الصراع الدولي على حقول النفط في شمال سوريا
بعد اعلان امريكا مقتل زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) أبو بكر البغدادي قرر الرئيس الامريكي دونالد ترامب أن تدير شركة “إكسون موبيل” أو شركة نفط أمريكية أخرى حقول النفط السورية والاستيلاء على عوائِدها مما أثار غضب الأوساط السياسية والنخب الأمريكية التي اعتبرت تصريحاته بمثابة اعتراف بسرقة نفط دول أخرى.
كما تحدث ترامب عن اعتزامه خلال المؤتمر إرسال شركات أمريكية للتنقيب عن النفط في سوريا، اضافة الى ارسال مئات الجنود وعشرات المدرعات إلى محيط آبار وحقول النفط، مناقضاً بذلك قراره مطلع الشهر الحالي حول سحب معظم القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا.
وجاء تلويح وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون بالاستعداد لاستخدام القوة العسكرية لحماية آبار النفط السورية، ليؤكد الجدية الأمريكية في هذا الشأن، تقابلها مطالبة روسية واضحة، وبطبيعة الحال سورية، أن السيطرة على آبار النفط في أي بلد هي من حق وصلاحيات حكومة البلد نفسه.
من جانبه انتقد مستشار الأمن القومي السابق، بروس ريدل، تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول النفط السوري، وأكد أن أميركا بذلك ترسل رسالة إلى العالم كله لتقول أنها تريد سرقة النفط، في حين رأى أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة براون، جيف كولغان، أن ذلك غير أخلاقي وربما غير قانوني.
واعتبر ريدل، في تعلق على تصريح ترامب الذي أقرَّ فيه بأنه سيرسل شركة «إكسون موبيل» أو شركة نفط أميركية «لإدارة حقول النفط السورية»، أن أميركا ترسل رسالة إلى المنطقة بأسرها والعالم بأنها تريد سرقة النفط السوري.
صراع متعدد
وردا على ذلك أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن جميع القوات الأمريكية في سوريا يجب أن ترحل، لأنها قوات احتلال دخلت بدون طلب أو موافقة من الحكومة السورية، واتهمت القوات الأمريكية بأنها تقوم بدور اللص لسرقة النفط السوري وتسهيل تهريبه.
واوضحت الوزارة أن الدخل الشهري من إيرادات تصدير النفط السوري بواسطة الجماعات الكردية يصل إلى 30 مليون دولار.
وفي السياق ذاته إيران تطالب برحيل كل القوات الأمريكية من سوريا، ومن المنطقة بشكل عام، على اعتبار أن وجودها يمثل تهديدا للأمن القومي الإيراني.
وبعد الرفض الروسي والإيراني لبقاء قوات أمريكية في سوريا، دخلت ألمانيا على الخط، باقتراح لإنشاء منطقة آمنة دولية في شمال شرق سوريا بمشاركة روسية، وقد رد الروس على الفور برفض التدخل الألماني، بحجة أن الروس والأتراك قد اتفقوا على ترتيبات بشأن الحدود التركية ـ السورية.
ومع ذلك ما تزال ألمانيا تروج للفكرة وتعتزم طرحها للمناقشة في قمة حلف الأطلنطي المقبلة، التي ستعقد في لندن في الأسبوع الأول من ديسمبر.
من جهتها نفذت تركيا عمليات عسكرية على الاكراد في شمال سوريا وتسعى من وراء ذلك الى السيطرة على حقول و ابار النفط في تلك المناطق السورية التي يقطنها الاكراد .
الرد السوري على التهديدات الامريكية لسرقة النفط :
من جانبه قال عضو مجلس الشعب السوري، جمال الزعبي لـ”راديو سبوتنيك”، إن “التصريحات الأمريكية حول حقول النفط السورية هي فقط لحفظ ماء الوجه، حيث أنها قامت بسحب قواتها وأبقت على عدد قليل من الجنود وهم غير قادرين على السيطرة على منابع البترول”.
وانتقد “الزعبي” الولايات المتحدة، لأنها اعتادت على سرقة ثروات الشعوب والسيطرة علي مقدرات البلاد، مضيفا أن الحكومة السورية لن تسمح بهذا الموضوع وسوف تعود سيطرة الدولة على كامل أراضيها.
