خواطرُ في ذكرى المولد النبوي الشريف
محمد أمين الحميري
إسهاماً في بناءِ وعيٍ مجتمعي رشيد، وتصحيحاً لبعضِ التصورات الفكرية الواردة في سياق المولد النبوي على صاحبه وآله الصلاةُ والسلامُ، وإلى جانب هذا وضع بعض الرؤى التي نراها في هذا الإطار، أقولُ مستعيناً بالله ما يلي:
أولاً: بعيداً عن التفصيل الفقهي في مختلفِ المذاهب الإسلامية والآراء بخصوص مشروعية الابتهاج بمولد الرسول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله من عدمها، فبالنظر إلى مقاصد الشريعة الإسلامية وأحكامها بوعي وبصيرة سنجدُ أنه لا حرجَ من الاهتمام بالمظاهر التي تعزِّزُ في نفوس أبناءِ الأمة روحَ الانتماء للإسلام، ومن ذلك مظهر الابتهاج بمولد الرسول الذي يعتبر من أَهَـمّ الوسائل التي تجدّد في حياة المسلم عقيدةَ الولاء له والاقتداء الصحيح به.
ثانياً: كُـلُّ مَن ذهب لاعتبار الابتهاج بالمولد النبوي على صاحبه وآله السلام من البدع المذمومة المحدَثة وله مبرّراته، فرأيُه هذا نتاجُ قُصُور في الوعي، ومن ناحية عند بعضهم تماشياً مع توجّـه حكام فاسدين وطغاة متجبرين لهم سياستُهم من وراء القول ببدعية الاحتفال؛ وذلك بهدف إبعاد الأمة عن نبيها وإضفاء المشروعة عليه؛ من أجل أن يكون ما يرونه من توجّـهٍ مقبولاً عند جمهور المسلمين، كما هو الحالُ عند الوهّابية في العصر الحديث والتي جعلت من هذا التصور المنحرف منهجاً وديناً يُتَعبَّدُ اللهُ به ومَن خالفه فقد ارتكب الجرمَ الكبيرَ والوزر الشنيع.
ثالثاً: بالنسبة لنا في اليمن، فالابتهاجُ بمناسبة مولد الرسول يعتبره اليمنيون منذُ وقت مبكر -وإنِ اختفت في بعض الفترات في بعض المناطق- يعتبرونه محطةً من محطات الفرح والابتهاج والعيش في الأجواء المحمدية وإظهار محبته وتعظيمه واستحضار العديد من المعاني التربوية والإيمَـانية، والابتهاجُ به اليوم وبذلك الترتيب والحضور الرائع يرى اليمنيون أنه من المناسبات العظيمة التي تعززُ في نفوسهم كمسلمين قيمَ الحرية والكرامة، وهو من المواقف العملية الباعثة على إغاظة الأعداء الذين يزعجُهم كُـلُّ سلوك يُحْيي في الأمة هذه القيمَ ويدفعُهم للارتباط بشخصية جامعة كمحمد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم، كقائدٍ منقذ وملهم ورسالته أعظم رسالة.
إذَن بهذا يتبين أن المقاصدَ من الاحتفال سامية ورسائلها فاعلة ومؤثرة، والخروج والتحشيد لهذه المناسبة من الأعمال التي بإذن الله سيكتب الأجر عليها لما تعكسه من إيجابيات على كُـلّ الأصعدة.
رابعاً: الأهميّةُ أن يكونَ للعلماء والخطباء والمرشدين في مناسبة ذكرى مولد نبينا محمد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وسلم دورٌ في استغلال هذه الأيّام بربط الأمة بنبيها من خلال خطبة الجمعة، والمحاضرة والندوة و… بتناول المواضيع ذات الصلة بسيرته العطرة في مختلف مجالات الحياة والتأكيد على الاهتداء بهديه والاقتداء الصحيح والصادق به، وأن الاتّباعَ للرسول حالةٌ ينبغي أَنْ تكونَ مستمرةً وأن هذه المناسبة ما هي إلا محطة للتذكير به ودعوة المسلمين لتجديد العلاقة السوية معه لما فيه الخير في الدارين.
خامساً: إلى جانب ما سبق: نتمنى من المهتمين في البحث العلمي والفكر الإسلامي من علماءَ وأكاديميين ومن مختلف التوجّـهات وبطابع جماعي ورؤىً شورويةٍ أن يكون من اهتماماتهم المستمرة:
١- العمل على إعادة قراءة سيرته صلى اللهُ عليه وآله وسلم وتنقيتها من كُـلِّ دخيل يسيئُ للرسول ولمقامه العظيم، كما نلحظُ هذا في مختلف الروايات التأريخية التي كُتِبَت في هذا الباب.
٢- أَيْـضاً لا بد من الاستعراض الشمولي لهذه السيرة عند التصنيف وأن لا يكونَ التوقُّف عند جوانبَ معينة من حياته كما درسنا في مناهجنا التعليمية واستخدام السرد عند تناول الأحداث فقط، بل لا بد من تقديم الرسول كشخصية تربوية وعسكريّة وإدارية واجتماعية و… إلخ.
٣- من الأهميّة أن يستفادَ من هذه المصنَّفات في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات وفق خطط مدروسة تراها الدولةُ بما يخدُمُ التعايشَ ويعززُ في المجتمع الوعيَ والبصيرة بدينه ورسوله والارتباط بأمته، ومن هنا يمكنُ بناءُ وعي سليم وجيل راقٍ محصَّنٍ.
٤- إن أعظمَ مصدَرٍ للتعريف بالنبي صلى اللهُ عليه وآله وسلم هو القرآنُ الكريمُ الذي أنزله اللهُ عليه، وهل هناك أعظم وأسمى من تعريف الله؟!، ثم حركته عليه الصلاة والسلام والتي كانت منسجمةً مع توجيهات وتعاليم القرآن وتطبيقاً له، ثم ما صح عنه في السُّنة الثابتة، ومن هنا سنتجاوزُ كثيراً من الشوائب في هذا الباب.
نكتفي بهذا القدر، على أملِ استكمالِ الحديثِ في مقالات قادمة إن شاء الله.