عن نظام السيطرة الأمريكية في منطقة الخليج، بما يؤكّـد أنَّ تحالفَ أمن الملاحة يُصوّبُ عليهما مباشرةً.
فكيف كان الردُّ؟! تحذيراً مباشراً من السيّد الحوثي للسعودية بشكلٍ أعاد تذكيرها بمصيبتها في القصف اليمني السابق لأرامكو في الـ 14 من سبتمبر، وهي التي لا تزال تعاني من تداعياته حتى اليوم.
ولأن السيّدَ يعرفُ أنَّ آلَ سعود يُحاولون بيعَ أرامكو الآن وبشكل سريع؛ للخروج من أيّ احتمال لقصف جديد، ذكّرها بأنَّ استمرارَ عدوانها على اليمن يُتيحُ لدولة صنعاء، تجديدَ نظام قصف جريء قد يطال مصافي النفط ومراكز إنتاج لمواقعَ أُخرى، لكنّه لن يستثنيَ أهدافاً بحرية هذه المرة، في مياه تمخر عبابَها أساطيلُ حلف الملاحة الأمريكية.
ولاستبعاد إمْكَانية الاختباء السعودي خلفَ إسرائيل، أكّـد سيّدُ اليمن أنَّ بلادَه مستعدّةٌ لقتال إسرائيل في أيِّ مكان لاعتبارات يمنية وعربية وفلسطينية وإسلامية.
بذلك يستبق السيّدُ عبدالملك وضعَ أساطيل هذا الحلف في مياه الأحمر والخليج ومقومات المحيط الهندي لناحية اليمن، مؤكّـداً على أنها معاديةٌ للدور الخليجي لليمن، وهو دورٌ انتزعه اليمنُ ببسالة أبنائه من قوى خليجية وعربية وغربية، وبإمْكَانات متواضعة وسطَ حصارٍ شرسٍ شارك فيه الغريبُ والقريبُ على السواء.
فهل أصاب السيّد الحوثي هذا التحالفَ البحريَّ قبل مباشرة أعماله؟! إجماع المحلّلين أعاد السيّدُ آلَ سعود إلى حجمهم الطبيعي، مشدّداً على ما أصابهم من ورم إسرائيلي أمريكي لن ينفعَهم عند احتدامِ المعارك، التي لن تُفرّق قذائفها بين مصافٍ وقصورٍ سرق آلُ سعود أثمانَها من شعب جزيرة العرب.
بما يؤكّـد انتصر اليمن في الداخل أولاً؛ وبدوره الخليجي ثانياً، على أن يؤديَ دوراً عربياً وإقليمياً بعدَ تحرير الجنوب اليمني من الاحتلالين السعودي والإماراتي وبعض مرتزِقة الداخل.
فهل يرعوي آلُ سعود؟
توازناتُ القوى هي الوحيدةُ القادرةُ على إصابتهم بإحباط، وهذا لم يعد بعيداً بصبر العماليق اليمانية الذين لقّنوا كُـلَّ الغزاة دروساً في فنون الانكسار والخنوع، وآلُ سعود هم من هؤلاء المهزومين والخانعين.