وأكد عضو مجلس الشعب السوري أنه مجرد كلام للاستهلاك الداخلي في أمريكا، وأن الرئيس الأمريكي يرمي للسماح لبعض الشركات الأمريكية بإعادة الإعمار أو بالعمل في مجال النفط.
وأردف قائلا “إن الرئيس السوري أكد أكثر من مرة بأنه لن يسمح لأي شركة تتبع لدولة ساهمت بالعدوان علي سوريا أن تساهم في إعادة الإعمار في سوريا”.
كما ثمن الزعبي الدور الروسي كحليف قوي لدمشق، مؤكدا أن موسكو تعي اللعبة تماما، وتشدد على أن الجيش السوري سينتشر على كامل أراضيه، وأنها ستعمل على أن تكون كل الأراضي السورية موحدة.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قالت إن الولايات المتحدة ستتصدى لأي محاولة لانتزاع السيطرة على حقول النفط السورية من أيدي الجماعات السورية المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة باستخدام “القوة الساحقة”، سواء كان الخصم داعش أو قوات مدعومة من روسيا أو سوريا.
آبار النفط في سوريا :
وتكتسب حقول نفط شرق الفرات أهمية بالغة لسوريا، التي تستنزف وارداتها الطاقوية من النفط نحو 30% من ميزانها التجاري ،وتمتاز المنطقة الشرقية على الحدود العراقية السورية، بالإضافة للقريبة من الحدود التركية، بتركز أغلب النفط السوري المكتشف (والمُعلن عنه) فيها، حيث تحتوي محافظة دير الزور على أكبر الحقول النفطية والذي يُعرف باسم “حقل العمر”، ويقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (أو الوحدات الكردية) منذ عام 2017.
كما يوجد “حقل التنك” في ريف دير الزور الشرقي، بالإضافة لحقول الورد، والتيم، ومحطة (T2)، وهي على خط النفط العراقي السوري، والجفرة، وكونيكو، وهذه الحقول بعضها بيد “قسد” وبعضها بيد النظام السوري، وسبق أن سيطر تنظيم الدولة على بعضها في وقت سابق.
وتضم محافظة الحسكة حقل “رميلان”، أحد أبرز الحقول في سوريا، والذي يحتوي على 1322 بئراً، بالإضافة لوجود نحو 25 بئر غاز، وتقع تلك الحقول في مناطق الشدادي والجبسة والهول، بريف الحسكة الجنوبي، بالإضافة للحقول الواقعة بالقرب من منطقة مركدة وتشرين كبيبية، بريف الحسكة الغربي، وهي ضمن سيطرة قوات “قسد”.
أما محافظة الرقة فتضم آباراً نفطية صغيرة وقليلة، وتقع ضمن سيطرة “قسد” بعد هزيمة تنظيم الدولة.
كما يضم الريف الشرقي لمحافظة حمص “حقل الشاعر”، وهو من أهم الحقول السورية أيضاً، ويسيطر عليه نظام الأسد بعد أن استفاد منه تنظيم الدولة مدة ليست بالقليلة، ويقدر إنتاجه من الغاز بـ 3 ملايين متر مكعب يومياً.
ويضم ريف حمص بمنطقة تدمر أيضاً، حقول: الهيل، وآراك، وحيان، وجحار، والمهر، وأبو رباح، إضافة لوجود حقول نفطية يستخرج منها نحو 9 آلاف برميل يومياً، والتي تخضع لسيطرة القوات الروسية، والفيلق الخامس الذي شكلته منذ عام 2017.
وتتركز المناجم الأساسية قرب تدمر، وبالتحديد في منطقة الخنيفسة. والمناجم الموجودة هناك مرتبطة بخط حديدي حتى ميناء طرطوس، أعاد نظام الأسد الإنتاج مجدداً عام 2017، وبلغ نحو 700 ألف طن العام الماضي، في الوقت الذي كان الإنتاج سنوياً يبلغ 3 ملايين طن.
الجدير بالذكر ان امريكا وحلفائها من الدول الغربية تفرض حصار خانق على سوريا وتمنع وصول الشحنات إلى البلاد بكافة الطرق، الأمر الذي يتهدد ملايين الأسر السورية من باب الحصول على التدفئة، إلى جانب التأثيرات المباشرة لشح المشتقات النفطية على تأمين الزراعة والصناعات الأساسية.