البحث عن موضوع
د. عبد العزيز المقالح
يتعب عدد من الكتّاب، والناشئين منهم خاصة، في البحث عن موضوع في الوقت الذي تتعدد فيه مناحي الحياة وتتسع لموضوعات لا حدود لها، لاسيما في حياتنا العربية حيث تكثر الإشكاليات وتتعدد مداخلها ومخارجها. وفي هذه الحالة تأتي الإشكالية من اتساع مساحة الموضوعات لا من غيابها، واضطرار الكاتب إلى البحث عنها. وهناك من المواضيع ما هو اقتصادي وما هو سياسي أو اجتماعي، وما على الكاتب إلى أن يلتقط فكرة من هنا أو فكرة من هناك ويبدأ في مقاربتها مقاربة موجزة أو طويلة.
وواقعنا العربي الراهن، بكل مخلفاته ومستجداته، يعطي الكاتب العربي فرصة لتأليف الموسوعات وليس الموضوعات عن هذا الواقع الجامد في زمن تمور فيه الحياة وتأخذ أبعاداً من التطور المدهش والمثير. والذين يشكون من غياب الموضوعات إنما يعلنون عن عجزهم التام لاستيعاب هذا الواقع وما يصدر عنه.
وسيكون من الصعب على هؤلاء أن يعترفوا بعجزهم وجهلهم لمجرى التحولات، وكيف ينبغي أن تستأنف مجتمعاتنا مسيرتها في تحدٍ لكل العوائق والعثرات، إذ لم يعد هناك وقت للتأمل وإعادة النظر وقد صارت الأمور شديدة الوضوح لمن يريد أن يقرأ الواقع قراءة متجاوزة.
من يتابع واقع المجتمعات العربية يدرك أننا لم نتجاهل ما يحدث، بل وبعضنا أطال التأمل أكثر مما ينبغي ولم يشرع في التحليل والنظر الجاد. وهناك من الكتابات العميقة ذات النظرة الشاملة ما يجدر الإشارة إليها والوقوف عندها، وإضافة ما يمكن اضافتها إليها، وربما نجحت هذه الوقفات والإضافات في تحريك ما تجمد وصار غير قابل للنمو.
وليس خافياً ذلك الحال من اليأس الذي يعتري بعض الكتّاب ويجعلهم في منأى عن الاقتراب من حقيقة الأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه من ابتعاد عن حركة الحياة في سائر بلدان الغرب وفي كثير من بلدان الشرق. ولنا دون شك قدوة حسنة في بعض تلك الأقطار الشرقية التي خرجت من هول أسوار العزلة والتخلف ووجدت طريقها الصحيح نحو التقدم المنشود. ويبدو أن استعادة وحدتها الوطنية والقومية قد مكنتها من اتخاد هذا الموقف الجزئي والتحول غير المسبوق. فهل ستعي مجتمعاتنا الدرس وتبدأ في الاقتداء ولو من باب المحاكاة فقط.
السؤال كبير والإجابة عنه بحاجة إلى مساحة أوسع وأكبر، ذلك أن الاقتداء وحتى المحاكاة كلاهما بحاجة إلى شجاعة وقدرة على امتلاك مكونات التجاوز والبحث عن أقصر الطرق إلى التحول المنشود.
ولا يتم هذا التحول إلاَّ بمعرفة عميقة ووعي يستوعب الواقع بكل إيجابياته وسلبياته، ودراسة وافية للأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من تخلف وجمود. ومن المؤكد أن الباب مفتوحٌ لتصحيح الأخطاء وتجاوز السلبيات المشار إليها والعمل على وضع حد لما تركته في حياتنا الاجتماعية من آثار ضارة.