صيغة بديلة من «صفقة القرن»: اتفاقُ «لا حرب» إطاراً لإعلان التطبيع
لم يعد مفاجئاً الكشف عن فصول إضافية من مساعي التطبيع بين الدول الخليجية وإسرائيل. وما تمّت إماطة اللثام عنه حتى الآن كافٍ للتدليل على المسار الذي تسلكه علاقات الطرفين، والذي تتصدّره السعودية بوصفها ضابط إيقاع الانفتاح الخليجي على الكيان. منشأ التقارب الخليجي ــ الإسرائيلي مرتبط بنوعين من العوامل: الأول والأساسي يتصل بحقيقة موقف أنظمة الخليج من الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والمرتبط عضوياً بتبعية هذه الأنظمة للمعسكر الأميركي، إذ إن الأداء السعودي، خصوصاً، الحالي والتاريخي، دائماً ما اتّسم بتناغمه مع الأداء الإسرائيلي، إلى حدّ أن كلّ مَن كانت إسرائيل عدوّه اللدود، كان النظام السعودي يناصبه العداء، علماً بأن كلا الكيانين وُجدا في الحيّز الإقليمي ذاته، وفي المرحلة التاريخية نفسها، وعلى يد الدولة الاستعمارية عينها، أي بريطانيا، واليوم يتظلّلان بالمظلّة الدولية ذاتها، وهي الولايات المتحدة. أما النوع الثاني من العوامل، فمرتبط بفشل الرهانات المتتالية على ضرب محور المقاومة، وتحديداً في ما يتصل بانكفاء الأميركي وارتداعه عن التورط في مواجهات عسكرية واسعة في المنطقة. هذه المستجدات دفعت الطرفين الإسرائيلي والخليجي إلى مزيد من التقارب والتنسيق على قاعدة المصير المشترك.
ليس صدفة أن يتزامن الكشف عن أطروحة «لا حرب» التي تبنّاها وزير الخارجية الإسرائيلي مع خطاب سياسي وإعلامي، سعودي – إسرائيلي، ينتقد انكفاء إدارة دونالد ترامب، ويتحدث عن معادلات إقليمية جديدة يتعاظم فيها موقع إيران ومحورها ودورهما على مستوى المنطقة. تعاظمٌ يستوجب، من وجهة نظر كلّ من الرياض وتل أبيب، البحث عن خيارات بديلة. وفي هذا الإطار، يُلاحَظ تقاطع الأولويات، وتطابقها، بين النظام السعودي والكيان الإسرائيلي في تحديد الأعداء وكيفية مواجهتهم. كما يلاحَظ أن مفردات الخطاب الدعائي تكاد تكون هي نفسها، في ما يتعلق بالنظرة إلى حزب الله وإيران والموقف منهما. وما يجري تداوله الآن من صيغة مستجدّة تحمل اسم اتفاق «لا حرب»، هو عبارة عن إطار بديل ممّا يسمى «صفقة القرن»، التي يبدو أنها أرجئت إلى أجل غير مسمى، وفق ما كشفته «القناة الـ12» في التلفزيون الإسرائيلي، بهدف الانتقال إلى مرحلة التحالف العلني وفق صيغة متدرجة.
مع ذلك، يبقى أيّ تحالف بين الطرفين أقرب إلى خدمة خليجية لأمن إسرائيل. والسبب أن الأخيرة لا تراهن على فعالية أنظمة الخليج في المواجهة الشاملة، بل على قيامها بأدوار أمنية واستنزاف وإشغال. وهو ما عبّر عنه رئيس الأركان الإسرائيلي السابق والقيادي في حزب «أزرق أبيض»، غابي أشكنازي، في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» قبل أيام، حيث قال إنه «ليس جيداً أن تكون إسرائيل وحدها في الساحة مقابل إيران. مع كلّ الاحترام للدول السنية (يقصد الأنظمة الخليجية خصوصاً)، لم نعوّل عليها ولا مرة واحدة كلاعب أساسي. صحيح أن لدينا مصالح مشتركة معها، لكن ذلك لن يصمد في مواجهة شاملة. الكثير من الأشخاص خاب أملهم عندما واصل ترامب سياسة الانسحاب من الشرق الأوسط».أما في ما يتصل بالقضية الفلسطينية، فإن الصيغة الجديدة تُعدّ جزءاً من خطة الالتفاف على الفلسطينيين، عبر نسج علاقات وتحالفات مع المحيط العربي من دون التوصّل إلى تسوية لقضيتهم، حتى وفق الأسس القديمة الظالمة، الأمر الذي يعني استكمال إحكام الطوق على فلسطين التي يعاني أهلها من حصار ذي وجهين: إنساني وحياتي كما في قطاع غزة، وآخر مرتبط بالعناوين النضالية يحول دون إمداد الفلسطينيين بعناصر القوة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
على مستوى الموقف الداخلي الإسرائيلي، ثمة إجماع بين التيارات والأحزاب كافة على مصلحة تل أبيب الاستراتيجية في نسج علاقات رسمية علنية مع النظام السعودي. وبالنسبة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تحديداً، فهو كان من روّاد مقولة إن النظام السعودي والكثير من الأنظمة العربية الأخرى تتعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها عبئاً ينبغي التخفّف منه. يضاف إلى ذلك أن التطورات الإقليمية، والهزائم التي تلقّتها الرياض، وخيبة أملها من ترامب، تدفعها إلى البحث عن تحالفات إقليمية، وهو ما يشكّل فرصة لتقديم الإطار الملائم الذي ينقل العلاقات مع إسرائيل من السرّ إلى العلن، ومن التكامل إلى التحالف.